24‏/05‏/2017

تغطية وجه المرأة حرام .. حرام .. حرام!



كيف تمكن الرجل في أكبر عملية دجل وتزوير وتحريف الكلم عن مواضعه أن يقنع الحمقىَ أنَّ تغطية وجه المرأة فضيلة، وأوامر إلــَـهية، وتوجيهات إسلامية؟
دعاة النقاب والخمار وتغطية وجه المرأة يفتحون الباب، عن جهل أو قصد، لكل أنواع الرذيلة، فضلا عن أن تغطية وجه المرأة، نقابا أو خماراً، معصية صريحة لأوامر العلي القدير الذي قال ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، وهي آية من

 وضو
حها وصراحتها تدخل القلب المؤمن والعقل المتفتح مباشرة، وتستقر في أصلب موضع في النفس المسلمة، أي يقين الإيمان.
لا نقاش، ولا جدال، وليس علينا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا.


دعاة تغطية وجه المرأة يؤكدون بدعوتهم التي تختصرها ( سمعنا وعصينا ) أن طاعة الله آخر اهتماماتهم!
عبقرية الإسلام هي في تأسيس مجتمع فاضل، وصحي، وطاهر وليس مجتمعا من الزيف والمزايدة وتعميم الفحشاء خلف ستار من التدين الأعوج.
في مصر الآن صعود للتيار الديني في القصر والرئاسة ومجلس الشعب وأماكن العبادة والشارع والمدرسة والجامعة والمؤسسات الحكومية والخاصة، ومع صعود هذا التيار يبدأ دعاة الفحشاء في التركيز على أهم مداخل توسعة نطاق الرذيلة والارهاب معا: النقاب والخمار لئلا تعرف الذي أمامك أو خلفك ، رجلا أم امرأة، أو الذي يطرق بابك أو الذي يتحرش بابنتك أو زوجتك أو الذي يسير مع جارك فلا تدري إذا كانت زوجته أو إحدى قريباتك.
وأنت تستطيع أن تفعل نفس الشيء، وتسير رافعاً رأسك أمام أبناء الحيّ حتى لو اصطدت واحدة من بنات الهوى فلن يتجرأ أحد على سؤالك عنها. 


أيها المسلم الشهم،
لا تعرضن نفسك لحساب عسير أمام التواب الرحيم وهو يسألك عن عقلك الذي غاب أو تغيـَّـب أو تجوفت رأسُك وأنت تساهم في معصية الله بالدعوة لتغطية وجه المرأة.
سيأتون إليك بأحاديث غير صحيحة وتفسيرات وأقوال شيوخ من كتب صفراء، ثم يبصقون على عقلك الذي إنْ أتقيت الله وتدبرت حكمة آياته لعلمت أن الإرهاب والزنا والرذيلة والفحشاء والعنوسة لملايين من بناتنا اللائي ينتظرن تفضل الرجل بالموافقة على وصف امرأة لأخرى ليتقدم بطلب يدها كلها تدخل، خلف النقاب والخمار، في دائرة ذنوبك يوم لا ينفع مال ولا بنون، ويوم يتبرأ الذين اِتـُّــبـِـعوا من الذين اِتـَّـبـَـعوا!


مئات السنوات وأمهاتنا وجدادتنا وأجيال سابقة من نساء فضيلات وطاهرات وعفيفات مارسن حياتهن الصحية والجميلة في التعرف الطاهر والشريف بين أفراد المجتمع، حتى جاءتنا خفافيش الظلام تعبث بعقولنا.
وارتداء القفازات مع النقاب مُحـَّـرم أيضا، فالعلي القدير الذي جعل معجزته الكبرى في ( بلى قادرين على أن نسوَّيَ بنانه) يعلم، وهو العليم الخبير، أن لا بصمة للأنامل تشابه بصمة إنسان في أي مكان، فإذا جاء المهووسون الجدد وجعلوا ارتداء القفازات واجبا على المرأة فقد منعوا الأمن من رفع البصمات في حالة الجريمة، قتل، زنا، وبغاء، سرقة .. الخ.
سيقول الحمقى بأننا نغض الطرف عن البكيني والعري، وتناسوا أن ليست هناك امرأة تسير عارية وتزعم أنها أوامر دينية.


سيجيئون بأحاديث الإفك والضلال مهاجميننا بحجة أننا نــُـحـرِّم الحجاب، لكن الحجاب الشرعي غير النقاب والخمار، ونحن مع الحشمة والفضيلة.
كتبت كثيرا في هذا الموضوع، ونشرت مقالاتي التي رأت فيها نساء وفتيات عفيفات تفسيرا عقلانيا ومستنيرا لأوامر الحي القدوس، فكانت ( النقاب حرام ) و ( حوار بين منقبتين في أحد الأحياء الشعبية) والثالث ( العروسة باربي تغطي وجهها) والذي قلت فيه:
كلما زادتْ السلـطة في قمعِها للرجلِ، وجَدَ مُتنفسَه في قهرِ المرأةِ!

والمرأة العصرية بقدْر ما حققتْ من نجاحات في حركاتِ التحرر، ووصلت إلىَ أعلىَ المناصب في الدفاع والداخلية والاستخبارات والدبلوماسية والقضاء وعُضوية محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة، إلا أنها في حقيقة الأمر لا تزال مثل العروسة (باربي) يُحَدّد لها مالكوها ملابسَها، قِصَراً وطولا وعرضاً وقِماشاً و .. ألواناً!

لدىَ الحديثِ عن المرأةِ يحصل نصفُ العقل على عُطلة، ولكنَّ بعضَ النساءِ يُفَضّلن اعطاءَ العقلِ كله عطلة كاملة .. مدفوعة الأجر!

الدينُ قد يكون حالةً من الوعي الكامل، واليقظة، والمنطق، والذكاء، والعلم، فيكتب قاسم أمين"المصريون" وهو من أروع كُتبه في الدفاع عن قِيَم الاسلام الحنيف، ويفسر الأستاذ الإمام محمد عبده آيات الذِكر الحكيم، ثم يُصدر فتاواه فتبدو كأنها والعقل توأمان لا ينفصلان.

وتقرأ للشيخ محمود شلتوت ومالك بن نبي ومحمد أسد وروجيه جارودي ومراد هوفمان وفانساي مونتاي والدكتور أحمد صبحي منصور فلا يخالجك أدنى شك في أن الإسلام رسالة سماوية و .. وماينطق عن الهوى.

والدينُ قد يكون حالةَ تخدير، وبانجو مقدس، وتصادماً مع المنطق، وتهكماً على العقل، ودعماً للطغاة، وحارساً لزنزانات يقبع فيها عشاقُ الحرية، وهنا يأتي دور أدعياء حراسة العفة، وهم الخصوم الحقيقيون للمرأة الحرة وأعداء انسانيتها، فيقومون بنفس عملية وأد الأنثى ولكن بطريقة مختلفة!

تغطية وجهِ المرأة يمثل أوضحَ عمليةِ استغفال واستغباء واستعباط واستجحاس واستنعاج لحوّاء الجديدة، واستهزاء بانسانيتها، وتحريف لآيات القرآن الكريم في عمليات تأويلٍ لا تختلف كثيراً عن تزييف المُقَدّس، وتزوير كلام الله.

