شطحات العقيد في معاملة العبيد!
"من أرشيفي عن القذافي"
ماذا لو دفع العقيد معمر القذافي لأهالي ضحايا لوكيربي عشرات الملايين من أموال الشعب الليبي؟ أليست ليبيا ملكا خالصا له؟ أليست أموال النفط الليبي تحت إمرته يتصرف فيها كيفما شاء ومتى أراد؟ قد يشتري أسلحة للجيش الجمهوري الأيرلندي ليقوم بعمليات إرهابية في قلب لندن، أو يسدد لنادي إيذارلون الألماني جميع ديونه المستحقة في مقابل نشر إعلانات عن الكتاب الأخضر على تيشيرتات اللاعبين، أو يدفع مبالغ طائلة إلى كلود مارتي الفرنسي للقيام بحملة تجميل للعقيد في صحافة الغرب، أو يقوم برشوة زعماء أفارقة مستبدين ومتخلفين في مقابل منح العقيد صفة قائد لأفريقيا!
تاريخ طويل يمتد لأكثر من ثلاثة عقود حكم فيها هذا المهووس شعبنا الليبي بالحديد والنار، وجعل تجاربه في الفكر والفلسفة والرواية والتاريخ والإرهاب والتصفية والحروب والمعاهدات وغيرها نماذج مضحكة ومبكية لأطول فترة حكم هزلي ومسرحي يقوم بها عسكري لواحد من أكثر شعوب الوطن العربي تمرسا في النضال، وطيبة وحضارة وفطرة دينية قائمة على السلام وعدم التدخل في شؤون الآخرين.
لم يفلح العقيد في إقناع الأفارقة الذين أهدر عليهم ثروة بلده نظير إيصاله إلى رئاسة الاتحاد الأفريقي، فخطفت جنوب أفريقيا منه كرسي الرئاسة، وعاد في موكب سياراته التسعين وفي حراسة أربعمائة من رجاله المسلحين كأنهم سيخوضون حربا جديدا مع تشاد، واستقبلهم ملك سوازيلاند التي يقال بأنها تقع ما بين جنوب أفريقيا وزيمبابوي. والحقيقة أن المئات الذين يحرسون العقيد يمثلون نسبة ضئيلة من حرسه الخاص وأجهزة أمنه ومخابراته، فضلا عن جهاز التصفية الداخلي والخارجي، وهو جهاز يتولى التخلص من الكلاب الضالة.. المعارضين.
وللتصفيات في الحقبة السوداء المقيتة لحكم العقيد دور فعال وحيوي، فالأمر ليس مقتصرا على خطف الإمام موسى الصدر ومعاونيه الذين تلقوا دعوة رسمية من رسول الصحراء، وظنوا أنهم بمأمن في بلد عربي إسلامي يعرف قائده البدوي الصحراوي قيمة المحافظة على ضيوفه ولو كانوا خصومه أو ألد أعدائه.
وتخلص العقيد من ضيوفه المكرمين، وظل فكر التصفية مهيمنا عليه، فلم تتورع أجهزة استخباراته العفنة عن اختطاف المعارض منصور الكيخيا في الاسكندرية وتشحنه إلى حيث تشفي غليل العقيد. ألم يحدث الشيء نفسه مع الصحفي الأردني جهاد عبد الله الذي تم شحنه بعد تخديره إلى طرابلس الغرب، ليقع بين أيدي زبانية التعذيب ثم تتخلص منه بعدما تذيقه ويلات كرمها فقد كتب مقالا لاذعا عن عائشة القذافي اعتبره العقيد ماسا بكرامته، فلم يلجأ إلى القضاء أو إلى صاحب المطبوعة، فالتصفية تــُـدخل على نفس القائد الليبي بهجة وانشراحا.
مرة واحدة قرر فيها القذافي اللجوء إلى القضاء وذلك عندما نشرت صحيفة ( الوطن) السعودية مقالا افتتاحيا عن عقدة النقص التي تملك على العقيد فؤاده وعقله، إن بقى من عقله شيء، بعد ما قدم مبادرة متخلفة ردا على مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، بل إنه طالب بضم الكيان الصهيوني إلى جامعة الدول العربية وإنشاء دولة (اسراطين) والعقيد مهووس بالأسماء وأصولها، فالهنود الحمر من أصل عربي، وشكسبير هو الشيخ زبير، أما كلمة مافيا فقد فسرها في محاضرة له بجامعة القاهرة بأنها تعني معفية، أي أن العصابة معفية من العقاب والمحاكمة. والحمد لله أنه لم يكتشف بعد أن كلمة القذافي كانت أصلا (كذابي)!
