03‏/08‏/2018

السطريون يسيطرون!


السطريون يسيطرون!

عندما تراجع دورُ الكتاب في عالمنا العربي، وبدا أن الأمرَ الطبيعيَّ هو صحيفة ومجلة ونشرة وفصلية ودورية، كان ذلك مُقدّمة للدخول في عالم أكثر سهولة ويُســْـر للذين يريدون الحصولَ على المعلومة، مختصـَـرة ومقتضبة، ولكن يظل وجودُهم في دائرة الثقافة العامة.
لم يصمدوا طويلا، وتراجع تأثير ” إبداع” و”القاهرة” وسطور” و”الفكر المعاصر”و” عالم الفكر”، ثم انتقلوا إلىَ الملاحق في الأعداد الأسبوعية للصحف الكبرى.
وجاء الفيسبوك لينقذهم ويجعل المعلومة والأخبارَ والمقال مختصرة ، ويـُـنهي عصر المقال المطوَّل الذي يُجهد الكاتبُ نفســَــه فيه ويحاول الإلمامً بكل جوانب الموضوع المطروح على البحث.
ثم تقدَّم التويتر ليختصر دنيا المعلومات في سطرين، والموسوعة في ثلاثة أسطر، والأحداث الجسام في أربعة أسطر.
وانتصر السطريون انتصارا باهراً فلم يكن يخطر على بال أيِّ منهم أن يتساوى الجميع تحت سقف واحد، فجملة قصيرة لا يستطيع القاريء أن يعرف إنْ كانت صادرةً عن مثقفٍ أو عن جاهل، ومن لم يفتح كتابا في عشر سنوات يكتب سطرين يتساويان مع من قضىَ نصفَ عُمره دودة كتب و.. حـُـوتَ موسوعات.
مع احتلال التويتر والفيسبوك الشاشة الصغيرة التي يجول ويصول ويجوس الجميع خلالها في كل ركن من أركان الدنيا تراجع الكتابُ إلى الصف الخلفي، والمقالُ إلى منتصف الصالة، وبقيت الكلمة الفصْل للسطرييــن الذين يسقط أكثرهم إعياءً إذا قرأوا نصف صفحة، ويصيبهم المَلــَـلُ بعد السطر الخامس، وأحيانا تتحول معلوماتهُم الثقافية والفكرية إلىَ حفنة من العناوين المتراصة .
السطريون لن يقرأوا لك مقالا بحثيا أرهقتك كتابتُـه طوال الليل، ويعتبرون أنَّ وقتهم الثمين (!) يضيع في الثقافة الدسمة، وأنهم لا يطيقون الإمساكَ بكتابٍ أو بحث أو ..  تقرير.
السطريون يسيطرون على ساحة المعلوماتية ، والغريب أنهم يقرأون لكَ ثلاثة أسطر من مقال مُطول ويردُّون عليك في نصف صفحة، ولا مانع من قصّ ولصقِ نصوص منثورة في كــُــتـب إلكترونية لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بموضوع حوارك أو رؤيتك أو طروحاتك.
السطريون تخلصوا من الكتب، ومعرض الكتاب الدولي مكان كئيب لهم، والمكتبة المنزلية حلت محلها أطباقٌ وأكوابٌ وبعضُ الهدايا  التذكارية وكتاب مقدس، قرآن أو إنجيل، مفتوحة صفحاته ليزيد الدار بركة!
أستطيع أن آتي لك بجملتين  على التويتر، الأولى لنصف أميٍّ يقرأ اسمه بشق الأنفس، والثانية مقتطفة من كتاب لجمال حمدان أو عبد الوهاب المسيري أو لويس عوض أو طه حسين، وأغلب الظن أن القاريء، العادي، السريع والخاطف والفيسبوكي والتويتري والديجيتالي لن يميــّـز بين الجُملتين!
الكتابُ العربي يحتضر، ويلفظ أنفاسَه الأخيرة، وسيشيــّــع جنازتــَــه ثــُـلــَّــةٌ من الأوفياء للحرف، والمؤمنين بأنه خيرُ جليسٍ في الزمان، وربما يتغامز السطريون على المشيــّــعيـن المُتعلقين بأوهام الثقافة و.. المعرفة.
في الفترة الأخيرة تحوَّل السطريون إلىَ شخصــيــيــن، أي أنَّ كتاباتهم تقتصر علىَ تأييد شخص، ودعم قائد، والاحتفاء بمرشد، والمدح في زعيم، وطاعة فقيه، ونقل نصوص عن مـَـوّتىَ، والتظاهر من أجل أمير، والفداء بالدم والروح من أجل اسم مجهولٍ ينطقونه بصعوبة.
السطريون يسيطرون علىَ عالم المعرفة، وبكاء ونواح الكتب يتناهى إلى الأسماع كأني أتبيــَّـن من خلالها امرأ القيس والمتنبي وابن رشد وباسترناك وابن خلدون وشكسبير ومحمد عبده  وسارتر والأفغاني وجراهام جرين والكواكبي  وجان زيجلر والعقاد وألبرت ماركوز والرافعي وموليير ومالك بن نبي وفيكتور هيجو وبن باديس وجارودي والمسيري وجمال حمدان ومئات ، وآلاف غيرهم.
السطريون يتقدمون، لكنني لا أرى شعلة المعرفة في أيديهم، إلا قليلا منهم ، أوفياء للاثنين معا، السطر المقتضب و.. الكتاب!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو  النرويج