يمكنك أنْ تحب اللهَ وتعْبُده وتستخرج من كتابه العزيز الخيّرَ والتسامحَ والجمالَ والحبَّ والحرية والمساواةَ والعدل، وبامكانك أنْ تبحث في نفسك عما تظن أنه تفسيرٌ لكلام الله، وستعثر على العنصرية والعصبية والقتل والذبح والظلم والطائفية والكراهية والاستعلاء، وتتقرب إلى الله بتفجير نفسك في روضة للأطفال!

تقرأ هذا المقالَ فتهتف باسم تكريم المرأة واحترامها وتقديرها في كشف وجهها، أو تلوّح بقبضتك لكاتبه، وتهدد، وتتوعد، وتستدعي من قاموس شتائم المهووسين الجدد ما تنفجر منه حروف الضاد حزنا وكمدا، وتزعم، كذبا وزوراً، أنني ضد الحجاب!

يمكنك أنْ تتنفس من صُلب الدين شجاعةً، وأنْ تركن إلى الجُبن وفقا لتفسيراتٍ استمعت خلالها إلى نداءِ العقل أو .. صوت الغباء!

عشرات من ضيوف الفضائيات يُطلّون على ملايين المشاهدين وقد نزعوا رؤوسَهم، ووضعوا بدلا منها صناديقَ متحجرة مضت عليها قرونٌ طويلة، ومع ذلك فإنَّ أتباعَهم ومريديهم يتضاعفون!

تغطية وجهِ المرأةِ هو الاستحمار الذكوري للمرأة المسلمة لأنه يُلغي وسيلةَ ايصالِ كل مشاعر الأنثى التي خلقها الله، وجمعها في الوجه فتُعَبّر في أي مناسبة عما يجيش داخلها من محبة وطيبة وكراهية واحتقار وغضب وحزن وأنفة وكبرياء وسذاجة وبلاهة وذكاء ومقاومة وإيمان وكفر وتكذيب وتصديق واستعلاء واستنكار وبهجة وفرح وتعاسة وبؤس وشقاء وشبع وحرمان ......الخ

الوجه جعله خالقُ الكون العظيم مرآة لما يعتلج داخل النفس، ففيه حمرة الخجل، واصفرار المرض، ولون الصحة النفسية، وجعل، جَلّ شأنه، سيمانا في وجوهنا، وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف، لا ليختفي نصفنا من النصف الآخر.

هل هناك أسهل وأيسر من أن تنزل آية كريمة، واضحة لا لبَس فيها ولا تحتاج لقوّلَيّن أو أكثر ، فيقول لنا الله بأن على المرأة المسلمة أن تغطي وجهها كله، فيأتي أمر الله مباشرة، حاسما وقاطعا الطريق على أي تأويل إلى يوم القيامة، تماما كما حرّم الخمرَ ولحمَ الخِنزير وشهادة الزور وقتل النفس بغير حق؟

قضينا طفولتنا وشبابنا، والجسدُ يثور، ويهيج، وتتفاعل داخله معالمُ البلوغ والمراهَقة، وشاهدنا وجوه قريباتنا، وجاراتنا، وزميلاتنا، ومذيعات التلفزيون، وأينما ولّينا وجوهَنا أبصرنا وجوهاً لا تستقيم الحياة الطبيعية بغير الاتصال بها، زمالة وقرابة وصداقات عائلية، ولم نعرف أو نسمع أن حالة من التهيّج والرغبة الجامحة كانت ملازمة لنا ليلا ونهاراً حيث لم تخل لحظة واحدة من وجه امرأة!

ثم جاء المسعورون الجدد، أصحاب التديّن الجنسي والتفسير البورنوجرافي فقتلونا بهوسهم، وذبحونا بضلالهم، وجعلوا الدين كلَّه رسالة سماوية نزلت على الرجل لتُحَذره من الفتنة، وتحميه من نصفه الآخر وشريكته في خلافة الأرض، وتربط أسفله بوجه المرأة!

طبيبة تسأل شيخا عن مدى غضب الله عليها لأنها قامت بتوسعة فتحتي العينين في نقابها، وهي ترتدي نظارة طبية سميكة، وتعوق الفتحتان الضيقتان بصرَها لدى كشفها على المرضى!

لم ينفعها العلمُ والطبُ والتقدم والايمان برحمة الله والفكر والعقل فأهالت على كل ذلك الترابَ، واستبدلت برأسِها رأسَ مومياء تحنطت لآلاف الأعوام!

هذه الطبيبة المومياوية لا تختلف عن أي فتاة قررت بمحض ارادتها أن تستجيب لحراس الفضيلة الجدد الذين يعرفون تماما أن الغرض من حملتهم الحمقاء لفرض ثقافة الوأد الجديدة هو نشر الرذيلة، وأن يختلط الخير بالشر، ويتمكن الرجل من الخيانة الزوجية دون أن يعرف أحد هوية التي تسير بجانبه، وهو أيضا سيغض الطرف عن نشر الفساد في ربوع الدولة.
من منا لم يتأثر عندما قرأ عن الرجل الصالح الذي خانته زوجته ثلاثة أيام وثلاث ليال داخل بيتهما مع رجل متنقب، والرجل الطيب الساذج أنصت وهو في حالة تخدير التديُّن لزوجته بعدما أقنعته أن صديقتها منقبة، ولا تتحدث مع الرجال لأن الصوت عورة، وأن لديها مشاكل عائلية وتريد أن تستضيفها عدة أيام؟
الساذجون سيقولون بأنها حالة خاصة، لو حدثت فعلا، وينتظرون أن تحدث في بيوتهم، وفي غرف نومهم،حتى يــُـصـَـدِّقوا أن النار تشتعل في أي بيت أعمى الغباءُ أصحابــَــه.

أنا أعلم أن الحديث بصراحة وشفافية عن هذا الموضوع يثير غضب ونقمة المسعورين الجدد، فهم، عن وعي أو غير قصد، يقومون بنشر الخيانة والفساد والارهاب والتحرش الجنسي.

جاء الإسلامُ العظيم باشهار الزواج ليعرف أبناءُ المنطقة أو الحيّ أو القرية أو النجع أن فلانا زوج لفلانة، وقطع الدينُ الحنيفُ على مُروّجي الفساد رغبتهم المسعورة في اخفاء وجه المرأة.

وزارات الداخلية المشغولة بحماية الأمن، الزعيم أو الدولة، تقف عاجزة عن كشف أجمل وأسمى معجزتين خلقهما العزيز الجبار: الأنامل وبصماتها، والوجه وهويته.

آلافٌ من الارهابيين والمجرمين والمتحرشين جنسيا والهاربين من العدالة والخائنين خلف خمار عبثوا بعقولنا قبل ديننا ووطننا، ونحن نقف ببلاهة منقطعة النظير، وكما منحنا أقفيتنا ورقابنا لزعمائنا المستبدين، أعدنا منحها لدعاة وأد المرأة من المسعورين جنسيا .

أكرر مرة ثانية وعاشرة ولا نهائية بأنَّ تغطية وجه المرأة، خِمارا أو نقابا، حرام .. حرام .. حرام، ومن كان يؤمن بالله الأعظم والأكبر وخالق الذكر والأنثى، ليتعارفا، فليتأمل في قدرة الله في الكون والعقل والتفكر والتدبر، ويتحقق من قوة إيمانه، ويتحرر من مُلوثي عقله الذين هجموا علينا في الأعوام العشرين المنصرمة كجراد يأكل الأخضرَ واليابسَ.

