05‏/08‏/2019

الطبيعة والإنسان في عُمان: من يتغزل في من؟

من أرشيف طائر الشمال

إذا كانت هناك عاصمة للثقافة وأخرى للفن وثالثة للجمال ورابعة للسينما، فإن صلالة تستحق أن توصف بأنها مدينة الحب بقدر ما كان هؤلاء الظفاريانيون ذوي قوة وبأس وشكيمة وصلابة فإنهم يحملون بين جنوبهم قلوبا رقيقة بكرا كأنها لم تعرف في تاريخها كله، غير الحب والرحمة والمودة.

خريف صلالة لم يعد مهرجانا سنويا خاصا فقط بالبهجة والزيارات العائلية والتسوق والاستمتاع بالفن، لكنه توأمة من نوع عجيب بين الإنسان والطبيعة، أو هو حالة عشق يتسابق فيها العُماني مع الطبيعة على إلقاء قصائد الغزل كل في الآخر.
الطبيعة الساحرة تضم العماني إلى صدرها خشية أن تختطفه أماكن أخرى فتفقده جزءا من طهارة النفس، وتعفف الجسد وجمال الروح، وإشراقة الابتسامة.
والعماني يعلم جيدا، أن نهضة بلده في العقود الثلاثة الماضية، ساهمت كثيرا في اقترابه من جنته بل وتعريف الآخرين بها مرة في كل عام.
مهرجان خريف صلالة يزداد نجاحا وبهجة وفرحا كأنه عرس لدولة بأكملها، وهنا تبدو أهمية الفكر المستنير للقيادة، فلا توجد جماعات دينية تحرم ما أحل الله، ولا أعضاء مجلس أمة يطالبون بإلقاء القبض على بعض ضيوف الدولة، ومحاسبتهم على كلمات أغانيهم، ولا قضايا عالقة في معرض الكتاب.
مهرجان صلالة لوحة بديعة لجزء من جنة الخليج، فيها تراث عُمان الأصيل، وعادات وتقاليد وكرم أهلها، وإذا كان هدف الزائرين ماديا، أو فكريا، أو الاستمتاع بالفن والغناء والتجمعات العائلية، فإن المحصلة النهائية ستصب حتما في اكتشاف لا بد منه لكل من لم يتعرف على سلطنة عمان من قبل.. وأعني الإنسان العماني الأصيل والطيب والبكر والمتواضع والذي لم تلوثه أو تقترب منه أو تلمسه حضارة حديثة ذات طابع مادي واستهلاكي واستغلالي.
زيارة سلطنة عمان لكل عربي واجب روحي وجمالي ينبغي أن يؤديه كل فرد قادر، أما العائلات العربية التي تفكر بلكنة إنجليزية أو آسيوية أو أمريكية وتنسى أنها قريبة جدا من جنة الخليج، فالواجب يقتضي من كل من زار عُمان أن يتولى تقديمها وتعريفها لكل من يبحث عن مكان سياحي يريح فيه جسده المتعب، أو تسكن فيه روحه المرهقة من عالم الاستغلال السياحي الذي يمتلئ به وطننا العربي الكبير.
لولا خشيتي من تفسير ذوي النوايا السيئة، لقلت بأن زيارة سلطنة عمان فرض عين على كل عربي قادر، وأن من يقوم بزيارة لندن وباريس وجنيف وزيوريخ وروما وأثينا وتونس وبيروت والعقبة ولم يزر سلطنة عمان فقد ارتكب إثما كبيرا.

قد تبدو تلك مبالغة بعض الشيء لكنها حقيقة واقعة ومشهد، وليست إعلانا سياحيا أو دعاية إعلامية.
وسط الرذاذ الممطر، وتحت قطرات منعشة، وفي أحضان طبيعة خلابة، وقريبا من رائحة اللبان، اهتزت عمان كلها فرحا وبهجة بانطلاق فعاليات وأنشطة خريف صلالة لهذا العام، وتضمن حفل الافتتاح عدة لوحات من التراث العماني الأصيل ورقصات من صلب تراث هذا البلد الطيب، وسيستمر المهرجان حتى نهاية شهر أغسطس أي أن مدته شهر ونصف، وهذا يعني أن خريف صلالة هو أطول مهرجان فني وتراثي ثقافي وترفيهي عربي في وطننا الكبير.

اللجنة الرئيسية للمهرجان قضت عاما كاملا لتحضير وتوسيع نطاق الفعاليات، فهناك عدد من المسارح لفعاليات الأطفال، ومسرح عائم تقام فيه حفلات السمر، ومعرض التسوق الدولي، ومعرض جمعيات المرأة العمانية، ومعرض فن الكاريكاتير، ومعرض الطيور والزواحف والثعابين، ومعرض الجمعية العُمانية للمعاقين، ومعرض الصور وتكنولوجيا المعلومات وتقام خلال المهرجان أربع عشرة حفلة فنية يشارك فيها أكثر من أربعين فنانا عربيا وعمانيا. والمحافظة التي تستضيف هذا المهرجان، تقدم نفسها في معرض إشراقات من محافظة ظفار، وتستضيف الساحة العامة للبلدية فرق الفنون الشعبية لتقديم عروضها، ولكن يظل هدف إسعاد الطفل الزائر في مقدمة اهتمامات منظمي المهرجان الذين اكتسبوا خبرات من مهرجانات سابقة وأخرى عربية، لكن خريف صلالة يحمل طابعا خاصا يجعله مختلفا تماما عن كل مهرجانات العالم العربي ومعارض الكتب والصور والفنون والآداب والتسوق.

في الأيام الأولى بهرت فرقة المزيون أنظار الحاضرين بما قدمته من رقصات شعبية تم جلبها من قلب التراث الظفاري.
التواجد العربي الكثيف دليل على نجاح المهرجان في السنوات السابقة، ونحن واثقون من أنه لن تمر أعوام قليلة وإلا وتصبح سلطنة عمان قبلة السياحة العربية في المنطقة بأسرها.
سيأتي اليوم الذي فيه يودع السائحون العرب عالم السياحة الاستهلاكية وأماكن اللهو غير البريء، ومناطق الاستغلال البشع، وهي للأسف الشديد متكاثرة في عالمنا العربي ولم تتدخل الحكومات العربية لمنعها، فتترك السائح نهبا لتجار وبائعي المواد المزيفة والأشياء الأخرى المقلدة.
في سلطنة عمان لا يخفى على الزائر والمتابع للسياسة الحكيمة التي ينتجها السلطان قابوس بن سعيد أن المستقبل لهذا البلد، شريطة أن يحتفظ العمانيون بنعمة الله عليهم والصفات التي حباهم بها الرحمن، وهي الطيبة والكرم والأصالة .

إنني أدعو كل من لم يقم بزيارة سلطنة عمان أن يعجّل في التعرف على جنة الخليج، لكنني أيضا أطالب بدراسة الأسباب التي جعلت العمانيين محط إعجاب صادق لكل من تعرف عليهم.
كثيرون يحسدون العمانيين على نهضتهم المباركة التي تمكن خلالها السلطان قابوس بن سعيد- بالتفاف شعبه حوله- من صنع معجزة، والغريب أنه في النهضة المسرعة التي حققها العمانيون، تمكنوا من حماية أنفسهم من أهم أمراض العصر المتعلقة بعالم الفساد والرشوة والاستغلال والاستهلاك.
إذا كان خريف صلالة هو حالة حب بين الإنسان والطبيعة، فإن هذه الحالة تمتد لتشمل سلطنة عمان كلها، وإن كانت لمحافظة ظفار خصوصية لا يعرفها أو يفهمها أو يحس بها إلا من تابع عن كثب التاريخ العماني الحديث، وقصة الصراع التي حسمها الشاب الأسمر الوطني آنئذ في أول التحام من نوعه بين متصارعين ومتقاتلين لينضم الثوار إلى قائد الوطن في ملحمة تاريخية رائعة حققت لسلطنة عمان بفضل حكمة السلطان قابوس بين سعيد ما لم يقم به كل حكام هذا البلد مجتمعين في القرون الثلاثة الماضية.
قد يبدو هذا المقال تعريفا بخريف صلالة أو بنهضة سلطنة عمان أو دعوة لزيارة البلد الساحر لكنني أراها رسالة حب مفتوحة وموجهة لكل من يهمه الأمر للتعرف على أسباب هذا العشق بجنة الخليج.
هنيئا للعمانيين ببلدهم وشعبهم ونهضتهم وصلالتهم وقيادتهم.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو  النرويج
Taeralshmal@gmail.com

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...