13‏/05‏/2016

لماذا يربط المسلمون الدين بالقسوة والجنس؟

 
أرشيف
الأول من فبراير 2005
 
قرأتُ مؤخراً في موقع إسلامي متخصص في نشر أخبار العمليات التي يقوم بها المقاتلون والمقاومون ضد قوات الاحتلال وصفاً تفصيلياً لأحد رجال المقاومة وهو يلفظ أنفاسَه الأخيرةَ بعد إصابته وقد سمعه زملاؤه يتحدث مع الحور العين ويقول لهن: أقْبِلن .أقْبِلن !
لَم أفهم استعجالَ اثنتين وسبعين حورية من الجنة في عَرْض أنفسهن وأجسادهن على مُسلم لم تصعد روحُه بعدُ إلى بارئها بعد!

لو استمع زملاءُ الرجل لصوته وهو يقول بأنه يرى نورا ربانيا أو يشاهد الأنبياء والصدّيقين والشهداءَ أو يَلْمَح من بعيد أحبابه وأقاربه ووالديه في جنة الخلد فربما يُلْجَم اللسانُ خجلا من انكار المشهد أو بعضه احتراما وتوقيرا لرجل دافع عن وطنه ودينه ضد الغزو والاحتلال.
أما أن يتحول المشهد القدسي إلى بورونجرافي وتصبح مكافأةُ المجاهد الأولى التي تصله قبل أن يقبض ملكُ الموت روحَه حوريات يداعبن خيالا محروما، وينتظرن الرجلَ ليمارس الجنسَ فورا، فتلك والذي نفسي بيده حالة مَرَضية نخشى الخوضَ فيها لئلا يتم تصنيفنا متعاطفين مع اليانكي ومرحبين بجنود العم سام ومهنئين سيد البيت الأبيض على جرائمه في حق شعبنا العراقي من الفلوجة إلى سجن أبو غريب.

الضلع الثاني من المشهد الديني الحديث هو القسوة والغلظة حتى أن دعوات الرحمة للآخرين التي يتوجه بها المسلمُ لله، عز وجل، أصبحت تشتمل في معظمها على صب اللعنات وايقاف الدماء في عروقهم وتصلب شرايينهم وترميل نسائهم وجعل أولادهم أيتاما!
في الجانب المقابل يختبيء المسلمُ من المسؤوليات الجسام التي تلقيها على عاتقه أمانةُ الايمان والواجب الأول لكونه ينتمي إلى خاتمة الرسالات السماوية وأعني الاكتراث والاهتمام بحقوق الإنسان وكرامة المواطن والمساواة بين البشر واعتبار الكتاب مرادفا للايمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر.
الحديث عن قطع الرقبة وفصل الرأس عن الجسد ومسرور السيّاف وإعمال حَدّ الرِدّة والجَلْد والرجم وتفريق الزوجين والاستتابة على أيدي علماء وفقهاء وتوقيع أقصى العقوبات على الكُتّاب والروائيين والمخرجين واعتبار الاجتهاد في أمور دينية طريقا مختصرا للالحاد والزندقة تقطع كلها بأن مسلم العصر الحديث يعتنق إسلاما غريبا عما جاء به القرآن العظيم ورسالة محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه.

يمكنك أن تدلف إلى أي موقع إسلامي من عشرات المواقع التي تمتليء بها شبكة الانترنيت وتحاول نشر مشاركة في منتدى أو ترسل مقالا عن النقاب والحجاب أو قيادة المرأة للسيارة، أو رأيّ الإسلام في الموسيقى، أو تعدد الزوجات، أو الجماع مع جنيّة، أو مشاهدة العفاريت لجسد امرأة مسلمة، أو طب الأعشاب وأثره في فحولة الرجال، أو تُعَنْوّن مقالَك بكلمات مثل الشهوة أو الجسد أو النزوة أو الشبق أو الحور العين ووصفا تفصيليا لجمالهن، فحينئذ ترى تفاعلا عجيبا مع مشاركتك ومقالك ويدلي بدلوه كل من استطاع أن يفك الخط أو يميز ما بين الألف وكوز الذُرَةِ.
جرب مرة أخرى مشاركة أو مقالا في نفس الموقع عما يحدث في السجون والمعتقلات العربية، وامتهان كرامة المواطن، وحقوق الآخرين المتساوية مع حقوق المسلمين، وأهمية الثورة والتمرد ونزع حق الكرامة عنوة وأهمية وجود دستور دائم وعادل، وضرورة تنظيم أجهزة القضاء لتكون في خدمة العدل والمواطن ..

أو شارك بمقال عن محو الأمية والقضاء على الأمراض المتفشية ودعم لجان حقوق الانسان ورفض الاستبداد والديكتاتورية، ورؤية الاسلام الحنيف للانتخابات، أو أي موضوع آخر يتعلق بحقوق المواطن الطبيعية كانسان، فلن تجد إلا قلةً نادرة تشاركك همومك، فالمسلون يعتبرون هذه الموضوعات رفاهية أو من صغائر الأمور أو في ذيل قائمة أولويات الهم الاسلامي.
ثنائي غريب وكأنه توأمان سياميان من الجنس والعنف لا ينفصلان إلا بعملية جراحية بالغة الصعوبة.

حتى الرقابة على الكِتاب لا تخرج عن هذين التوأمين، فإما جملة إباحية في ثنايا مطبوعة أو مفهوم مناهض لفكر الرقيب فينبغي بترُ صاحبه من أي طرف حتى لو كان حقه في التعبير عن فكره واجتهاده.
ومسلم العصر الحديث قادر على استدعاء شهود زور من حوادث سياسية أو حروب أو مقاومة مشروعة أو إرهاب معاد لتعاليم الإسلام، فيختطف جملة من هنا، وحدثا من هناك ويقدم صورة شوهاء لدفاع أعوج عن قضية خاض فيها دون علم ..
ثم يربط حديثك بالمقاومة العراقية أو الفلسطينية ويضع على لسانك ما لم يدر في ذهنك من تحريم المقاومة الطاهرة المشروعة ضد الاحتلالين الصهيوني والأمريكي.
لابد من استعادة المسلم من عالم الهوس الجنسي والقسوة إلى المكان الطبيعي له أي التسامح والاجتهاد والعقل والبحث والعلوم والكِتاب والحوار مع الآخرين والسباق مع الزمن ورفع القداسة عن فقهاء القرون الأولى وجعل القرآن الكريم المرجعية الأهم والأولى في فكره وحياته وأحكامه وليس آراء العلماء والفقهاء وأصحاب الفتاوى ونجوم الفضائيات.

كل هذا لا يمس من قريب أو من بعيد حقوق المسلم في الدفاع عن أرضه ومقاومة الاحتلال ومناهضة العنصرية.
نحن في حاجة ماسة لثورة محبة وانفجار تسامح وتهذيب طرق تعاملنا الفكري والعملي مع الآخرين.
إن حقوق الآخرين في الفكر الإسلامي هي المحك الرئيس لجدية المسلم في التعامل مع العصر الذي يعيشه بدلا من استثارة الغضب، وتكفير الآخرين، وتحقير أديانهم ومعتقداتهم.
 
المسلم في حاجة ملحة لاطلالة جديدة على العصر والتعامل من منظور أكثر قبولا للآخر، وفهم عميق وصادق لآيات الذكر الحكيم ففيها أقصى وأجمل صور التسامح.
ألم يأن الوقت الذي يعتنق فيه المسلمون الإسلامَ من جديد؟



محمد عبد المجيد
 طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في الأول من فبراير 2005

مقطع من يوميات مواطن أحمق!

أرشيف
أوسلو في 28 ديسمبر 2011    

اليوم قضيت فترةَ الصباح الأولى أمام التلفزيون أشاهد مذيعاتنا الجميلات اللائي خرجن من رحم إعلام الريادة الذي صنعه، وحافظ عليه صفوت الشريف وأنس الفقي و.. أسامة هيكل.
شاهدت برامج كثيرة، وتعلمت منها ما أكرمتني به مذيعات مصريات شربن من ماء النيل فجعل حناجرَهُنَّ من ذهب، وحبالــَهن الصوتية من حرير!
قلت لأخي بأنني أقترح أن توجّه وزارة الإعلام دعوات إلى بعض الجاهلات في الفضائيات العربية مثل منتهى الرمحي وغادة عويس وليلى الشيخلي وخديجة بن قنة وليلى الشايب وفضيلة سويسي وغيرهن ليتعلمن على أيدي مذيعاتنا المصريات أصول وفن الحوار والإلقاء ومخارج الألفاظ وثراء لغة الضاد وعمقَ الثقافة!

