01‏/05‏/2012

نشرة الأخبار يقرأها عليكم حِمار

أوسلو في 21 يوليو 2006
هل فكرتَ مرةً في أنْ تغلق عينيك وأنت تشاهد نشرة الأخبار الصباحية أو المسائية، ثم تتخيل حماراً وسيما وأنيقا وخارجا لتوّه من غرفة الماكيير ليقرأ عليك حزمة من الأخبار غير المفهومة والتي تسبق كلا منها علامةُ تعجب وتنتهي باستفهام وتتجمع في لغز لا تقترب منه كل الفضائيات مجتمعة ومنفردة ولو كانت مُشَفَرّة لتمنعك من مشاهدة كأس العالم إن كان جيبك مثقوبا ولا يسمح باشتراكك وزيادة رأسمال الرأسماليين؟
إنْ لم تغلق عينيك فدعنا نغلقها نيابة عنك ونترك لك الحق في اختيار الحمار الذي تريد لتسمع منه أخبار العالم الثالث والحر والأخير، وستجد بعد يوم واحد أن البلاهة هي العدو الأول أو الصديق الحميم للسادة المشاهدين ( والسيدات طبعا رغم ذكائهن في اختيار برنامج طبق اليوم )
الخبر الأول كان عن انفجار سيارة مفخخة بالقرب من بغداد، ثم يُحصي لك صاحبنا عدد القتلى والجرحى، ويضيف إليها شفرات خاصة بالطائفة أو المذهب أو العقيدة أو الأيديولوجية التي ينتمي إليها رأسمال الفضائية.
ليس لديك وقت لطرح أي سؤال قبل الخبر التالي، ولن تعرف شيئا عن تحقيقات الشرطة، وعن صاحب السيارة وعائلته وقبيلته وهل كان بداخلها أم فجّرها عن بُعد!!
قطعاً لن تسأل عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تلتقط راداراتها تحركات نملة أو موقع ذبابة أو همسات بين شخصين في شارع جانبي بالقرب من النجف أو بعقوبة أو الموصل، فعشرات السيارات المفخخة التي تقودها أشباح وتنفجر في أطفال ونساء ومُسنّين وأسواق ومساجد وكنائس وشيعة وسُنّة وتركمان وأكراد لا تستطيع فضائية أن تجعلها قضية حوار جدّي، فالمطلوب أن يصاب المشاهد العربي بالجنون قبل النوم وبعد الاستيقاظ وعند مشاهدة نشرات الأخبار.
تعبث أصابعك بالروموت كونترول لتقف برهة أمام الفضائية المصرية، فتجد أمامك مذيعة بينها وبين اللغة العربية خصومة شديدة، ولسانها يقذف في أذنيك حروفَها كأنه يبعثرها أو يُهشّمها، فتسمعها وهي تستضيف مسؤولا كبيرا يمتدح القلب الكبير والرحيم الذي سمح للطفلة آلاء باعادة امتحان التعبير( مع سجن إبراهيم عيسى و واستمرار أيمن نور ومئات من الذين كتبوا موضوعات تختلف عما كتبته اليد الضعيفة للتلميذة آلاء ) .
ليس لديك وقت قبل إذاعة الخبر الذي يليه لتطرح سؤالا تتحدى الجن والإنس أن يجيبوا عليه، وهو لماذا يُبدي الوزير في أي بلد عربي قدْراً من الحماقة عندما يتحدث عن الزعيم؟
لمذا يتمتع المسؤول الكبير بنعمة البلاهة لدى حديثه عن توجيهات مولانا زعيم الدولة؟
تسرع إلى روموتك ليُحيلك إلى الفضائية الليبية فتكتشف أن كل الحمقى الذين قابلتهم في حياتك كانوا نُسخا من آينشتاين مقارنة بمذيعي الفضائية الخضراء.
تحاول أن تفهم بداية ونهاية أيّ خبر عن العقيد والكتاب الأخضر والنهر الاصطناعي العظيم والوحدة الأفريقية وزيارة ملك سوازيلاند وقرارات اللجان الشعبية والمياه الاقليمية في خليج سرت والتعويضات الجديدة لضحايا أنكر القائد مسؤوليته عن أرواحهم، ثم فجأة تشاهد مظاهرة تأييد للقرارات التاريخية التي أصدرها العقيد رغم أن المتظاهرين لم يسمعوا بها أو عنها.
