02‏/05‏/2012

مَنْ ليس فيه مِنْ صدّام حُسَيّن فلَيرْجُمَه


Oslo 13. november 2005


المشهد العراقي أينما نظرتَ إليه وجدَته صورة عبثية لمسرح بوهيمي يقف على خشبته ممثلون فاشلون، ويتلاعب بهم من يمسك خيوط الدُمى بمهارة كما يمسك محركها في ( الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة )!
كانت المحاكمة الأمريكية لشيطان بغداد الأسير تبدو للظاهر كأن العراقيين هم الذين يحاكموه، أو هم الذين وجدوه في حفرة تحت الأرض مع الجرذان، أو هم الذين طاردوا اثنين وخمسين قياديا بعثيا بعدما التصقت عيونهم بصورهم على ورقة كوتشينة مطبوعة في مطابع السي آي إيه.
لكن الحقيقة أن صدام حسين إنْ كان هو الجالسَ في القفص، فإن نُسَخا منه متناثرة في أنحاء العراق، وبعضها يحاكمه ويجلس في القصر الجمهوري يتبادل النكات مع جنرال أمريكي.
كم وددت أن يكون هذا الطاغيةُ بين ايدي العراقيين من لحظة الصفر بشعره الأشعث والقمل والبراغيث تعيث فسادا فيه وتمتص من دمائه، وأن يكون القرار عراقيا صرفا، وأن يفتخر العراقيون بأنهم بأحرارهم وشرفائهم وبدعم من قوى المعارضة في الخارج تمكنوا من اصطياد حفار القبور، لكن للأسف الشديد تحول العراق كله إلى أداة في يد الطاغية، من تجسس الابن على والده إلى ثلاثة ملايين عضو فعال في أجهزة الاستخبارات والأمن والقمع، ومن خوف كل عراقي من أخيه إلى تعاون عراقيي المنافي من المعارضة مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية حتى أن الرجل الثاني جاء في مروحية أمريكية ليتسلم مفاتيح الوطن كما يتسلم الجواسيس مكافأتهم السخية نظير خدمات قدموها للاحتلال.
الديمقراطية الأمريكية في العراق تشبه الدجال الأعور، وأي مسؤول عراقي مهما كان منصبه من رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء إلى أصغر موظف في وزارة النفط لابد أن تؤشر قوات الاحتلال بالموافقة عليه، وكلهم موظفون لدى مستر بوش.
لو كان العراقيون هم الذين أسروا هذا الطاغية اللعين فإن مشهد المحاكمةكان سيتغير، ويصغر فيه صدام حسين أمام شعبه وقضاة العراق الحر وعدالة الحكم الجديد، أما أن يحاكمه طغاة آخرون لو أتيحت لهم الفرصة لفعلوا كثيرا مما قام به، فإن العبث هنا يصل إلى أقصى مداه.
كان من الممكن أن تبدأ المحاكمة بجرائم سبعة شهور جهنمية أرسل فيها الطاغية جنوده للغدر بدولة الكويت، ثم ارتكاب مذابح ومجازر وجرائم تخجل منها الانسانية، ولكن لأن حلم عراقية الكويت لا يزال مترسبا ومتراكما ومختبئا في عمق اللاوعي لكثير من العراقيين ومنهم قيادات كبيرة قامت بزيارة الكويت، وتحدثت عن الاخوة والجيرة والتاريخ المشترك والمصير الواحد، لكن الجزء الصدامي لا يفصح عن نفسه في لقاءات المسؤولين العراقيين الكبار الذين كان أكثرهم يعلمون بمصير الأسرى الكويتيين، واختاروا الصمت جبنا أو انتظارا لابتزاز الكويتيين ولهفة ذوي الشهداء المساكين على معرفة مصير مختطفيهم وأسراهم ورهائنهم
كان من الممكن أن تبدأ المحاكمة بمجزرة حلبجة التي لا تزال ذكراها عنوانا للعار، ودليلا أن الانسان لم يزل أسفل السافلين، فصدام حسين سقط بعدها بخمس عشرة سنةأذاق فيها شعبنا العراقي الويلات وعذابات لم تعرفها هلوسات الطغاة من قبل
كان من الممكن أن تبدأ المحاكمة بالسؤال عن قرار خوض الحرب مع ايران وفقد العراق لنصف مليون من أبنائه وتدمير البلد واهدار ثرواته، ويتم في الوقت عينه التحقيق العراقي العادل فيمن بدأ الحرب، جنون الطاغية صدام حسين أم استفزازات الحرس الثوري الايراني الذي يلتقي مع صدام نفسه في نفس التعطش الدموي؟