شاهدت المعارك الضارية بين الشباب المتسكع الزاعم أنه قام بثورة أطاحت ببطل الضربة الجوية الأولى، وبين قواتنا المسلحة التي رفضت اطلاق رصاصة واحدة على الشباب المتهور، بينما أمسك ما تطلقون عليهم الثوار الحجارة المدببة والزجاجات الحارقة مهاجمين أبناء أبطل العبور.
قال لي صديقي الذي لا يقل ذكاؤه عن ذكائي بأن هناك سيارات فارهة كانت تجوب ميدان التحرير، وبها صناديق ضخمة مكدسة بملايين الدولارات، ومعها زجاجات فارغة لتحويلها إلى مولوتوف.
كانوا يوزعون الأموال بدون حساب على كل من يوافق على ضرب قواتنا المسلحة الباسلة، لكن كاميرات الداخلية والمخابرات والجيش لم تتمكن من تصويرالمُحـَرِّضين لأسباب فنية، فأجهزة الأمن في الخارج كانت تقوم بالتشويش على كاميراتنا.
جلست أفكر في مصر العظيمة، وكيف يحاول بعض الصــِبـْية تدميرَها، فهل يفهم شباب الثورة أكثر من جنرالات المجلس العسكري؟
هل يخاف أي ثوري متهور على مصر أكثر من خوف قائدِنا، وطنطاونا، وأميرنا .. أطال اللــهُ عمرَه؟
لقد كنا نعيش في أمان وسلام قبل قيام ثورة 25 يناير، وكان الرئيس مبارك يوفر لنا لقمة العيش والكرامة، وكان يستعد لنقل السلطة إلى صاحب الفكر الجديد الأستاذ جمال مبارك، فطموحات الابن كانت ستنقل مصر إلى مصاف الدول الكبرى!

لقد عرف الأغبياءُ بعد فوات الأوان سبب صمت الجماعات الإسلامية في عهد الرئيس مبارك، فهي من جهةٍ ملتزمة بما أجمع عليه السلف الصالح من وجوب طاعة ولي الأمر حتى لو سلخ جلودَنا صباح كل يوم، وهشــَّم رؤوســَنا قبل النوم علىَ بطون خاوية.
ومن جهة ثانية فإن التمرد والغضب ونزع الحقوق عنوة وسخافات الشــِرعة العالمية لحقوق الإنسان وهراء مطالب الشباب لا تجدي نفعاً، فالصمت سيؤدي في النهاية إلى آلام في كفّ من يصفعنا على أقفيتنا، وبذلك ينتصر القفا على الكف!
وقفت ساعات طويلة أمام لجنة الإنتخاب، وأعطيت صوتي لمن يستحقه، فهو رجل صالح كما فهمت من جاري الذي قال لي بأن لحية المرشح تغطي النصف الأسفل من وجهه، وهو رجل تقوم حياته على العبادة فقط، وما إن ينتهي من صلاة في المسجد حتى ينتظر التي تليها، ولا يذهب إلى بيته إلا قليلا، ولا يعرف أسماء أولاده السبعة، وقد أكرمه اللــه ولم يكن من بينهم أنثى واحدة، فالبنت تجلب العار في النهاية.

وهو لا يتابع التلفزيون، ولا يسمع موسيقى، ولا يسافر إلا للــعُمرة، ولا يقرأ إلا في كتاب اللــه، وعندما ينجح ويمثلني في مجلس الشعب سيكون رقيبا على السلطــة حتى لو لم يفهم حرفاً واحدا من جوانب أي مشروع تتم مناقشته، فالتقوى هي المعرفة، وخطبة الجمعة التي أنصت إليها مئات المرات تحمل له فهم الحياة السياسية والحقوق والواجبات.
غضبت من الذين قالوا بأن المجلس العسكري لم يستجب لأي طلب من شباب الثورة، فكيف باللــه عليكم يستجيب جنرالات الحرب والسلام لشوية عيال سقطوا بالأمس القريب من بطون أمهاتهم؟
إن الفساد في أي مكان في الدنيا، فلماذا التركيز على الحالة المصرية؟ هل الأوضاع في السويد وفنلندا والنرويج وسويسرا وحتى أمريكا أفضل من الوضع في مصر .. أُمِّ الدنيا؟
إن لديهم في عالم الرفاهية أكبر نسبة إنتحار، وهم يعاقرون الخمر، والمرأة ليست لها كرامة مثل المرأة العربية، فنساؤنا مــَلكات في البيت، وأميرات في الشارع رغم أن خروج المرأة لغير القبر حرامٌ باجماع العلماء.
لقد شاهدت بنفسي معارك الجيش والشرطة ضد المشاغبين، ولا أجد حرجاً في استخدام أجهزة الأمن والعسكر العنف والقمع والغازات السامة والأسلحة الكيماوية والرصاص الحيّ من فوق أسطح البنايات الحكومية، فأعداء الوطن يتعمدون تعطيل الانتاج للاضرار بمصالح الشعب.

لقد فهمت سبب عدم قدرتنا على استرداد الأموال التي وضعها الرئيس مبارك ورجاله أمانة في بنوك الغرب، لأننا بغبائنا اعتقلناهم فلا يستطيعون التصرف في الأموال، ولو تركناهم أحراراً فإنهم كانوا سينفقون الأموال في مشروعات مفيدة فينتعش الوضع الاقتصادي في مصر.
ثم إننا ظالمون حقاً، فكيف نعتقل قائداً وبطلا عسكرياً في الثمانين من عمره، ونترك شبابا أهملوا دراستهم وأهلهم وجاءوا ينصبون خياماً في منطقة حيوية في قلب القاهرة؟

يتحدثون عن انتهاك عــِرْض فتاة مصرية مستهترة كان ينبغي لها أن تمكث في البيت، وتنتظر أن يطرق بابــَها ابنُ الحلال، فإذا بها تتمركس، وتتعلـْـمـَـن، وتصيبها أمراض الليبرالية فتخرج مع الشباب كتفا بكتف في مواجهة جيش مصر العظيم لينشغل عن مراقبة الحدود، ومنع اسرائيل من التقدم شبراً واحداً.
إن جنودنا البواسل لم يمســّوها بسوء، إنما التصوير المغرض من زوايا مختلفة، ثم إعادة تركيب الصورة جعل الأمر يبدو كأنه انتهاك لعـِرضها، لكن الحقيقة أنها هي المعتدية، وما ظهر من ملابسها الداخلية كان تخيلا لهوس المحرومين.
الأغبياء يعاتبون الجماعات الاسلامية لأنها لا تدافع عن المنتهكات عرضهن، وهؤلاء لا يفهمون عبقرية فكر الإخوان المسلمين والسلفيين لأن المعركة الحقيقية هي في الدفاع عن المنقبات الفاضلات في فرنسا وبلجيكا اللائي تجبرهن السلطات الكافرة على كشف الوجه بحجة معرفة الهوية، أما السجون والمعتقلات والمفقودون واغتصاب الرجال والنساء ونهب أموال وطن فكلها تفاهات لا يلتفت إليها من هم منشغلون بالطاعة والعبادة والدعوة والاعتكاف.
أنتظر علىَ أحــَرّ من الجمر أول اجتماع لأعضاء مجلس الشعب الممثل الشرعي للشعب المصري.