تشك في قواك العقلية فلا تجد مَفَرّا من القناة الفضائية التونسية، لتتوقف أمام ندوة عن حقوق الإنسان في تونس بن علي، وهي مقامة على مبعدة كيلومترات معدودة من مركز توقيف أمني يقبع بداخله مجموعة من أبناء البلد ويتعرضون لشتى صنوف التعذيب.
تشاهد أيضا الرئيس التونسي جالسا بتواضع جَمّ في مسجد ومستمعا لخطبة الجمعة التي كتبتها أجهزةُ الأمن للخطيب المسكين ، وتزداد تعبيراتُ وجه الرئيس تواضعا ومَسْكنة فتعرف بَعدها أن وجبة من المعتقلين الجدد على وشك حضور حفلة تكريم في أحد المعتقلات يمارس فيها ضباط الأمن كل أنواع السادية.
تقضي يومك كله باحثا عن حل لغز واحد في أخبار قنواتنا العربية فلا تعثر إلا على سلسلة من الأخبار الصالحة للمعاقين ذهنيا والمتخلفين عقليا والمصابين بنعمة البلادة الذين لا يرتفع ضغط الدم في شرايينهم.
تقرر بعدها التوقف عن متابعة نشرات الأخبار والتوجه ناحية برامج الحوارات فيصيبك وجوم لا تشفى منه إلا أن تُلقي بتلفازك إلى عُرْضِ الشارع.
تشاهد برنامجا حواريا يقتلك فيه الاثنان معا، الضيفُ والمضيف.
تكتشف أن نشرات الأخبار أرحم على كوليسترولك من برامج الحوارات ، فتعود إليها صاغرا، لتقع عيناك على وزير الداخلية الأردني يُقْسِم أمام مشاهديه أن حركة حماس متورطة في تهريب الأسلحة إلى الأردن وهي عبارة عن عدة بنادق وقنابل يدوية وعشرة خراطيش من الرصاص لقلب نظام الحكم الهاشمي، والحمد لله أن المخابرات الأردنية لم تقل بأن حماس تريد اختطاف رغد صدام حسين وتزويجها عنوة من أحد أعضاء الحكومة.
تتابع أخبارَ فلسطين التي تعرفها منذ صرختك الأولى بُعَيّد سقوطك من بطن أمك فتضرب كفا بكف، ولا تفهم مَنْ مع إسرائيل ومَنْ مع الشعب الفلسطيني، وهل رئيسُ الجمهورية ورئيس الوزراء من بلدين متصارعين؟
تستلقي على مقعدك وتقرر أخيرا الانصات لصوت العقل، فالفضائية السورية ستعلن قريبا خبر الافراج عن كافة المعتقلين السوريين الذين قضى بعضهم عشرين عاما في زنزانات تحت الأرض لا يدخلها إلا ضباط الأمن والفئران، ويطول انتظارك فكل ما له علاقة بحقوق المواطن وكرامته وحريته مؤجل إلى اشعار آخر.
تستجمع خلاصة ما تابعته على الفضائيات العربية لتصل إلى نتيجة لا ترتاب فيها وإلا انفجرت شرايينك.
مشاهدينا الكرام: نذيع عليكم نشرة الأخبار المحلية والعالمية كما وردتنا من مديرية الأمن تقرأها عليكم ابنة معالي الوزير السابق، ثم يعقبها برنامج يقدمه الابن الأصغر لأحد المتهمين الكبار في قضية بنك العقارات.
سنوافيكم بأخبار عقيلة زعيم الدولة والتي شهد نصف مليار شخص أنها تستحق التتويج أميرة للعمل الخيري.
مشاهدينا الكرام: قال رئيس مؤسسة غربية شهيرة بأن على العالم الحر وأوروبا وأمريكا أن يتعلموا من حكمة زعيمنا، وأن يحسدوا المواطن العربي على نعمة مشاهدته طلعته البهية.
تظن أخيرا أن مذيعي الفضائيات العربية يبتسمون في وجهك من داخل الشاشة الصغيرة. يُخرج أحدهم لسانه لك وينفجر في الضحك داخل الاستديو فقد ظنك حماراً. تستلقي على قفاك من الضحك أمام جهاز التلفزيون الذي اشتريته حديثا فقد ظننتَ المذيعَ حماراً. تأتيك ضحكة مرتفعة من قصر الزعيم فيفهم المذيع وتفهم أنت مغزاها، فقد ظنكما الزعيمُ حمارين!
تترك مقعدك المفضلَ ثم تتوجه لاحضار فنجان من القهوة المضبوطة. تنظر إلى المرآة فلا تفهم شيئا. تفكر في المذيع وزعيم بلدك ومدير الأمن العام ونشرات الأخبار فتعرف لحظتئذٍ مَنْ أنت!

حِمار يــُــقـَدِّم أوراق ترشحه للرئاسة

أوسلو في 7 أغسطس 2005
في اللحظات الأخيرة وقبل اغلاق باب قبول أوراق الترشح لرئاسة الجمهورية، وبعد أن بلغ العدد نفس كمية الليمون لدى أحد الباعة الجائلين، شاهد المصطفون وقوفاً في حر القاهرة حماراً يجري لاهثا، ويقدم أوراقَ ترشّحه للسيد رئيس اللجنة الذي وقف مندهشا، لكنه اضطر لقبول أوراق الحمار ، فهناك سباق على المنصب والنصف مليون جنيه بالعملة المحلية.
لكن فضول رئيس اللجنة دفعه لسؤال الحمار، فدار بينهما الحوار التالي:

رئيس اللجنة: هل استوفيت الشروط اللازمة بتعقيداتها البيروقراطية والتعجيزية التي وضعها صاحب القرار الأوحد؟
الحمار: لا أعرف حتى الآن، ولكن معظم الواقفين لا يعرفون هُمّ أيضا!

رئيس اللجنة: هل تستطيع أن تجمع مئتين وخمسين صوتا من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس البلدية؟
الحمار: قطعا لا أستطيع، لكنني هنا أقوم بدور المحلل لأكبر عملية تزييف في أوراق وطن، وكل الذين تراهم هنا يعلمون الدور الخسيس أو الساذج أو الأبله أو العبيط للترشح لجعل ست سنوات فاجعات حلالا لسيد القصر، ويستطيع أن يضع أصابعه في عيون من يدّعي أن العملية ليست ديمقراطية.

رئيس اللجنة: ولكن ماذا تستفيد أنت على المستوى الشخصي من الترشح لهذا المنصب منافسا العشرات ومنهم الفائز حتما وسلفا ويقينا وتأكيدا حتى قبل فتح الصناديق السحرية لأصوات الموتى والمغيبين المتمسكين بربع قرن من نهب الوطن، ويصرون عن سبق اصرار وترصد على اطلاق رصاصة الرحمة على أم الدنيا.
الحمار: حتى يعلم القاصي والداني أنني لا أختلف عن المترشحين في أي شيء باستثناء معرفتهم المسبقة بجريمة تبرير الجريمة، أما أنا فحمار تنطبق عليه شروط الترشح.

