17‏/04‏/2016

الديمقراطية البيـــضاء و.. الاستبداد الأسمر!

القصر لا يحتاج لمجلس النواب لكي يبرر أعمالــَــه وقوانينــَــه وتجاوزاتــِــه، ويكفي أنْ تبني مصانعَ غيابِ الوعي في الإعلام والمدارس والجامعات والملاعب ومعارض الكتب والفن، ثم بعد ذلك تــُـقيم صرحَ ديمقراطيةٍ لا تهزّ ورقةَ شجر في خريف هاديء!
قل للرعية أنَّ الديمقراطية هي حُكــْــمُ الشعب، وأنَّ صوتَ الأميّ يتساوىَ مع صوت المــُــتعَلم، وأنْ كونسرتو البيانو لرحمانيــنـوف يعادل الدفّ الشرعــي في زارٍ أو سهرة للدراويش، فسيركعون لكَ.
حاول أنْ تقنعهم أنْ ما تــُــعــَـلــّـمه المدارسُ والجامعات هو نفسُ ما يتلقاه الجالسُ في غرزة للمخدرات، وأن قــُـبــَّــة البرلمان تُخفي الجميعَ تحتها، فالديمقراطيةُ من حق الجاهل قـَـبــْـل العالــِــم، وأنَّ سيــّدَ البيت الأبيض سيــُـصفــّــق لنتيجة الانتخابات النزيهة(!)، شريطة رضا واشنطون على توَجّهات المؤيد لوجودها، وكذلك المعارض الكرتوني لتدخلاتها.

الوعيُ السياسي يمثل العدوَ الأولَ للاستبداد، إذاً فعلىَ الاستبداد أنْ يستعين بالديمقراطية لتطرده من المشهد الظاهر و.. تعيده لاحقاً عبر المشهد الخــَـفـيّ.
لو وقفتْ القوانينُ والأنظمة واللوائحُ والقواعدُ والأخلاقُ والقيمُ والعادات والتحضّرُ والتمدّن والتقدمُ ضد وصول حشـــَّـاشين ومغيـــَّــبين وسليطي الألسنة ومنزوعي الأدمغة، فإن الديمقراطية قادرةٌ علىَ مدّ البساط الأحمر للسكير والجاهل والحشــَّـاش والفاسد والمجرم والمنافق ليدخل مرفوعَ الرأس وممثــِـلا للشعب و..ليس ممثلا عليه!

يخشى العاقلون والواعون والشرفاءُ الدخولَ في جدال حول استبداد الديمقراطية خشية إتهامهم بأنهم يضعون صورة كيم يونج أون في غرف النوم، وراؤول كاسترو في الحمَام، وموجابي في صالون الاستقبال، ثم إن العالم كله التزم بالمفهوم الأوحد لديمقراطية الاستبداد، ولو كان الدكتور جمال حمدان بيننا لتفوَّق مرتضى منصور عليه، ولو كان الدكتور عبد الوهاب المسيري حيــَّــاً ونافس مصطفى بكري لما كان للمسيري وحمدان حظ في مقعد صغير داخل أو.. على باب الحرَم الديمقراطي.
صناعة اللاوعي تبدأ من هنا .. من وضع عــَـصابة على عينيك تتخيل إثرها أن القضاءَ شامخ ونزيه، وأنَّ الديمقراطية في فصول محو الأمية هي شمس الغرب التي تسطع على العرب، وأن ما يؤرق الأبيضَ ليس لون الأسمر، إنما قدرته على القراءة والكتابة و.. الفهم!
أكثر مثقفينا في العالم العربي تصطكّ رُكـــَـبـُـهم فزعاً إذا قيل لهم بأنهم دعاةُ استبدادٍ، ولا يريدون للأميين والجاهلين سبيلاً، فأسيادُ العالم هم محرّكو البرلمانات، والديكتاتور في شرقنا يُصــْـنــَــع سبعين مرة في غربهم، فالقذافي وصدام حسين ومبارك والأسدان، الأب والابن، وأبو عمار، وعلي عبد الله صالح، والحسن الثاني ، وزين العابدين بن علي، وتيتو، وبوكاسا، وعيدي أمين دادا، وبينوشيه، و.. عدد هائل من الزعماء علىَ مدى التاريخ كان يتم تلميعُ أسنانهم، ثم يستبدلون بها أنياباً، ثم يعيدون الأسنانَ أكثر لمعاناً عن ذي قبل، ثم يــُــذْبــَـحون في نهايات أعياد الطاغية ( مثلما فعل توني بلير مع القذافي).

ليست دعوةً للاستبداد وليست تهنئةً للديمقراطية، لكنها بحثٌ عن الطريق الثالث الذي يُخْرج من الشعب أفضلَ ما عنده، ويرفع من شأن عباقرته ومُصلحيه وموسوعييه وأنبيائه الجدد وزعمائه الذين أهال المهللون عليهم الترابَ، ديمقراطيا واستبدادياً.
أحشرعشرة حمير في كل انتخابات لبرلمانات الدنيا كلها، فسينجح منهم اثنان في أوروبا، وثلاثة في أمريكا، وواحد في الدول الاسكندنافية، وستة في العالم العربي، وخمسة في أفريقيا السمراء، وأربعة في أمريكا اللاتينية، وسبعة في العراق، وتسعة في المنفصلين عن الاتحاد السوفييتي السابق، وأقل من واحد في كندا واستراليا ونيوزيلندا، لكن الحميرالعشرة سينجحون في أكثر من خمسين دولة من دول العالم.