صحيح أن ثلاثة من كل عشرة أعضاء يفـُكــّون الخط بصعوبة بالغة، وسبعة من كل عشرة يجهلون ما يدور خارج دائرة الترشح، أي أنهم لا يعرفون مشاكل مصر، ولا يفهمون في الاقتصاد والاجتماع والتعليم والكتاب والإدارة والاقتصاد والعلوم الانسانية ومقارنة الدساتير والتشريعات الدولية، لكنه خيار الشعب الذي ينبغي احترامه.
ثمانية من كل عشرة أعضاء يمثلون صاحب رأس المال في العملية الانتخابية، ويراعون مصالحه، ويطيعون حزبا صعدوا باسمه، وجماعة نجحوا بفضلها، لكنه خيار الشعب.
إنه البرلمان الشرعي حتى لو كان غير قادر على محاسبة الحكومة، ولا يجرؤ تسعة من كل عشرة أعضاء على النظر في عيني جنرال في المجلس العسكري.
إن لدينا مجلس الشعب القادر على وضع حلول لأكثر المعضلات صعوبة، فيمكن مثلا منع طبع (ألف ليلة وليلة)، وإصدار تشريع برفض أي طلب لا يبدأ صاحبه الرسالة بالبسملة، ومنع الكتب المخالفة لدين الدولة مثل رواية (الرجل الذي فقد ظله) لأن الظل ملازم للإنسان منذ بدء الخليقة.
يجب منع رواية (الحقيقة العارية) لأن العريَ ابتذال مــُحـَرَّم، وكذلك مسح كل شرائط قصيدة مضناك جفاه ومرقده فهي كفر بواح حيث يقول الشاعر ( مابال العاذل يفتح لي باب السلوان وأُوصده ويقول تكاد تجن به فاقول وأوشك أعبده ).

بما أن غالبية الأعضاء من الاسلاميين الذين يمثلون دين الحق فإن من يعارض مجلس الشعب هو في حــُكــْم الكافر الذي يكره الإسلام، وبالتالي ينبغي استتابة كل المعارضين حتى لو بلغوا ثلاثين مليونا، فإذا لم يتوبوا في خلال ثلاثة أيام تقطع السلطة أعناقــَهم بسيف حاد.
إن الذين يهاجمون المشير طنطاوي كأنهم يشككون في جيشنا البطل، وقد أرسلت مقالا لــ ( الأهرام ) ولم تنشره الصحيفة لصراحته، طالبت أن يبايع المصريون عن بكرة أبيهم قائدنا، ومُعلمــَنا، رئيسَ المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأن تكون البيعة تحت شجرة!
أفكر كثيرا في حُكم البراءة الذي سينطق به المستشار أحمد رفعت ليحصحص الحق، وفي هذه الحالة يجب أن يتلقى الرئيس مبارك تعويضا مناسبا من كل شاب رفع الحذاء في وجهه في ميدان التحرير، وأن يعود سيادته إلى شرم الشيخ، شريطة تعيين الأستاذ جمال مبارك نائبا أول ويكون مقره قصر العروبة، والمشير نائبا ثان ويحتل مكتبــُه قصر عابدين.
سعدت كثيرا بعودة الدكتور كمال الجنزوري فهو رجل ناضج، وسيبلغ من العمر الثمانين بعد عامين، ومن المعروف أن كل مشروعاته فاشلة في عهد الرئيس مبارك لأنه كان مراهقا في الستين من عمره، أما الآن فهو قادر على إنقاذ مصر حتى لو استأذن المشير في كل شاردة و .. واردة!

إنني أحمل احتراما شديدا لأعضاء المجلس الاستشاري فهم من كبار رجال الدولة، ومنهم عمرو موسى، ويجلسون أمام المشير ورجاله كأنهم تلاميذ في الثالثة الابتدائية.
 إنها عبقرية الخنوع و الخضوع والمسالمة من أجل مصر، فأعضاء المجلس الاستشاري أرانب، وأعضاء مجلس الشعب فئران، وأعضاء مجلس الشورى القادم سيمثلون دور الضفادع، وأعضاء المجلس العسكري صقور، ومن هنا يحدث تناغم وانسجام بين الأسياد والعبيد، وتعبر مصر تلك المرحلة الحرجة بفضل زعيمنا وأميرنا .. المشير.
إن مصر تعيش أجمل عهودها فقد كان الأمن مستتباً خلال أيام الانتخابات، وقد تخلصت مصر بفضل قيادتها الواعية من مئات من المشاغبين الشباب ولم يتعرض أي من قاتليهم إلى مساءلات قانونية، وأثبت رجال الأمن والعسكر أنهم قنــّاصة عيون من الدرجة الأولى حتى إذا قامت الحرب بيننا وبين إسرائيل أفقدنا جيشَ الاحتلال الصهيوني عيون كل جنوده.

ذكاءُ مشيرنا آينشتايني، وعندما وقف أمام المستشار أحمد رفعت كانت شهادته قمة في العبقرية فهو لا يعرف أي شيء، ولم تقع عيناه على ما يسيء للرئيس مبارك، وظل إنسانا وفيــّــاً لمعلمه، ورئيسه الذي تتلمذ على يديه لأكثر من عشرين عاماً.
أسعد أيام حياتي عندما يتولى الحــُكمَ رئيسٌ سلفي قـَـحّ يمنع كل ما صنعته أيدي الغرب الكافر مثل الكهرباء وأجهزة تنقية المياه والكمبيوتر والموبايل والتلفزيون والتصوير والستالايت وأجهزة قياس ضغط الدم والسكري وضربات القلب، ومنع استيراد السيارات غير الاسلامية، وتحريم السفر بالطائرة لأنها تصعد إلى السماء وتتحدى الإرادة الالهية.
الآن يجب أن أعترف بأن التفكير في الجنس أنهكني، وأن فكرة الزواج غادرت جمجمتي بسبب الفقر، ولكن أملي كبير أن يتعاون العسكر والإخوان والسلفيون لوضع حلول عاجلة لمشاكلي قبل أن أبعث رسالة لأيمن الظواهري لعلي أجد العلاج لديه!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 28 ديسمبر 2011  
Taeralshmal@gmail.com                                  

مقطع من يوميات جبان!

أرشيف 
أوسلـو في مايو 2010، قبل ثورة يناير بخمسة أشهر!
كانت الليلةُ الماضيةُ عَصِيبةً علىَ كلِّ مسامات جسدي بعدما تلقيتُ مُكالـَمَةً هاتفيةً من صديق يدعوني فيها إلىَ الاشتراكِ معه في مظاهرةٍ ضدّ نظام الحُكم، وهو يعرف تماماً أنني مواطنٌ مَبنيٌّ للمجهول، ومفعولٌ به، ومجرورٌ، ومكسورٌ الجناح، ومنصوب عليه،ومن أخوات كان، وعلىَ لساني علامةُ استفهام، وتسبق كلَّ كلمة أتفوّه بها علامةُ تعَجُّب، وحياتي من مهدها إلى لـَحْدِها بين قوسين!