العراقيون أصيبوا، أعني أكثرهم، بعمى الألوان، وانشطر مفهوم الكرامة عشرين ضعفا، ثم انتهى إلى أسر الاعتياد، فلا يهم أن يفتش جندي أمريكي امرأة عراقية ويتحسس جسدها أمام الجميع، ولا يهم عدد المغتصبين في سجن أبو غريب، ولا يكترث العراقيون لطائفية مقيتة رسمها صانعو ( فرق تسُد )، فأضحى العراقُ مجزءا بالفعل ولو صلى شيعي بأهل السنة وأذّن كرديٌ في الناس وساوى تركماني صفوفهم.
الطائفية اللبنانية جنة عراقية من خلال عيون أي مراقب أمين وخبير في شؤون بلاد الرافدين، واللغز العراقي هو الشيء الوحيد الذي يلتف حوله العراقيون فلا نعرف من يقاوم، ومن يدافع عن شرف الأمة، ومن يفجر السيارات أمام المساجد والمستشفيات وفي الاسواق وعلى مقربة من مدارس الأطفال.
كل العراقيين مشتركون في جريمة المشهد اللغز، وممنوع معرفة تفاصيل دقيقة عمن يقومون بالعمليات، وأرقام السيارات، واصحابها، وأحاديث مع عائلات وأصدقاء ومعارف من قاموا بالعمليات سواء المقاومة الشريفة التي ترفض الاحتلال أو الارهاب الأعمى الذي يصطاد الضعفاء والأبرياء والجرحى والخارجين من دور العبادة.
أي ديمقراطية تلك التي يبشرنا بها جنود اليانكي أو تجار السلاح في أمريكا أو لصوص بنك بترا الأردني أو مهربو وثائق الوطن لأجهزة الاستخبارات الغربية؟
أي ديمقراطية تلك التي يسرق فيها مجموعة من الوزراء وفي مقدمتهم المسؤول عن الدفاع مئات الملايين من الدولارات تحت سمع وبصر قوات الاحتلال التي نهبت بدورها أموال النفط، ثم يطلب العراقيون من الكويتيين دعما ماليا كبيرا وكأن الكويت لم تتعلم الدرس بعد؟
إن خلط المقاومة الشريفة بالارهاب الأحمق الشرس ليس مصادفة، ولا نظن أن التعاون الكامل بين الاستخبارت الأمريكية وشقيقتها العراقية لم يتوصل إلى معرفة الخط الفاصل بينهما.
ومع ذلك فالشيء الذي لا يعرفه الأمريكيون أنه لا يوجد عربي من البحر إلى النهر ليس في قلبه ذرة من غبطة، وفرحة خافية، وسعادة مختبئة خلف أحاديث ادانة وغضب وشجب وتنديد بقتل القوات الأمريكية.
قطعا لم نتوقع أن يتفقد عمرو موسى حرس الشرف الأمريكي أو يقف احتراما للنشيد الوطني للرابع من يوليو، لكننا بدأنا نشك في كل شيء يتحرك على أرض العراق المخضبة بدماء الأبرياء والمجرمين في أسخف مسرحية عرضها القاتل والقتيل أمام العالم كله. كيف تمكن العراقيون من جعل أحاسيسنا تتبلد، ومشاعرنا تتجمد، وتأييدنا يقف حائرا لا يعرف لمن يتوجه؟ هل يريد العراقيون اقناعنا بأن مئات السيارات المفخخة منذ بداية الاحتلال يقودها أشباح لا يملكون هوية وطنية وليس لهم أرشيف في أمن الدولة؟ ترى من المستفيد في حكومات فيشي المتعاقبة في بغداد والسليمانية من الفوضى العارمة في أرجاء الوطن؟ أريد أن أعرف ما الذي يفرحني أو يبكيني في المشهد العراقي فلا أرى غير اللغز بعلامة استفهام بطول نهر دجلة وتاريخ العراق العظيم.

