02‏/05‏/2018

التونسيون يتنفسون بأمر الرئيس! ( من أرشيفي )

نشرته أول مرة في 15 مايو 2007


التونسيون يتنفسون بأمر الرئيس!

إنه حالة خاصة من الطغاة، فهو يحب الفنَّ، ويقلّد بعضَ المفكرين أوسمةً، ويستقبل كبارَ النجوم.
ولكن ألم يكن الحسن الثاني يفعل نفس الشيء؟
كانت سجون المغرب تصرخ من هَوّلِ ما في جوفها، ويتلقى السجناءُ وجباتٍ من كل أنواع التعذيب التي لم يعرفها بشر من قبل، وكان الملك يستمتع بالفنون والآداب ويقرأ في الحقوق، ويمارس رياضة الجولف، ويضع أصابعه في عيون من يظنون السوء بأمير المؤمنين.
اللغة التي يستخدمها حُماة الطغاة لا تختلف كثيرا من بلد إلى آخر، أعني من وطن سجين إلى وطن زنزانة.
تزداد المذابح وحشية، فيرد الديمقراطيون الجدد بأن الرئيس ليس مسؤولا، لكنها الحاشية المحيطة به!
عندما كان محمد مواعدة رئيس الحركة الدستورية الاشتراكية مُدافعاً عن بن علي، ومناديا بميثاق مع الرئيس أسعفته لغةُ داعمي الطغاة فقال بأنها من أجل مسيرة الديمقراطية!

وفي انتخابات عام 1994 استعان بلغة التزلف للحصول على نفع آخر فقال بأنه يضع ثقته الراسخة في الرئيس زين العابدين بن علي في نفس الوقت التي كانت منظمات حقوق الانسان تندد بالتعذيب المنظَّم في سجون الجنرال.
لكن فكر الطاغية يرتبط مع زملائه الطغاة في كل مكان بخيط عجيب لا تراه العين المجردة، فعندما قال أحد الوزراء للملك الراحل الحسن الثاني بأنه في خدمته، لم تَرُقْ الكلمةُ مجردةً لأمير المؤمنين فرد قائلا: لا يكفي أن تقول هذا، إنما أن تعمل على أن تكون في خدمتي!
الطاغية لا يحب أن تقول له بأنك تلعق حذاءه إنْ طلب منك ذلك، ولكنه ينتظر أن تقوم بنفسك بلعق الحذاء، وأن تُبهجه بتعبيرات المذلّة والخنوع والمَسْكَنة.

الجنرال التونسي فَعَلَ نفسَ الشيء، فلا يكفي أن تضع الحركة الدستورية الاشتراكية وجهها تحت حذائه، فعندما جاء موعد الانتخابات البلدية في ربيع عام 1995، لم يُلق الرئيس للمعارضة المستأنسة بالفتات، إنما صفعها أيضا ومنح ستة مقاعد لأربعة أحزاب، واحتفظ هو بباقي الــ 4090 مقعداً، تماما كما فعل الرئيس صدام حسين عندما حصل على نسبة 100% في استفتاء رئاسة الجمهورية فهو لم يصدق أن هناك بعض المجانين الذين ربما يريدون الانتحار ويصوتون للرئيس بــ (لا ) !
لدىَ الطغاة إكليشيات جاهزة يعرفها متزلفو السلطة ومستشارو الزعيم والمتقدمون من أجهزة الأمن أي الأقرب إلى سيد القصر.
خميس الشمّاري عضو في الحركة الدستورية الاشتراكية كان يستعد لركوب الطائرة متوجهاً إلى مالطا، لكن أمن الرئيس كان في انتظاره، وتم تفتيش حقائبه ثم الاعلان لاحقا عن العثور على وثائق تدينه!
وهل هناك مواطن عربي من البحر إلى البحر ليست لديه وثائق تدينه إنْ أراد الزعيم به سوءً؟
يُذَكرّني هذا بعمليات القبض على الخلايا الارهابية وعرض صور ساذجة لاقناع بلهاء بأنها أدوات الارهاب المستخدمة في محاولة تخريب المنشآت، وترويع المواطنين.
تنظر إليها جيدا بعدما تضع نظارتك الطبية على عينيك، ثم تعيد الكَرّةَ مرتين فيعود إليك البصر خاسئا وهو حسير!
ستجد سكينتين، وبطاريات قديمة، ومسدساً يعلوه الصدأ، وثلاثَ قنابل يدوية، وبعضَ الأسلاك، ورُزمةً من العملة الخضراء بها عدة مئات من الدولارات، ولفةَ من الحبال الغليظة!