مع افتتاح الجلسة الأولى، ومع قــُــرب انتهاء المناقشات يمكنك أنْ تــُـرَكـِـب أذنـَـيــّـن لكل حمار برلماني تعرفت ْعليه نباهتك و.. وعيك السياسي.
لا تفرحوا بالديمقراطية، ولا تحزنوا على غياب الاستبداد، فصندوق الاقتراع فيه شيطان، وثعبان، وجاهل، ومثقف، ورجل دين، وحزبي منافق، ووصولي حقير، وإنسان شريف، وتبقىَ الأزمةُ قائمةً طالما راقــَـبــَـك الكبارُ والأغنياءُ في العالم المتقدم وأنت تضع إصبعــَــك في أُذُنــِــكَ، أو أنـْـفــِـكَ، أو في الحبر، ثم ترفعه فلا تجد حمامة، إنما ناب أو أنياب أو نواب أو نوائب!

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 13 يناير 2016
                                    

خرافة نسخ الثورة!


الثورة فكرة قبل أن تكون دعوة، والتمرد غضب داخلي يخرج بعدما دخل وتخمــَــر!
ثورة 25 يناير 2011 لا يمكن أن تُستنسخ مرة أخرى، فالعصيان، والغضب الشعبي، والمظاهرات، واللقاءات الموسعة والتمرد يمكن أن تنسخ منها عدداً لا نهائيا، أما الثورة فهي كائن حيّ، فيه روح وأحلام وآمال ومشهد مستقبلي لا يشاهده بوضوح إلا المعلــَّـقون بالوطن، سواء كانوا فيه أو .. مهاجرين.

تضعف أحلام الشعوب عندما تتمزق إلى كيانات متفرقة ولو كانت ملتحمة، ومقطــَّــعة ولو كانت ملتصقة، فإذا تسلل اليأس إليها، تحولت الأحلام إلى كوابيس.
السماء تنزل إلى الأرض مرة في كل جيل فتستأذنه لتجديد حياته، والأرض تصعد في كل جيل لأنها لا تحتمل التغيير، وتضيق بالنهضة، وترفض الحرية، وتُقبــِّـح الجــَـمال!
خلال ثورة 25 يناير نضج المصريون ثلاثين عاما في ثمانية عشرة يوماً، وهرم الطاغية، ولكن قوىَ الفساد والطغيان والنهب والنفاق والمزايدة الدينية ترددت بين أمرين: أنْ تطيح بالطاغية نهائياً أو تقبض على الشعب إلى حين!
الثوار الشباب انتظروا مصر الحديثة فجاء الاخوان بمصر الخلافة. مبارك يحتاج إلى وقت حتى يستتب أمر السرقات والمنهوبات وضمان الحرية وشراء الضمائر. المشير طنطاوي منحه بسخاء الفرصة لعدة أشهر في شرم الشيخ حتى يُحاكـــَــم أمام القضاء. عام ونصف العام ثم يأتي حُكم مرسي وخيال المرشد، لتنبت ذقون المريدين، وكلهم يُقسمون أن الله معهم، ففي صفحات الكتب المقدسة يتبادلون أماكنهم، ولو أرادوا أن يجعلوا من كارل ماركس أو حسن البنا أو كل الجنرالات رُسلا بدون رسالة، وأنبياء بغير وحيّ، فالرعية تقف على أهبة الاستعداد للركوع، والسجود، وتقبيل الأيدي.

ثورة 25 يناير 2011 كانت حالة خاصة في التاريخ المصري، ومن أراد تكرارها بعد خمس سنوات من اندلاعها فهو يحتاج إلى دراسة تاريخ الثورات من النقطة صفر.
الحمقىَ الذين يحتلون شاشات الفضائيات يلطخون صورتها الجميلة والمبهجة والنورانية، ولا يعرفون أن مبارك وكلابه كانوا يدهسون وجوه الإعلاميين لثلاثين عاماً أو يزيد، والشعب يكره طلعتهم، والفلولي كالاخواني كالسلفي كالحزبي.
الدعوة لــ25 يناير 2016 انتحار بدون ثمن، والداعون ليس لديهم سند إلا في الدوحة واسطنبول ولندن ، ومكملوهم(!) في (الشرق ) و( الجزيرة ) يخوضون حرب التزييف، كأن 25 يناير الحقيقي سيعيد الزمن وأصحابه وشبابه وشهداءه وأهدافه.
الثورة الوحيدة التي يمكن أن تنجح في مصر الآن ينبغي أن تكون بقيادة مصطفى بكري والمستشار الزند وأحمد موسى ومرتضى منصور وتامر أمين ومحمد حسان وعمرو أديب ورانيا محمود ياسين والقرموطي وأماني الخياط ... فهم القوة الجديدة في مصر التي أجمع عليها شعبنا، قبولا أو رفضا، لأنهم امتداد لكل السلطات في مصر، الحرة والمعتقلة!
إنني أدعو الثوار المزيفين أن يذهبوا إلى السينما يوم 25 يناير 2016 مهما كانت توجهاتهم، فأصحاب الثورة الحقيقية هم الذين يملكون مفاتيحها، لكنها اختلطت بمفاتيح الزنازين!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 14 يناير 2016
                                    