منذ أن غزتنا جحافلُ شيوخ الهوَسِّ الجنسي ونحن نعود إلى الوراء قرنا في كل عقد، وعقداً في كل عام، فالقِيَم التي يروجون لها هي نفس التي حذرنا القرآن الكريم من اعتناقها، وإذا (بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مُسّودا وهو كظيم).

أما الحرية والديمقراطية والخير ومناهضة الطغاة وحقوق الانسان والعمل والنظام والادارة والأمانة والثقافة والبحوث وحماية الطفولة وقيمة الكتاب فليس لها مكانٌ بينهم.

أيها المسلمون الشرفاء والأطهار،

ألم يأن الوقت أن تأخذوا زمام المبادرة لفضح فكر البورنوجرافيين الجدد، أم أنكم تلجمون ألسنتكم أمامهم كما فعلتم مع طغاتنا ومستبدينا وزعمائنا و .. أبنائهم الوارثين رقابكم؟

القائلون بأن وجه المرأة فتنة، ومثير للشهوات، ويعتري جسدَ الرجلِ لدى رؤيته هياجٌ جنسي هم مرضى غير طبيعيين ينبغي الحذرُ منهم على أطفالنا، وحتى على نسائنا ولو كُنَّ داخل سبعين خيمة سوداء!

الوجه هو الهوية، وصلة التعارف، والطريق إلى علاقات مستقيمة، والمرأة التي لا تفصح عن هويتها تكون قد انسحبت من المجتمع، ومن الحياة، ورفضت نعمة الله، وركعت لشيوخ التدين الجنسي.

أول ما يسأل اللهُ يوم القيامة المرأة عنه هو عقلها ، وفيما استخدمته!

إنني مؤمن بالاحتشام في الملبس والمظهر، والقضية التي أطرحها هي الارتفاع بالايمان والسمو به، ثم تدبر معجزة الله في الوجه والأنامل، في الهوية والبصمات،في التعارف "الانساني" والتعرف" الأمني"!

هل التي تغطي وجهها تحمي الرجلَ المريضَ من نفسه، أم تقوم بحماية نفسِها من خياله؟

إنني أتحدى كل شيوخ البورنوجرافية الدينية أنْ يصدروا بيانا، منفردين أو مجتمعين، يدين السطوة والديكتاتورية والفساد ، ويطالبوا بالافراج عن المعتقلين الأبرياء من سجناء الضمير.

هل يستطيعون تنظيمَ حملات إعلامية ودعوية مكثفة ضد المخدرات والغش، وضد استخدام الشرطة للقبضايات والمسجلين الخطرين الذين يبطشون بالأحرار والشرفاء والمعارضين؟

لا أظن أنهم يفعلون ذلك، فمعركتهم جنسية، وعقولهم لا تستوعب غير تخويف المرأة من عذاب الجحيم والقبر إذا لم تستجب لزوجها في أي وقت مادام هو راغباً في تفريغ شحنته، وأن ربَّ الكون العظيم سيغضب يوم الحشر من طبيبة مسلمة قامت بتوسعة فتحتي النقاب لكي ترى بوضوح مرضاها، ومن مسلمة رأى وجهَها ابنُ عمـِّـها وهو بمثابة أخيها ولو كان غير مَحْـرَم!

يتحدثون عن أنه خيار حُرّ، فإذا تنقبت نساءُ المجتمع لا يسمحون لامرأة أن تكشف وجهَهَا، فالحرية وسيلة تبرر الغاية المخيفة لصناعة مجتمع مريض.

وماذا عن حرية الانسان في أنْ يرى وجه من تتحدث معه، في العمل والشارع والمدرسة والمستشفى والمؤسسة والمظاهرة والمصنع والسوق ... ؟
إن حرية الإنسان تتوقف حدودها عندما يقترب أو يتخطى حريات الآخرين، فبأي حق تحرمني المرأة التي أتحدث معها من معرفة هويتها، وردود فعلها، وتعبيرات الكراهية أو المحبة أو الرفض أو الاحتقار أو الاحترام أو نور الإيمان الذي يشع من وجهها؟
منذ عشرين عاماً أو أقل استوقفت سيارة أجرة في المنشية بالاسكندرية، ولما اقتربتْ شاهدتُ في المقعد الخلفي امرأة متنقبة، فأشرت للسائق بأنني لن أركب معه.
بعد عشرين متراً توقفت السيارة ونزلت منها المرأة المتنقبة وشاهدني السائق في المرآة فرجع إلى الخلف، وركبت معه.
قطعا كان الفضول دافعه ليسأل عن سبب عدم ركوبي عندما كانت المرأة في السيارة!
قلت له بأنني لست ساذجاً إذا حدثت جريمة سرقة أو غيرها أن أصف للشرطة قماشاً أسود، وعينين تبرقان، وقفازين أخفياً بصمات الأصابع!


لقد انحدرنا، وتأخرنا، وسقطنا، وتدهورنا، وتراجعنا، وتخلفنا، وركب ظهورَنا أسافلُنا، وسلخ أقفيتَنا مستبدونا، وتحكم في رقابِنا طغاتُنا عندما سمحنا لأشخاص معتلّي الصحة العقلية والنفسية أن يتحكموا فينا، دينا وعلما وتعليما وتربية وثقافة وإعلاما!

إن أول خطوة في طريق الايمان الصحيح بالله العلي العظيم تبدأ من هنا، من العروسة "باربي" التي تغطي وجهها و .. عقلها، ثم يعقبها سقوط إمبراطورية شيوخ البورنوجرافية الجدد.
البداية من هنا .. من الإيمان بأن الله أكبر من تغطية وجه المرأة تقرُّبا إليه، وأكبر من عشرات الآلاف من الاعتقادات الزائفة التي نظن أنها أوامر خالق الكون، فإذا هي توجيهات أباطرة الفتاوى الفجــَّـة وكهنة السلطة!

البداية من هنا .. من تجديد الإيمان بالله تعالى لعلنا نعيد اكتشاف عظمته، وجبروته، وقوته،وعفوه، وصَفْحِه، ومحبته لنا، ورحمته، وحينئذ سنكتشف أننا كنا نعبد ما صنعه لنا المهووسون الجدد.
المسلم الشهم الذي يدافع عن كرامته، وحُرماته، ونساء بيته، وفتيات عشيرته، والذي يرفض مبدأ ( سمعنا وعصينا)، لكنه يستجيب لــ ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) مُطالــَـب الآن أكثر من أي وقت مضى بحماية المرأة المسلمة من الجوع الجنسي لدعاة النقاب والخمار.
المتخلفون ذهنيا يزعمون أنه زيادة في الفضيلة بعدما يقومون بتعطيل كامل للعقل، ومنح أقفيتهم لكف داعية مهووس جنسياً، لكن العكس هو الصحيح.
وماذا لو اختارت المرأة الاختباء، والاختفاء، والانزواء، والموت خلف نقاب؟ أليست تلك هي الدعوة السائدة في ثقافة الوأد بأن المرأة لا تخرج من بيتها إلا إلى القبر أو بيت الزوج؟
لا معلمات، ولا لشاعرات، ولا متظاهرات متمردات على الحُكم، لا لحماية الطفل تحت عيني أمه وهو ذاهب إلى المدرسة أو عائد منها.
من كان يريد أن تعم الفضيلة والتعارف الطاهر والعلاقات الصحية السليمة فليرفع مقت وغضب الله عنا وذلك بنزع ما يحجب الهوية وعظمة الخالق في معجزة استقبال الوجه لكل المشاعر والأحاسيس ثم إعادة توجيهها إلى الآخرين.