وأجهزة تصفية الكلاب الضالة في جماهيرية العقيد تتابع عن كثب كل الكتابات والمقالات والمعارضين والمشككين، فهي التي طعنت معارضا ليبيا في لندن وكان يعمل في محل بقالة، وهي التي اختطفت مواطنين ليبيين من الأردن بعد دفع رشوة كبيرة لواحد من أهم المسئولين في المملكة الهاشمية، وطاردت صحفيين وكتابا في تونس، ووضعت على قائمتها كل العاملين في مجلة جبهة الإنقاذ الوطني الليبية.
نعود إلى تعويضات لوكيربي التي ستستنزف من ثروة شعبنا الليبي الكثير في مقابل عدم زج اسم العقيد في مأساة الطائرة التي انفجرت فوق مدينة لوكيربي الاسكتلندية، ونتعجب من تنازل ليبيا عن الدفاع عن مواطنها المحكوم عليه بتهمة تفجيرا لطائرة، والطلب من السلطات الاسكتلندية ومحكمة العدل الدولية السماح له بقضاء بقية فترة سجنه في بلد عربي.
النتيجة الطبيعية والمعروفة سلفا في حالة موافقة نظام عربي على استضافة المقراحي في أحد سجون عالمنا العربي وهي أكثر عددا من الجامعات ومعاهد البحث العلمي، أنه ستتم تصفية صاحبنا بعد فترة قصيرة خشية أن تتسرب من تحت لسانه معلومات تضر فخامة العقيد ديكتاتور ليبيا.
كأن هناك اتفاقا خفيا ومشبوها بأن الزج باسم العقيد من المحرمات في هذه القضية، ولم تذكر لنا محكمة العدل الدولية أسماء شركاء المقراحي، وهل هناك قنبلة تنفجر في ملهى ليلي في برلين أو في محطة قطارات في القاهرة، أو في أي مكان تصل إليه فرق تصفية الكلاب الضالة من أجهزة استخبارات الجماهيرية العظمى دون علم مسبق وموافقة ضمنية أو صريحة من رسول الصحراء؟
لقد أوصى في واحدة من اجتماعات القمم العربية بالتخلي عن المسجد الأقصى، وهو الذي وصف العرب بأنهم حقراء وجبناء، وأعطى أوامر بإثارة القلاقل والاضطرابات في مصر، وعلق طلاب جامعات وتلاميذ مدارس على المشانق في ليبيا، وأهدر ثروة النفط، ودخل حروبا فاشلة، وألغى مهنة المحاماة، وحارب اليساريين واليمينيين والإسلاميين، وكشف لبريطانيا أسماء قيادات الجيش الجمهوري الأيرلندي بعد منحه الدعم والمال والسلاح، وقام بتسليم أجهزة الاستخبارات الأمريكية وثائق وأسرار عن المقاومة الفلسطينية، وأمر باعتقال المذيع الليبي مصطفى رمضان، وجعل شعبنا الليبي مجموعة من المصفقين والمهللين والمتظاهرين من أجل القائد المتخلف، وطالب بتحويل الحجاج إلى القدس بدلا من مكة المكرمة، وغير التاريخ الهجري، وتعامل مع الكتاب الأخضر على أنه أكثر رقيا وشمولا من القرآن الكريم، وأدار ظهره لقضايا الأمة العربية من أجل توحيد
قارة سمراء على الإيدز والفقر والحروب والصراعات، واستنزف جهد وأموال المغرب خلال دعمه للانفصاليين الصحراويين، وافتعل صراعات حدودية مع مصر وتونس والسودان وتشاد، وأعاد شعبنا الليبي عقودا طويلة إلى الوراء من فقر وجهل وعبودية وخوف، وجعل ليبيا سجنا كبيرا، وطرد العمال المصريين والتونسيين والفلسطينيين بعد سرقة أموالهم، وأثار الضغائن خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وفكك تركيبة الدولة ليجعل منها فوضى بوهيمية، وأرسل حجاجا ليبيين إلى القدس، وأطلق صيحته الاستبدادية بقوله أن لا حرية لأعداء الشعب، وحاول احتلال مدينة قفصة التونسية، وطالب الفلسطينيين أثناء حصار بيروت بالانتحار الجماعي، وأخبر عدنان خاشقجي بأنه يحب إسرائيل!.... وماذا بعد؟
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو النرويج
Taeralshmal@gmail.com