أغلب الظن أنَّ المؤيدين لدعوتي تلك أكثر عدداً من الراغبين للاحتفال بعيد الحب، فأعباءُ عيد الكراهية قليلة، ولن يحتج عليك أحدٌ لأنك اشتريت زهوراً حمراءَ، أو أضفت عيداً غيرَ معترَف به في أدبياتنا، أو يقتحم عليك خصوصياتك الجماعةُ إياهم لينزعوا كل الهدايا المغلَّفة باللون الأحمر، فهذا اللون للدماء فقط!
طقوس عيد الكراهية ستُدخل البهجةَ والسعادة إلى قلوب المولعين بالبغضاء والمشاحنات والاتهامات والتشكيك.
تبدأ يومَك بعدم القاء التحية على أهل بيتك بعدما تستيقظ في الصباح الباكر، وتبدي تأففا من الجو والحَرِّ والبرد والغبار، ثم تصفع زوجتك على وجهها لأن ملابس الخروج لم تكن جاهزة.
تأخذ طبق الكورن فليكس من أمام ابنك، ثم تلقيه أرضاً عقابا للولد الصغير الذي لم يكمل واجباته المدرسية وفضّل عليها اللعبَ أمام البلاي ستيشين تو!
لستَ في حاجة اليوم لغسل أسنانك الصفراء الباهت لونها، ثم تخرج من شقتك وتغلق الباب خلفك بعنف شديد لتجد نفسك أمام جارك فترمقه بنظرات احتقار، فاليوم عيد الكراهية.
في الشارع توزع نظرات البغضاء على كل من تلتقي عيناك بعينيه، ثم تلقي عُقْبَ السيجارة داخل أول محل تمر أمامه.
يستوقفك رجل هاديء وبيده ورقة سائلا إياك عن عنوان معين، فتصيح فيه، طالباً منه أن يغرب عن وجهك.
تتمتم بدلا من الدعاء سِبْاباً ولعنات على الناس والمخالفين لرأيك، ثم تنظر إلى السماء وتطلب من الله أن يُنزل غضبه على الناس أجمعين، وأن يحشرهم يوم القيامة في نار جهنم، ولا تنس أن تلعن المرأة والكفار، وإذا كنت غير مؤمن فتصب لعناتك على المؤمنين وتخَلفهم وفقرهم، وتتمنى أن تحتفل باليوم الذي يودّع فيه العالمُ آخرَ المؤمنين بالأديان.
تتعرف مصادفة برجل لم تقابله من قبل فتسأله عن دينه، فإذا كان مسلما وأنت مسيحي فعلى لسانك أن يندفع في موجات متلاحقة من الاهانة للمسلمين ولدينهم، وأن تقول له بأن المسلمين متعصبون، وأنهم احتلوا العالم العربي منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام، وأن التخلف مرادف لهم، وأن الاسلام ليس دينا سماويا إنما مجموعة من الخرافات التي تلتف حول قلوب قساة وارهابيين ينبغي أن يتخلص منهم العالم.
أما إذا كنت مسلما وهو مسيحي فعليك أن تتهمه بالكفر، وتنفجر ضحكا على عبادة التثليث، وتؤكد له أن المسيحية مرادفة للاستعمار، وأنهم أهل ذمة وليسوا مواطنين في دولة يحكمها الاسلام العظيم، وأن نار الجحيم تنتظره بصبر نافد!
أما لو كنت شيعيا وهو سُنّي فلن تبذل جهدا كبيرا في العثور على مئات الحكايات من كتب شيعية عن عبث السُنّة في التاريخ، وأن ثاني اثنين في الغار لم يكن أبا بكر الصديق، وأن أهل السنة خانعون ولا يخرج من بينهم أبطال، إنما يُصَدّرون للعالم ارهابيين، ثم تنهي حديثك بصب جَمّ غضبك على الخلفاء الثلاثة وتستثني علياً فهو الأحق بالخلافة والرسالة بعد رحيل خاتم الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليه.
سيكون حظك كبيرا لو كنت سُنّياً وهو شيعي، فتتهمه بأنه إيراني وفارسي ومجوسي وربما نصيري، وأنه يعبد ابن عم النبي، وأن الشيعة متحالفون مع قوات الاحتلال الأمريكية في العراق، وأنهم طائفيون، ويؤلهون فقهاءهم، ويحملون للعرب كراهية دفينه خلف تقية لا تستطيع أن تخفي بغضاء بدت من الأفواه.