هل مصرُ ما تزال عربيــة؟

لماذا شنَّ المصريون الحربَ بضراوة ضد اللغة العربية؟
يكره المرءُ الشيء الذي يكشف ضعفه، ويُعري سوءاته، ويُقصــِّــر طوله، ويُضعف قوته أمام الآخرين.
سنوات طويلة وغضُّ الطرف عن الضعف اللغوي لدى المصريين أنتج في النهاية حالة اللادهشة على كلِ المستويات، حتى كاد الخطأ والصواب يتساويان، وتراجعتْ قيمة اللغة السليمة ، وتلطختْ جودتها، ولم تعــُـدْ الأخطاءُ تثير إنتباه أكثر المستمعين لها.
بكل خجل وحياء وأسف واعــتذار أقول بأن اللغة العربية الصحيحة والسليمة في مصر أضحت قريبة من القاع، والمثقفُ العربي في الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا ولبنان وسوريا والخليج واليمن تكاد أذناه لا تتعرفان من لسان المصري على الضاد الجميلة التي عاشت سنوات انتعاشها قبل خمسين عاماً، وعرفتْ لغة أهل الجنة أدباء وإعلاميين وشعراء ورجال دين وسياسيين من مصر تقترب ألسنتهم من البيان حتى في أحاديثهم العادية.

في مصر الآن مناهضة ومعارضة وإزدراء وضعف وتسوّس ومرض لا يقتنع أصحابه أن ألسنتهم في حاجة إلى علاج عاجل، ليس لغلبة العامية، وإنما لهجرة الكتاب، وإهمال قواعد اللغة، والأمـــَــرّ والأكثر حُزنا هو ميل المصري إلى اعتبار النطق العامي المخالف لجرس اللغة ورنينها وموسيقاها مقبولا في الأمة العربية التي تمزَّقت، فلما قاومت الغزو الثقافي مئات الأعوام جاءت الهزيمة، لغوياً، بيد أهلها.
كانت اللغة العربية في مصر خط الدفاع الأول، وتتوسع مصر عربيا وإقليميا باللغة أولا، عاميتها وفصيحتها، فلما نزل معول الهدم على الأدب والشعر والكتاب والإذاعة والتلفزيون والحوارات بدأ خط الانحدار يسُرع إلى الحضيض، فلا تستطيع أن تفرّق بين استديو وغرزة، ولا بين إعلامي وتاجر مخدرات، ولا بين منطوق حُكم قضائي و .. شجار في مقهى بلدي!

كانت القنبلة اللغوية على لسان المستشار أحمد رفعت وهو يقرأ الحُكم في قضية القرن، فلم يتمكن من قراءة جُملة واحدة سليمة، ثم اكتشفنا لاحقا أن القضاة والمستشارين والإعلاميين ورؤساء المؤسسات الثقافية والتعليمية ونواب الشعب لم يسمعوا عن اللغة العربية وقواعدها ونحوها وصرفها وتشكيلها وبيانها وتعبيراتها وكنوزها وجمالها وموسيقاها، فعجــَّــموها ودهسوها وحطموها ونثروها في آذان تنفر من الجمال.
أنا لا أخاف على مصر من هزيمة عسكرية أو سياسية أو خسائر مالية أو طوفان أو فيضان أو كل سدود أفريقيا حولها، لكنني أخاف عليها من انفصالها اللغوي والبياني واللساني عن محيطها، فتصبح الهيروغليفية أقرب إلى أهل مصر من المتنبي وأبي تمام والرافعي وطه حسين والعقاد والمازني والهيكلين( محمد حسين ومحمد حسنين) و ..

إذا أردتَ أن تهزم قوما فعليك بقطع حبل السُرّة اللساني الذي يربط تاريخها بآدابها، وجغرافيتها بالتحام لغتها وصلابتها وسلامتها.
تأخــُـر مصر في أي مجال يغضبني ويحزنني ويؤسفني، في المجال السياسي أو العسكري أو الإعلامي أو النهضوي أو الأمني أو العمراني أو التعليمي، أما الانحطاط اللغوي وتأخر اللسان عن تعليم صحيح البيان فهو الشيء الذي أخجل منه.
البداية تبدأ من هنا .. من الاعتراف بأن المصريين تكاتفوا وتعاونوا وتساندوا في الحرب ضد اللغة العربية، وتفرنج الأبناء، وتلعثم الإعلاميون، وتضعضعت المفردات، وتقطعتْ الســُـبل بالتعبيرات فلا تدري أعربي هذا أم أعجمي.
كأني أرى الكتاب يـبكي بدموع ساخنة حقيقية على هجرة المصريين له، وكأنني أقرأ خبر إلغاء كل مجمعات ومؤسسات وجمعيات وملتقيات الألسنة مصر من عضويتها حتى تأتي لهم بشهادة موثقة أن لغة أهلها ما تزال العربية.
أرني خطابا عربيا خارجا من مؤسسة مصرية يكون خاليا من الأخطاء المتعارف عليها بدءًا من السنة الخامسة الابتدائية!

إما أن تنقذوا اللغة العربية أو تأتوا بمستشرقين يصححونها لكم!
في السنوات الخمس المنصرمة تم بعناية اختيار كل خصوم اللغة وضعافها ومرضاها لاحتلال مناصب الدولة الكبرى، فهل هي مصادفة؟
حدثني عن مستشار أو قاض أو إعلامي أو صحفي كبير يعرف اللغة العربية ولا أقول ملماً بها، إلا قليلا!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيينأوسلو النرويج 
Taeralshmal@gmail.com                                    

الإعدام أو الرجم أو الجلد لفاطمة ناعوت!

الإعدام أو الرجم أو الجلد لفاطمة ناعوت!
سيدي الرئيس
سادتي القضاة
شيوخنا الأفاضل
دعاتنا الكرام،
ما الذي جعلكم تنتظرون كل هذه الفترة لتحكموا على الحُرمة(!) فاطمة ناعوت بثلاث سنوات فقط؟
ألم تسمعوا عن جرائمها؟ إنها تكتب الشعر، وتختلط بالرجال، وتكشف وجهها، وتكحــّــل عينيها، وتقرأ روايات إباحية عن الحب والغرام والولــَـه والصبابة.
إنها تسافر لشرم الشيخ تدعو السائحين الفُــجـَّــار للعودة إلى مصر!
إنها ترتكب أم الجرائم فهي تفكر، وتقرأ القرآن الكريم ممعنة في تفسيراته بدلا من أن تترك ذكور قومها يفسرونه!
إنها تؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة، وكذلك المساواة بين المسلمين والأقباط، فكيف تتركونها حرة تؤثر في عقول الناس!
إنها تحب الموسيقى، وتسمع الكلاسيكيات الكافرة، وتنتشي بسوناتا بيانو وفيولين لبيتهوفن، وتغمض عينيها وهي تسبح في موسيقى رحمانينوف وموتسارت وإدفارد جريج، وقد تمادت في غيها وكفرها وزعمت أنها تحب الباليه!
إنها تلقي محاضرات وتنظم ندوات فيسمع الرجال صوتها، وتشاهدها عيونهم الماكرة والشهوانية، بل تصافح الرجال فينتفض الشيطان من مجلسه ليعلن انتصاره.
إنها تنافس الرجال في عالم السياسة حيث أجمع علماؤنا الأفاضل أن مكان المرأة البيت، لا تخرج إلا للقبر أو بيت زوجها، فإذا بها بكل كراهية للإسلام تتحدث عن حقوق المرأة وأموالها وحريتها وثقافتها وتعليمها.
فاطمة ناعوت يرق قلبها للخروف، ولا تستطيع أن تشاهد ديكاً يُذبح كما يشاهد الإسلاميون أطفالا ونساء ورجالا تقطع أيديهم وأرجلهم.
فاطمة ناعوت تستخدم عقلها في فهم آيات القرآن الكريم السامية في وقت تعج فيه الأمة وتكتظ وتتكدس بآلاف العلماء، فتأتي امرأة عورة وتجادلهم وتناقشهم.
قضاؤنا لا أحد يعترض عليه فنحن اخترناه بمحض إرادتنا كما قالت أماني الخياط، وهو القضاء العظيم الذي أفرج عن مبارك وولديه وحبيب العادلي وصفوت الشريف وزكريا عزمي وأحمد فتحي سرور، بل إنه حكم بالإعدام على أكثر من 1500 شخص في بضعة أيام.
فاطمة ناعوت تظن أن أنثىَ يمكن أن تتفوق على رجل، رغم أن أكثر أهل النار من النساء.
فاطمة ناعوت تكره التيارات الدينية المتطرفة، وعلى رأسها الاخوان وداعش والتيار السلفي، لذا كان ينبغي الحُكم باعدامها.
فاطمة ناعوت يجب ان تكون عبرة لمن تسول له نفسه الاقتراب من زبيبة أو لحية أو نقاب أو منبر أوشيخ أو تعاكس تفسيرا غير الذي أُلقيَ في أذنيها، أو تتشبه بالرجال فتقرض الشعر، وتتظاهر، وتعتصم، وترفع راية الوطن، وتزعم أن الله رب قلوب
فاطمة ناعوت أخطأت فظنت أن الرئيس سيقوم بحمايتها، واعتقدت أن الدستور يقف مع الفكر والمنطق والموضوعية والعدالة والمساواة، فإذا بكل هذا يتهاوى في لحظة واحدة تماما كما تهاوت مطرقة العدالة عندما قرأ القاضي مئة وتسعين ألف صفحة تدين مبارك وابنيه وحبيب العادلي وصفوت الشريف وأحمد فتحي سرور وزكريا عزمي فحكم بتبرئتهم.
فاطمة ناعوت تثير الرجال الطيبين الضعاف أمامها، ويتهافتون على صورها وكتاباتها وحواراتها بحجة المتابعة النقدية، لكن أعينهم تكاد تقفز من رؤوسها.
فاطمة ناعوت تناهض الطبيعة فتشفق على أرنب، وتبكي على عصفور، وتدمع عيناها على كلب أعرج، ويغرقها دمع غزير على جنود مصر الشهداء، فتكتب لهم وعنهم ومنهم، فيغضب القضاء والرئيس والبرلمان والشيوخ والدعاة ، فهذا إزدراء للأديان.
فاطمة ناعوت تقوم بزيارة شركاء الوطن الأقباط في كنائسهم ومعابدهم لتوسيع رقعة التسامح، رغم أنهم أهل ذمة وكفار ولا يدفعون الجزية وهم صاغرون.
فاطمة ناعوت قتيلة الحب الوطني، ونحن في دولة ساهم في وضع دستورها من يحتقر العــَــلــَــم المصري، ويرى النشيد الوطني معزوفات الشيطان، ومع ذلك فهم يحظون باحترام القضاء والرئيس والإعلام.
فاطمة ناعوت قامت بتعريتنا جميعا، وإثبات أننا رضعنا النفاق مع حليب أمهاتنا، وأن كل مصري داعشي منذ أن كان حيوانا منويا يسابق الريح فيخصب بويضة وهو يمسك السكين بيساره، ويرفع أربعة أصابع بيمينه.
اقتلوا فاطمة ناعوت فهي امرأة تتطهر بالعقل، وتتوضأ بالشعر، وتستحم بحروف ضادها الجميلة، وتحارب من أجل وطنها، فإذا بوطنها يسدد لها لكمة تجعل الغوغاء يثورون (من الثيران ) ويــُــثارون ( من البورنوجرافية الدينية )، ويثأرون ( من الفكر الدموي)!
جريمة فاطمة ناعوت تهتز لها السماوات والارض، فهي تحب الله والوطن والتسامح والسلام، فــانصبوا لها ولمحبيها محاكم التفتيش في كل مكان.
كل من يتخلىَ عن فاطمة ناعوت في هذه اللحظات كمن يمزق خريطة مصر ويلقي بها لتماسيح سد النهضة، أو كمن يستبدل بالعربية العبرية، أو كمن يطلب من الأزهر تدريس خطب الخليفة أبي بكر البغدادي.
فاطمة ناعوت، سامحينا فنحن غزاة الوطن والدين! سامحينا فنحن لم نبدأ بعد رحلة التعرف على الله.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 27 يناير 2016 .

