01‏/12‏/2017

الإمارات وشفيق .. محاولة لفهم ما حدث!


بريق الإعلام قادر على الإيحاء لأي مسؤول يبحث عن دور جديد أنه إذا وضع قضيته في الشاشة الصغيرة فسيصبح بين عشية وضحاها أشهر من كيم يونج أون!

الفريق أحمد شفيق كان محظوظا لإقامته خمس سنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة، بغض النظر عن كلام محاميته التي نفت نفيا قاطعا أنه كان في ضيافة الدولة.
القاعدة الشعبية لا تقوم بناء على التفاف الجماهير حول شخصية؛ إنما غالبا تقوم بناء على عدم التفافها حول منافسه، والفريق شفيق ارتكب عدة أخطاء أدت إلى سيرك الانتخابات في الإعلام، وبالتالي خسارته الفادحة.
أولا: أن الحلم الأمريكي الذي وضعه المخرج خيري بشارة في ( أمريكا شيكا بيكا ) وتوقف عند بوخارست الرومانية، وصوَّره بطريقة أخرى عاطف الطيب في ( أرض الأحلام )؛ لم يعد حلم المصريين، فدولة الإمارات أصبحت قِبلة الباحثين عن الحلم بعد تدفئته وخلجنته، فاكتسبت الدولة شعبية في خيالات الحالمين بالسفر والهجرة، وكذلك للامتيازات التي تقدمها الإمارات لمن يعيش على أرضها.
لذا كانت أول خسارة شفيقية هي معاداة الإمارات حتى لو كان العداء مبطنا وضمنيا؛ لكنه يمس أقدس ما في الإمارات وهي الأذرع المفتوحة لمن لجأ إليها.
ثانيا: القائد العسكري المُحنك لا يعلن من بيت مضيفه عن خطته للنزول إلىَ ساحة القتال، وهنا أيضا كذبتْ محاميته عندما زعمت أن الفريق أحمد شفيق لا يستطيع مغادرة بيته إلى المطار للسفر إلى مصر أو التوجه للقاءات مع الجاليات المصرية في الخارج أو للسفارة في أبوظبي.
مئة طريقة للسفر خارج الإمارات، مع افتراض أنَّ مزاعمه ومحاميته صحيحة، ومنها أداء العُمرة أو الخروج بالسيارة لدولة مجاورة أو السفر في رحلة سياحية ومنها يتخذ قراره!
لكنه اختار بيت مضيفه ليعلن ترشحه للرئاسة في مصر، ولم يكن متحضرًا في اختياره، أو متمدّنا في الزمان والمكان، فأحرج الإمارات، عن قصدٍ أو بحُسْن نيّة، وأعطى صورة مشوهة لبلد خليجي أتتْ بعد قليل من حادث الرئيس سعد الحريري، رغم أن الحادثين مختلفان، لكن الجماهير العربية في مثل تلك الأمور تحركها برامج التوك شو ذات اليمين وذات الشمال وكلبها باسط ذراعيه في الاستديو!

اختيار الفريق شفيق لبيتٍ استضافه خمس سنوات لمصارعة خصمه الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع القيادة الإماراتية كان غباءً استراتيجيا من عسكري كبير قاد انتخابات رئاسية من قبل وكاد يكتسح رجل الاخوان المسلمين، محمد مرسي، لولا حسابات دولية وأمريكية وتركية وريالية قطرية، وقبلها موافقة المجلس العسكري بقيادة رجل مبارك .. المشير طنطاوي.
ثالثا: غباءُ الفريق شفيق جعله لا يرى المشهد الخليجي البانورامي، من صنعاء إلى الدوحة، فلما حاول الزج بدولة الإمارات العربية المتحدة خسر من حيث لا يدري دولة مضيفة كريمة  كانت تمثل له خط العودة في حال فشله في مصر، وأيضا حلمه في عرش قصر الاتحادية.