عيد الكراهية يجعله لسانك الذي يقذف حمماً حارقة أجمل أعيادك كلها، ولا تنس أن تتهم الطرف الآخر بأنه يحمل لدينك ولمذهبك مشاعر غير ودية، فأنت صاحب الحق الأوحد، والله، تعالى، قد انحاز لك وأعد لك جنة عرضها السماوات والأرض وسيُحرم منها كل من لا يؤمن بالله على طريقتك.
بعد عودتك إلى المنزل تجلس قليلا أمام الكمبيوتر، وتبحث في المواقع والمنتديات وستجد آلاف المواقع التي تختزن مشاركين من نسل الشيطان، وهؤلاء يستطيعون أن يعثروا على كل جرائم وكفريات وموبقات وسخافات الذين تحمل لهم الكراهية الأعمق.
إذا كنت قبطيا غبياً فعليك أن تتباكي على الاضطهاد، وتتحدث عن مذابح جماعية يمارسها المسلمون ضد الأقباط المسالمين والطيبين، وأن تفصل قضاياهم عن قضايا الوطن الأم، وأن تبحث عن أمل في حياة هانئة عندما يخرج المسلمون الغزاة من بلدك .. مصر!
ولو كنت مسلما مصريا أحمقَ فستجد مئات الأسباب التي تدعوك لمقاطعة القبطي ابن بلدك، فهو كافر، ولو مات مدافعا عن الوطن فلن يحشره الله مع الشهداء، وأنه لا يملك الحق في مناصب عليا في الدولة الاسلامية، وأن كنائس الأقباط تثير حفيظتك لأنها أكثر عددا من حاجاتهم، وأن الأقباط لا يحملون للمسلمين وِدّاً، وأنك ستمنع ابنك من اللعب مع أولادهم.
آلاف الأسباب التي تجعلك في عيد الكراهية تقفز فرحا وغبطة، فأينما وليّت وجهك ستعثر على ضالتك، فالغش كراهية، والاعتقال كراهية، وأجهزة الأمن كراهية، والموظف الكسول كراهية، والشيطان يستطيع أن يساعدك في استخراج الكراهية من كتب سماوية نزلت للتسامح فجعلها ذوو القلوب السوداء مصادر لتخريب العقول والقلوب.
تؤمن بالملكية فتكره الجمهوريات، وتعشق الثورات فتكره الخاملين والمسالمين، وتحب أن تسير بجانب الحائط فتبغض المنتفضين والمعارضين والمناهضين للحاكم.
تتسلل مشاعر الكراهية إلى كل مسامات جسدك في نهاية يوم أسود ذاق فيه كل من قابلك من غطرستك وعفن لسانك ودعواتك التي لن يستجيب الله لحرف منها.
عيد الكراهية لا يستقيم قبل أن يمتليء بالغيبة والنميمة وإيذاء خلق الله، قولا وفعلا، والتشكيك في كل حوار، ونبذ صور التسامح، والوثوب انتقاداً وتحقيرا وازدراءً لأي فكرة تسمعها أو تقرأها، وعندما تسمع عن تفجير سيارة في أحد الأسواق أو سقوط طائرة مدنية، أو حشر وجبة جديدة من الأبرياء في أحد المعتقلات فينبغي أن تتهلل أسارير وجهك انشراحا وفرحاً.
في عيد الكراهية الأولوية للامبالاة وعدم الاكتراث بآلام الآخرين، فليذهب المظلومون والضعفاء والمعتقلون إلى الجحيم، وعليك أن تأكل بشهية أمام التلفزيون وهو يعرض مشاهد تناثر جثث الأطفال في أي مكان، ولا تطلب في صلاتك من الله أن يرحم أحدا أو يعفو عمن تبغضهم!
إياك أن تبتسم في ذلك اليوم أو تمُدّ يَدَك مُصافحاً من يتودد إليك، وينبغي أن يكون خيالك خصبا وهو يصف لك عذابات الناس في الدنيا والآخرة، وتَذَكّر أنَّ حقوقَ الآخرين تنتقص من عيد الكراهية، لذا لا تعدل بين الناس، فشهادة الزور أيضا تزيد من عظمة عيد الكراهية.
لا تحتفل بأعياد الآخرين، ولا ترسل تهنئة إليهم، ولا تتمنى لأي منهم يوما سعيدا. عليك أن تزدري الكتاب المقدس لأي طائفة غير طائفتك، وأن تجد من ذنب إلى سبعين ذنبا لمن يرتكب هفوة صغيرة، ولا تبحث للمخطئين عن أعذار.