رسالة مفتوحة لرئيس لا يسمع!

عندما تكون كل الشواهد تشاؤمية وأنت ترى التفاؤل هو الأقرب، فحينئذ يمكن أن أقول بأنــك عبقري أو أحمق، لا ثالث لهما!
إذا اختار الرئيسُ حماراً لتولي منصب خطير، فالتفاؤل هنا مقدمة لكارثة وطنية.
أختلف مع كل من يقول بأن التركة ثقيلة، وأن الرئيس قد ورثها ويحاول التخفيف من حملها، فتنظر حولك لتبحث عما فعله الرئيس فتجد كل اختياراته في الأشخاص المنوط بهم حل مشاكل الدولة غير موفقة.

الإصلاح يبدأ من العدالة، أقصد من التعليم، أعني من الإعلام، أشير إلى الثقافة، ألمـّــح إلى الاقتصاد، لكن البداية من قوانين تجفيف منابع الإرهاب، التطرف، الفساد، النهب، ثم اختيار الكفاءات، وسد أي طريق لتهريب قرش واحد إلى خارج الوطن.
ومع ذلك فالرئيس لم يبدأ بعد، ويتصدر المشهد حديث عن حرب الرئيس ضد الإرهاب، وتآمر العالم علينا، والوقت المتبقي من فترة الرئاسة.

إذا كان الرئيس يحب مصر، وهذا لا شك فيه، وتابع أخبار أم الدنيا ليوم واحد فقط .. يوم يتيم، فإنه سيسقط على الأرض مغشياً عليه.
شعبنا قام بثورتين، وما زال كثيرون لا يعرفون الطريق، فهل هو طريق مبارك وأهله ورجاله، مرسي ومريديه ورابعييه، طنطاوي والحكم العسكري والجيش، الدولة المدنية الحرة المتقدمة والخالية من الظلم، دولة العدالة العاجلة والسريعة والمنحازة إلى الحق، دولة برهامي وتخلفه وانحطاطه وفتاوى الفتنة الطائفية، دولة القروض والاستحقاقات، دولة الزمن الجديد ومن سرق ونهب وعذب وهرب واختلس فله الحق في الاحتفاظ بمنهوبات الشعب، دولة الكفاءات التي تحتل الصدارة في كل المؤسسات صغيرها وكبيرها، دولة إعادة مصر إلى تاريخها وجغرافيتها وإبداعها وقيادتها ومفكريها وعلمائها.

قولوا لنا يرحمكم الله، ماذا تريدون من الرئيس حتى يبدأ .. أو يُعدّ نفسه للبداية، والأمر لا يحتاج منه لشهر .. لأسبوع واحد حتى نرى البوصلة الصحيحة ونعرف اتجاه الجنة و.. النار.
مرة أخرى أقول لا تبرروا، ولا تطلبوا الصبر فبعض الصبر كفر، ولا تخرجوا في مليونية تتحول إلى ألفية ثم مئوية ثم عشرية تختفي في جوف سيارات الأمن، فكل الدعوات القادمة فاشلة لأن التيارات الدينية الفاشية التصقت بالخارج، وحساباتها في بنوك نعرف أو لا نعرف من يمولها.
التخدير يبدأ عندما تقول بأن الرئيس سيفعل، ولكن قل لي بأنه فعل.

لماذا الصمت؟ هل هو عجز أم جهل بحياة المصريين؟ لماذا لم يقف الرئيس مرة واحدة وينظر في عيون أبناء شعبه ويقول: تبرئة مبارك صفعة على وجوهكم، عدم محاسبة اللواء الدكتور المخترع إهانة لي ولجيشنا العظيم، سأذهب بنفسي للتأكد من معلوماتكم، الصحيحة أو المفبركة، عن وجود أولادكم في السجون والمعتقلات.

