24‏/08‏/2020

لهذا لم أعتزل الكتابة بعد!

 لهذا لم أعتزل الكتابة بعد!

قال لي: لماذا استمرت نشاطاتك لأكثر من أربعين عاما رغم أنك لم تصبح في شهرة أصغر وأحمق وأجهل إعلامي في ماسبيرو؟
قلت له: أتفق معك تماما، فأنا أقمت معرض الكتاب العربي في أوسلو( مايو 1982)، ثم أنشأت المكتبة العالمية كمركز إعلامي في العاصمة النرويجية( 1983)؛ فأفلست المكتبة قبل مرور أربع سنوات، وأنشات مع صديق عراقي إذاعة صوت العرب من أوسلو في يونيو 1987 وأغلقتها في 3 سبتمبر 1990 احتجاجا على غزو دولة عربية كبرى لجارتها العربية الصغرى، وفي عام 1984 أنشأت مجلة طائر الشمال التي استمرت ورقية لأكثر من ربع القرن، وكنت أكتب كل مقالاتها بمفردي وأقوم بتوزيع المجلة بعد تصحيحها بنفسي وإرسالها إلى أماكن كثيرة في أركان الأرض الأربعة، ثم تحولت المقالات إلى الكترونية لأسباب مادية.
وكل هذه المشروعات الثقافية كانت على حسابي الخاص!
وأصدرت أيضا على نفقتي عشرين كتابا منها؛ واحد فقط تُرجم للانجليزية، فلم أجد دار نشر واحدة تجازف بنشر كتاب لي، وكما قال ناشر لبناني في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب: أتحداك أن تجد ناشرا واحدا يقبل كتابا لك، ليس لأنك تنتقد جهة واحدة أو طاغية أو تيارًا دينيا أو سياسيا، ولكن لأنك تضرب الجميع( تقريبا)، لذا لن تجد صديقا مستمرا معك، ولا دار نشر إن وافقتْ لانتقادك خصم لها فسترفض لانتقادك حليف له!

قال لي: معنى ذلك أنه لا يوجد متعاطفون معك في كل مشروعاتك الثقافية والفكرية والإعلامية، أليس كذلك؟
قلت له: إنني أعتمد على تعاطف أصدقاء مجهولين لا أعرفهم ولم أتقابل مع أي منهم، وهم يتابعونني تلصصا، ويشدّون من أزري في الخفاء، ويتأثرون بآرائي من وراء الستار.
ثم أكملت: إن الحياة مذاق تبدو نكهته في هذه الخلطة من الفشل والنجاح، من السقوط والنهوض، من النزول والصعود، وأنا اقتربت من عامي الرابع والسبعين؛ عشت الاثنين معا: الفشل والنجاح، وأتذكر أن أول ثلاثة فصول من كتاب لي عام 1969 أي منذ أكثر من نصف القرن عرضته على الشيخ محمد الغزالي واستحسنه، لغة وأسلوبا ومعلومات وكنت في الثانية والعشرين من عُمري.

قال: ألم يأن الوقت الذي تعتزل فيه تلك المعارك والخصومات مع السياسيين ورجال الدين والإعلام والمسؤولين وغيرهم؟
قلت: معاركي كلها كانت مع كبار الكبار، فأنا لا أناهض وزيرا أو محافظا أو موظفا عاما أو حاجبا في محكمة فكلهم أصفار؛ إنما أضع سنّ قلمي في عين طاغية( مبارك، طنطاوي، السيسي، مرشد الاخوان، زين العابدين بن علي، القذافي، صدام حسين، علي عبد الله صالح، عمر البشير، الاحتلال الصهيوني لفلسطين .. وغيرهم)!

قلمي ليس للرفاهية والفرفشة ومحاربة الذباب، لكن مناهضة الذئاب ....
لو جمعت الشتائم التي نالتني في عدة عقود ووضعتها في موسوعة لبلغت صفحاتها عدد نجوم السماء الدنيا.
القلم الذي يهادن يصلح أن تُقشّر به بصلا او بطاطس، ولا أخفي عليك بأنني مدين بحريتي واستمراري حيا آكل وأشرب وأتنفس يعود إلى وجودي في بلد اسكندنافي حُر وديمقراطي، ولو كنت في بلد عربي لكانت رقبتي قد انفصلت عن جسدي منذ زمن بعيد، أو لأصابتني رصاصات عمياء من جهة أمنية أو دينية متطرفة.

لا أعرف متى أعتزل فهناك قراء وأحباب ومتابعون ينتظرونني على ناصية مظلمة لقراءة كتاباتي، الجيد منها والرديء، وهؤلاء هم الذين يجددون روحي مع كل كلمة يخطها قلمي.
لا أزعم النجاح فقط أو الفشل فقط؛ لكنني واثق بأنني عشتُ حياتي الطبيعية المليئة بالذنوب والآثام والأعمال الصالحة والتسامح والمحبة والتحديات والثقافة وعشق الكتاب ... وأن الله نفخ في روحي إرادة لازمتني وأبهجتني وأسعدتني طوال عُمري حتى لو انفضّ أكثر الناس عني.
السعادة قيمة لا يستطيع أحد قياسَها إلا صاحبها.

ثم إنني مع كل اهتماماتي بوطني العربي الكبير، وبوطني الأم.. مصر، فإنني أعيش حياتي اليومية النرويجية العادية، لغة وثقافة وصحافة وتلفزيون، وأسرة، وأبناء، وأحفاد، وعمل، وصحة، ومستشفيات، وأمراض، وعطلات، وحرية، وأمن، وأمان، وأصدقاء.

أنا اكتب؛ إذن فأنا أعيش!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 23 أغسطس 2020

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...