أيها المسلم الشهم،
لقد آن الوقت الذي تحمي فيه عقلك من الذين يبصقون عليه إلا إذا رأيت أن من حق مفسري دينك أن يصفعوك على قفاك صبحاً ومساء!
وحتى تنزع المرأة النقاب والخمار برغبتها أو برغبة ولي أمرها، إذا كانت فيه شهامة ونخوة، فالأمر بسيط ولا يحتاج لأكثر من الإيمان بالله، وبطاعته في أن نتعرف جميعا، ذكراناً وإناثاً، على وجوه بعضنا البعض، وأن تحمي بلدك من الإرهاب، وأن تكون حذراً ممن يقترب من أطفالك خلف نقاب أو خمار، وأن لا تصدق ببلاهة منقطعة النظير أن من صعد أمامك إلى شقة الجيران امرأة جارك، فمن تخفي وجهها، تحجب هويتها، وكل الاحتمالات واردة!


تغطية وجه المرأة معصية لله تعالى مع سبق اصرار، وذنب لا يحتمل الدفاع عنه يوم يُخرج لنا، رب العزة، كتابا نلقاه منشورا.. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حساباً.
تغطية وجة المرأة كارثة ستتحول مع الأيام إلى فاجعة، فقارعة، فطوفان يذهب بنا جميعاً إلى هاوية سحيقة.


مقالي هذا ليس فقط لايقاظ المرأة والرجل المسلم الشهم، لكنه كشف وتعرية لفكر البورنوجرافيين الجدد، ولن يستطيع بعدها أي منهم الزعم بأن من دخلت سكناً معه هي زوجته أو ابنته أو أخته، فالله تعالى أعلم منا بأنفسنا، والهدف الأكبر والأهم من الخلافة بعد العبادة أننا شعوباً وقبائلاً، رجالا ونساء، نتعارف بالوجه وليس بلعبة( الاستغماية) والاختفاء والاختباء.


أيتها المرأة المسلمة،
وجهك هو هويــُّــتك، ومشاعرُك ليست عاراً حتى تخفيها، وغضبــُــك، وطيبتك، وكرمك، واعتراضك، واحتقارك لمن يهينك، وإشراقة النور كلها جعلها الله في الوجه، فلا معصية للخالق إرضاء لمن يريدون وأدك وجعلك متاعاً خالصا للرجل بدون أدنى حقوق.


سيدتي الفاضلة،
قولي لهم بعد قراءة كلماتي بأنك تعرفين الآن أنهم يكذبون على الله، تعالى، وافصحي عن وجهك، وعن أناملك التي سوّاها الخالق العظيم، ودافعي عن شرفك، وعن دينك، وواجهيهم بكلمات لا يأتيها الباطل أبداً، وستدمغين أكاذيبهم.
قولي لهم بأنكِ شريفة، وفاضلة، وطاهرة، وهذا هو وجهكِ الكريم المشرق سيعثرون فيه على عظمة الله وليس على الفتنة.
اخفاء المرأة وجهها احتقار ذاتي، ودونية مُذلــِّة، وقناعة أنثوية بأن المرأة عار على الكون كله، وأنها بضاعة إذا أرادت الزواج وصف ولي أمرها أو مــَـحــرَم وجهها لمن أراد الشراء.
إن الذين أقنعوا المرأة بحجب واخفاء وجهها وأن هذه تعاليم الله كاذبون، ومنافقون، وأفاقون، وحسابهم يوم القيامة سيكون عسيرا.


إنني أتهم، مسبقاً، من يقول بأن مقالي هذا دعوة إلى الرذيلة أنه هو الخائف من الطهارة والفضيلة والمجتمع النظيف، وأنه عاص لله، عز وجل، وهو يعلم تماما أن هدف الخلافة على الأرض بعد العبادة هو أن نتعارف، وأن يشاهد كل امريء وجه من يراه، ويتحدث معه، أو من يمشي في الطريق، ليلا أو نهاراً، بعيداً أو قريباً.
تغطية وجه المرأة ليس حرية شخصية، فالسجين لا يضع القيد في معصميه وهو ينتشي فرحاً، والصوت، الذي يراه مهووسون متطرفون، أنه أيضا عورة، لا يكفي لوضع أي حوارات في موضعها السليم والصحي.


إنني أعلم تماما أن دعوتي تلك أغضبتهم كثيرا، وستشعل قلوبهم السوداء بنار الكراهية، فهم، أي دعاة اخفاء وجه المرأة، لا يتصورون يوماً يُفتضح أمرهم، ولا يستطيع أي منهم أن يرتكب الفحشاء وهو يمشي متفاخراً مع منقبة لا يعرف أحدٌّ مــَـنْ هي، وهو بالتالي لن يعرف أن التي مرّت بالقرب منه مع رجل آخر تفعل نفس ما يقوم به حارس الفضيلة المزيف.


الصائدون في الماء العكر سيقولون بأنني أتهم الطاهرات بما ليس فيهن، لكن مقالي اتهام للرجل، أما المسكينة فقد أوهموها أن تغطية الوجه من الدين، وأن قيمتها كامرأة في وأدها، واخفائها، وحجزها، وسجنها ولو من أشعة شمس ينضر بها الوجه.
وتغطية وجه المرأة يقتل أجمل ما في الإنسان عندما يتقدم به العمر، فلا ذكريات، ولا تعرف وجه ابنة عمك، ولن تتعرف على ابنة خالك عندما يلتقي أولادكما في لقاء عائلي أو عرس أو عودة من الخارج.
لن تستقبل امرأة وهي على فراش المرض أو الموت من تريد أنْ توصيهم بأولادها، فشريحة الذكريات في الخيال والذهن التي تراكمت فيها آلاف الوجوه فتصنع تجارب الإنسان، وسعادته، وشقاءه، فخبراته صفحة بيضاء إلا قليلا، والوجه لا يراه طوال عشرات السنوات إلا حفنة قليلة من الرجال.


سيدتي المسلمة،
الخيار الأخير والفصل لكِ بين الله، الذي جعل وجهكِ الكريم عنواناً لعظمة ومعجزة صنعه وخلقه ليتعرف عليك وعلى مشاعرك كل الناس، بدون استثناء، أو.. الشيطان، الذي يوسوس لكِ بمعصية الله وذلك بالالتزام بأهم ما توصل إليه إبليس لاخفاء الرذيلة والخيانة والهوية.



محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو  النرويج
Taeralshmal@gmail.com



حوار بين حُرٍ سجين و .. سجين حُر



ليس كل المعتقلين شجعانا، أو كل من لا ينام في زنزانة باردة يصبح بالتالي جباناً أو متواطئا مع السلطة.
هذا الحوار دار بين مواطن يسير بجوار الحائط خشية عيون الأمن وأكف مخبريهم ومرشديهم وبين مواطن معتقل في سجن عربي في واحد من سجوننا الأكثر عددا من جامعات الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة!
كان الأول يرتعش دون أن تراه عينا ضابط أمن، والثاني رابط الجأش مشرق الوجه كأنه قادم من سياحة روحية داخلية اكتشف فيها عبقرية الخَلق والقدرة على الصبر والاحتمال.
ودار بينهما الحوار التالي:

الأول: لقد كدت أسقط صريعا من الخوف صباح أمس عندما اتصل بي صديق يمارس غباء السياسة وحماقة الاهتمام بهموم الوطن فانتقد زعيم وطننا المبجل حتى ظننت أن أسلاك الهاتف كلها تهتز من الحدود الشمالية إلى الجنوبية.
الثاني: وأنا أيضا كنت خائفا حد الفزع أن تقوم إدارة السجن بالادعاء أنني بعثت رسالة استجداء وتوسل إلى السلطة راجيا عفو وصفح ومكرمة الزعيم.

الأول: لقد جانبك الصواب وأنت تدفع من سنوات عمرك ثمن تهورك ومشاغباتك ومشاكساتك وانتقاداتك للحكم.
الثاني: أراك تقف مع الجلاد، وتشد من أزره، وتمتدح سوطه، وتُقَبّل حذاءه، وتدفع بابن بلدك لأنيابه.

الأول: هذا ليس صحيحا بالمرة، لكنني لست مسؤولا عن خوفي، فكل العيون ترمقني بنظرات حادة تقدح منها شرارة غضب مصحوبة بنصائح أنْ لا أقترب من السلطة والأمن، وأن لا أرفع عينيّ أمام ضابط، وأن لا تسمع جدرانُ البيت أو المكتب همساتي خشية أن يغضب سيّدنا أو تنقل إليه عيونُه المنتشرة في كل شبر من أرضنا خلجات نفسي فينتهي الأمر بجسدي المرتعش دوما إلى قبو تحت الأرض لا تعرف طريقه خفافيشُ الكهوف وفئرانُ المجاري.
الثاني: ومع ذلك فأنت لا تنام ملء جفونك، وإذا نمت فتوقظك طَرَقات خفيفة على باب بيتك، وتفزع من مواء قطة، وتنفصل مفاصل ركبتيك لدى مرور دورية شرطة بجانبك.

الأول: لكنني أعود إلى بيتي مساء، وأحتضن أولادي، ويدفئني الفراش مع زوجتي، وأشاهد فيلما في المساء أو أقضي سهرة مع أصدقائي نتسامر حتى الفجر على مقهى دون أن تعرف كلمة السياسة طريقها إلى ألسنتنا.
الثاني: لم أفهم مقصدك! أتعاتبني لأنني محروم من حريتك؟ أتحرض سوطَ الأمن ضد ظهري العاري؟

الأول: لكنك أخترت هذا الطريق، وتحَديّت السلطة بجبروتها وقوتها وسطوتها، وغرقتَ في شعارات غير مفهومة لدَيّ عن الكرامة والحرية والحقوق والمساواة والعدالة، فعليك إذن أن تدفع ثمن خياراتك!
الثاني: لكنني أدافع عنك، وأناهض السلطةَ لئلا يهوي كف غليظ لمخبر فظ على قفاك.

الأول: وهل اشتكيتُ لك مسكنتي ومذلتي ومهانتي؟ إنني أرى وأسمع وأعرف ما تعرف أنت تماما وربما أكثر، وبين ألفينة والأخرى أدلف إلى غرفتي الواقعة في ركن قصّي بعيدا عن عيون الفضوليين، ثم أدعو الله سرا ودون أن يتحرك لساني أن يأخذ على يد الظالم، أو يهديه إلى صراط مستقيم، وأن ينصرنا على أعدائنا، وتلك لعمري أقصى امكانياتي في التمرد والعصيان.
الثاني: ومن قال لك بأنني مضطر لاستأذنك قبل الدفاع عن كرامتك؟ إنني أكتب قصة الحياة وأنت تدافع عن الموت. أنا أستطيع أن أنظر في عيون أولادي بفخر من خلال قضبان ضيقة في زيارة قصيرة وأحمل رسالتهم إلى السماء. أما أنت فلا تلتقي عيناك بعيون أولادك، وربما تُعلّمهم أن سيدَ القصر أقرب إليهم من كل أنبياء الدنيا ومصلحيها وقديسيها. أنت تتوسل إلى السلطة لتسمح لك بحياة قبضَها مَلَكُ الموت منذ وقت طويل، وأنا أعرف أنه سيقبض روحي أمام الناس لكنه سيتركها تهيم فوق الوطن والأحرار والشرفاء لتؤنس وحدتهم، وتجعل وحشتهم صحبة جميلة مشرقة سيوشي التاريخ يوما بأسرارها ويقول أولادُي باعتزاز بأن أبانا مَرّ من هنا.

الأول: أنت تحسدني على حريتي، وتحلم في زنزانتك بقَبَس منها، وتشتاق لأولادك، وتَقْبَل الاهانةَ رغم أنفك كما قبلتُها أنا طائعاً مختارا.
الثاني: لكنني هنا أتألم، وأتوجع، وأتعرض لكل صنوف التعذيب لأنني طالبتُ بحقك في حياة حُرة وكريمة، وأنْ تتساوى مع أخيك المواطن، وأنْ لا يسرق سيدُ القصر ورجاله اللقمةَ من أفواه أبنائك، وأن تجد الدواءَ لأمّك المريضة، وأن تصرف معاشَ والدك المُسنّ، وأن تجد ابنتُك الأمنَ والسلام في الطريق والبيت والعمل، وأن تضع في بطنك طعاماً غير مسمم، وأن يتمدد جسدك المريض في المستشفى فتجد العناية والرعاية، ويسمح لك نظام عادل وغيرُ فاسد أن تسدد لخزانتها ولطبيبك ثمن علاجك.

الأول: لماذا لا تترك العنايةَ السماويةَ تتولى عنّا تلك المهمةَ، وأن يأتي الحلّ على جناحي القضاء والقدر، فطاعةُ وليّ الأمر واجبةٌ حتى لو كان ارهابيا ومستبدا وديكتاتورا ويجلدنا قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن بعد صلاة العشاء؟
الثاني: أغلب الظن أنّ مَنْ حشر في رأسك تلك التعاليمَ كان يعمل سجّانا أو واشياً لدىَ السلطة أو مرشِدا لأحد الجلاّدين الذي سقطوا من رَحِم الشيطان ورضعوا حليبَ الذئاب وهي تنهش لحم فريستها.
أنت تجعل من الدين قطعةَ بانجو، وتخدّرك كتُبٌ عتيقة، وتسْكَر حتى الثمالة ظناً منك أنّ معرفتك بحياة أحد الأقدمين هي صفوة العلم ورأسُ العقل وموسوعتك المتحركة.
أما أنا فأرى الدين في مظاهرة ضد الظلم، واعتصام من أجل الضعفاء، وكشف الغش والفساد، ورفض مهانة المواطن، والايمان بالمساواة بين البشر.