عقيد متقاعد : نعم اشتركت في قتل جون جارانج


Oslo 11.09. 2005


الرابع والعشرون من أكتوبر عام 2022
بعَيد وقوع الحدث تتم كتابة مسودة التاريخ مع بعض الهوامش، ويتم تقديمه للعامة على أنه تفصيل دقيق لحقائق الحدث، فيخوضون فيه، ويضيفون إليه، ويحذفون منه
لكن الكتابة الفعلية مع الشهود تنتظر غالبا عقدا أو اثنين أو ثلاثة بحد أقصى، أما الكتابة الثالثة للتاريخ فمليئة بالأكاذيب، في الأولى تجد مجموعة انفعالات مضافا إليها أنصاف حقائق وثرثرة الصحافة وتسريبات أصحاب المصالح.
هكذا علمنا التاريخ، فهو يكذب كثيرا ويترك لنا اكتشاف الحقائق ونزعها عنوة من صفحاته.
نحن نحيط علما بالجهل، ونتبادل الشائعات كأنها خارجة من مختبرات علمية، ونستدعي من اللغة ألفاظا متفرقة ومتصادمة مع المنطق فنظن أنها قرائن وأدلة ووثائق ممهورة بتوقيع سماوي لا يأتيه الباطل.
بعد عشر سنوات أو عشرين أو ثلاثين سيقرأ من بقي حيا سيناريوهات مختلفة عن جحر شيطان بغداد الأسير، وعن سقوط العاصمة العراقية، وعن تفجيرات شرم الشيخ، والحادي عشر من سبتمبر، ويوميات جندي سوري في لبنان، والاجتماعات السرية بين أبي مازن وشارونوسبب صمت أبي عمار ثم موته الغامض، وأسماء المسؤولين العرب المتعاونين مع الاستخبارات الأمريكية، والمفاعل الايراني، وحكاية القاعدة،ولعبة الحكم بين المعارضة والسلطة في الوطن العربي، والمقابر الجماعية لدى الدول الأعضاء في جامعة عمرو موسى، وثروة الرئيس حسني مبارك ....
من المستحيل التحقق من الكلام الذي سيصرح به عقيد متقاعد ( سوداني أو أوغندي أو أمريكي أو تشادي ) في حديث بعد سبع عشرة سنة عن اشتراكه في قتل جون جارانج بعدما استدركه نظام الحكم الارهابي المستبد لعمر حسن البشير، ومنحه الأمن والأمان، وجعله نائبا أول لرئيس الجمهورية.
تاريخ البشير كتاريخ جعفر النميري مليء بنكث الوعود، وتصفية المعارضين، وصناعة الارهاب باسم الدين، والتمييز بين أبناء الوطن الواحد، وانشاء سجون ومعتقلات قال عنها السودانيون بأنها بيوت الأشباح لهول ما يحدث بداخلها.
سيقول العقيد المتقاعد بأنه تلقى الأوامر باسقاط طائرة جون جارانج، وأن ديكتاتور السودان كان على علم بكل تفاصيلها، لذا رفض اعلان سفر نائبه الأول حتى لا يحرجه السؤال من الفضوليين عن سبب عدم سفر الرجل الثاني بطائرة الرئاسة

البشير مسؤول عن جرائم لا تعد ولا تحصى، ومنه جاءت الأوامر للقتل واغتصاب الفتيات في دارفور، وهو الذي تحالف مع الترابي عدة مرات وغدر به رغم أن الثاني كان أيضا مستعدا للغدر بالرئيس.
الادعاء بأن البشير لم يكن على علم بسفر نائبه الأول كذب أكثر حماقة من الجهل بالحدث نفسه.
والبشير له تاريخ من المؤامرات ولعل أكثرها وضوحا تحالفه مع صدام حسين ضد الكويت في مقابل نصيبه من ذهب المصرف المركزي الكويتي.
التفاصيل لمن سيبقى منا على قيد الحياة تجدونها في حديث العقيد المتقاعد أو ربما الجنرال، وقد يكون في التاريخ المذكور أعلاه أو بعده أو قبله بعدة سنوات، وقد يكون صيفا أو شتاء، وقد يكون شاهد زور جديدا أو عسكريا أوجعه ضميره وقرعه لسنين عددا.
أيتها الحقائق الكاذبة والأكاذيب الحقيقية، كم أنت أرخص سلعة يسعى المؤرخون لتثمينها، ولكن بعد رحيل كل الشهود!