الاستعمار الجديد يقرأ في الكتب المقدسة!

الاستعمار الجديد يقرأ في الكتب المقدسة!
لمئات الأعوام حاولت قوى الاستعمار أن تجد أسهل الطرق وأقلها خسائر لتدمير البلد المستعمــَــر ولو لم تلمسه أحذية عسكرهم، وفي النهاية عثرت على الطريق الأقصر والأسهل والأبسط!
إنه تمزيق البلد دينياً، وتفريق أهله بين مؤمن وغير مؤمن، وبث مشاعر الاستعلاء لدى فئة على أخرى، واقناع الواهمين أن الجنة على مبعدة سيف ومصحف ودعاء وجلابية ولحية.

طريقة سحرية نتائجها مضمونة مئة عام، وقد تمت تجربتها في أفغانستان بدعم طالبان ضد الشيوعيين، ثم الانقلاب على التطرف بعد نفخه.
وفي العراق لم يكن الأمر في حاجة إلى أكثر من هوية، واسم، وتعريف المواطن بأن ابن بلده ينتمي إلى مذهب آخر وفــِــرقة مختلفة وتاريخ مليء بالأكاذيب، وحينئذ سيتولى أبناء الوطن أنفسهم تدميره، وتخريبه، وحفر قبور في كل شبر فيه لولائم لا نهائية لدود الأرض.
وفي سوريا ثار شعبنا البطل ضد نظام البعث صاحب أغلظ معتقلات وسجون في العالم العربي، ولكن قوى الاستعمار ألقت عصاها فإذا هي حيــّـة تسعىَ، وجاء الجهاديون القتلة من كل فج عميق، وتعرّف السوريون على مذاهب وفرق، فهذا سني، وذاك شيعي، والثالث كردي، والرابع نصيري، والخامس علاوي، والسادس تركماني، والسابع تطبيعي، والثامن فيه روح حزب الله، والتاسع مسيحـي، والعاشر علماني، ثم تولى السوريون تدمير وطنهم.
وفي اليمن، وفي البحرين، وفي تونس، وفي ليبيا، وفي الجزائر، كانت الوصفة السحرية جاهزة.
وفي مصر كان لابد من سرقة الثورة دينياً لتمزيق مصر وتحويلها إلى بقايا دولة يعبث بها الجميع، من إسرائيل إلى اثيوبيا.

ووجد الاستعمار المصحف والدم والخطبة والمهووسين ومنحهم أقراصاً تجعل حلم الخلافة حقيقة واقعة.
الاستعمار الجديد يقرأ الكتب المقدسة على مسامع الضعفاء، ويعدهم بالجنة، ويقف معهم ضد ( غير المؤمنين)، ويدافع عن رجاله، ويجعل التجسس لصالحه تطبيقاً لشرع الله، ويُصلي معهم إذا أرادوا، ويرسل من يقوم بزيارة عميلهم في محبسه مع افتراض أنهم لم يقتلوه.

الاستعمار الجديد يبدو كالخاشع للتلاوات المقدسة، وتدمع عيناه تأثراً بالرسل والأنبياء الجدد وهم ضيوف على كل الفضائيات، وجيوبهم مملوءة بالأموال الشقراء الشرعية حتى لو تخلوا عن الفائدة الحرام.
المستعمر الجديد يصعد فوق المنبر، ويلقي خطبة أو موعظة تخشع لها قلوب المستمعين، بل إنه يصلي الفجر حاضراً ليس لايصال رسالة إلى السماء، ولكن إلى الذين سيجتمعون في يوم الزينة لمشاهدة السحر والسحرة.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال

كارثة حرب النصوص!


كارثة حرب النصوص!
يعاني العرب من كــُــتــَّـاب وإنترنتيين وضيوف الفضائيات من العجز عن الامساك بالعقل وجعله ركيزة أساسية في التحليل والفهم والاستشهاد الموثق، فاستبدلوا بها النصوص الجاهزة، سواء كانت مقدسة أو موضوعة، تماما كالمعارك الشعرية العكاظية.

أصبح طبيعيا أن يلتقي محاوران أو خصمان في مبارزة فكرية تتحول بعد دقائق معدودة إلى استعراض مهارة استيراد نصوص مرَّت عليها مئات السنوات باعتبارها رديفا للعقل، وبديلا للمعلومة.
في الحوارات الالكترونية بالمنتديات والفيسبوك والمواقع التي تفتح نوافذها لدخول المشاركين، يفتح الجميع نيران نصوصهم الجاهزة أملا في أن يُردي كل ناقل للنص غريمه قتيلا منذ النــَــصِّ الأول.
وبالغت الأكثرية فيما أطلقوا عليه: سآتي له بنص مضت عليه قرون لا يستطيع إزاءه إلا التسليم بهزيمة ساحقة!
لهذا ظن الإسلاميون أنهم هزموا الليبراليين، فالنصوص في الصدور، والعقل في عطلة طويلة، والمعلومات غير موثوق بها إلا أن تكون معفرة ومتربة في كتب صفراء فاقع لونها تــُــسِر الناقلين.
يكفي أن يضع صاحبنا ساقا فوق، وذاتا فوق ذات، فينتفخ أوراماً نــَــصّية ويلقي على مسامعك بكلمة قال ابن عباس، وصاحبنا لا يعرف عباسا أو ابنه أو أعمامه، لكن تغليف الاسم الموغل في الزمن الغابر، ثم اعادة تقديمه في الحاضر مشوبا بهالة مقدسة من عبق التاريخ يجعل الورم الفكري فقهاً، والنصّ البشري المجهول كأنه بيان من التنزيل.
قدرة العقل المسلم الجديد على التشكيك لا تحتاج لمنطق أو موضوعية، فهو اتهام مثل الذي تلقيه السلطة في الأنظمة الديكتاتورية على المواطن بأنه يعكر صفو الأمن العام حتى لو كانت التهمة جلوسه على الرصيف يلتهم كسرة خبز كانت ملقاة تحت قدميه.
دخلتُ على منتدى ونشرت مقال ( تغطية وجه المرأة حرام ) وبيــّـنت أهمية اظهار المشاعر الإنسانية على الوجه حتى تستقيم العلاقات الاجتماعية، فردَتْ احداهن متهمة إياي بكل الصفات القبيحة والآثمة وأنني، طبقا لاجتهاداتها العبقرية، أريد من المرأة المسلمة أن تسير عارية، وأن وجهة نظري تلك استقيتها من العاهرات وأنا أعب كؤوس الخمر!
ربما يبتسم القاريء الكريم، لكن الحقيقة أن البكاء على عالمنا المسكين هو رد الفعل الطبيعي، فحرب النصوص اغتالت العقل، ثم دفنته، وأهالت عليه التراب، وزعمت أنها فعلت هذا من وحي توجيهات سامية وسماوية من يخالفها فقد كفر ودمه حلال على مجاهدي الأمة وزوجاتهم القاصرات، والهاربات من حروبنا الأهلية المتخلفة.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين


لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...