رئيس اللجنة: لكنك تعلم أنك لن تحصد أصواتا تزيد عن عدد أصابع اليدين والقدمين!
الحمار: وهل النتيجة المعلنة لنسبة نجاح السيد الرئيس هي الحقيقة؟ كلنا نكذب، ونضحك على الوطن، ونمارس بغاء الكلمة، ونعد لأنفسنا موقعا مميزا في جحيم الآخرة.
كلنا نشاهد أرض الكنانة يتم اغتصابها مئة مرة في اليوم، ونخلد إلى الراحة اللذيذة بعد يوم مهانة واذلال وعبودية، ثم نتمسك بالمغتصب، ونقدم له تبريرات، وندعي أن مصر عاقر لا تنجب أبطالا.
رئيس اللجنة: الشعب لا ينتخب حمارا في أحلك الظروف وأصعب فترات الزمن الأغبر الذي نعيش فيه
الحمار: لكن الحمار يستطيع أن يفرض نفسه، وسيصفق الناس لي لو حصلت على نسبة واحد وخمسين بالمئة.

رئيس اللجنة: إنك تطعن في شرف ونزاهة واخلاص هؤلاء المترشحين الأبطال الذين يمارسون حقهم الديمقراطي.
الحمار: أين كان هذا الحق منذ ربع قرن؟ هذا ليس حقا لكنها منحة ورشوة خسيئة ومعها نصف مليون جنيه وامتيازات أخرى. ما يحدث جريمة بكل المقاييس، والمجرم الأكبر هو من يدّعي أن اختفاء أو انحسار أو عدم ظهور منافسين حقيقين لصاحب السلطة الأولى والوحيدة يعني أن مصر عاجزة عن انجاب عبقري مثل قائد الضربة الجوية الأولى وفقا للحديث مع عماد الدين أديب.

رئيس اللجنة: لقد حيرني أمرك، هل تريد فعلا النجاح بعد حملتك الانتخابية أم هي نزاهة ووجاهة وخُيَلاء ليصبح اسمُك في المستقبل المرشحَ السابقَ لرئاسة الجمهورية، تماما كالوزير السابق والمحافظ السابق؟
الحمار: أنا لا يشرفني أن تستقبل السماوات لعنات أهل الأرض المظلومين والمعذبين والمعتقلين بهتانا وزورا بسببي، وأن أتحمل وزر الغلاء والبطالة والفساد والرشوة ونصف مليون مدمن وخمسة عشر مليونا من مرضى البلهارسيا والكبد الوبائي وتخريج ملايين من شباب الجامعة من أنصاف الأميين ....
ولا أحمل وزر الضوء الأخضر لاستيراد المواد المسرطنة واستمرار الرجل لعشرين عاما وهو يسمم أبناء الشعب تحت سمعي وبصري وبرضائي.
ولا أحمل وزر الصفر في كل المجالات من الاعلام إلى الادارة ومن الاقتصاد إلى كرامة المواطن.
إنني فخور لكوني حمار .

رئيس اللجنة: لكنك مثلنا تتحمل الاهانة والضرب والركل والتعذيب والجوع وتظل صامتا من مهدك إلى لحدك.
الحمار: لأن الله لم يخلق لي عقلا وايمانا وقوة وشجاعة واستخلافا في الأرض، أما أنتم ممن يصمتون خوفا أو طاعة أو سكوتا عن الحق، بل وتقدمون أحط التبريرات لاستمرار كارثة وطنكم فحسابكم أشد وأقسى وأغلظ من حساب من تخافون منه، أعني من تصنعون الخوف منه وهو نمر من ورق.

رئيس اللجنة: أنت وقح وسأعمل على عدم قبول أوراق ترشحك وسأبلغ كمال الشاذلي وصفوت الشريف وجمال مبارك أن هذا الحمار لم يستوف الشروط القانونية التي وضعها السيد الرئيس.
الحمار ناهقا: وأنا أسحب الآن أوراق ترشحي حفاظا على كرامتي، مع افتراض أنك وهؤلاء الواقفين تعرفون قيمة الكرامة في وطن لم تعد فيه كرامة.