عبقرية الحماقة لدىَ العقيد!

طائر الشمال في 29 أغسطس 2005

الديكتاتور لا يُقدّم وريثه في صورته منعاً لالتباس أو استمرار الكراهية والمناهضة والمعارضة ضد سيد القصر أو ( الخيمة ) الجديد، لكنه يصنع شيئا يثير الجيل الصاعد من أبناء المضطهَدين ويجذب جماعات الصمت والجُبن التي تبحث عن مخرج لها هي أيضا فيتقدم السيد الجديد كأنه المنقذ الذي تَرَبى في حِجر المستبد لكنه استنشق عبير الحرية، وتعلّم في جامعات أمريكية أو نمساوية أو بريطانية، ولا بأس من اضافة بهارات مُشَكّلَة على الصورة المطلوبة للديكتاتور الصغير كأن يكون مثلا عاشقا للفن أو أقام معرضا أو يعزف على آلة موسيقية أو لديه حيوانات أليفة، ولا مانع من دغدغة المشاعر الدينية كأن يكون رئيسا فخريا لجمعية خيرية أو يطالب بالافراج عن المعتقلين الاسلاميين أو يدعو إلى حوار مع قوى التطرف.
استنساخ العقيد عملية مستحيلة بكل المقاييس، ولو اجتمع كل علماء وأطباء الاستنساخ ومعهم النعجة (دولي) لما استطاعوا أن يصنعوا نسخة من قائد ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمةالعقيد حالة فريدة من نوعها، والتاريخ لا يُقَدّم مثله مرتين، وفِكْرُه لا يتكرر إلا بمعجزة تخرج عن نطاق البشر ومعاملهم وتجاربهم وحتى مدارس الأمراء منهم التي تصنع القائد في الغرب فيستيقظ بعدها بعشر سنوات منقذا لقومه من نظام بائد فلا يدري المرء إن كانت شمس الشرق قد لوحت وجه قائدهم الجديد أم استخبارات الغرب أيقظت الجاسوس النائم.
العقيد صنع من التخلف فكرا، وأحاط نفسه بهالة من الكوميديا السوداء، وقَدّم نفسه كمهرج يعلم تماما أن قوته في السخرية منه، وأن استمرار نظام حكمه القمعي يستمد طاقته من الهزل الذي يوقع الآخرين في حيرة، هل هم أمام طاغية يعرف ما يريد أم في مواجهة جاهل صناعة محلية شارك فيها الجميع قبل شعائر العبادة، أعني العلاقة الغريبة بين شعب وجلاده؟
سيف الاسلام القذافي هو النسخة المعدلة والمناسبة أوروبيا وأمريكيا وعربيا لتحقيق المصالحة مع العصر، والاحتفاظ بالقبضة الحديدية مع وضعها في قفاز من حرير.
وهو الشاب الذي يعصرن الاستبداد، ويضفي شرعية امتداد الثورة والهرج والمرج على النظام الخارج من رحم ستة وثلاثين عاما سوداء، وجرائم لو تم نشرها لتوارت المنظمات الدولية خجلا.
الابن الوارث لعرش الطاغية يغازل الاسلاميين، ويربت على كتف منظمات حقوق الانسان، ويبتسم في وجوه أبناء الشهداء الذين سحلهم وأعدمهم وعذبهم وأحرقهم والده، ويقدم جزءا من الكعكة للمغتربين والهاربين والمشردين والمعارضين فوصوله للحكم يعني أن يُعِدّ كل معارض في الخارج نفسه لأحد احتمالين، إما أن يتفق مع حانوتي على مقبرة نظيفة في دولة أوروبية أو بالقرب من مزرعة الرئيس الأمريكي، أو يعود إلى الوطن الخيمة ويُقَبّل حذاءَ القائد ويعتذر للوارث الجديد.المعارضة الليبية لهذا الشعب العظيم بين خيارين .. أن تبصق على أرواح الشهداء أو تقرر الاطاحة بنظام الحكم في موعد محدد متحدة ومتكاتفة ومتصلة بمناضلي الداخل، وواثقة أن العقيد نمر من ورق.

