14‏/03‏/2018

جيراننا لماذا يكرهون العرب؟ ( من أرشيفي )



جيراننا لماذا يكرهون العرب؟ ( من أرشيفي )

لو قدر لجيران الوطن العربي أن يعقدوا مؤتمرا موحدا، فإنهم قد يختلفون أو يتفقون على أمور كثيرة، لكن الإجماع على مشاعر غير ودية تجاه جيرانهم العرب ستكون نقطة الاتفاق الكلي التي سيقف أمامها في حيرة بالغة علماء الأنثروبولوجيا والمؤرخون والجغرافيون والجيولوجيون، وحتى الكتاب والشعراء، فضلا عن رجال السياسة في السلطة أو في المعارضة.
لماذا يحمل جيران العرب لأصحاب لغة الضاد هذه المشاعر المتفاوتة ما بين كراهية ومقت وغيرة وحسد واستعلاء واستخفاف، بغض النظر عن الأنظمة السياسية سواء كانت مختلفة مع بعضها أو في شهر العسل؟
الخريطة الجغرافية لجيران أصحاب لغة أهل الجنة تحمل لونا قاتما مضى عليه مئات الأعوام، ولم يتغير أو يتحسن. حتى الإسلام.. آخر الأديان السماوية الذي حمل معه أكثر صور التسامح والرحمة، وجد في البلاد التي فتحها وقبلته دينا ورفضت لغة قرآنه الكريم، صدودا وإعراضا عن العرب، بل مزيدا من التمسك بتقاليد وعادات وشعائر وهوية توسع المسافة، وترفض أي مخالطة عرقية مع العرب.
القضية شائكة ومحرجة وتمس كل واحد منا، وتشكك في مصداقية التعاون الذي تبديه ظاهريا الدول المحيطة بالعالم العربي أي جيران العرب حدودا أو الأقرب إلى الحدود!
وجيران العرب كلهم في مشاعر الكراهية سواء، من السنغال السمراء المتاخمة لحدود موريتانيا العربية، مرورا بتشاد البائسة التي دفنت جنود العقيد، في صحرائها ولم ترفض دعمه المادي لأركان الصراع الذين تناوبوا على المعارضة وحلب أموال الجماهيرية العظمى، قبل أن تذهب تلك الأموال إلى الجيش الجمهوري الأيرلندي والهنود الحمر وأحفاد كونتا كنتي وشقيق جيمي كارتر ومجلة الكفاح العربي البيروتية وأحمد بن بله.
ومن تركيا التي تفصل العرب عن أوروبا وتمنع الماء عنهم وتبني السدود وتهدد سورية وتتحالف مع أبناء هرتزل، إلى إيران التي لا يمر عقد في تاريخها الطويل كله إلا وتكون قد أشعلت نارا مع دولة عربية أو جهة دينية إسلامية في الوطن العربي أو احتلت موقعا أو أصدرت تمردا أو توعدت نظاما حاكما.
كل جيران العرب تتنازعهم هذه المشاعر المقيتة، حتى لو كان بعضهم قد عرف الخير على أيدي العرب أو التحرير أو الاستقلال أو سقط من أجل حريته شهداء عرب.
وإريتريا نموذج فريد من نوعه لنكران الجميل. فثورتها ونضال أبنائها ضد الحكم السلطوي لإثيوبيا لم يمنعها من إبداء مشاعر الكراهية تجاه العرب، وهم الذين جعلوا قضية تحرير إريتريا في أوائل السبعينات مساوية تماما لأرض فلسطين. واحتفلت إريتريا بالتحرير والاستقلال، وبعث العالم العربي مندوبيه للتهنئة، ووصل وزير الخارجية المصري ممثلا لمصر كلها لتهنئة أسمرة بعهد الحرية، فرد عليه الثوار الإريتريون بمطاردة مراكب الصيد المصرية واعتقال الصيادين المصريين وسرقة ممتلكاتهم المتواضعة، والزج بهم في غياهب سجون دويلة عجّل في تحريرها العرب، فقدم قادتها الشكر لإسرائيل! وما البلطجة الإريترية في الجزر اليمينية إلا محاولات لإدخال إسرائيل البحر الأحمر، وفتح عدة جبهات جديدة، من أجل تهديد المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص.
وفي تنزانيا لا يسمح النظام بإدخال العنصر العربي الزنجباري في الحكومة؛ فالعرب كما يراهم الأفارقة والأتراك والإيرانيون والباكستانيون والأفغان وأبناء قبائل جنوب السودان وأهل جزيرة مالطة، وكل من خط له القدر حدودا مع العرب، هم دون سائر البشر، وعنصر أقل تمدنا، ولا يستحق الرسالات السماوية التي خصّهم بها رب العالمين.