تجديد الخطاب الديني: حكمت المحكمة على من يفكر ويختلف مع برهامي وشيوخ الفتاوى بالسجن والغرامة و.. البصق على معرض القاهرة الدولي للكتاب.
مبارك وطنطاوي ومرسي أكدوا أن تخويف المواطنين هو السبيل الوحيد لثبات العرش.
لعنة الله على التيارات الدينية، متطرفيها ومعتدليها، فكلها تفسح الطريق لداعش والعلم الأسود يرتفع فوق بنايات بلد التسامح.
كلما داويت جرحاً بان جرحٌ، ويارب إنَّ قومي اتخذوا العقل مهجوراً.
من الذي أعطى التوجيهات لاستضافة البلهاء والأفاكين والجهلاء في فضائياتنا لعرقلة أي نهضة، ولغسيل المخ بقاذورات الفكر.
من الذي أقنع الرئيس أن أصحاب العاهات العقلية والنفسية هم السند الحقيقي له؟

قمنا بتفويض الرئيس لكنه لم يتسلم الرسالة بعد.
ساعدوا الرئيس في التحرر من قيوده التي وضعتها أنظمة سابقة، لعل وعسى أن يكتشف مكان شعبه.
إن إخفاء المعلومات عن الشعب جريمة، الديون، القروض، الشروط، الاتفاقات، المعاهدات، الضغوطات، التهديدات، ويصبح الصمت أمَّ الجرائم.
في نفسي غضب لو تم توزيعه على وادي النيل كله لفاض النهر الخالد على ضفتيه، وأنا أطرح السؤال الذي لا مفر من قذفه في وجوهنا: هل خلق الله فينا العقل أم هو مؤجل إلى يوم القيامة؟
أعرف أنكم قرأتم ربع كلماتي ونسيتم السطور الأولى، وتبخرت الرسالة، وسيختفي تأثيرها بعد دقيقتين وعشر ثوان.

اللهم أعد لنا الروح التي سرقها السابقون فمصر لن تتحرك بدونها.
اللهم أعد لنا العقل الذي تهافتوا على إضعافه حتى كاد يتلاشىَ
اللهم أعد لنا مصرنا التي سرقوها ونحن نفغر أفواهنا ببلادة.
اللهم هب للمسلمين والمسيحيين نعمة التسامح ليقتنعوا ويؤمنوا أنهم عنصر واحد، وأن المؤمنين بك في المسجد والكنيسة متساوون أمامك.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 2 فبراير 2016
                                    

من عاش زمن أم كلثوم فقد عاش الدهر كله!


الكلمات صناعة جديدة للهرم الرابع، ومجرى آخر للنيل، وتوسعة عصرية لوادي الملوك، وإثبات أن الله خلق الإنسان من طين وحبال صوتية .
الحروف عن أم كلثوم ذكريات وليست أطلالا،إحياء وليس حديثا عن موت، لمسة رقيقة لشعب يشعر كلما سمعها أنه يشم رائحة النغم الخالد.
سلوا قلبي فنحن أيضا نعيش بين ألفينة والأخرى ندندن في خلواتنا بروائعها، فلو هجرَتــْــنا ما هجرناها، ولو احتار دليلنا ما ظلت بعيدة عنا، وفي عصر النبوة ولد الهدى، وفي عصرنا أثبتت أم كلثوم أن الغناء معزوفات الملائكة، وأن مساء أول خميس من كل شهر كان يوم عيد للطيور والبلابل والمصريين والعرب!

الأذن تعشق قبل العين والدليل، (غني لي وخُد عنيي) فالــَــمْغنى حياة الروح.
لو لم يكن هناك أطباء فأجزخانة الصوتيات تأتيك بما تحتاج إليه، فمريض الضغط يسمع ( انت عمري ) و مريض القلب تشفيه ( يا لية العيد آنستينا) و مريض الزهايمر تــُعينه ( لســه فاكر كان زمان ) و مريض الأرق تساعده ( رباعيات الخيام فما أطال النوم عمرا ولا قصَّر في الأعمار طول السهر )
صندوق الذكرات المختبيء في أقصى ذاكرتك، إذا فتحته ستجد لكل مناسبة اسمــًـا، فقصة حبك الأولى هي ( ليلة حب )و ليست ( قصة الأمس )، وأول ابتسامة أنتشيت بها كانت ( من أجل عينيك)، وكل يأس ينتابك يلحقه ( الأمل ).
كل التواريخ والأزمنة والأشخاص تتعرض للضعف والتراجع والاختفاء، إلا أم كلثوم فهي تلتصق بالذاكرة ولا تتركها قبل أن يلين القلب ويصنع منها نبضات أخرى.
كل وجه استرحت إليه ستجد أم كلثوم غنت له ولو بصوت خافت.
كل نصر أو هزيمة وطنية تجد أم كلثوم وقد أمسكت بالجندي المصري والعربي لتسنده، وترفعه، وتساعده في رفع العــَــلــَــم، وتقول له ( طوف وشوف في جنة أرضنا ).
كل يوم يمر تعيده أم الكواكب في( أغداً ألقاك)، فهي بحق ( سيرة الحب ) لكل العرب في انتصاراتهم وهزائمهم.

أم كلثوم هي الوحدة العربية فما وجدت عاشقا للنغم من المحيط إلى الخليج إلا كانت هي ملهمته وطبيبته تواسيه وتربت على كتفه و.. تعالج أوجاعه.
رأيت وسمعت أم كلثوم في كل بيت عربي، ورأيت مصر تتعرب في آذان غير المصريين، ورأيت العرب يتمصرون بين أنامل السنباطي والقصبجي وبليغ والطويل وعبد الوهاب، وودت أن تكون لنا ذكرى مع فريد الأطرش وصوتها، لكن الزمن ليس كريما في كل الأوقات.
أم كلثوم، الوحدة العربية التي لا تنفصل بانقلاب عسكري أو ديني أو سياسي أو حزبي، فهي حبلُ الســـُــرّة في جسد كل عربي، بل هي الرباط المقدس الذي يربط الرباط بمسقط، والجزائر ببيروت، وأم درمان باللاذقية، ونواكشوط ببغداد، والكويت بسوسة والأصيل يلفها، والمنامة بغزة وعَمــَّــأن بطبرق، وبورسعيد بالدوحة، والشارقة بمكناس...
لو كنت مسؤولا لجعلت الدقائق الأولى في كل المدارس والفصول والجامعات من حق أم كلثوم لتتفتح المدارك على الجمال حتى تفرش للعلوم والآداب طريقا سوياً.
لو كنت مسؤولا لطلبت من كل مسلم ومسيحي قبل الدخول إلى المسجد والكنيسة أن يستمع عدة دقائق لأم كلثوم حتى يعرف أن ( الله محبة ).
رحمها الله رحمة واسعة