خشيتُ أنْ تكون عيونُ الأمن قد رَصَدَتْ أسلاكَ الهاتفِ أو ستالايت المحمول ووجدتْ في ارتعاشةِ حنجرتي صيّداً ثميناً ينبغي أنْ تصحبه في الفجر من فراشه، وتـُلقي به على أرضيةِ سيارة الترحيلات ليستقبلي مأمورُ القِسْم قبل انبلاج فجر اليوم التالي!
نزلتُ مُسرعاً سلالمَ العِمارة التي أقطنها، حتى حارسها لم تلتق عيناي بعينيه خوفا من أنْ يقرأ في هرولتي لواعجَ نفس كاد الذعرُ يُهَشـّم كل أجهزتها العصبية والعاطفية، ويجَمّد أطرافَ جَسَدٍ عاش علىَ الهامش طوال حياة صاحبه الذي لم يَدُر بخلده للحظةٍ واحدة أنَّ اللهَ نفخ من روحه في نسل آدم حتى يوم القيامة.
في الطريق اشتريتُ صحيفة اليوم وهي الأكثر تمَلـُّقاً للزعيم، والأشدّ نقداً لخُصومه المشاغبين الذين لم يتعلموا أننا فئرانٌ تتشرف بتقبيل حذائِه، وأننا أرانبٌ تـُقَدّم له جزيلَ الشكر لأنه قد قام بتأجيل ذبحها أياما أخر، فإذا لاحت طلعتُه البهية سابـَقنا الريحَ لكي لا يرانا.
سمعتُ زميلين كانا بالقـُرْب مني يتحدثان في أمور سياسية، أذْكـُرُ منها ظنَّ أحدِهما أنه يجب الدفاعُ عن السجناء، وأن معتقلي الضمير اخوتنا في الوطن، وأشقاؤنا في الانسانية، وأنَّ الواجبَ الأخلاقي يقتضي معارضة سيدنا وقائدنا الذي تـَحْدُث كل الجرائم ضد المواطن بتواطؤٍ معه، أو برضاه، الضمني أو الصريح، أو بتوجيهاته التي لا يستطيع أحد أن يُعْصِيها ولو بشـَدِّ عَضـَلة خلفية في وجهٍ يوشي بتبـَرُّم غير مرئي!
لم أشترك قطعاً في الحديثِ، بل تسللتُ خارج المكان لئلا يطرح عليّ أحَدُهما سؤالا يـُغنيني خوفي الدائم عن الإجابة عليه أو حتّىَ السماح لأذُنيّي أنْ تـُدخله في طبلتها ولو كان همساً غيرَ مسموع!
عاقبت اليوم ابني الأكبر عقابا لن ينساه بعدما أسـَرَّ إليّ أنه اشترك في جروب علىَ الفيس بوك يـُبدي أعضاؤه المتهورون اعتراضاتٍ شبابيةً ساذجةً علىَ الأسرة الحاكمة، ونفقاتها، وسوء تصرفاتها، وإهدار أموال شعبنا، فقررتُ أنْ أمْنـَعَه من الدخول علىَ الإنترنيت حتى يتعلم أنْ رفعَ الرأس أمام الكبار خطيئة من الكبائر التي لا أسمح بها في بيتي أو تحْمِل اسمي الذي ورثه أولادي.
طاعة ولي الأمر من طاعة الله، وأستطيع أنْ استدعي من أقوال العُلماء والفقهاء، الأحياءِ منهم والأموات، ما يجعل نبضات قلبي تعود منتظمة ومستقرة بعد الإيمان أنْ الخروجَ علىَ طاعة جلادينا، وسجـّانينا، ومُعـَذّبينا، ونَهـّابينا هي معْصيّة للخالق، عزّ وجل، والمؤمنُ الجبانُ له جنتان، والمطيعُ كالقطيع يَهشّ عليه الحاكمُ بسوّطه فتنفصل مفاصلُ ركبتيه قبل أنْ يلتهب ظهْرُه.
يطاردني الأرَقُ بعدما زادتْ جماعاتُ مناهضةِ الحاكم، وتغيير القوانين والدستور، والمطالبة بمساواة الراعي بالماشية، والظن الأحمق أن دماءَنا النجسة لا تختلف عن الدماءِ الزرقاء النقية لأسيادِنا، ومالكي رقابـِنا، وراكبي ظهورنا!
ماذا سأفعل إنْ نجح المعارضون، وتـَحَرّرَ الوطنُ، ولم يـَعُدْ قفاي يتلذذ بكفٍ غليظةٍ تهوي عليه كلما رفع عينيه أمام السلطة أو ممثليها في كل مكان؟
أيُّ قَدَم سأقوم بتقبيلها إنْ أصبح الوطنُ كلّه مِلـْكاً لي ولأهلي ولأبناء بلدي، وحَمَل سيّدُ القصر عصاه ورحل كما فعل الإستعمارُ من قبل؟
متعة أنْ تكون جَبـَاناً لا تعادلها متعةٌ أخرى، فكل الأيام متشابهة، وكل البصقات على وجهي متساوية، ولا يهمني مَنْ يَحـْكـُم، ولا أكترث لصراخ جاري الذي سَحـَلـَته أجهزة الأمن أمام زوجته وأولاده وجيرانه، ولا أسـرع لنجدة من يستصرخني، ولا أرُدّد مع الحمقى شعارات جوفاءَ ضد سيّدي ووليّ نـِعْمـَتي.
لقد تمكنتُ من ضبط وبرمجة كل عضلات جسدي لتـُصبح مُطيعةً أكثر من طاعةِ كلب تـَرَبّىَ في أحضان كـُرّباج لا يستريح بعد الضرب أو التلويح إلا مع بقايا عظام يـُلقيها إليه صاحبـُه!
أول أمس أرسلتُ رسالة إلكترونية غاضبة لصديق أراد توريطي في تلقـّي مقالات وأخبار أدبية وشعرية، لكنني خشيت أنْ تتسلل إليها كلمات سياسية، أو يلتصق عنوانُ بريدي الإلكتروني بآخر لأحد المعارضين فتكون نهايتي أمام رائد صغير في قسم الشرطة التابع له سكني.
هؤلاء الأوغادُ الذين يـُعارضون الحكومة، وينتقدون القائدَ الملهم، ويتحدوّن أجهزة حمايته التي تستطيع تصفية نصف سكان الوطن في مذبحة تصْغـُر بجانبها رواندا وكمبوديا و .. دارفور!
لا أريد أنْ أنخرط في جماعة، أو يتلوث توقيعي بكلمة(لا)، أو يُذَكـِّرَني أحدٌّ بأنَّ سُجناء الضمير هم أبناءُ بلدي، أو يقنعني مخبول أنَّ الأموالَ التي ينهبها الحاكمُ وأولادُه هي مِلـْكٌ لأولادي وأحفادي، أو أنـْصِتْ لمجنونٍ يحاول إلقاءَ مسؤوليةِ خَرَابِ الوطن علىَ نِصـْفِ النبي الجالس فوق رؤوسنا منذ اللازمن إلى يوم لا يعرفه عَرَّافٌ أو كاهِنٌ أو ضاربٌ بالـْوَدَع!
إنني ترابٌ فوق ترابٍ لم يتصلصل بَعـْدُ في صورة بشر، وأنَّ حياتي ومماتي ونـُسُكي ومحياي لمن يملك من قصره رقبتي ولساني ومشربي ومأكلي و..مستقبلَ أولادي.
لو جاء حمارٌ ودخل القصرَ عنوة، وألقىَ البيانَ رقم واحد فإنني سأصفق له قبلما تتحرك أيدي الحاضرين، وسيهتف لساني باسمه الكريم قبل أنْ تتحرك شفاه الآخرين.
نعم، أنا جبان، ولو علـَّق سيدي كل الشجعان المدافعين عن حريتي على أشجار بطول الوطن السجن وعَرْضِه فإنني خارج الدائرة وقـُطـْرها وحسابـِها.
فليحترق الوطنُ، وليغتصب الحاكمُ كلَّ أهل بلدي، ولتسرق عائلتـُه فـِتاتَ الطعام من أفواه أولادي، ولتخرج جماهيرُ الشعب غاضبة عليه، وليرقـُص على جثثِ رُبعِ أو ثلث أو نصف الكائنات الحية فوق هذه الأرض المغتصبة، لكنني سأخلد كل ليلة إلى نوم عميق ولو بدا لي من ارتعاشة جسدي أنه أرَقٌ لا ينتهي مع إشراقة يوم جميل، فصباحُ الشُجـْعانِ فـَجـْرٌ، وصباحُ الجُبناءِ ليلٌ طويل!

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في مايو 2010
Taeralshmal@gmail.com

حوار بين اخوانجي و .. فلولي!

أرشيف
أوسلو في 12 يونيو 2013

كان لقاؤهما عن غير قصد، فالأول ينتظر أمام المسجد بعد صلاة العصر ليراه أكبر عدد ممكن من الناس، والثاني عائد لتوّه من لقاء مع حثالة ( إحنا آسفين يا رَيّس )، وتحادثا لبعض الوقت فتسرب الحديث إلينا.. أيضا عن غير قصد!

الاخوانجي: أراك ضعفت، ونحفت، وهزلت، وامتصت الهمومُ حــَـمْرة دماء وجهك فبدوتَ مثل يتيم فقد كل عائلته حتى الجدّ الثالث، ألا زلت تعتقد أن مبارككم سيلعب الإسكواش في قصر عابدين مرة أخرى؟            

الفلولي: وأنا أراك سمنت كأنك أسمنت، وحككت جبهتك في حصيرة قديمة مُعــَــجّلا ظهور زبيبة دائرية لتتفتح لك أبوابُ الدولة بعد أن فتح الشيطانُ لكم أبوابَ السجنِ في ليلة الهروب الكبير.