الحديث مؤلم وجارح ولم نكن نحب أن نتطرق إليه من بعيد أو قريب، لكنه واقع مضت عليه مئات الأعوام ولم يغيره التسامح العربي تجاه الجيران.
أما على مستوى الفكر والعقيدة فالأمر يتعدى هذه المشاعر إلى أبعد من ذلك كثيرا. فالحركات المناهضة للإسلام ظهرت في الدول المجاورة للعالم العربي، ومحاولات خلق بدائل للأماكن الإسلامية المقدسة التي شرف رب العزة العرب بها كانت دائما منطلقا من جيراننا المسلمين غير العرب.
فالأتراك فرضوا وجودهم مئات السنوات، واستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير، وقمعوا العرب بعادات وتقاليد، وحملوا الاستبداد إلى البلاد العربية التي احتلوها وجعلوه مرادفا لأجهزة القمع التركية. ومن إيران انطلقت البابية ثم انتهت إلى البهائية، وفي عهد الشاه كان الاستعلاء على العرب سمة أساسية في التعامل الفكري والثقافي والحضاري، وحتى العسكري.
وبعد نجاح الثورة الإسلامية ووصول الإمام آية الله روح الله الخوميني إلى الحكم، ظن العرب خيرا بجيرانهم، ولكن العداء أخذ منحي آخر من الجانب الإيراني، وهو تصدير الثورة الإسلامية إلى الجيران العرب الذين نزل الوحي بلغتهم، ولكن المسلمين الإيرانيين قرروا إعادة شرح المفاهيم الإسلامية وتعليم المسلمين العرب من جديد أصول دينهم الذي فهمه وتفقه فيه واستوعب دروسه وشرح قرآنه حراس الثورة وطلاب قم ومحاكم خلخالي!
ولن نتحدث هنا عن العداء لدولة الإمارات العربية المتحدة واستمرار احتلال إيران للجزر الثلاث، ولا عن التعامل الإيراني مع البحرين، وهي دولة عربية يظن الإيرانيون أنها جزء تم اقتطاعه من الإمبراطورية الفارسية.
ولكن الاستعلاء يصل ذروته في الرؤية الفكرية والعقيدية والحضارية من الجانب الإيراني إلى أبناء المملكة العربية السعودية، ولو لم يكن الحج فريضة واضحة وصريحة على كل مسلم فربما كان الإيرانيون قد قاموا ببناء كعبة جديدة في طهران أو قم أو أصفهان.
عندما قامت حركة الإخوان المسلمين في مصر على يد الإمام حسن البنا، بدا أنها حركة إسلامية عربية، على الرغم من تحفظاتنا على فترات طويلة من تاريخ الحركة، وميلها للفاشية والعنف، ولعل آخر مواقفها التحيز الصارخ والعاري لطاغية بغداد، وبيانات التأييد العلنية والضمنية التي شجعت الإرهابي صدام حسين، منذ غزوه جارته الصغيرة الكويت، إلى منازلته طواحين الهواء خلال تعامله مع الأشباح الأمريكية الجديدة.
الجانب الفكري في حركة الإخوان المسلمين شهد إعادة صياغة جديدة على أيدي غير عربية، عندما تلقفها أبو الأعلى المودودي، ثم أعاد تصديرها إلى العالم العربي، وخاصة إلى أرض الكنانة. وانشغل سيد قطب بالعدالة الاجتماعية في الإسلام وبالنقد الأدبي والفكري، فلما أعيدت صياغة فكر الإخوان من الهند وباكستان، أصبحت القضايا التي طرحها المودودي والجماعات الإسلامية الهندية والباكستانية (قضايا الحجاب والنقاب وإعادة تفسير سورة النور والحاكمية لله و... )هي الغالبة على الفكر الحديث للإخوان المسلمين.
وردت البضاعة العربية الإسلامية إلى أصحابها بعد أن منحها المودودي والجماعات في الهند وباكستان روحا جديدة لا تمت إلى التسامح العربي الإسلامي بأي صلة، فخرج سيد قطب بـ" معالم على الطريق"،ومحمد قطب ب"هل نحن مسلمون"و"جاهلية القرن العشرين" ثم بدأ مسلسل الجينات الجديدة من الحركات الدينية التي لا ترى فارقا بين المصحف والسيف، ولا تميز بين الوردة ونقطة الدم، وتظن أنها تساعد ملك الموت في عمله الشائك!