رابعا: التخبط في بيان الفريق شفيق كان إهانة موجهة للإمارات شعبا وقيادة، فليس فيه حِرَفية، وثغراته أكبر من سطوره، وفضح الفريق نفسه في خيالات مؤيديه الذين انتظروا رجلا تحدىَ محمد مرسي والمقطم والمرشد، وبنىَ للمصريين مطارًا جعلهم يظنون أن مصر شفيق ستكون هكذا، فإذا بالرجل يمهد لخسارة مصر في عهده، مع استحالة نجاحه، وفقدان أهم داعم مالي ومعنوي في المنطقة لمشروعات مصر المستقبلية.
خامسا: إن صناعة المعارك فنٌّ قبل أن تكون شراسة، ومن يختار ساحته؛ يجعل خصمه يستعد بسلاح يناسبها. الفريق شفيق ظن أن دعم الاخوان المسلمين له سيمهد الطريق لتوسعة شعبيته، ويبدو أنه فقد الاتصال بحقائق الأمور وغاب عنه مشهد الوطن، والاخوان مع تيارات التشدد الداعشي والطائفي يرون أن الإمارات أصبحت عدوهم الأول، فهي التي تنبه المنطقة لخطر دواعش التزمت الديني، وتحرّض على قطع العلاقات الخليجية مع الطائفية الحمقاء، ولا شك في أن الأمير محمد بن سلمان تأثر كثيرا بالفكر الإماراتي الجديد ضد الفساد والجماعات الدينية المتشددة.
قنوات تركيا وقطر التي تتعاطف مع الاخوان وتحمل قضاياهم وأهمها عودة المعزول محمد مرسي ستزيد من سعة الخسارة للفريق شفيق حتى لو جندت كل إمكانياتها الإعلامية، فالرجل خسر معركة الرئاسة قبل أن يغادر أبوظبي.
عني أنا شخصيا فلا أرى في الساحة من يستحق حُكم واحدة من أعرق بلاد الدنيا، ولا أحمل ذرة تعاطف أو تأييد للسيسي أو شفيق أو مرسي أو مبارك أو طنطاوي أو البرادعي، لكنني لا أنكر تعاطفي مع القيادة الإماراتية الرشيدة التي تحقق في كل يوم .. بل في كل ساعة انتصارات ملموسة على أرض الواقع من أجل السلام والرفاهية والتقدم، ولو أوقفت ايران دعمها للحوثيين والدوحة وانتهت الحرب لضاعفت الإمارات من إنجازاتها الرائعة من أجل الجميع، شعبها والشعوب المجاورة، أهلها وضيوفهم، بمن فيهم الفريق شفيق.
خامسا: لا يخفىَ على أحد أن الإعلام في مصر أصبح قاب قوسين أو أدنىَ من الانحطاط والسفاهة والعته والتخلف، وعندما تلقى إشارة القرداتي للهجوم على الفريق شفيق، أخذ معه دولة الإمارات كما فعل الدب الذي قتل صاحبه، والإمارات بريئة من أي معارك يخوضها الإعلام المصري للدفاع عنها، فهي أكبر وأرقىَ وأعظم من الانخراط عن غير رغبتها في دخول ساحة الردح والشتائم والسباب، وأخلاق الإماراتيين تمنعهم من الدخول في عالم يمس هيبتهم وسلوكياتهم وتحضرهم الإعلامي، لذا فجذب دولة راقية إلى التوك شو المصري ليس في صالح صاحب الدب.
سادسا: وهو ما أحزنني بشدة عن مصريين كثيرين من أهل بلدي، قضوا سنوات من أعمارهم في الخليج فإذا وقفوا على أرجلهم، وضمنوا لأنفسهم ولعائلاتهم في مصرالمستوى المادي المطلوب، وغادروا مضيفيهم عائدين، عضّوا اليد التي امتدت إليهم، وطبعا بمجهوداتهم وعملهم، وكتبوا أنهم عانوا التمييز رغم أن السبب الحقيقي هو التكالب على الأموال، وتحويل كل المكاسب والأرباح لأرض الوطن والاستغناء عن الحياة الكريمة في السكن والإنفاق كأهل البلد.
الفريق أحمد شفيق الذي قضى خمس سنوات سواء كانت بأمواله أو من جيوب المضيفين الكرماء سينضم لاحقا لقوافل الناكرين لحياة في الغربة جعلها أهلها له وطنا بديلا لبعض الوقت.
تهئنتي الثلاثية للإمارات بيوم الشهيد، وبالعيد الوطني، وبالتعالي عن خوض معارك مفبركة من الذين احتضنتهم؛ فأداروا ظهورهم لدولة الحلم العربي البديل.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في الأول من ديسمبر 2017
Taeralshmal@gmail.com

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...