الاخوانجي: مسكين ذلك الذي زعمتم أنه بطل الضربة الجوية الأولى فإذا به يتمارض، ويرقد على فراش في المحكمة ولا يدافع عن نفسه دفاع الفرسان، فأخفى وجهَه خلف نظارة سوداء ثمنها يُطعم ستين أسرة مصرية، وأخفاه ولداه خلف ظهرهما فترجل قبل أن يمتطي صهوة جواده، لأن الجبان يحتفظ بقلب فأر ولو قضى ثلاثين عاماً يزعم أنه ملك الغابة و.. منتجع شرم الشيخ!
مبارككم بــَــرَك على قدميه أمام أول غضبة شبابية، وتأجل حُلم سيدة مصر الأولى في أن تكون الملكة الأم بعدما كانت الملكة الزوجة، وظهر الوجه القبيح لمجرم ولص ومهرب وفاسد وطاغية وأحمق، ولم يُصَدِّق أن مُحبيه كارهوه، وأنَّ عبيدَه مُبغضوه، وأنَّ كلابــَــه مُفترسوه!
مبارككم تأرّنــَــبَ في ثمانية عشر يوماً أعقبت تأسُّـدَه ثلاثين عاماً، فتحول الزئيرُ إلىُ ضــَـغيب، وبكى شبلــُـه الأصغر على مُلــْـك أعدته له أمُّه في إعلام أعمى، وبين كبار صغروا أمامه لسنوات طويلة فوصلت قاماتهم إلى طرف حذائه.
الفلولي: تتحدث كأنك ترى نفسَك في المرآة، فمرشدُك معبودك، وكلابه أسيادك، وأنتم الذين أوصلتم محبوبنا الرئيس مبارك إلى تثبيت حُكمه بطاعتكم المقززة، وقناعاتكم مع سلفييكم أنَّ وليَّ الأمر يأمر برموش عينيه، وتلتهب أقفيتُكم دون أنْ يلمسها، وتــُــقـَـبـِّـلون يدَه اليــُــمنىَ وقدمــَــه اليُسرى بزعم أنَّ طاعتكم إياه واجبٌ ديني وليس عبودية مختارة.
أنتم أطلتم في عمره، ولعبتم دور السجين المظلوم الذي زنــْـزَنَه في قبو تحت الأرض سجّان بشع، وكنتم تمتدحون فيه إذا أمسك الكرباج، وتــُـصدرون فتاوى باسم السماء ضد من يخرج مناهضا حُكمه، وتكتفون بالدعاء بينما مــَـرَّ علىَ سجون سيدنا وتاج رؤوسنا ربع مليون مواطن مصري في أقل قليلا من ثلاثة عقود.
حتى 25 يناير نال منكم الهجاء والقدح والذم قبل أن يعرف أول شاب ثوري طريقه إلى ميدان التحرير.
كانت طــُـزُّ مرشدكم السابق رسالة إلى الاخوان المسلمين في مصر كلها التي ترونها تعيش في جاهلية، وحاولتم إخفاء كراهيتكم للوطن على حساب الدين، فخسرتم الآخرة في مقابل عدة أشهر فوق البساط الأحمر وعدة أيام في فندق طابا تتمتع خلالها أم أحمد وأهلها بزقازيق الرفاهية قبل العودة لزقازيق الأزقة والحواري.
الوطن محبة، والدين تسامح، وأنتم فرطتم في الاثنين معاً، ثم سرقتم الثورة من أفواه شباب غنــّـوا، ورقصوا، ورفضوا الخروج من ميدان التحرير قبل أن يخرج سيدنا أبو علاء من القصر الجمهوري.

الاخوانجي: أنت مثل عاهرة تــُـلقي موعظة الثورة، ودماء تزعم أنها احمرار الخدّين، وقاتل يُصلي في الصفوف الأمامية وبدلا من أن يتوب إلى الله، يعتذر لمُدرّبه على الافتراس ( إحنا آسفين يا ريس )!
أنتم قملة الدلفين التي كانت تعيش على تنظيف جسده وأكل ما تبقـَّـىَ من طعامه، فيحميكم و.. تــُـلـَـمعونه.
أنتم أعداء شعبنا ووطننا، وسرقتم في ثلاثة عقود أموالا لو أنفقتموها على أصحابها لأكلتْ مصرُ من فوقها ومن تحت أرجلها، وأسقاهم ربهم ماءً غدقا.
أنتم أصحاب مشاريع الوهم، وفتحتم بطن مصر ليستخرج اللصوص أمعاءها، وبعتم ذهبــَـها الأسود في اليوم الأسود بثمن بخس لأعدائها، وصدّرتم غازها لغــُـزاتها، واختار مخلوعكم أفشل وجوه مصر وأقبحها لتشويه وطن لم تحافظوا عليه حفاظ الرجال، فكشف جيشكم عذرية بناتنا أمام العالم أجمع.
الثورة قامت لتكنسكم حتى لو حــَــكم على سيدِكم بالبراءة سبعون قاضياَ عن يمين ويسار كل منهم سبعون مستشاراً.
أنتم دودُ ينتظره الدود على أحرّ من جمر، وأنتم حشرات سيحشرها حفارو القبور يوما ما وهو متأفف من النتن الخارج من الجسد والتاريخ.
الفلولي: وأخيرا سمعنا أصواتكم بعد عقود من الصمت الجبان، ودخلتم القصر والمجالس وأنفقتم من بيت المال وأطــَّـلعتم على أسرار الدولة، وانحنى أمامكم أبناء أبطال العبور، واستأذن الجنرالات في الدخول على الإرهابي خيرت الشاطر وهو يمزق رسائل عبد الناصر، ويقهقه ضاحكا على أوراق المخابرات المصرية ومحاكمات 54 و65 قبل أن يحرقها ومرشده وعريانه وكتاتنه وبلتاجه.
أنتم مغول مصر الجــُــدد، ولصوص ثورة الشباب، ومخربو وادي النيل، ومحتقرو من تظنون أنه لا يعتنق عقيدة الجماعة، ولا يــُـقدس مرشدكم المعتوه.
أنتم حالة من الكراهية التي قــَـسَّمت الوطن إلى وطنيـّـن: واحد يكذب على السماء والثاني يرجو السماء أن تخسف بكم الأرض.
أنتم نصَّابون في لعبة الثلاث ورقات، فتضعون في واحدة آية سامية، وفي الأخرتين تعليمات مُرشدكم، وتــُـقسمون أنه العدل الالهي، لكن إبليس اعترف بأنه يقف خلف كل واحد منكم يوسوس له فإذا به أبلغ من المرشد لسانا وفصاحة وكذباً.
أنتم حالة شاذة في التاريخ والجغرافيا والدين والزمن، ولن يمر طويلُ وقتٍ حتى يصبح خروجُ أحدكم إلى الشارع أصعب عليه من الموت مع الفئران.
أوصلتــْـكُم إلى الحُكم سذاجة الطيبين الذين لوّحتم لهم بالمصحف فصدّقوكم، ولما حققتم أغراضكم الدنيئة، تلذذتم بدماء المصريين أمام "الاتحادية" وفي السجون وفي الميادين، وحمل كل منكم سيفه وخنجره وقلبــَــه الأسود.
حكمة الله في وصولكم لخروجكم، ومعجزة الخالق في صعودكم لسقوطكم، وفي كشفكم لتعريتكم.