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو  النرويج                                         

المواد الأولية لصناعة الطاغية

صناعةُ الطاغية هي الشيء الوحيد الذي يشترك فيه الصانع والمصنوع بنفس القدْر!
أنت لست في حاجة ملحة إلى كثير من المواد الأولية، ويكفي أن تبدأ بزراعة مشاعر الخوف في قلبك، وتقوم بتغذيتها، وتخفيها أو تُظهرها، وتضيف إليها من خيالات الرعب أصنافا متعددة حتى يضطرب كيانك، وترتعد فرائصك، وتهتز شعيرات جسدك، ويطاردك الأرق، وتهاجمك الكوابيس، وحينئذ فمجرد وصول عملاق أو سفاح أو حمار إلى القصر لا يحتاج بعدها إلا إلى ثلة من الأوامر والنواهي لتجد نفسك في وضع الخنوع والاستسلام ولو كنت في أحد البروج المشيدة.
الطاغية كالكلب يشم رائحة رعاياه الخائفين كأن أكواخهم التصقت بقصره، وقد لا يحتاج إلى حاسة الشم ففي اليوم الأول له يكون قد التف حوله حواريوه ومريدوه ومبررو صفعاته على القفا، والممسكون بسوطه، وهم يتكاثرون عدداً، وقسوة، والغريب أن مشاعر الخوف لديهم تعادل نظيرتها لدى أفراد الشعب، والفارق الوحيد أن الأولى ترويها السادية والثانية تحافظ عليها المازوخية.
والطاغية يفغر فاه من الدهشة عندما يرى الناس تتسابق لنيل رضاه حتى قبل أن يلوح بسوطه، وإذا استرجعت الأيام الأولى له وقارنتها بسنوات لاحقة ستشاهد أن الخط البياني للعبودية الجماهيرية يرتفع متجهاً إلى العبودية الطوعية.
يقف ستالين في شرفة قصره ويلقي خطابه الذي تسري كلماته محدثة قشعريرة في مستمعيه ولو كانوا بالملايين، فإذا توقف نظر كل فرد في القطيع حوله خشية أن تلتقطه عيون تعلم من أصحابها أن من يتوقف أولا عن التصفيق ففيه روح تمرد لم يأت وقت انفجارها بعد.
كان هتلر وجوبلز، وزير إعلامه، يتبادلان نفس الدور في لذة الخطابة، فتتأرنب أعلى الرؤس ولو كانت قيادات النازية، ثم يلعب جوبلز نفس دور الفرد الصفر أمام فوهرره.
الاستبداد الطغياني مدٌّ وجزر، سكين ووردة، صفعة وقُبْلة، لكن بقدْر لا يعرف حدودَه إلا الطاغية نفسه، فإذا تأملت وجه ديكتاتور وهو يصافح جنرالا ظننت أنه سيقطع رقبته، فإنْ ربتَ على كتف جندي بسيط يحمل بؤس الريف، تجده كأنه سيعانقه من فرط التواضع.
بعض الطغاة من شدة الرهبة يوحون إليك أن الكون كله محشور في أدمغتهم، علما وثقافة ومعرفة ودهاء، لكن الحقيقة عكس هذا تماما، فالامبراطور الاثيوبي الأسبق هيلاسلاسي مشكوك في معرفته القراءة والكتابة، وكان هناك مُلــَـقـِّـن يقترب منه كلما مسَّه موقف حرج، والعقيد معمر القذافي كان حالة لا شبيه بها من التهريج والتخلف والقدرة على السيطرة على شعبه كلما تضاعفت حماقاته الفكرية، فتتباين وتلتقي، تتقاطع وتتصادم تصرفاته لكنها تصب في النهاية في خدمة هذه العلاقة المتناقضة والغريبة.
كلما توغلت السلطة في لعب دور الاستبداد أضحى كف الأولى ملتصقا بقفا الثانية، وأصبحت اللذة جزءًا من الألم مما يطيل عُمر المستبد وأوجاع الشعب.
راقب جيدًا قسمات وجوه حاشية المستبد وهو يلقي كلمته أو خطابه، تجد أنهم يبتسمون إذا ابتسم، ويقهقهون إذا ضحك، ويزأرون إذا غضب استعدادًا لأوامره أن ينهشوا لحم خصومه.
علاقة من نوع السهل المعقد، إذا دخل المستبد القصر لا يخرج منه، وإذا خرج الشعب من الكوخ أعيد إليه.
إذا دخل الحمار القصر جعلوه فيلسوف عصره، وإذا ارتابت الرعية في ذكائه أسكتتها الحاشية.
ليس كل زعيم حماراً، معاذ الله أن أكون من الظالمين، ولكن كل حمار يمكن بسهولة ويُسر أن يصبح زعيماً!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 14 ابريل 2016
                                    

التوك شو وصناعة الجهل!

ليس كلُّ من يعرف تزدادُ معلوماتــُـه، فقدْ يعرف ليجهل، وقدْ يتعلم لتنحسر ثقافتــُـه، ويتابع لتبهت مفرداتــُـه!
برامجُ التوك شو الحوارية التي أصبحتْ المصدرَ الرئيسَ للمعرفةِ في العصر الالكتروني الذي نعيشه تبدو في الظاهر كأنها حوارٌ علىَ الهواءِ يُثري، ويرفع من شأنِ المعرفة، وتتسع به دائرةُ العلوم والمعلومات، فإذا به مصيدةٌ لتوسعة نطاق الثقافة الفــَـجــَّـة، والإيحاء أنَّ صراعَ أو حوارَ الديكة علىَ الشاشةِ الصغيرةِ يحمل معه فـِـكراً سياسيـًـا مُعاصرًا يُساهم في تـَـقــَـدُّم عالـــَــم المعلوماتية.

إنَّ حوارَ النرجسية الإعلامية التي تنــتــفخ بها الذاتُ ولو كانت مُجوَّفةً استبدلتْ الذي هو أدنىَ بالذي هو خير، وجعلتْ ثقافةُ الصُوَرِ المتحركة، والشخصيات الهزلية التي تزعم موسوعيتــَـها ومعجميتـَـها واطلاعَها علىَ الخبرِ قبل وقوعــِــه، وتحليله قبل أنْ ينقله الأثيرُ إلىَ أركان الأرضِ الأربعة حالةَ تقــَـدُّم مُتــَــأخر، وتراجُع دور الكتاب والمقال والتحقيق، فسطوةُ الفكر السهل، حزبي أو ديني أو مذهبي، أفسح المجالَ لكل من يعرف الحروفَ الأبجدية ويحفظ بعضَ التعبيرات، ويلتقط حفنةً من الفيسبوكيات، ويتذكر عناوينَ تويترية، أنْ يدخل حلبةَ المصارعة ولا تُغطــّـي سوءاتــِـه إلا عمليةُ التأهيل والتلميع والسحر الفضائي ورهبة السيرك الحواري القادر علىَ التخلص من كل ما يــُــنــَـشــِّـط ويـُـنعش الذهن.

إنَّ الذاتَ الضيقة والمحدودة للضيف والمضيف يعيد التلفازُ صياغتــَـها، وصناعتــَـها، وزركشتــَـها، وتزيينــَـها، وتلميعــَـها لتقتحم قضايا معاصرة وحديثة مليئة بعلامات الاستفهام الجماهيرية، فتسرق الزمنَ الجدّيَّ لصالح نفايات تراشُق النصوص والأخبار والمقتطفات المجزَّئــَـة والمقــَـطــَّـعة، لكن الجماهيرَ تلتصق مؤخراتُها بمقاعدِها، وتفتح أفواهــَـها علىَ آخرها، فقد أوهموها وخدعوها وزيــَّــفوا مصدرَ المعرفة فتلـفـَـزوه!
إنَّ الوعيَ الجماهيري المفترضَ أنه يُسهم في اعتدال مزاج وميزان المنطق والموضوعية يتعرض لهجمة شرسة يقوم بها فوضويون لسانيون يحصلون علىَ رواتبهم من إبليس شخصياً حتى لو كانوا دعاةَ فضيلة!

إنَّ العنصرَ الأولَ في حماية الجماهير من غوغائية التوك شو ،وهو الكتاب، تمكنت قوىَ الجهل الماضوي من جعله يقف خانعاً، ومهتزاً، وغير مرئي، فالحوارات تسابق بعضُها البعض، وصناعةُ الوجوه المألوفة تجذب عبدةَ الصندوق الملون، وإحلالُ الفنانين والمطربين والعُكــَـاظيــيــن محل حــَـمــَـلة مشعل الحضارة والنهضة، فابنُ رشد يحرقون كــُـتــُــبــَــه كل مساء مع إطلالة ضيف ومضيف و.. صرخات الهستيريين!
إن القوىَ الخفيةَ، المالية والسلطوية، لا تحتاج لاستيراد عبيد أو إغراء ضيوف بالشهرة وأصفار علىَ يمين حساباتهم في المصارف، فهم يأتونها صاغرين، ولن تختبر ذكاءَهم ومعلوماتــِــهم وثقافتــَــهم وقدرتَهم التحليلية أو حتى استقامة أساليــبـهم وثراء مفرداتهم، فالشاشةُ الصغيرة تتسع للكبار، وحلمُ الشهرة والثورة والمناهضة والمناكفة والمشاكسة وزعم مساندة السماء، والشرعية والجنرالات وعبقرية سيد القصر، تجعل رقابــَــنا جميعا، أو أكثرنا، مربوطةً بسلسلة إنحشر طرفُها في الاستديو ولو كنا جالسين في الدار أو المقهى أو الغُرزة!

خلاصة ومجموع برامج الحوارات المتلفزة، رغم احترامي لبعضِ بعضــِــها، أنها الغزو اللافكري الجديد، أعني السقوط من فوق المقعد!
لا تظنوا أنَّ التوك شو لا يسرق من الذهن عصارة وخلاصة ما فيه من دَســَــم، لكنه يُلاكم، ويهزم صانعَ الحضارات .. أعني الكتاب!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 17 ابريل 2016                                              

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...