ومن الهند خرجت إحدى الدعوات الهدامة على يدي الميرزا غلام أحمد قادياني، الذي أراد أن يستبدل بالكعبة الشريفة مقرا وهميا في قاديان، وذلك بعد عودته من مكة المكرمة. ونجحت قوات الاستعمار البريطاني في تبني النبي المزعوم، وأصبح أتباع الأحمدية (القاديانية ) ملايين ينتشرون في بقاع الأرض كلها ويكنون للعرب مشاعر العداوة، على غرار مشاعر البغض التي يحملها مع الأسف كثير من جيراننا المسلمين، وكأن العرب قد ارتكبوا إثما كبيرا باختيار خالق الكون ـ عز وجل ـ الأماكن المقدسة الثلاثة التي تشد إليها الرحال بين أيدي العرب.
الحديث يطول ويحتاج إلى مجلدات أحسب أن صفحاتها ستبللها دموع الحزن، وهي تحكي تاريخ مشاعر عدوانية غير مفهومة من جيران العرب، تارة باسم الإسلام، وأخرى بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
الغريب أن بعض الأقليات غير العربية التي تقيم منذ مئات الأعوام على أرض عربية، وتتزاوج وتتناسل وتختلط ثقافتها وحضارتها مع الحضارة العربية لم تسلم هي الأخرى من مشاعر عدم الود تجاه العرب، سواء كانت مشاعر استعلائية، أو اعتقادا بأنها لم تحصل على كل حقوقها لدي العرب.
الأكثر غرابة ودهشة في هذه القضية الخطيرة هو أن الحركات الإسلامية في الوطن العربي، والتي تشكك في المشاعر القومية، وتقف موقف الريبة والحذر من القومية العربية، خاصة الفترة الناصرية بكل ما فيها من وضوح رؤية تجاه توحيد العالم العربي في أمة واحدة، هذه الحركات والتجمعات والأحزاب لم تستطع أي منها أن تكتسب احترام وتعاطف جيران العرب من المسلمين، باستثناء بعض الفترات التي لعبت فيها السياسة الدور الديني على مسرح مؤقت، ثم اختفت كما تختفي شمس الغروب في أفق بحري طويل.
ليس لدينا تفسير لهذه الظاهرة الممتدة عبر التاريخ، فقد يكون مرجعها إلى إحساس جمعي بأن العرب يحتلون موقعا جغرافيا وروحيا وتاريخيا لا يسمح لأي منافسة من خارج الوطن العربي الكبير. فأفريقيا السمراء لم تمتد حدود أي دولة منها إلى أوروبا خلال فترات الاستعمار الطويلة أو بعد التحرير إلا عبر الحدود العربية. وتركيا التي انحازت للغرب بعد أن قسمت أوروبا جثة الرجل المريض لم تستطع أن تجعل العالم العربي عثمانيا طوال مئات الأعوام، وظلت لغة الصلاة الإسلامية منذ البعثة المحمدية هي اللغة العربية، ولو كانت التوجيهات والأوامر الدينية من الآستانة أو إستانبول أو أزمير.
الأيدي العاملة الآسيوية الرخيصة في دول الخليج العربية ترفض رفضا قاطعا أن تمسها الثقافة العربية من قريب أو بعيد، بل لقد استطاعت الجالية الآسيوية الضخمة والكثيفة أن تجعل من لغاتها البنغالية والأردية والهندية لغة التخاطب بينها، وجعلت الحاجز الأكبر مع المضيفين العرب في لغة إنجليزية ركيكة ومطعمة بخلطات غريبة من كل اللهجات الآسيوية.
قد تكون هناك عدة تفسيرات قريبة من الواقع، لكننا نبحث عن مدخل حقيقي وصريح لإخراج القضية إلى حيز النور، ثم طرحها على بساط البحث دون حرج. فقد تحتج أنقرة على عرض مسلسل " إخوة التراب"، وربما تظن إيران أنها خط الدفاع الأول عن الإخوة الشيعة العرب المسلمين.ولعل الجماعة الإسلامية في باكستان تبعث إلينا من يعلمنا أصول ديننا، وقد يؤمن الشيخ أحمد ديدات أن مسلمي الوطن العربي لم ينجبوا في تاريخهم كله رجلا مثله، يعلم الناس المناظرات الدينية المتلفزة. وربما تكون مشاعر المواطن العادي أكثر عداء من التي يعبر عنها الساسة ورجال الفكر والمسؤولون وغيرهم.
لكن الحقيقة التي لا مراء فيها أن القضية خطيرة، ويخشى الكثيرون وضعها على بساط البحث. وكم من قضايا فشلنا في عرضها والتحقق من صحتها وفضلنا على ذلك دفن الرؤوس في الرمال الساخنة لصحراء شاسعة، كما تفعل النعامة حتى لو لم يوجد بالصحراء كلها صياد واحد.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
سبتمبر 1995



لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...