وبعبقرية لا تناظرها أو تناهيها أو تعادلها أخرى، يتولى رئيسُ تحرير الصحيفة المقرّبة من الزعيم كتابة الافتتاحية عن عيون الأمن اليقظة، واكتشاف مؤامرة ضد منجزات ومكتسبات العهد !
عندما تسقط كل الأوراق فَتَبْينُ سوءات المعارضة، يبدأ المديح في سيد القصر، ولعلنا نتذكر مجموعة من الكومبارس الذين تم اختيارهم بعناية ليقوموا بدور المُحَلّل عندما قرر الرئيس حسني مبارك لعب مسرحية أمريكية انتخابية، فقال أحد المرشحين بأنه لو حقق الفوز فسيقوم باهدائه إلى الرئيس مبارك! 
الأمين العام لحركة التجديد المنبثقة عن الحزب الشيوعي التونسي محمد الحرمل قال في مقابلة معه في عام 1999 بأنه كزعيم معارضة يحتفظ بعلاقات وثيقة مع رئيس الدولة، فزين العابدين بن علي منهمك في الاصلاح، والمعارضة أمام سلطة وطنية، لذا فإنها ترى أن النقد والدعم يسيران جنبا إلى جنب!
تشعر أحيانا بغثيان عندما يبصق المعنى على اللغة، ويستخرج المنافقُ من المُعجَم ما يحاول أن يداري به عورته، وأحسب أن معظم القوى المعارضة في عالمنا العربي تقف هذا الموقف، فتضع جسدها كله تحت أقدام النظام، وتُخرج إصبعاً واحدا تَدّعي أنه في خدمة الشعب وقضية المعارضة.

إننا لا نشك في نزاهة سيّد القصر، لكن أولاد الكلب المحيطين به هم الذين يمنعون صراخ الرعية من الوصول إليه، أليس هذا ما يقوله أكثرنا ونحن في حالة التخدير والنوم الطوعي وقد تجمدت ضمائرنا حتى ونحن نصلي ونصوم ونعمر مساجد وكنائس الوطن العربي .. الكبير؟
في تونس عبقرية تتفوق على نظيراتها في عالمنا العربي وهي تزوير الانتخابات.
إنها في تونس الخضراء عمل خياري يقوم به المزورون وفقا لامكانياتهم، فهناك من يستبدل الصناديق، وهناك من يُعِدّ أسماءً وهمية ليضيفها إلى الأصوات المُجْبَرة على انتخاب الرئيس.
وهناك من يقوم برشوة مالية أو تهديد أمني، أو تقديم اغراءات لاحقة في مناصب تضمن الأمن والأمان.
المادة 25 من قانون 3 مايو عام 1988 تعاقب كُلَّ من يعكر النظام أو الأمن الداخلي أو الخارجي!

تهمة لو أنزل الله ملائكة تسير في حالها ولا تُكَلّم أحدا فإن احتمال توجيه التهمة إليها كبير، بل قد يضيف إليها القضاءُ تفسيرات سلطوية لم تعرف طريقها إلى واضع مواد الطغاة.
من قصر قرطاج تخرج كل ورقة، وكل توقيع، ولو كان بامكان الجنرال أن يتحكم في نسمات الهواء لما تأخر لحظة واحدة.صورة جديدة أراد الطاغية رسمها لكي تلهج الألسن بالدعاء له

صورة الزعيم المستبد تتغير، فهي في ذهن المواطن طاغية لا يرحم، وسجان أعَدّ زنزانة لكل مواطن، أما على الألسن فهي ذلك الانسان البسيط المتواضع الذي يستيقظ مبكرا ليتصل برئيس تحرير صحيفة حكومية ويسأله عن أحوال الطفل الذي أمر سيد القصر بعلاجة على نفقة الدولة، وأن يسافر معه والده وطبيب مرافق!
دكتور جيكل ومستر هايد يحكم بلدا ظن الشابي أنه إذا أراد شعبها يوما الحياةَ فإن القدر لن يتأخر لحظة واحدة، ولكن هل يريد الشعبُ فعلا الحياةَ أم أن كفَّ رجل الأمن الغليظة مع الفرحة بقدوم السياح أنسياه عملية اغتيال وطن؟

يقول نيقولا بو وجان بيير توكوا في كتاب ( صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي ): إن الرئيس مولع بالمعلوماتية، ولديه على حاسوبه جهاز مراقبة كامل، وفي عام 1989، أي بعد تولّيه السلطة، دخل شاب في السادسة والعشرين من عمره على النظام المعلوماتي للقصر، وأسَرَّ لبعض المقربين أنه عثر على أسماء عملاء للموساد، ومعلومات عن كيفية مراقبة الفلسطينيين في تونس.
لم يمر وقت طويل حتى لقي الشابُ مصرَعه في ( حادث سير )!

وقامت قوات الأمن ، مشكورة، بحضور الجنازة، ومراقبة جثمان الطالب الذي دخل سهوا على أسرار الرئيس، فصدمته ( مصادفة ) سيارة في الطريق!
الاتحاد العالمي لروابط حقوق الانسان نشر تقريرا في نهاية عام 1998 عن التعذيب في تونس، وذَكَر بأنه يملك أدلةً قطعيةً عن خمسمئةِ حالةِ تعذيبٍ في خلال ثمان سنوات، لكن الحقيقةَ أنها آلاف لم يتم التحققُ من كل حالة.
لم يتمكن الاتحادُ من توثيق أكثر من ثلاثين حالة وفاة تحت التعذيب، ولكن باقي الوفيات ذهبت وراء الشمس، أو تحت الأرض.

لو نطقت عظامُ الموتى تحت الأرض العربية لبكت السماوات والأرض والجبال، فالمقابر الجماعية ليست في تونس فقط أو في مصر أو في العراق أو في مغرب الحسن الثاني، لكنها للأسف الشديد تكاد تصبح سمة عربية إلا من رحم ربي وهي دول تعد على أصابع اليد الواحدة.
منظمة هيومان رايتس ووتش نشرت تقريرها عام 1999 وفيه لهجة ساخرة فهي تقول بأنه لا توجد في العالم دولة تضع نفسها في موقع المدافع عن حقوق الانسان وبنفس القدر والوقت تلاحق المواطنين، وتكمم الأفواه وتمنع الأنفاس كدولة تونس.
قوانين الجنرال كعاهرة تحاضر عن الفضيلة، وسجّان يتحدث عن حقوق الانسان، وكافر يدعو الناس ليلا ونهارا للايمان بالله.
وكالعادة يشعر زبانية التعذيب أن قصر قرطاج يتولى حمايتهم، وأن الجنرال نفسه صاحب الأمر المباشر والتوجيه الصارم بتلقين التونسيين آداب السُخْرة واستعذاب الذل.

فيصل بركات شاب تونسي تجرأ خلال مناظرة تلفزيونية وطالب بحرية أكثر للنقابات، وكانت النتيجة طبيعية فقد نسي الشاب المسكين أنه في عهد دراكيولا العصر، وأن الله قد نزع من قلب زين العابدين بن علي كل ما له علاقة بالانسانية.
بعد وقت قليل من المناظرة التلفزيونية قامت ( المصادفة إياها ) بدهس الشاب في حادث سير.
الشهادة الطبية الصادرة من مستشفى نابل تقول بأن الوفاة ناجمة عن ادخال جسم في فتحة شرج الشاب!

لا أدري ما هي العلاقة بين الطغيان وبين فتحة الشرج؟
كل زبانية التعذيب يدخلون من هذا المكان، ويجلسون أمام المتهم ولكن تفكيرهم يذهب إلى الناحية الأخرى والسفلى.
كل السجون العربية استخدمت أنواعا متعددة ومبتكرة من المعادن وقطع الخشب والورق المقوى لادخالها في موضع العفة من المتهم المناهض للزعيم.
لكن الاغتصاب يحمل الاثنين معا، اللذة التي يشعر بها الحيوان المفترس، وهو قد يكون ضابطا أو مخبرا أو مرشدا أو أمين شرطة أو عسكري جلف، واللذة الأخرى في نشوة التعذيب، وامتهان كرامة المواطن، وقطع أي دابر لما بقي من رجولته كما يراها ذئاب الزعيم.