وانسحب الحمار تاركا رئيس اللجنة والمترشحين المئة في وجوم ودهشة، لكن أحدا منهم لم ينسحب، فالمبلغ المرصود يسيل له اللعاب، ولقب المرشح السابق لرئاسة الجمهورية تتفتح أمام صاحبه أبواب كثيرة كانت مغلقة دونه، والفائز الحقيقي يجلس في قصره يضحك حتى أغرورقت عيناه من مشهد السيرك، لكنه للحقيقة كان يحمل احتراما شديدا للحمار الذي انسحب حفاظا على كرامته.

الوصف الايجابي في صناعة الإرهابي

الوصف الايجابي في صناعة الإرهابي

أوسلو في 10 ابريل 2005
صناعة الإرهابي لا تختلف عن أي صناعة أخرى، مادية أو روحية، وأنت تستطيع لو كنت تملك المواد اللازمة لعمل الخلطة الدقيقة أن تصنع جنديا باسلا، وحارس سجن قاسيا، وطباخا ماهرا، وتلميذا فاشلا، وشابا مدمنا، ومعكرونة بالبشملة والتوابل الهندية، وأسمنتا مغشوشا يسقط البنيان فوق رؤوس ساكنيه بعد فترة محددة ومحسوبة، وفنانا رقيقا يستخرج من الطبيعة سحرها وجمالها ليعرضه على عينيك، ومهووسا جنسيا يرى الدنيا كلها امرأة حتى لو ظهرت له عفريتة من الجن الأزرق فسيتخيلها عارية في فراشه!
لكنك أيضا تستطيع أن تصنع إرهابيا بكل المواصفات المطلوبة وفقا للحالة شريطة توافر كل المواد الداخلة في هذه الصناعة الحديثة التي اكتسبت ُبعدا هاما!
والإرهابي لا يتبنى قضية يدافع عنها، لكنه يتلقاها جاهزة ويحفظها عن ظهر قلب، ثم يدفع بها إلى حواسه كلها فيشم بها، ويتذوق عن طريقها، ويسمع العالم من خلالها، ويرى الدنيا بعينيها، وتملك عليه كل مشاعره.
وهناك صناعات تستغرق وقتا طويلا، ويبذل فيها صانعوها جهدا غير عادي فتخرج قيادات إرهابية ليست صغيرة في العمر، وتستطيع أن تزاول هي الصناعة كما تشاء.
في الواقع فإن أكثر المواد المستخدمة في صناعة الإرهابي الحديث مستخرجة من الفهم السقيم للدين، ومن عالم مسحور ببخور الكراهية، ومن تخيلات مريضة لإلــَه قاس وغليظ يستمتع بمشاهدة قتل الأبرياء، وأحكام التكفير، وظلم النساء، واهدار الحقوق، والغاء العقل، والاحتكام لأبعد الأموات عن زمننا وعالمنا الحديث.
قبل عمل الخلطة عليك التأكد من أن الشاب الذي أمامك يملك ثغرات كثيرة يمكن النفاذ منها، كأن يكون محروما جنسيا، أو لديه تصور لرب الكون العظيم بأنه إلــَه ينتظر بشغف شديد عباده ليدخلهم الجحيم، ولا يرحم إلا قليلا، ويحاسبهم حسابا عسيرا، وأنه مشغول فقط بتتبع كل صغائر الذنوب والآثام والأخطاء، ثم تكبيرها وجعلها سببا لالقاء عباده في نار ســَــعــَـر.
عليك أيضا وأنت تبدأ في صناعة الإرهابي أن تجعله يبغض الدنيا، ويكره من حوله، ويفشل في علاقاته الإجتماعية والفكرية والوجدانية، وأن تبعد عن مرمى بصره وأذنيه أي اشياء تتسلل إلى مواطن الجمال والخير في نفسه، فهو يرى غير المسلمين كفارا ولو لم يسمعوا بالإسلام قط، وينفر من كونسرتو بيانو هاديء وجميل يرقق الطباع، ويرى السيمفونية الثامنة لبيتهوفن، وأعمال أبي بكر خيرت، وشعر محمود حسن إسماعيل بموسيقى عبد الوهاب، و(وقف يا أسمر) لفيروز، والعزف المنفرد لأيوب طارش، ودليلي إحتار لكوكب الشرق أصواتا للشياطين لأنها لا تقوم على الشرع الذي حدد الدف فقط لكي ينجو بها المسلم من عذاب مقيم إذا وسوست له نفسه وقرر الاستماع في حضور الشيطان للموسيقى.
هنا تكون قد حاصرت الشاب، وقمت بمحاولات ناجحة لتفريغ مواطن الجمال من أي شيء يجعل صاحبها يحب الحياة التي أهداه إياها رب العالمين.
لا تتعجل فصناعة الإرهابي ليست بهذه السهولة، وعليك الآن أن تجعله يكره المرأة، ويراها سببا لكوارث البشر، وأن أكثر أهل النار من النساء، وأنها لا تتحرك أو تخرج أو تتكلم أو تعمل أو تتسوق أو تصحب أطفالها إلا بحضور محرم، أي رجل يحميها من اغراءات الشيطان، ولك أن تسأل: لماذا لا يسافر الرجل السفيه أو الأحمق أو الضعيف بدون محرم، أعني بدون رجل آخر يحميه من نفسه، ويبين له أخطار الايدز إذا ارتمى في حضن عاهرة، ويحذره من الرشوة والمحسوبية والغش والفساد، فملايين من الرجال المسلمين يحتاجون لــ ( حماية ) أكثر مما تحتاج النساء!
لا عليك، فلن تجد الإجابة، بل إن سؤالك يدخل في صميم استنفار قوى الشر لدى الإرهابي، ولو طرحت عليه سؤالك هذا فربما تكون أنت الضحية القادمة!
صناعة الإرهابي لا تقوم لها قائمة بدون عالم الفتاوى الفجة والتي يعلم واضعوها أنهم لن يصطدموا بعقل يفكر، وخيال يسبح في ملكوت الله، ونفس مؤمنة بالتسامح والرحمة وترك يوم الحساب للعلي القدير.
لا يمكن أن يفجر إرهابي مُجَمّعا في الرياض، وبناية في الكويت، ويقتل سياحا زائرين آمنين في مصر، ويحكم بالإعدام على كاتب أو فنان أو مطرب إلا ويكون قد مر على عشرات الفتاوى وربما المئات في كتب صفراء، ومجلات للمتخلفين ذهنيا، وفهارس لا نهائية لفتاوى ( كبار ) العلماء، تجعله سجينا فيها، مكبل العقل في أحكامها، مسيرا بتوجيهات فضيلة الشيخ.
قرأت مؤخرا سؤالا من مسلم يسأل عن حكم الدين في تعويض صيام شهر رمضان الذي فاته، وهو يحب أن يصومه بالطريقة المثلي!
حتى الآن فالسؤال وجيه ومن صلب الدين، لكن صاحبنا يقول بأن الأيام التي فاتته من شهر رمضان المعظم كانت منذ حوالي ثلاثة وأربعين عاما!
ثلاث وأربعون سنة وهذا المسلم لا يعرف أن الله غفور رحيم، وينتظر كل هذه السنوات والعمر الطويل ليدخل في سباق المزايدة الدينية فيقدم شهادة حسن سير وسلوك للمجتمع، ويريد فقط أن يشاركه الآخرون هذا السباق المسيء تماما لديننا الحنيف. صناعة الإرهابي تكتمل بالبديل، وهو بيت في الجنة طوله ألف عام، ومكان قريب من مصب أنهارها، وثلاث وسبعون حورية تعود لكل واحدة عذريتها بعد الجماع، وعندما يؤكد الفقهاء وسحرة الفتاوى أن المسلم في الجنة في حالة انتصاب دائم، فلك أن تتصور كيفية قضاء الوقت. ولكن هل في كل منا شيء من الإرهاب لم يكتمل بعد؟ الواقع يؤكد أننا جميعا إرهابيون بدرجات متفاوتة، منا الرقيب، وضابط الشرطة السادي، والسجّان، والمخبر، والذي يطلق الفتاوى المعادية للحياة، والصامت على مضض، والذي يتمنى أن يحكمنا هؤلاء .

إبليس يتنازل للعراقيين عن المهمات القذرة

إبليس يتنازل للعراقيين عن المهمات القذرة
أحياناً يراودني سؤال عن الحَدّ الأدنى والأسفل الذي يمكن أن تصل إليه النفس البشرية وهي في كامل وَعْيّها فأجدني عاجزاً عن تصور عمق الانحدار الخُلُقي والروحي الذي تسقط فيه فتنقطع صلتها تماما عن تلك السلالة من الطين التي استمعتْ لرب العزة يقول كن فكانت أبانا الأول.
في ذهني آلافٌ من الصور والمشاهد والحكايات والوقائع التي تتقاطع مع صور الجمال والايمان بعظمة الانسان والنغم والحب والخير وكلمات الكتب المقدسة وحِكَم الأنبياء والمصلحين وضحكات السُعداء ووجوه الأطفال البريئة.
كلما استدعيتُ واحدةً جاءت في ذيلها عشرات أخريات.
أتذكر حكاية مجرم اختطف طفلة في السادسة من عمرها، وظل يغتصبها ويعذبها بعدما استأجر غرفة في أحد البنسيونات القديمة في بلد عربي لأكثر من شهرين.
شهران كاملان وهذا الذئب ينام، ويستيقظ، ويسمع الآذان ويختلط به نحيب الطفلة، وتتقيح جروحها، وتجف دموعها، وتتوسل إليه، ثم يراها بعد يوم أو أسبوع أو شهر حطاما بشريا لجسد غض بريء جفت الدماء في عروقه.
لكنه يستمر في تعذيبها، واغتصابها للمرة المئة أو المئتين أو أكثر.
ظننت لبعض الوقت أن الجزائريين تفوقوا على القساة في العالم خلال الحرب الأهلية، ففيها حكايات عن تفجير أجساد الأطفال، وتعذيب نساء في المقابر، وسلخ جلود، وجز رؤوس.
وظننت أيضا في فترة موازية لها أن الروانديين حصلوا على أوسمة القسوة وشرف الحيوانية عندما قتلوا من أبناء شعبهم مليونا من البشر حتى أن السيارات كانت تسير فوق الجثث كأنها تسفلت الأرض بأجسادهم.
قرأت عن عمليات التعذيب في المغرب في عهد الحسن الثاني وبمباركة منه ولذة عجيبة كان يشعر بها وهو يستقدم علماء مسلمين ، يستمع إليهم وذهنه مشغول بدرجات التعذيب التي أمر بها حتى أن أحد المعتقلينفي سجن تزمامارات ظل نائماً على ظَهره لعامين، وقد اختلط بولُه بِبُرازه متجمداً ليصنع طبقة سميكة على جسده لا يستطيع أنفُ أن يقترب منها على مسافة طويلة.
أعترف بأن العراق الآن حالة لا تقارنها بأخرى في العصر الحديث، وأنا لا أبحث هنا عن المجرم لكن البحث يضنيني عن غير المجرم!
لا أشير لسُنّة أو شيعة أو أكراد أو تركمان أو بعثيين أو صداميين أو قوات احتلال.
كل الجرائم البهيمية والدموية التي تصغر بجانبها أفلام الرعب وخيالات الساديين منفصلة أو مجتمعة وجدت مرتعا خصبا لو لم تتجدد مياه الرافدين لتحولت لدماء قانيةٍ تلعن الانسان وطِيَنه وروحه ودوره في تخريب تلك الأرض التي لو بقيت على حالها بحيواناتها المفترسة لأضحت جنة مقارنة بانسان اليوم.
شاهدت عشرات من صور المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب ولم أستطع نشر أي منها حفاظا على مشاعر القراء.