الاخوانجي: فلولي وحكيم، هذا شيء عجيب!
حرامي وفيلسوف، هذه توصيفة مدهشة!
الزمن لا يعود إلى الوراء، والتاريخ يكتبه المنتصر حتى لو كان واقفا فوق جثث المنهزمين.
نحن وصلنا إلى الحُكم لأن الهُبل أكثر من الـــْـهَمِّ على القلب، ولم نستدع أكثر من بعض السُكر والدقيق والزيت وآيات قرآنية كريمة يقرأها مزيــِّـفونا على أسماع الساذجين فيظنون أننا أصحاب مشروع خلافة إسلامية، ويحلم كل منهم بعروس تركية بيضاء إذا لمستها وقفتْ شعيراتُ الجسد، وإذا تنفسْتَ أمامها .. فقد عشقتها.
لم نسرق الثورة لكننا تسلمناها وفوقها قــُــبْلـَـة من المشير طنطاوي، وقنا بأننا شركاء في الثورة فصفق لنا الملايين، وخطفناها فخرج شباب الثورة يتنافسون معنا في الانتخابات.
لن نعود مرة أخرى إلى الضعف والمَسكنة، فمرشدنا سيأمرنا بذبح الخراف رغم أنكم تطلقون علينا هذا الإسم.
نحن وأنتم لا نهتم بمصر وشعبها، وأيدينا وأيديكم ملوثة بنفس الدماء، ومرشدنا معبودنا كما مخلوعكم سيدكم.
نحن أيضا فلول اخوانية وأنتم اخوان الشيطان.
نحن وأنتم في مركب واحد إذا غرق لن تفرق أسماك القرش بيننا، وكراهيتكم للمصريين لا تقل عن بغضنا لهم.
أنتم تستخدمون الأرض للتحايل على السماء، ونحن نستعمل السماء لخداع أهل الأرض.
نحن وأنتم سبب خراب مصر، فلا تعايرني ولا أذمك، فالمقصلة التي سيستعين بها المصريون ستقطع رقبتي ورقبتك في نفس الوقت.
أنتم أنذال ونحن أنذل. أنتم جبناء ونحن أجبن. أنتم ولاد كلب ونحن ولاد ستين ألف كلب.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 12 يونيو 201

أمريكا .. شيكا بيكا!

هذا المقال نشرته عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقبل احتلال أفغانستان، وأعيد نشره الآن للتذكير باليوم الذي فتح علينا أبواب الجحيم.

في السينما المصرية كان هناك حلمان لأمريكا فشل كل منهما فشلا ذريعا، الأول مجموعة البائسين الحالمين في أمريكا شيكا بيكا لخيري بشارة الذين عادوا قبل منتصف الطريق بعدما اكتشفوا قبل فوات الأوان أن الحلم إذا أصبح حقيقة قد يهدم جذور الوطن كلها.
 والثاني أرض الأحلام لداود عبد السيد فقد اكتشفت بطلة الفيلم قبل السفر بلحظات أن الوطن أيضا قد يمنح أحلاما كثيرة ولو لم يتحقق إلا قليل منها. وخلال تصوير الفيلم طلب المخرج داود عبد السيد من فاتن حمامة أن تنهي آخر لقطة بكلمة: طز في أمريكا، لكنها رفضت رفضا قاطعا، على الرغم من أن هذه الكلمة يقولها في كل يوم عشرات الملايين من البشر بدءً من فيدل كاسترو ومرورا بالعقيد معمر القذافي والفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين وقيادات الأحزاب اليسارية والمطحونين والسود والعبيد والثوار في أمريكا اللاتينية وأحفاد سكان هيروشيما وناجازاكي والفيتناميين والكوريين الشماليين.


طز في أمريكا هي الكلمة السحرية التي يستخدمها الغاضب والحزين والسياسي اليساري و الشيوعي والفنان البوهيمي ومعظم رسامي الكاريكاتير في العالم. طز في أمريكا قالها أحمد فؤاد أحمد نجم في قصيدته" قالوا الفانتوم حامل موت سقط الموت بعلم أمريكا"، وهيج بها مظفر النواب مستمعيه وهو يقول " وزير النفط له ذيل يخفيه بكيس أمريكي ويصوت ضد الإرهاب به" وكذلك نجيب سرور ونزار قباني، وأيضا محمد صبحي في " ماما أمريكا"!


إنها ليست كلمة جديدة أو قبيحة بل إنها أحيانا تختصر وتعتصر كل الآلام والأوجاع للشعوب التي سقط فوقها حذاء اليانكي أو هراوة العم سام .
وأمريكا هي الحلم والكابوس.. وهي السماء والأرض.. وهي تمثال الحرية وقيود في أيدي نسل كونتاكنتي، وهي كانت مع تحرير الكويت والإبقاء على صدام حسين، وهي حقوق الإنسان في أرفع صورها والتمييز العنصري في أحط مشاهده. وأمريكا صنعت الإرهاب وبكت على ضحاياه وساعدت شاه إيران في بناء المعتقلات وتقوية قبضة السافاك، ثم تخلت عنه بعد استهلاكه ووقفت مع صدام في حربه ضد إيران، ثم ابتسمت له بعد أن استخدم المواد الكيماوية في قتل آلاف من أكراد شعبه.


وأمريكا هي التي شجعت صدام حسين على غزو الكويت ثم ساعدت في تحرير الكويت بثمن لم تكن تحلم به، مالا ونفطا وقواعد في الخليج كله. وأمريكا هي السينما التي عشقناها ونحن صغار، ونعرف نجوم الفن السابع فيها أكثر مما نعرف أسماء المثقفين العرب والكتاب والعلماء والشيوخ والسياسيين باستثناء عمرو دياب وعمرو موسى وعمرو خالد وعمرو شعبان عبد الرحيم!


أكثر من نصف سكان النرويج حتى أوائل القرن الماضي هاجروا إلى أمريكا وثلث سكان السويد وبها أربعون مليونا من الأيرلنديين وفيها العالم كله يبني حضارة جديدة وقوة عظمى فوق عظام الهنود الحمر كما فعل الأسبان عندما احتلوا دول أمريكا الجنوبية وأبادوا السكان الأصليين. والأمريكي يجلس أمام التلفزيون ويأكل وجبة همبورجر لو رأتها مريم نور لماتت بالسكتة المعوية ثم يفتح زجاجة كوكاكولا ويشاهد الجنود الإسرائيليين وهم يقصفون النساء والأطفال في فلسطين بكل ما أنتجته ترسانة الأسلحة الأمريكية ثم يصيح غضبا ويطالب بمعاقبة الطفل الذي ألقى حجرا على حضرات الجنود الإسرائيليين المسالمين.


وأميركا كانت تشاهد بنصف عين جنود صدام حسين المهزومين وهم يلقون من فوق المساجد بالنجف الأشرف في ثورة مارس عام واحد وتسعين بجثث الأطفال الغضة الطرية ثم تذبح الضحية ويتقاذف جنود المجرم صدام حسين رؤوس الأطفال أمام أمهاتهم وآبائهم، وأعطى الرئيس الأمريكي أوامر لجنوده داخل حدود العراق بأن لا يقتربوا.
كلنا ننام ونضم الحلم الأمريكي في أحضاننا وتحت الوسادة ونصفق لرامبو ونشارك في الحوار مع ودي آلان في مانهاتن وكأننا جزء من المثقفين اليهود في نيويورك وعندما حصل فيلم الجمال الأمريكي على الأوسكار أدرنا ظهورنا فهو ليس منا ولسنا منه!


وأمريكا تلهب ظهورنا وتحتقر قادتنا ويستقبل الرئيس الأمريكي الزعيم العربي بعد وصوله بيومين أو ثلاثة لمدة لا تزيد عن عشرين دقيقة ثم يصطحبه إلى البيت الأبيض ويدير له ظهره قبل أن يرحل الضيف. وعندما ينهزم رئيس أمريكي في الانتخابات يفكر في زيارة لبلد عربي فيستقبلونه استقبال الأبطال الفاتحين كما حدث مع ريتشارد نيكسون الذي فضحه شعبه في ووتر جيت فأعاد إليه السادات اعتباره في استقبال لم تشهد له مصر مثيلا منذ وصول خروتشوف إلى الإسكندرية عام أربعة وستين.
أمريكا صنعت الأفغان العرب وقالت لهم بأن الأسلحة التي يحاربون بها الإلحاد الشيوعي هي أسلحة تعود لأهل الكتاب وتطلق نيرانا مؤمنة وتقتل بأمر الله وأن الكتاب المقدس في جيب كل عميل للــ سي آي إيه فصدّقها المجاهدون، فلما انهزم السوفييت قرر المجاهدون استخدام الأسلحة المؤمنة في تدمير المساجد والمدارس وقتل الأبرياء وجعل من بقى حيا من الأفغان معاقا.
ثم انشقت الأرض وخرج منها أهل الكهف للمرة الثانية ولم يكن كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد هذه المرة. وطالبان حركة تنتمي إلى كوكب آخر ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالعقل البشري أو التسامح أو الإسلام أو الجمال أو الخير ولكنها وجدت الأفغان يتقاتلون ويدمرون بلدهم فلماذا لا يشترك الطالبانيون في تدمير ما تبقى من أطلال أفغانستان.


معادلة غريبة لم يجد تاريخ العالم لها مثيلا، فأمريكا تبحث منذ دفن الشيوعية في سروال جورباتشوف عن عدو أحمر أو أصفر أو أبيض فقد مات الأحمر وهزمها الأصفر من قبل وتحالف معها الأبيض فوجدت ضالتها في الأخضر لتحيل حياته إلى الأسود.


في كتابه" أمريكا طليعة الانحطاط" يقول مؤلفه روجيه جارودي: إن أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عينت العدو البديل وهو الإسلام أو الشيطان الذي ستحاربه. كيف يمكن لمصانع الأسلحة الأمريكية أن تستمر دون أن يكون هناك عدو تجرب فيه كل منتجات الدمار؟ وما فائدة تمثال الحرية إذن إنْ لم تكن حرية أمريكا في ضرب من تشاء متى تشاء؟
تعيين الشيطان الجديد لم يكن مهمة أمريكية فقط، فالإعلام الأوروبي الكسيح قادر على لعب دور الخادم الأمين للقوة العظمى، وما يزال الأوربيون يشعرون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أنهم مدينون لأمريكا بحريتهم ويعتذرون للكيان الصهيوني بتقريع الضمير للهلوكوست، وهنا ساند الإعلام الغربي التهم الأمريكية قبل أن يَطّلع عليها، وبللت دموع توني بلير وجنتيه وهي التي لم تذرفها عيناه على مئات الأطفال الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص كان يعلم به منذ ثمانين عاما اللورد بلفور.


وراحت ألمانيا تخلط بين بكائها على الضحايا واعتذارها لإسرائيل للمرة الخامسة بعد الألف وذلك عن ضحايا النازية. ولطمت أوروبا خدها الناعم على الدولار، وبصقت أمريكا على اليورو كما يفعل الكاوبوي كلينت ستود في فيلم" من أجل حفنة دولارات"!


لا يهم فأمريكا لا تحتاج لتبرير، وحركة طالبان بكل تخلفها وبدائيتها وقسوة رجالها وعدائهم لقيم التسامح وعدالة الإسلام يبحثون أيضا عمن يجعل منهم شهداء أو معوقين أو شحاذين في شوارع بيشاور وكابول. ماذا حدث في أمريكا؟ الهجوم على مركز التجارة العالمي جريمة إرهابية بأي مقاييس إنسانية، دينية أو علمانية أو فلسفية أو سياسية أو أخلاقية .
وأمريكا هي الخصم والحَكَم والقاضي والمحامي والجلاد والسجــَّـان وهي أيضا الحاجب في المحكمة فتقرأ أسماء المتهمين لكنها لا تسأل عنهم فهي قادرة على أن تعلن الحرب على أشخاص ومؤسسات ودول وتجار مخدرات وتعتقل من تشاء وتستدرج الشيخ عمر عبد الرحمن عن طريق الحكومة السودانية التي سلمت من قبل كارلوس لفرنسا، أو تخطف رئيس بنما من بيته وتضع في يديه القيد كما تفعل الشرطة مع المجرمين في حي هارلم.
وأمريكا لا تعرف أننا تأسفنا وتألمنا لموت آلاف الضحايا الأبرياء في مركز التجارة العالمي وكان حزننا في الواقع أقل على الضحايا في وزارة الدفاع التي حجب الإعلام الأمريكي أخبارها حتى لا تفقد التعاطف الدولي معها، وأيضا لأن تدمير مبنى الدفاع كان صفعة على قفا القوة الكونية العظمى. على المستوى الشخصي فأعترف بأن حزني كان شديدا وعميقا على رجال الإطفاء، فأنا أراهم في كل مكان ملائكة الرحمة وجنودا من السماء وشهداء بغض النظر عن دياناتهم وجنسياتهم. نحن نحزن لأن في صدورنا قلوبا مفعمة بالرحمة وليس لأننا نقدم كشف حساب لأمريكا أو نبكي لأن دماء الضحايا الأبرياء زرقاء حتى لو تبرع لها الرئيس الفلسطيني.
المشكلة أن أمريكا أجبرت العالم كله على شق الجيوب ولطم الخدود، وأعلن الرئيس الأمريكي أن من ليس معه فهو ضده وهو منطق صبياني كنا نستخدمه ونحن أطفال، ولكن من قال بأن الرئيس الأمريكي ليس طفلا؟ لأمريكا بالعالم كله علاقات غير صحية قائمة على التهديد والوعيد والتصرف الأحمق مثلما حدث في دوربان بجنوب أفريقيا، فواشنطون على استعداد للتضحية بكل أصدقائها من أجل الإبقاء على الكيان الصهيوني العنصري في فلسطين المحتلة.


يقوم الإعلام الأمريكي في الحقيقة بخدمة الأهداف الاستعمارية للدولة ولكن بطريقة تختلف تماما عن الاستعمار الأوروبي، فهنا ضغوط ومعاهدات دولية وصندوق النقد الدولي ومجلس الأمن وتخريب اقتصاد الآخرين، وقد نجحت أمريكا في صناعة الإعلام وتمكنت من قتل ملــَـكة التفكير لدى المتأثرين بالإعلام خاصة التلفزيون. إذا كان الإنسان حيوانا اجتماعيا فالأمريكي حيوان تلفزيوني تحركه مشاهد العنف والإثارة والجنس، ويبكي بحرقة على الطفل الكوبي حتى لا يعود لأبيه، لكنه لا يتأسف لحظة واحدة على مقاطعة أمريكا لكوبا لأكثر من أربعين عاما!


إذا لقيت إسرائيلية مصرعها فهي يهودية قتلها العرب، وإذا سقط الفلسطيني فهو عربي ضحية العنف المتبادل. وأمريكا ليس لديها وقت لمناقشة جرائمها ضد البشرية، ويخطئ الذين يظنون أن واشنطون ستراجع حساباتها بعد العمليات التي استهدفت كرامتها وقوتها ودفاعها ومخابراتها، فهي لم تفعل ذلك بعد انسحابها من فيتنام، وهزيمتها في الصومال، وضحاياها في ميناء بيروت، وطردها من لجان حقوق الإنسان وهي لن تفعل بعد جريمة تدمير مركز التجارة العالمي والهجوم على وزارة الدفاع.


الشيء الذي لا يعرفه الأمريكيون ولا يفصح عنه الملايين من الذين ذرفوا دموع الحزن على الحوادث الأخيرة، أن في قلب كل شخص، ولو كان قد سقط مغشيا عليه من الحزن جزء سعيد مبتسم أو شامت أو غير مكترث أو تحقق له حلم الانتقام من أمريكا وهذا لا ينتقص قيد شعرة من صدق مشاعر الحزن والألم على الضحايا الأبرياء.
إنها توأمة النقيضين في المشاعر تجاه أمريكا، حزن ظاهر يطالب به المجتمع والأخلاق والعادات والمصالح، وفرح خفي لا يطل برأسه إلا قليلا. دمعتان دافئتان على الضحايا، ودمعة أخرى لا يعرف أحد أنها من دموع الفرح.
حزن صادق يخيم على كل لسان يحمل بين جنبيه قلبا فيه رأفة ورحمة، ويسير معه جنبا إلى جنب شعور بالشماتة في أن أنف الكِبر الأمريكي لمس الوحل لأول مرة بعد تمرغه في أوحال فيتنام. ثلاث دول كانت تعترف بحركة طالبان الإجرامية وهي المؤسسة المتخلفة والقاسية والإرهابية وتجار المخدرات وقتلة الشعب الأفغاني، أما الأولى فهي باكستان التي خرجت منها حركات التطرف واستقبلت أفغان العرب في بيشاور، حتى دعوة الإخوان المسلمين ،التي كان المرحوم حسن البنا يسعى لكبت العنف والتعصب فيها تلقفها أبو الأعلى المودودي فجعلها باكستانية متعصبة ثم أعادها إلى الإخوان المسلمين ليعربها سيد قطب وتتفرع منها بعد عشرين عاما كل حركات التطرف الديني. وأخرىَ اعترفت بها لأسباب إنسانية ولدعم فقراء أفغانستان، أما السعودية فكانت السلطة الدينية هي التي ضغطت للاعتراف بها فلما اكتشف آل سعود أن مصلحة الوطن قبل أي شيء بادرت الرياض بقطع العلاقات.
تضرب أمريكا أو لا تضرب فوجهها القبيح يطل علينا من فوهة بنادق الجيش الصهيوني في كل يوم، وجرائمها لا تمنعنا من منطلق أخلاقي وديني وإنساني أن ندين جريمة الإرهاب ضد الأبرياء في نيويورك وواشنطون.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج

الوطن من الخارج أكبر!

أرشيف
أوسلو في 30 ديسمبر 2013
 
كل دولة لها خصوم في الخارج تفرز تلقائيا طابورها الخامس الذي تلتقي مصالحه مع أعداء الخارج فتتكون جبهة موحدة حتى لو لم يكن هناك لقاء ظاهر أو حوار مباشر أو دعم مبطن أو تعاطف ضمني.
وكل جماعة أو طائفة تكبر أو تتعاظم أو تتع
الى مشاعر أفرادها طائفيا أو مذهبيا أو دينيا أو ايديولوجياً تلتقطها قرون استشعار من قوى خارجية ترى أنها قد تكون امتداداً لها في الحاضر أو خلايا نائمة لوقت لاحق عندما يحين موعد التعاون.

ليس هناك استثناء وتاريخ الغزوات والاستعمار والاحتلال والاستيطان يؤكد على هذه الحقيقة، فيتقدم الطالبانيون الأفغان في مدن الحدود الباكستانية ليجدوا في أحضانهم نظراءهم على الجانب الآخر، ويصرخ أئمة في قُم الإيرانية ليصغى إليهم مصلون، ليس كل المصلين، في النجف الأشرف، وتزعم الحكومة اليمنية أنها ستقضي على تمرد شيعي فيظهر مئة موقع سني يبرر جرائم السلطة في صنعاء، ويخرب الاخوان المسلمون طوال عام كامل الحياة في مصر فينبض قلب حزب العدالة والتنمية في تركيا الأردوغانية تعاطفا مع الباطل الاخواني في مصر، وتخرج مظاهرة في العقبة الأردنية من الامتداد الروحي للجماعة في المملكة الهاشمية.

الوطن يصغر كلما كبرت جماعة فيه، ويتقزم إذا تطرفت، وتبهت صورة قومه حين تتناثر على أرضه قوميات وطوائف ومذاهب وعقائد وجبهات، ليختفي بعد ردح من الزمن خلف كل جماعة، ففي لبنان مثلا يختفي الأرز خلف سبعة عشر زعيماً، فإذا أتى الغريب لا يحتاج حينئذٍ إلى التشرف باستئذان القاعد في قصر بعبدا، ولعلنا نذكر كونداليس رايس وكيف هبطت طائرتها الأمريكية في مطار بيروت وتوجهت إلى الزعماء في دلالة إلى أن سيد القصر ليس إلا اختياراً سورياً حتى يطل الأسد، أب أو ابن بعده، من شرفة قصره الدمشقي على رعايا الشام في بيروت.

الغريب أن صورة الوطن التي بهتت في الداخل تشرق في المهجر، ففي خضم التصفية على الهوية في بلاد الرافدين، والرعب الذي يزلزل كيان العراقي وهو ينتقل من منطقة إلى أخرى، و من شارع إلى ميدان، والشك الذي يرسم علامات الفزع على الوجوه وكأن الآخر يستعد لجزّ رقبة ابن بلده، يكون هناك في مكان ما بعيداً عن العراق ثلة من الأصدقاء، شيعي وسني وكردي وتركماني ومسيحي وصابئي يتسامرون في شقة أحدهم، ويذرفون الدموع المهجرية وهم يستمعون لناظم الغزالي، ويحكي كل واحد عن طفولة حذف منها كل ما يشير إلى الطائفة أو الدين أو المذهب، ثم يتعانقون في نهاية السهرة، ويعود كل منهم إلى بيته، فإذا اتصل بأهله في صباح اليوم التالي رسموا له على الأثير دماء وجروحاً وأشلاء ومشاعر كراهية حاول أن ينساها في سهرة اليوم السابق فأعاد له أهله رسمها من جديد.

في الغربة نحب الوطن، ونلغي من ماضينا كل السلبيات التي علقت به، ونقطع لسان من يسيء إليه، ونتباهى به، ونبرر سلبياته، ونتفاخر بإيجابياته، ونصل في العشق إلى جعله مركز الكون حتى لو كان قائما على بضعة مئات من الكيلومترات.
وفي الوطن يقوم أهلنا بتوسعة المسافة بينهم وبينه، وقد لا تصيبهم الدهشة وهم يشاهدون ممثلي الشعب تحت قبة البرلمان يتسابقون في إهانته، فمنهم من يرفض الوقوف تحية للنشيد الوطني، ومنهم من يحتقر العــَــلــَــم بألوانه الزاهية التي تخفق في القلب قبل أن ترتفع فوق السارية، ومنهم من يرى جنسيته عقيدته فيلغي الآخرين الذين لا يدينون بعقيدته.

الطائفية والمذهبية والجبهوية الدينية حالات متعددة من الكراهية حتى لو أقسم أصحابها بأن إيمانهم ممهور برضا السماء، لذا فالعدو يعثر بسهولة على متعاونين من بين الطوائف المذهبية والدينية لأن الضمير الديني على أهبة الاستعداد لتقديم تبريرات في لي عنق الآيات المقدسة.
الطابور الخامس غالبا ما يكون مواطنين تحركوا قليلا أو كثيرا ناحية مشاعر الطائفية أو الجماعة أو الأقلية العرقية، لذا كان أكبر مشهد تحقيري يؤكد أن الوطن والطائفية نقيضان لا يلتقيان إلا لـِـماماً صورة مواطنين مصريين تعلموا على أيدي جواسيس نائمين أن يدوسوا بأحذيتهم القذرة على عــَـلـَـم بلادهم.

التيارات الدينية في العالم العربي لا تختلف عن جحافل الغزو ، وفي أقل من عام من حُكم الإخوان كانت تل أبيب ترقص فرحة بمُرسيـّـها، وواشنطون تسترخي لأن رجالها حلوا محل جمال عبد الناصر في القصور الجمهورية، وبؤر الإرهاب تناثرت على رمل سيناء، وميليشيات مسلحة وملثمة تستعرض عضلاتها في كل مكان، ورئيس متخلف عقلياً كلما زار بلداً هبط بالمصريين درجة وترك انطباعا أن ديمقراطية صندوق الانتخاب تعني اختيار الأجهل.

المهاجرون الذين يشاهدون وطنهم من الخارج يعانون غربة مواطنيهم في الداخل ، والسوري والعراقي واليمني والمصري والليبي والسوداني والتونسي الهائمون على وجوههم في شوارع باريس وجنيف واستوكهولم وروما وسيدني وهيوستون وبرلين وأثينا وكوبنهاجن يعيشون عذابات الوطن مضاعفة حتى لو لم يكن من بينها أمن وسكن ورغد العيش وأسرة وأولاد وصحة وعلاج و ....
اللصوص المحترفون يسرقون من المواطنين كتبهم المقدسة قبل أن يستولوا على الوطن، ويزعمون أن ملكية الأرض حصلوا عليها بموافقة السماء، فإذا وصل الكذب والتزوير والتزييف إلى أقصى المدى أقسموا أن الله شاهد على أعمالهم ويخفون حقيقة أن رب الكون العظيم شاهد على جرائمم.

لو أخفى كل العرب خلف ظهورهم ولمدة عامين فقط المذهب والدين والطائفة والعقيدة والحزب والفرقة والجبهة والجماعة لأسقاهم الله ماءً غدقاً، ورزقهم من حيث لا يحتسبون.
كلما حدثني عربي عن تقواه وإيمانه وتمسكه بعقيدته رأيت بوضوح دماءً تسيل من أنيابه.
العقيدة الوحيدة التي تقف مدافعة عن الوطن والمواطنين هي الصمت ، وما عدا ذلك فمزايدة دينية قبل قطع رقاب خصومهم.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 30 ديسمبر 2013

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...