عيد الكراهية ندعم أيضا فيه الظلم والطغاة، ونساهم في التزوير، وننافق المستبد الحاكم، وكلما خرج أحدنا من صلاة في مسجد أو كنيسة يلعن أبناء بلده الذين يعتنقون عقيدة أخرى. إنه عيد الأعياد الذي سنكتشف فيه جميعا أن أكثرنا لا يستحق الروح التي نفخها الله فيه، وأننا في الواقع نحتفل بدون أن ندري بعيد الكراهية في كل يوم من أيامنا ويشهد على ذلك طول فترة بقاء طغاتنا فوق رؤوسنا، وهزائمنا المتلاحقة. أخشى أن أقول بأن الله تعالى ليس منحازا لأيٍّ مِنّا.
عيد الكراهية يحتفل به أكثرنا في مئات من الصور والمشاهد اليومية التي تفصل ما بين الاستيقاظ في الصباح إلى لحظة الموت الأصغر في المساء، وقد آن الوقت أن نقننه، ونعرف إن كان المحتفلون به أقلية أم أكثرية في عالم مجنون .. مجنون .. مجنون!
عيد الكراهية ليس حكرا على جماعة معينة، فيحتفل به المسلم والمسيحي واليهودي والبهائي والمجوسي والملحد،ِ ويشتري ضباط أقسام الشرطة بالونات وتورتة يضعون عليها شمعاً بعدد سنوات بقاء الديكتاتور جاثما فوق صدور أبناء شعبه، ويتم توزيع الحلوى ومعها أدوات تعذيب وسلخ ونفخ و ..
عيد الكراهية تتقدمه الأحزاب السياسية التي تتناحر فيما بينها أكثر مما تفعل مع الطاغية، ونقيم فيه تمثالا لتخليد الجندي المجهول من أجل العنصرية والطائفية والغلو والتشدد، وتستيقظ في الفجر لتلعن الآخرين، وتطلب من الله أن يُيَتّمْ أولادَهم، ويرمل نساءهم، ويجمد الدماء في عروقهم.
عيد الكراهية نقوم فيه بابلاغ الشرطة عن أي شخص يبتسم في الطريق، أو يصافح بحرارة خصما له، أو يتحدث عن الحب والتسامح ومودة الجار، ونرتدي في هذا اليوم اللون الأسود فقط، وإذا رأيت مسلما ومسيحياً يتصافحان ثم يتعانقان فينبغي رجمهما أو جلدهما أمام جمع غفير من الناس، أما لو رأيت سنيا يصلي في مسجد للشيعة أو شيعيا يقرأ القرآن الكريم في مسجد للسنة فلا تتركه حتى يتوب عن محبة الآخر، وتشرح له من كتب مضت عليها قرون طويلة أن الآخر هو عدوه الأول وصاحب العقيدة الباطلة.
في عيد الكراهية تأمر الدولة محلات بيع الزهور بأن تغلق أبوابها، وإذا قضى موظف لأرملة حاجتها وصرف لها معاش زوجها المتوفىَ فيجب فصله من عمله، أما لو سمعت شخصا يقول بأن الآخر ربما يكون محقا في آرائه فعليك أن تحتقره، فعيد الكراهية يعني أن كل شخص يملك الحقيقة الوحيدة المطلقة!
في عيد الكراهية نتوجه بالدعاء إلى الله أن يحفظ طغاتنا، ويحمي مستبدينا، ويرحم سجّانينا، ويزيد فقرنا، ويضاعف فواجعنا، ويجعل أيامنا كوارث ومصائب.
في عيد الكراهية نتغزل في القبح، ونمتدح ضباط الأمن، ونجدد الثقة بالزعيم الظالم، والأمل بديكتاتور أقسىَ يأتي من بعده.
في عيد الكراهية تطفف في الميزان، وتغش صديقك، وتخون الأمانة، وتفسد في الأرض، وإن وافق هذا اليوم انتخابات فلتمنح صوتك للكاذب فقط، وتخرج في مظاهرة تؤيد فساده ولصوصيته وتاريخه المخجل.
في عيد الكراهية يتخيل كل واحد منا أنه سيد القصر، وحينئذ يكون للاحتفال مذاق أشهى من الشهد، فالكراهية تبدأ من هناك .. من القصر!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
Taeralshmal@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق