29‏/02‏/2020

رسالة من دود الأرض إلى الرئيس حسني مبارك!



رسالة من دود الأرض إلى الرئيس حسني مبارك!
أوسلو في 17 نوفمبر 2010( قبل ثورة يناير بشهرين)
السيد الرئيس حسني مبارك،
لوّ كانَ الصبرُ حَشـَرَةً لـَكـُنّاه، فمنذُ أنْ عَالَجَ الدكتور ماير في ميونيخ غضروفَك ونحن في حِيرةٍ من أمْرِك، فأبناءُ شَعْبِك يرفعون أيديهم إلى السماء راجين العلي القدير أن يشرق صباح مصري جميل بدونك، فإذا بملايين الأدعية التي تصل إلى سدرة المنتهى تخترق أيضا باطن الأرض وتصمّ آذاننا!

صحيح أنه يتساوى لدينا الجميع، ونأكل في باطن الأرض موتاكم بغض النظر عن الدين والعقيدة والمذهب والجنسية، ولو التف الميت في سبعين كفنـًـا لا جيوب لها، وفقا لتعبيرك الذي استخدمته من قبل ليكون دليلا على زهدك في الدنيا، فوجبة الطعام التي نعيش عليها أربعين يومًا لا مفر من الاستعداد لها إلا أن تنافسنا أسماك القرش أو حوادث الطيران أو إذابة الجسد في حامض الاسيد كما يفعل بعض طغاتكم ضد معارضيهم.
نحن لا نعلم الغيب، وبالأمس القريب قمت أنت بمصاحبة كمال الشاذلي، وودعته قبل أن نتسلمه منكم، وأزحت عن ذهنك أي فكرة تقوم بتذكيرك أنك آتينا ما طال بك العمر، وأنك لو جددت لولاية سابعة وتاسعة وعاشرة فلن تكون في يوم من الأيام وجبة شهية لدود الأرض، لكنك أخطأت، كعادتك، وظننت أن قصرَك صرحُك، ومنه اطلعت إلىَ إلـَهٍ لم يدر بذهنك قط أنك ملاقيه، فوزارة العدل في السماء ليست سلطة قضائية تأتمر بأمرك.
عندما رفع كمال الشاذلي قضية ضد من سرب شائعة وفاته كان يشبهك تماما، فخدمُك وعبيدك وكلاب قصرك يوهموك أن صحتك خط أحمر، وأن جريمة إبراهيم عيسى عندما تجاوزها، وحكم القضاء عليه بشهرين سجنا، كان ينبغي أن تنتهي بالمسكين إلى حبل المشنقة.
عاد أقدم برلماني مصري إلى بيته غاضبا، فالمرض كما تظنون أنتم الطغاة يحصد الفقراء فقط، وأن باطن الأرض للغلابة و أيضا ليدفن فيه أحمد عز نفايات الحديد!

نتحدى أن يهمس في أذنك أحد مستشاريك ويقول لك بأن آلاف التعليقات على الإنترنت لم يكن من بينها من ترحم على روح كمال الشاذلي، وأن أجلك إذا جاء فستتهتك أسلاك الهاتف، وتتعطل ستاليات الموبايلات التي يربح منها رجال ابنك مليارات، فالمصريون سيبعثون التهاني التي لم يعرف مثلها عيدا المسلمين و .. كريسماس الأقباط!
أرسلنا من باطن الأرض إلى سطحها دودا يتجول في أنحاء أم الدنيا لعله يأتينا بنبأ يقين، ونعرف أن حفــَّــار القبور ستكون لديه مهمة سامية، فهي المرة الأولى التي لن يكون بجانبك وزراؤك، وكتيبة النفاق، وسينزلق نعشك بطيئا .. بطيئا، وستنتهي آلام ظهرك تماما، ولن يكون في استقبالك غيرنا نحن دود الأرض.
عاد الدود إلى باطن الأرض وحكى لنا ما لم تحكه قصص الأولين والآخرين من طغاة متغطرسين لم يقرأوا نهايات هتلر وموسوليني وسالازار وسوموزا وبول بوت وديفالييه، الأب والابن، وهيلاسلاسي ومنجستو هيلامريم وبينوشيه وباتيستا وجان بيدل بوكاسا وأنور خوجة وتشاوشيسكو وعيدي أمين دادا وجعفر النميري ومئات غيرهم سحل بعضهم الذين اتبعوهم، وبعثرت قبورَ البعض الآخر شعوب لم يشف غضبها غياب طغاتهم في أحضاننا.

قالوا لنا بأن المصريين يصبون حِمَمَ لعناتهم على عهدك الأغبر، وأنك إن جلست متخفيا بجوار أي مصري في حافلة أو ترام أو مترو، فستسمعه يصيح أو يتمتم بكلمات تترجمها السماء كأنها دعوات باللعنة، ويترجمها رجال أمنك كأنها ثغاء غنم أو ضغيب أرانب أو مأمأة خراف لا تؤذي ولا تخدش أو تضر!
قالوا لنا إن ربة أي أسرة مصرية تدعو الله أن يحفظ أولادها، لكنها لا تنسى أن تدعوه أيضا أن يعجـــِّــل في يوم الخلاص منك، وهو أيضا يوم احتفالنا بنزولك وحيدا في قبر مظلم ليس فيه أوامر أو تهديدات بقطع رقبة خصومك أو سجون ومعتقلات تشهد جدرانها أنها سمعت في عهدك الأسود صراخا لم تسمعه في مئات السنوات التي مرت على أرض حكمتــَـها، وخرّبتها، وأفسدتها، وسلطت عليها أوغادا نهبوها، وهبروها، ومصمصوا آخر عود أخضر في يد يتيم أو لقمة كادت تدخل فم مسكين فخطفها شريك لابنك أو أحد حيتان زمنك الكابوسي الجاثم فوق صدور المصريين لثلاثة عقود.
قالت لنا كتائب دود التفتيش بأنها تجولت في سجون ومعتقلات مصر كلها، وشاهدت ما يتبرأ منه الشيطان من ظلم، وفساد، وقسوة، وغلظة، ورأت سجناء مضى على وجودهم في الزنزانات أعوامٌ كثيرة دون أن يتم عرضهم على القضاء، وبعضهم قامت المحكمة بتبرئتهم، لكن وزارة الداخلية أعادتهم إلى المجهول مرة أخرى، وسمعنا أنهم يرجون الله، ليلا ونهارا، أن يعجل بأخذك أخذ عزيز مقتدر، فالظلم الواقع عليهم جاء بمعرفة شخصية منك، ولا يتحرك عسكري أو ضابط أمن أو مخبر أو بلطجي أو مأمور قسم أو لص أو مقترض ملايين أو هارب من مطار القاهرة الدولي أو محتكر حديد أو مُسَمّم أرض زراعية أو مستولٍ عليها إلا بمعرفتك، فأنت الأب الروحي لكل خراب في هذا الوطن الصابر.
لم يحدث من قبل أن تكدست السماوات السبع وأديم الأرض وباطنها بلعنات على زعيم مصري كما هي عليك، ولو سألت فقيرا معدما أو مظلوما أو مواطنا انتهكوا حرمته أو حتى جدران قسم شرطة المنصورة أو سيدي جابر أو باب شرقي أو ..... لما سمعتَ غير اسمك وخوف إبليس أن يقولوا عنه بأنه وسوس إليك، فالعكس هو الصحيح.
سمعنا بقرب ترشحك لولاية سادسة تنتهي بالاقتراب من عامك التسعين، وهذا الترشح يحمل يقينا منك بأن أجلك غير آت، وأن عشرات الآلاف من جرائمك في حق شعبك لم تراود ضميرك لعلك تتوب، وأن ذكرياتك تصب في خانة واحدة وهي الغطرسة والغرور وكراهيتك المقيتة للمصريين.
السيد الرئيس،
ننتظرك في باطن الأرض بصبر نافد، وسينزلق نعشك ولو سجلت عقيلتك مئة حلقة في الفضائيات تقول فيها بأن صحتك زي الفل(!)، ولن يخرج في جنازتك إلا حفنة من المنتفعين والأفاقين وبعض البلهاء الساذجين الذين يظنون أن للموت حرمة أكبر من حرمة الحياة.
اقرأ مرة أخرى ماذا كتب الناس عن كمال الشاذلي، ثم تخيل يوم يسابق خبر رحيلك الريح، فلا تعرف الشبكة العنكبوتية غير شهقات وزفرات الملايين الذين يتنفسون الصعداء برحيلك.

ننتظر أيضا كل الصامتين والمشاركين في تصعيدك فوق رؤوس أبناء شعبك، ولن نفرق في باطن الأرض بين عضو من حزبك وآخر وفدي أو اخواني أو قبطي أو تجمعي أو ضد الترشح أو مع الترشح، فكل من برر جرائمك أو غض الطرف عنها أو شارك في اغتيال الشعب المصري تحت قبة البرلمان، مع الحكومة أو ضدها، سيكون جسده معنا قبل أن يقرأ كتابه في يوم الحشر.
السيد الرئيس حسني مبارك،
تلك هي كلمات مضيفيك من دود الأرض، ولن ننتظر حتى يذوب كفنك، لكننا سنبدأ فور توقف دموع التماسيح من عيون الذين ساروا في نعشك وهم يرتدون نظارات سوداء يخفون بها حزنهم على أنفسهم وليس عليك.
لم تصدق أنك ستموت، وأن شهقة الروح أسرع من طرفة العين، وأن مكانك في باطن الأرض أظلم من زنزانات في أقبية سجون ألقيت فيها آلافا من المظلومين وحرمتهم من حياة أعطاهم إياها ربهم.

مئات المرات ونحن نحلم بوليمة أنت على رأسها، خاصة ذلك اليوم الذي قمت فيه بتوزيع أوسمة الاستحقاق على ثلاثة من ضباط الشرطة المتهمين بالتعذيب، واليوم الذي ودع الحياة الشاب خالد سعيد، واليوم الذي قفز أب من الطابق الرابع بعدما فشل في العثور على لقمة خبز لأولاده، واليوم الذي نام عجوز بين أيدي طلاب الطب ليتعلموا في جسده ما لم تعلمهم كتبهم في مقابل جنيه لكل طالب، ثم عاد المسكين بطعام العشاء لأسرته، واليوم الذي دفن فيه صديق ابنك نفايات الحديد تحت سطح أرض زراعية في دمنهور للتعجيل في تسميم المصريين الذين لم تصل إليهم مزروعات عهد يوسف والي، والتي ظلت عشرين عاما تسرطن أبناء وطنك لتسعدك، وتبهجك، وتثبت للشيطان أنه تلميذك.
السيد الرئيس حسني مبارك،
نحن في انتظارك حتى لو نشر رئيس تحرير أكبر صحيفة قومية بأنك أكلت من شجرة الخلد ولم تهبط من جنة شرم الشيخ إلى حيث يعيش المصريون!
ليس للكفن جيوب، ومع ذلك فكل دود أرض مصر الطيبة يريد حضور تلك الوليمة الكبرى التي لم تصدق أنت أنك ستكون ضيفنا لأربعين يوما أو أكثر!

أيها الميت الحي،
لقد بلغنا نبأ تبرئة إبليس نفسه من الوسوسة إليك، وقيل بأن لديه ثمانين مليونا من الشهود على صدق كلامه، وهذا يضاعف فرحتنا بقرب انزلاق جسدك في تلك الحفرة الضيقة التي لن تستطيع منها تجديد ولاية رئاسية أو تعذيب أبناء شعبك.
للمصريين أعياد إسلامية وقبطية ووطنية وقومية، أما يوم اختفائك في باطن الأرض فهو عيد لنا و .. لهم.


عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
محمد عبد المجيد

طائر الشمال
أوسلو في 17 نوفمبر 2010

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...