قرأت تفاصيل ذبح أطوار بهجت، وثقب جسدها بالدريل، وعن كل درجات التعذيب التي مرت بها.
في كل يوم يمر تعلن مئة امرأة عراقية أنهن ترملن، وربما لن تمر سنوات قليلة حتى يصبح أيتام العراق هم الأغلبية.
من ثلاثة عقود تحت أحذية شيطان بغداد وأجهزة الرعب التي صنعها، إلى احتلال أمريكي ينهب الخيرات، ويسرق أموال الدولة، ويهين العراقي، ويستبدل بسجون طاغيته السابق سجونا أكثر رعبا من بيوت الأشباح.
العراقيون أصحاب واحدة من أعرق وأهم وأقدم حضارات الدنيا وأكثرها ثراء يقررون الانتحار بوطنهم، ويقعون كلهم بدون استثناء في فخ لا يخطئه أحمق أو ساذج أو متخلف ذهني، فتظن كل فئة أنها الناجية من النار، وأنها الأكثر عطشا لدجلة والفرات، وأنها الضمان الوحيد لعراق المستقبل، والحقيقة أنهم جميعا الضمانالمشترك لجعل العراق كله، من بَصّرَته إلى سليمانيته، مدافن جماعية لن يعرف دود الأرض وهو يأكل أجسادها أنها كانت شيعية أو سُنّية أو كردية أو تركمانية أو ارهابية أو مناضلة.
العراقيون فقدوا رؤوسهم قبل أن يعدوا لأنفسهم وطنا في مقبرة.
بعد قليل ستنفجر سيارة أمام مستشفى، أو في وجوه الخارجين من صلاة الجمعة، أو في جسد طفل في السوق يجلس بجوار أمه يبيعان ما يسد رمق أفراد الأسرة ليوم واحد.
وصل أعضاء الحكومة في حماية أمريكية للحديث عن الديمقراطية، ولكن لا أحد منهم يهمس في أذن الآخر وهم يتناولون طعام الغداء في مأدبة فاخرة عن الاعتداءات الجنسية المهينة في أبو غريب على رجال كان الشرف عندهم قبل ملء المعدة، فسيد البيت الأبيض يتحدث عن المن والسلوى قريبا .. أي بعد أقل من مئتي عام.
المظلوم الوحيد فيما يحدث في العراق هو إبليس الذي لم يوسوس للعراقيين بأكثر ما يتبرعون به لاسعاده.
حالة من البلادة والغباء وإخصاء العقل وتخدير الضمير تعصف بالعراق فيتوهم كل عراقي أنه يعرف مَنْ هو المسؤول، ومن يفجر أجساد الأبرياء، ومن يتعاون مع الاحتلال، ومن يقاوم، ويستطيع أن يفرق بين المجرم والشريف!
سيقول عراقي يظن أنه أحد الناجين من عذاب الدنيا والآخرة أن كلماتي تلك تشهد بجهلي بما يحدث، وأنني لا أعرف المجرم الحقيقي، أو أعرف وأغض الطرف.
منذ أكثر من ثلاثة عقود قرأت قصيدة للجواهري فأدمعت عيناي على إثرها، ولعل مطلعها كان: طال شوقي للعراق فهل يدنو بعيد باشتياق. الآن وبعدما تابعت، وقرأت، وشاهدت، وسمعت على مدى السنين الماضية أستطيع أن أشهد مع إبليس إذا تبرأ يوم القيامة من كل العراقيين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم. أيها الشيطان الرجيم عليك بالرحيل فورا عن العراق فأنت أطهر وأشرف من أن توسوس لأحدهم!

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...