لكن هناك لذة ثالثة من نوع خاص وسِرّي وهي ليست موضعَ نقاش أو جدال أو حتى اشارة في التقرير نفسه إنْ تم عرضه لاحقا.
إنها الاحساس برضا سيد القصر، وسعادة الزعيم وهو يجلس في مكتبه وتأتيه التقارير واحدة تلو الأخرى، أو يقرأها متسربة إلى منظمات حقوق الانسان، أو يحكيها على مسامعه وزير داخليته، فيسرح الزعيمُ بعيدا .. بعيدا وهو يتخيل معارضيه وقد تم نزع ملابسهم، وقامت كلابه باغتصابهم مع الضرب والركل والحرق.

كل ضابط أمن يهين مُواطناً يفكر وقتها في الزعيم، وكل زعيم ينتشي باذلال مواطنيه تقفز صورة رجل الأمن السادي والحيواني في ذهنه.
معادلة لا تستقيم من طرف واحد.
سيد القصر وكلاب القصر.

السيد يُطعم، والكلاب تحمي. السيد يضمن لهم طعاماً وشرابا وملبسا ومالا وأمنا، والكلاب تضمن له أنيابا حادة، وافتراسا لا رحمة فيه، وذيلا يرقص فرحا كلما رأى الزعيم.
سيد القصر قد يتحول إلى كلب فيفترس بنفسه، وكلبه يتحول إلى سيد فيوشي إليه بأسماء معارضيه، ويوحي إليه بطرق التعذيب، ويبلغه بأحلام مناهضيه في يقظتهم ومنامهم.

في مجلس تأديبي بأحد سجون العاصمة التونسية تم الحكم على سجين بعشرة أيام في حبس انفرادي داخل زنزانة مظلمة ومعتمة وخانقة لأنه لم يُلق التحية على السجّان!
أفهم أن الكلب يحرك ذيله فرحا، ولكن كيف يعاقَب من لا يرفع قبعته له؟

في تونس تلاحق الشرطة مئات الزوجات والأمهات والبنات للضغط على المعارضين، فإذا كان المعارِضُ غائبا أو هاربا فكل وازرة تحمل وزر أخر، فيتعرضن للملاحقة، والتهديد والوعيد، وأخيرا الاغتصاب.
الكلب يكتفي بنهش لحم فريسته، لكن الزعيم لا يتلذذ إلا بمؤخرة ضحاياه أو اغتصاب النساء الضعيفات العفيفات، فيأمر، ويتم التنفيذ قبل أن يقوم من مقامه.
لا يوجد في تونس قضاء مستقل، فالرئيس الجنرال هو القاضي والخصم والجلاد والسجّان والمحامي والنيابة العامة ولو كانت هناك هيئة محلفين لكانوا كلهم نسخا مكررة من زين العابدين بن علي.

نظام الجنرال أكّذَب الأنظمة العربية على الاطلاق لأنه يصُمّ الآذانَ بادعائه احترام حقوق الانسان وكأن هذه الازدواجية نوع جديد ابتكره الرئيس بن علي لكي يبصق به على كل تقارير حقوق الانسان. في أوج كذبه، تلقى رسالة تهنئة من جاك شيراك يمتدحه فيه، ويصفه بالقائد صاحب النهضة!
البريد التونسي مراقَب مراقبة صارمة، وهناك قانون يمنع ايصال رسالة فيها كلمات تُعَكِرّ النظام، والبريد الالكتروني يحظى هو الآخر برقابة صارمة فاعلة تدخل فيها تقنيات حديثة حتى أن السلطات القت القبض على عائد من الخارج لأنه أرسل رسالة لصديق انتقد فيها النظام.
كل المعارضين مراقَبون، وعندما كان العقيد يفتخر بأن أجهزة التصفية الليبية تطارد الكلابَ الضالةَ في الخارج، كان الجنرال التونسي يضحك حتى تبدو أضراسه الداخلية، فالعقيد بخيمته لا يستطيع أن يصل إلى عبقرية الرقابة التونسية التي لا ينافس فيها الرئيس بن علي إلا إبليس نفسه وهو يوسوس من مكان ما.

ترى متى يعلن التونسيون أنهم مع أبي القاسم الشابي ويريدون الحياة،لأن القدر لن يستجيب قبل ذلك؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال

أوسلو في 17 مايو 2007

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...