أيها اللبنانيون، نلطم وجوهنا دفاعاً عنكم!

أوسلو في 23 يوليو 2006
لن يتمكن الأطفال في الملاجيء تحت الأرض من الاستمتاع بفيروز وهي تغني باحبك يا لبنان، فأزيز الطائرات الاسرائيلية أعلى من الأوتار الصوتية لصاحبة زهرة المدائن.
بيانٌ هام من قصر الزعيم العربي الكبير يؤكد أنه لم ينم الليلَ، وأصابَه الأرقَ على مصير اللبنانيين ( ولا مانع من اضافة الأسيريّن الاسرائيليين )، وأنه أعطى أوامره ببذل كل الجهد للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني!
ما أرق قلب زعيمنا وهو يتقلب في فراشه، وينظر إلى سقف غرفة نومه، ويفكر في حرب الابادة التي تقودها إسرائيل ضد شعب عاش من أجل الحب والكِتاب والسياحة وبين الحين والآخر يتقاتل الأصدقاء على أرضه، ثم يساهمون في إعمار ما تم تخريبه، ليعودوا سائحين على شواطئه.
في الصباح الباكر يستجمع زعيمنا المبجل قُوَّتَه، ويصدر بيانا شديد اللهجة يطالب جنود الاحتلال الصهيوني بأن يتجنبوا قدر استطاعتهم قتل الكثيرين من الأطفال اللبنانيين.
مزق بيان شجيع الشجعان شغاف قلوبنا، وتبارت وسائل الاعلام في بلده لشرح عبقرية زعيمنا في إنقاذ الشعب اللبناني الصديق، حتى ظننت أنه سيرسل للرئيس الأمريكي محاولا اقناعه بتذوق التبّولة والحُمُّص والشاورما.
أيها اللبنانيون الساذجون الذين يظنون أن هناك اتفاقية دفاع مشترك، وأن ملايين من أبناء الشعب العربي الذين كانوا في يوم من الأيام على استعداد للدفاع عن صدام حسين صاحب القبور الجماعية سيهبون لنجدتكم، ويؤكدون للعالم كله أن زعماءنا المبجلين لا يحكمون موتى أو خشبا مسندة.
إننا نعدكم بأن نذرف مزيدا من الدموع على أرواح شهدائكم، وأن نشاهد جثث أطفالكم على الشاشة الصغيرة ونحن نتناول الطعام بلذة عجيبة كأننا نأكل بعد اضراب عنه.
وقودُ آلة الحرب القذرة التي يشنها الارهابيون الصهاينة تحت زعامة أولمرت جاء من بلد عربي كبير ومعه قُبْلة من زعيمه.
عزاؤنا في مئات المحاورين على الفضائيات العربية، نِصْفُهم يشير بأصابع الاتهام إلى حزب الله، والنصف الآخر يؤكد حَقَّه في المقاومة.
ضيوف الفضائيات العربية يصرخون حتى تصل صرخاتهم إلى مهندس الصوت، وتبرُز العروق في الرقبة، ويؤكد بعضهم أن الحل في نزع سلاح حزب الله، وآخرون مؤمنون أن الوقت لم يكن مناسبا لخطف الجنديين الاسرائيليين، ورئيس دولة عربية كبرى يقول بأنه كان ينبغي أن يستأذن الحزبُ رئيسَ الدولة قبل العملية بنصف ساعة، أي يستقل حسن نصر الله سيارة أجرة من صيدا أو صور أو مرجعيون ثم يتوجه بها إلى قصر بعبدا في بيروت، ليبلغ إميل لحود أن دورية إسرائيلية تنتظر غير بعيدة حتى يتم اختطاف أفرادها!
قوات الردع العربية تنتشر في دمشق، ولا يزال السوريون يُصَرّحون بأن لبنان وسوريا بلد واحد، وأن اقامة سفارة سورية في بيروت غير وارد في الوقت الحالي.
لكن حماية الشطر الآخر من الجمهورية العربية السورية، أي لبنان ليست مهمة قوات الردع خاصة وأن الدول الكبرى تبنت الموقف الاسرائيلي، وأن أرواح ثلاثة جنود اسرائيليين أطهر عند أمريكا والغرب من كل أطفال لبنان وفلسطين.
الموقف العربي لا يختلف عن مؤتمر القمة عقب غزو قوات صدام حسين لجارته الصغيرة الآمنة، لكن أضيفت له نكهة جديدة رائحتها تنبعث من بلاد الرافدين حيث نافس عراقيو اليوم لبنانيي الأمس في الطائفية، ويمكنك الآن في العراق أن تلقى حتفك وفقا لنوع المسجد الذي ترتاده، وأن تمر سكين على عنقك حسب اسمك إن كنت شيعيا أو سنيا.
تطل عليك من الشاشة الصغيرة مذيعة لبنانية تجعلك تحلم بها زوجة لك ولو كانت العِصْمةُ في يدها ودفترُ الشيكات في يدك، ثم تقرأ عليك تفاصيل المذابح الصهيونية في لبنان، ولكنك كمواطن عربي تنتظر رأي وليّ الأمر، فإذا أصدرت حكومتك بيانا يدين خطف الجنديين، فستلعن توريط حزب الله للبنانيين في هذا الخراب، وإذا أشادت وسائل إعلام بلدك بالمقاومة الشريفة فهي تستكتب مثقفيها وإعلامييها لتبرير الموقف الرسمي، وتلوين الضمير وفقا للمصلحة.
ماذا تفعل الأسلحة السورية الشقيقة التي تستطيع من دمشق أن تخيف طائرات العدو أو طيور السماء المهاجرة؟
لا بأس فالوقت غير مناسب لتحرير الجولان أو الدفاع عن لبنان.
يقفز إلى لسانك سؤال عن الجيش اللبناني والأسلحة والقاذفات والطيران خاصة أنه بلد مستهدَف وتعرّضتْ عاصمته للاحتلال الصهيوني من قبل!
وقبل الانتهاء من طرح سؤالك يأتيك الجوابُ موَحَدا من الداخل والخارج: إن قوة لبنان في ضعفه، ويتباهى اللبنانيون بصوت فيروز وجسد نانسي عجرم ودور النشر ومعرض الكتاب والمطبخ اللبناني وحرية الصحافة وعدم وجود جيش يدافع عن الوطن المتربَص به دائما.
هل كانت الطائفية مانعاً لتكوين جيش قوي على غرار جيش سويسرا ؟
ومع الاشارات المتناقضة لادانة حزب الله أو الاشادة به، تظل الغطرسة الصهيونية هي الحاجز المنيع لسلام في المنطقة، ويبقى التاريخ الدموي للكيان الصهيوني منذ نكبة تأسيس الدولة الارهابية في قلب العالم العربي شاهدا على الظلم الذي وقع على العرب برُمتهم، وعلى الفلسطينيين واللبنانيين خاصة.
الآن يمكننا توزيع دموعنا على أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان، ونحبس بعضها في مأقينا لكارثة قادمة تدك فيها اسرائيل أو أمريكا عاصمة عربية أخرى بعد اتهامها بأنها تغض الطرف عن الارهاب، وتريد الاضرار بالمواطن الاسرائيلي الطيب الباحث عن السلام ، وأنها من محور الشر، ويتم استقطاع مبلغ من دافع الضرائب الأمريكي الساذج للبحث عن أسلحة الدمار الشامل في دمشق أو طهران أو مقديشيو. هل يستحق لبنان كل هذا الدمار والقتل والابادة؟
لماذا نعانق اللبنانيين في فترات السلام، وندير لهم ظهورَنا إن ألمّتْ بهم كارثةٌ أو تعرّضوا لعدوان؟
لماذا يدفع لبنانُ ثمنَ الهوان العربي؟
لماذا لا نقوم بحل الجيوش العربية، وتسريح الجنود، واغلاق مصانع الأسلحة التي لا تعمل، وابلاغ سيد البيت الأبيض بهذا القرار لعله يرأف بنا ويرحمنا؟
أيها اللبنانيون :سنهزّ العالمَ دفاعا عنكم بدموعنا وصمتنا ومظاهراتنا المتكاسلة التي تتربص بها أجهزة استخبارات زعمائنا، ونلطم وجوهنا لحمايتكم، فتلك هي أسلحتنا وكرامتنا، فنحن أجبن من أن ننظر في عيون أطفالكم!

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...