الأول: إنني أشفق عليك، وأتمنى أن يعود إليك صوابُك، ولا تناطح صخرة لتوجعها فتوهن قرنك الوعل.
الثاني: غريب أن يشفق الحرُّ السجين على السجين الحرِ!
هل تخيلت مرة واحدة عذاباتي وأنا أفكر في ابني الصغير الذي يعود من المدرسة ظهر كل يوم فلا يجد أباه، ثم يؤجل حلمه إلى الغد، ويأتي يوم جديد، ويتم ترحيل الحلم إلى الأسبوع التالي، ثم الشهر الذي يليه، وتبتعد صورتي عن مخيلة ابني، وتَفْرغ حكاياته لأقرانه عن والده، فالصورة باهتة، والحياة تسير، والسلطة قررت أن تُيتّم ابني وأنا حَيّ في سجونها.
هل تستطيع الاصغاءَ إلى صمت ابنتي التي لم أرها منذ عشر سنوات وقد كبرت، واصطحبت معها أحلامَها الوردية المصبوغة بسواد قاتم يأتيها من بين قبضان يقبع خلفها والدها؟
هل تظن أنني سعيد في الحياة مع وجبة الضرب المخلوطة بوجبة طعام تعفها الحيوانات، وأنام على رائحة كريهة، وأدخل الحمّام لدقيقيتن لا تزيدان ثانية واحدة، ويحرمني الطاغيةُ المستبد من حقي الطبيعي الذي وهبني إياه رَبُّ الكون العظيم؟

الأول: وهل تظن أنني سعيد بوجودك في هذه الظروف القاتلة والمهينة التي حَرَمتك من حق الحياة حرا طليقا؟
لكن ينبغي أن تفهم أن قدراتي في تأهيل مشاعري لتصبح انسانية ووطنية يلفها قلب شجاع ليست كقدراتك في صناعة الشروق فور الغروب مباشرة.
لستُ مسؤولا عن جُبني وخوفي، وقد حاولت عدة مرات أن أنظر في عيني رئيسي في العمل، وضابط الأمن، والمخبر الذي يتفحص تعبيرات وجهي كأنه يبحث عن مساحة من عدم الرضا على الزعيم!
إنني أريد أن أعود إلى أهلي سالما ولو تورم جسدي كله من سياط رجال الأمن والسلطة.
الثاني: ولكن ماذا تقول لأهلك وأولادك وأحبابك عن القيم والمباديء والأخلاق والشهامة والشجاعة والمواطنة والحقوق والعدالة والايمان والخير ؟

الأول: أستخدم نفس الكلمات التي سردتها أنت على مسامعي، لكنها تمر علي مر السحاب، ولا تؤثر في السامع والقائل، ولا ينقلها اللسان إلى موطن العقل والقلب والايمان.
لقد شاهدتك في المرة الأولى وأنت بصحبة رجال الأمن، وكانوا يوسعوك ضربا، ويركلوك في بطنك، ويصفعونك على وجهك حتى انفجرت الدماء منه.
الحق أقول لك أنني أسرعت الخُطى إلى البيت، وخشيت أن تلتقي عيناي بعيني أيّ من مصطحبيك القساة، وكنت أشعر بخجل شديد لأنني تخليت عنك، وحسدتك لشجاعتك، ورأيتك أكبر مني بمئات المرات، أعني رأيتني أصغر منك حتى بتّ بقايا صِفر تذروه رياح فيختفي قبل أن تلمسه نسمة رقيقة.
الثاني: لماذا تظن دائما أنها بلدي أنا فقط، ومسؤولية حمايتها من مغتصبيها تقع على عاتقي، وأن (لائي )ضد البغي والظلم والفساد تنقلب إلى (نعمك ) عند مواجهة السلطة؟
لماذا لا نتوحد على كلمة سواء نتساوى فيها، أنت وأنا، في ملكية الوطن وشراكته؟

الأول: لأن الله لم يخلق البشر بقدرات متساوية، وجعلهم فوق بعض درجات، وأنت مهمتك التغيير ولو كان عن طريق التمرد والثورة والعصيان والرفض ومناهضة كل القوى الأخرى، أما أنا فمهمتي تنحصر في القبول والاستسلام ورفض التغيير والخوف من المستقبل.
أنت هدير الأمواج وأنا البحر الهاديء دائما. أنت العقل الغاضب وأنا أتبع ما ألفيت عليه آبائي.
أنت ترى الفساد فتنتفض ضده ولا يتحمل جهازك العصبي العيش معه، ولا يفاوضك ضميرك على الصمت مقابل انتفاع وامتيازات ومصالح مشتركة.
وأنا أترك مهمة تغييره للقدر، ولمثلك من الباحثين عن المدينة الفاضلة.
أنت تكبُر أمام السلطة وأنا أشعر بالأمان كلما صغرت، وأقصى آماليّ أن أصبح صفرا لا يراه القصر، ولا تكترث له قبضة الأمن، ولا يعيره مخبرٌ أو مرشدٌ أيَ اهتمام.
عشرون مثلك في زنزانة تحت الأرض يخيفون جيشا من كلاب الطاغية المدججين بالسلاح والقسوة وقانون القبضايات، وعدة ملايين مثلي لو صرخ فيهم ضابط بأقل رتبة لبالوا على ملابسهم خوفا ورعبا.
السلطة ترى صدرك وظهري فتصفعني لتُسْكِتك، وتحبسك لتضمن استمرارَ تقوص ظهري الأكثر طاعة من الماشية أمام عصا الراعي.
أنت تُحَمّلني ما لا طاقة لي به عندما تطلب وقوفي معك، وأنا أظلِمُك إنْ طلبتُ منك الهُتافَ للطغاة فهم لن يصدقونك حتى لو أطاعك لسانُك لبعض الوقت.
الثاني: قد أتفق معك في أنّ خوفك وشجاعتي لا يلتقيان، وأن عبوديتك وحريتي تصطدمان، لكن تبقى المشكلة الأكثر صعوبة وهي أن السلطة تُعَبّد بك الطريق للوصول إلى رقبتي، وتضرب بصَمْتِك لساني، وتتفرغ لايذائي عندما تراك وأمثالك أصفارا متراصة.
أنا أريدك أن تساعدني في الدفاع عن حقوقنا، وأن نلتقي على الحد الأدنى منها وهي الكرامة والمواطنة والمشاركة في الحُكم والحفاظ على أموال الدولة واستقلالية القرار السيادي والضرب على أيدي العابثين بُمَقَدّراته واعتبار خيراته ملكا لك ولي ولأولادنا.
لماذا لا تحاول أن تتذوق طعمَ الحرية فربما ترفض بعدها العودةَ لعالم السُخْرَة والطاعة الغنمية لعصا راعيك؟

الأول: أنا لا أستطيع أن أتخلص من مشاعر الخوف في صدري قبل أن تقبض أنت عليها بكل قوتك وتحريضك وغضبك وتمردك ثم تنزعها معي بعدما سَكَنتْ في صدري رَدْحاً طويلا من الزمن.
عليك أن تمُدّ يدك الطاهرة لتنظف أوساخ العبودية التي أرفل فيها شريطة أن لا تجعل السلطة تؤذيني وإلا تخلّيت عنك، وربما استعانتْ هي بي لتُخرس لسانك إلى الأبد.
الثاني: وهذا ما أحاول أن أفعله لكنك لا تستجيب، فتارة تستعين بالدين لتمد في روح الطاغية وتتوهم أنك تكسب ثواب الآخرة في طاعة ولي الأمر مادام يجعلك تصلي وتصوم وتخلع نعليك قبل دخول المسجد، بل ويَمُنّ عليك بجنة الخلد التي تنتظرك لأن ظهرك العاري أطاع لسعات سوطه دون أن تنبس ببنت شفة.
أنت تُخَزّن الدين كالقات وتجلس به ساعات طويلة منتظرا ملائكة مُسَوّمين يهبطون بجوارك ليَشُدّوا من أزرك، وتارة تُلقي في وجهي بكل الاتهامات الظالمة التي لقنتك إياها السلطة، فتوحي إليك أنني مُعادٍ تماما لأمانيك وأحلامك ومستقبل أولادك على الرغم من أنها تسرق اللقمةَ من أفواههم.
لو قرأتَ في حقوق الانسان والعلوم الانسانية وتاريخ الشعوب وانتزاع الحريات وسقوط الطغاة فربما تجد تلك القراءاتُ ثغرة في ضميرك وعقلك تنفذ منها وتُقَرّبك إليّ، فتفهم أنني أحاول رفعَك وأنت تجذبني للسقوط؟
الأول: كم وددت أن أفهم حديثك لكنني ملتصق بالأرض وأنت تحلق في السماء فكيف لنا أن نلتقي؟

محمد عبد المجيد
عضو إتحاد الصحفيين النرويجيين
Taeralshmal@gmail.com

دعوة للاحتفال بعيد الكراهية



أغلب الظن أنَّ المؤيدين لدعوتي تلك أكثر عدداً من الراغبين للاحتفال بعيد الحب، فأعباءُ عيد الكراهية قليلة، ولن يحتج عليك أحدٌ لأنك اشتريت زهوراً حمراءَ، أو أضفت عيداً غيرَ معترَف به في أدبياتنا، أو يقتحم عليك خصوصياتك الجماعةُ إياهم لينزعوا كل الهدايا المغلَّفة باللون الأحمر، فهذا اللون للدماء فقط! 
 طقوس عيد الكراهية ستُدخل البهجةَ والسعادة إلى قلوب المولعين بالبغضاء والمشاحنات والاتهامات والتشكيك. 
 تبدأ يومَك بعدم القاء التحية على أهل بيتك بعدما تستيقظ في الصباح الباكر، وتبدي تأففا من الجو والحَرِّ والبرد والغبار، ثم تصفع زوجتك على وجهها لأن ملابس الخروج لم تكن جاهزة. 

تأخذ طبق الكورن فليكس من أمام ابنك، ثم تلقيه أرضاً عقابا للولد الصغير الذي لم يكمل واجباته المدرسية وفضّل عليها اللعبَ أمام البلاي ستيشين تو! 
 لستَ في حاجة اليوم لغسل أسنانك الصفراء الباهت لونها، ثم تخرج من شقتك وتغلق الباب خلفك بعنف شديد لتجد نفسك أمام جارك فترمقه بنظرات احتقار، فاليوم عيد الكراهية. 

في الشارع توزع نظرات البغضاء على كل من تلتقي عيناك بعينيه، ثم تلقي عُقْبَ السيجارة داخل أول محل تمر أمامه. 
 يستوقفك رجل هاديء وبيده ورقة سائلا إياك عن عنوان معين، فتصيح فيه، طالباً منه أن يغرب عن وجهك. 
 تتمتم بدلا من الدعاء سِبْاباً ولعنات على الناس والمخالفين لرأيك، ثم تنظر إلى السماء وتطلب من الله أن يُنزل غضبه على الناس أجمعين، وأن يحشرهم يوم القيامة في نار جهنم، ولا تنس أن تلعن المرأة والكفار، وإذا كنت غير مؤمن فتصب لعناتك على المؤمنين وتخَلفهم وفقرهم، وتتمنى أن تحتفل باليوم الذي يودّع فيه العالمُ آخرَ المؤمنين بالأديان. 

تتعرف مصادفة برجل لم تقابله من قبل فتسأله عن دينه، فإذا كان مسلما وأنت مسيحي فعلى لسانك أن يندفع في موجات متلاحقة من الاهانة للمسلمين ولدينهم، وأن تقول له بأن المسلمين متعصبون، وأنهم احتلوا العالم العربي منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام، وأن التخلف مرادف لهم، وأن الاسلام ليس دينا سماويا إنما مجموعة من الخرافات التي تلتف حول قلوب قساة وارهابيين ينبغي أن يتخلص منهم العالم. 
 أما إذا كنت مسلما وهو مسيحي فعليك أن تتهمه بالكفر، وتنفجر ضحكا على عبادة التثليث، وتؤكد له أن المسيحية مرادفة للاستعمار، وأنهم أهل ذمة وليسوا مواطنين في دولة يحكمها الاسلام العظيم، وأن نار الجحيم تنتظره بصبر نافد! 
 أما لو كنت شيعيا وهو سُنّي فلن تبذل جهدا كبيرا في العثور على مئات الحكايات من كتب شيعية عن عبث السُنّة في التاريخ، وأن ثاني اثنين في الغار لم يكن أبا بكر الصديق، وأن أهل السنة خانعون ولا يخرج من بينهم أبطال، إنما يُصَدّرون للعالم ارهابيين، ثم تنهي حديثك بصب جَمّ غضبك على الخلفاء الثلاثة وتستثني علياً فهو الأحق بالخلافة والرسالة بعد رحيل خاتم الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليه. 
 سيكون حظك كبيرا لو كنت سُنّياً وهو شيعي، فتتهمه بأنه إيراني وفارسي ومجوسي وربما نصيري، وأنه يعبد ابن عم النبي، وأن الشيعة متحالفون مع قوات الاحتلال الأمريكية في العراق، وأنهم طائفيون، ويؤلهون فقهاءهم، ويحملون للعرب كراهية دفينه خلف تقية لا تستطيع أن تخفي بغضاء بدت من الأفواه. 

عيد الكراهية يجعله لسانك الذي يقذف حمماً حارقة أجمل أعيادك كلها، ولا تنس أن تتهم الطرف الآخر بأنه يحمل لدينك ولمذهبك مشاعر غير ودية، فأنت صاحب الحق الأوحد، والله، تعالى، قد انحاز لك وأعد لك جنة عرضها السماوات والأرض وسيُحرم منها كل من لا يؤمن بالله على طريقتك. 

بعد عودتك إلى المنزل تجلس قليلا أمام الكمبيوتر، وتبحث في المواقع والمنتديات وستجد آلاف المواقع التي تختزن مشاركين من نسل الشيطان، وهؤلاء يستطيعون أن يعثروا على كل جرائم وكفريات وموبقات وسخافات الذين تحمل لهم الكراهية الأعمق. 
 إذا كنت قبطيا غبياً فعليك أن تتباكي على الاضطهاد، وتتحدث عن مذابح جماعية يمارسها المسلمون ضد الأقباط المسالمين والطيبين، وأن تفصل قضاياهم عن قضايا الوطن الأم، وأن تبحث عن أمل في حياة هانئة عندما يخرج المسلمون الغزاة من بلدك .. مصر! 

ولو كنت مسلما مصريا أحمقَ فستجد مئات الأسباب التي تدعوك لمقاطعة القبطي ابن بلدك، فهو كافر، ولو مات مدافعا عن الوطن فلن يحشره الله مع الشهداء، وأنه لا يملك الحق في مناصب عليا في الدولة الاسلامية، وأن كنائس الأقباط تثير حفيظتك لأنها أكثر عددا من حاجاتهم، وأن الأقباط لا يحملون للمسلمين وِدّاً، وأنك ستمنع ابنك من اللعب مع أولادهم. 
 آلاف الأسباب التي تجعلك في عيد الكراهية تقفز فرحا وغبطة، فأينما وليّت وجهك ستعثر على ضالتك، فالغش كراهية، والاعتقال كراهية، وأجهزة الأمن كراهية، والموظف الكسول كراهية، والشيطان يستطيع أن يساعدك في استخراج الكراهية من كتب سماوية نزلت للتسامح فجعلها ذوو القلوب السوداء مصادر لتخريب العقول والقلوب. 

تؤمن بالملكية فتكره الجمهوريات، وتعشق الثورات فتكره الخاملين والمسالمين، وتحب أن تسير بجانب الحائط فتبغض المنتفضين والمعارضين والمناهضين للحاكم. 
 تتسلل مشاعر الكراهية إلى كل مسامات جسدك في نهاية يوم أسود ذاق فيه كل من قابلك من غطرستك وعفن لسانك ودعواتك التي لن يستجيب الله لحرف منها. 

عيد الكراهية لا يستقيم قبل أن يمتليء بالغيبة والنميمة وإيذاء خلق الله، قولا وفعلا، والتشكيك في كل حوار، ونبذ صور التسامح، والوثوب انتقاداً وتحقيرا وازدراءً لأي فكرة تسمعها أو تقرأها، وعندما تسمع عن تفجير سيارة في أحد الأسواق أو سقوط طائرة مدنية، أو حشر وجبة جديدة من الأبرياء في أحد المعتقلات فينبغي أن تتهلل أسارير وجهك انشراحا وفرحاً. 

في عيد الكراهية الأولوية للامبالاة وعدم الاكتراث بآلام الآخرين، فليذهب المظلومون والضعفاء والمعتقلون إلى الجحيم، وعليك أن تأكل بشهية أمام التلفزيون وهو يعرض مشاهد تناثر جثث الأطفال في أي مكان، ولا تطلب في صلاتك من الله أن يرحم أحدا أو يعفو عمن تبغضهم! 
 إياك أن تبتسم في ذلك اليوم أو تمُدّ يَدَك مُصافحاً من يتودد إليك، وينبغي أن يكون خيالك خصبا وهو يصف لك عذابات الناس في الدنيا والآخرة، وتَذَكّر أنَّ حقوقَ الآخرين تنتقص من عيد الكراهية، لذا لا تعدل بين الناس، فشهادة الزور أيضا تزيد من عظمة عيد الكراهية. 

لا تحتفل بأعياد الآخرين، ولا ترسل تهنئة إليهم، ولا تتمنى لأي منهم يوما سعيدا. عليك أن تزدري الكتاب المقدس لأي طائفة غير طائفتك، وأن تجد من ذنب إلى سبعين ذنبا لمن يرتكب هفوة صغيرة، ولا تبحث للمخطئين عن أعذار.
 عيد الكراهية ندعم أيضا فيه الظلم والطغاة، ونساهم في التزوير، وننافق المستبد الحاكم، وكلما خرج أحدنا من صلاة في مسجد أو كنيسة يلعن أبناء بلده الذين يعتنقون عقيدة أخرى. إنه عيد الأعياد الذي سنكتشف فيه جميعا أن أكثرنا لا يستحق الروح التي نفخها الله فيه، وأننا في الواقع نحتفل بدون أن ندري بعيد الكراهية في كل يوم من أيامنا ويشهد على ذلك طول فترة بقاء طغاتنا فوق رؤوسنا، وهزائمنا المتلاحقة. أخشى أن أقول بأن الله تعالى ليس منحازا لأيٍّ مِنّا. 

عيد الكراهية يحتفل به أكثرنا في مئات من الصور والمشاهد اليومية التي تفصل ما بين الاستيقاظ في الصباح إلى لحظة الموت الأصغر في المساء، وقد آن الوقت أن نقننه، ونعرف إن كان المحتفلون به أقلية أم أكثرية في عالم مجنون .. مجنون .. مجنون! 
 عيد الكراهية ليس حكرا على جماعة معينة، فيحتفل به المسلم والمسيحي واليهودي والبهائي والمجوسي والملحد،ِ ويشتري ضباط أقسام الشرطة بالونات وتورتة يضعون عليها شمعاً بعدد سنوات بقاء الديكتاتور جاثما فوق صدور أبناء شعبه، ويتم توزيع الحلوى ومعها أدوات تعذيب وسلخ ونفخ و .. 

عيد الكراهية تتقدمه الأحزاب السياسية التي تتناحر فيما بينها أكثر مما تفعل مع الطاغية، ونقيم فيه تمثالا لتخليد الجندي المجهول من أجل العنصرية والطائفية والغلو والتشدد، وتستيقظ في الفجر لتلعن الآخرين، وتطلب من الله أن يُيَتّمْ أولادَهم، ويرمل نساءهم، ويجمد الدماء في عروقهم. 
 عيد الكراهية نقوم فيه بابلاغ الشرطة عن أي شخص يبتسم في الطريق، أو يصافح بحرارة خصما له، أو يتحدث عن الحب والتسامح ومودة الجار، ونرتدي في هذا اليوم اللون الأسود فقط، وإذا رأيت مسلما ومسيحياً يتصافحان ثم يتعانقان فينبغي رجمهما أو جلدهما أمام جمع غفير من الناس، أما لو رأيت سنيا يصلي في مسجد للشيعة أو شيعيا يقرأ القرآن الكريم في مسجد للسنة فلا تتركه حتى يتوب عن محبة الآخر، وتشرح له من كتب مضت عليها قرون طويلة أن الآخر هو عدوه الأول وصاحب العقيدة الباطلة. 

في عيد الكراهية تأمر الدولة محلات بيع الزهور بأن تغلق أبوابها، وإذا قضى موظف لأرملة حاجتها وصرف لها معاش زوجها المتوفىَ فيجب فصله من عمله، أما لو سمعت شخصا يقول بأن الآخر ربما يكون محقا في آرائه فعليك أن تحتقره، فعيد الكراهية يعني أن كل شخص يملك الحقيقة الوحيدة المطلقة! 
 في عيد الكراهية نتوجه بالدعاء إلى الله أن يحفظ طغاتنا، ويحمي مستبدينا، ويرحم سجّانينا، ويزيد فقرنا، ويضاعف فواجعنا، ويجعل أيامنا كوارث ومصائب. 
 في عيد الكراهية نتغزل في القبح، ونمتدح ضباط الأمن، ونجدد الثقة بالزعيم الظالم، والأمل بديكتاتور أقسىَ يأتي من بعده.

في عيد الكراهية تطفف في الميزان، وتغش صديقك، وتخون الأمانة، وتفسد في الأرض، وإن وافق هذا اليوم انتخابات فلتمنح صوتك للكاذب فقط، وتخرج في مظاهرة تؤيد فساده ولصوصيته وتاريخه المخجل. 
 في عيد الكراهية يتخيل كل واحد منا أنه سيد القصر، وحينئذ يكون للاحتفال مذاق أشهى من الشهد، فالكراهية تبدأ من هناك .. من القصر!

محمد عبد المجيد 
طائر الشمال 
أوسلو النرويج 
 Taeralshmal@gmail.com

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...