15‏/08‏/2018

رسالة من دود الأرض إلى الرئيس حسني مبارك، والردّ عليها!

رسالة من دود الأرض إلى الرئيس حسني مبارك!
أوسلو في 20 نوفمبر 2010 ( أي قبل الثورة بشهرين ) والرد عليها من دود الأرض
الرجاء قراءة المقال في زمنه مع طوله لمن استطاع إليه سبيلا!

السيد الرئيس حسني مبارك،
لوّ كانَ الصبرُ حَشـَرَةً لـَكـُنّاه، فمنذُ أنْ عَالَجَ الدكتور ماير في ميونيخ غضروفَك ونحن في حِيرةٍ من أمْرِك، فأبناءُ شَعْبِك يرفعون أيديَهُم إلىَ السماءِ راجين العليَّ القديرَ أنْ يَشْرُق صَباحٌ مصريٌّ جَمْيلٌ بدونكَ، فإذا بملايين الأدْعيَة التي تصل إلىَ سِدْرةِ المـُنْتَهىَ تخترق أيضا باطنَ الأرضِ وَتصُمّ آذانـَنا!
صحيحٌ أنه يتساوىَ لدينا الجميعُ، ونأكل في باطنِ الأرض موتـَاكُم بِغَضِّ النظر عن الدين والعقيدة والمذهب والجنسية، ولو اِلتفَ المَيّتُ في سبعين كَفَن لا جيوب لها، وفْقا لتعبيرِك الذي استخدمته من قبل ليكون دليلا على زُهْدِك في الدنيا، فوجبةُ الطعامِ التي نعيش عليها أربعين يومًا لا مَفَرَّ من الاستعدادِ لها إلاّ أنْ تُنَافسنا أسماكُ القرشِ أو حوادثُ الطيرانِ أو إذابة الجسدِ في حامض الأسيد كما يفعل بعضُ طغاتِكم ضد مُعارضيهم.

نحن لا نعلم الغيبَ، وبالأمس القريب قُمْتَ أنت بمصاحبةِ كمال الشاذلي، وودّعته قبل أنْ نتسلمه منكم، وأزحتَ عن ذهنِك أيَّ فِكرة تقوم بتذكيرك أنك آتينا ما طال بِكَ العُمرُ، وأنك لو جددتَ لولايةٍ سابعةٍ وتاسعة وعاشرة فلن تكون في يوم من الأيام وجبةً شَهية لدودِ الأرض، لكنك أخطأت، كعادتـِك، وظننتَ أنَّ قَصْرَكَ صَرْحُكَ، ومنه اِطـَّلَعْتَ إلىَ إلـَهٍ لم يَدُر بذهنِك قَطّْ أنك مُلاقيه، فوزارة ُالعدل في السماء ليست سلطةً قضائية تأتمر بأمرك.
عندما رفع كمال الشاذلي قضيةً ضد من سَرَّبَ شائعةَ وفاتـِه كان يشبهك تماماً، فَخَدَمُكَ وعبيدُك وكلابُ قَصْرِك يوهموك أنَّ صحتـَك خَطٌّ أحمر، وأنَّ جريمةَ إبراهيم عيسى عندما تجاوزها، وحَكـَمَ القضاءُ عليه بشهرين سِجْناً، كان ينبغي أنْ تنتهي بالمسكين إلى حبل المشنقة.

عاد أقدم برلماني مصري إلى بيتِه غاضباً، فالمرضُ كما تظنون أنتم الطغاة يحصد الفقراءَ فقط، وأنَّ باطنَ الأرض للغلابة و أيضا ليدفن فيه أحمد عِزّ نِفايات الحديد!
نتحدى أنْ يهمس في أذنـِك أحَدُ مستشاريك ويقول لك بأن آلافَ التعليقات على الإنترنت لم يكن من بينها من تَرًّحَم علىَ روح كمال الشاذلي، وأن أجَلَك إذا جاء فستتهتك أسلاكُ الهاتف، وتتعطل ستالايات الموبايلات التي يربح منها رجالُ ابنك مليارات، فالمصريون سيبعثون التهاني التي لم يعرف مثلها عيدا المسلمين و .. كريسماس الأقباط!

أرسلنا من باطن الأرض إلىَ سطحِها دوداً يتجول في أنحاء أم الدنيا لعله يأتينا بنبأ يقين، ونعرف أن حفـَّارَ القبور ستكون لديه مهمةٌ سامية، فهي المرة الأولى التي لن يكون بجانبك وزراؤك، وكتيبةُ النفاق، وسينزلق نعشُك بطيئاً .. بطيئاً، وستنتهي آلامُ ظهرِك تماما، ولن يكون في استقبالـِك غيرنا نحن دود الأرض.
عاد الدودُ إلى باطن الأرض وحَكَىَ لنا ما لم تـَحْكِهِ قَصَصُ الأوَّلين والآخرين من طغاة متغطرسين لم يقرأوا نهايات هتلر وموسوليني وسالازار وسوموزا وبول بوت وديفالييه، الأب والابن، وهيلاسلاسي ومنجستو هيلامريم وبينوشيه وباتيستا وجان بيدل بوكاسا وأنور خوجة وتشاوشيسكو وعيدي أمين دادا وجعفر النميري ومئات غيرهم سَحَلَ بعضَهم الذين اتَّبَعوهم، وبعثرتْ قبورَ البعضِ الآخرِ شعوبٌ لـَمْ يَشْف غضبـَها غيابُ طغاتـِهم في أحضانـِنا.

قالوا لنا بأنَّ المصريين يَصُبُّون حِمَمَ لعناتـِهم علىَ عَهْدِك الأغبر، وأنك إنْ جلستَ مُتَخَفيا بجوار أيِّ مصري في حافلة أو ترام أو مترو، فستسمعه يصيح أو يتمتم بكلمات تترجمها السماءُ كأنها دعوات باللعنة، ويترجمها رجالُ أَمْنـِك كأنها ثغاء غنمٍ أو ضغيبُ أرانب أو مأمأةُ خِرافٍ لا تؤذي ولا تخدش أو تَضُرّ!
قالوا لنا إنَّ رَبَّةَ أيِّ أُسرة مصرية تدعو اللهَ أنْ يحفظ أولادَها، لكنها لا تنسى أنْ تدعوه أيضا أنْ يُعَجّل في يوم الخلاص منك، وهو أيضا يومُ احتفالِنـا بنزولك وحيداً في قبر مُظلم ليس فيه أوامرُ أو تهديدات بِقَطْعِ رقبة خُصومِك أو سجون ومعتقلات تشهد جدرانـُها أنها سَمِعَتْ في عهدِك الأسّوَد صراخاً لمْ تسمعه في مئات السنوات التي مَرَّتْ علىَ أرضٍ حَكَمْتَها، وخَرَّبْتَها، وأفسَدتها، وسَلَطت عليها أوغاداً نهبوها، وهبروها، ومصمصوا آخرَ عودٍ أخضر في يَدِ يتيمٍ أو لقمة كادتْ تدخل فَمَ مسكين فخطفها شريكٌ لابنك أو أحد حيتان زمنك الكابوسي الجاثم فوق صدور المصريين لثلاثة عقود.

قالت لنا كتائبُ دود التفتيش بأنها تجولت في سجون ومعتقلات مصر كلها، وشاهدت ما يتبرأ منه الشيطان من ظلم، وفساد، وقسوة، وغلظة، ورأت سجناء مَضَت علىَ وجودِهم في الزنزانات أعوامٌ كثيرة دون أن يتم عرضُهم علىَ القضاء، وبعضهم قامت المحكمةُ بتبرئتهم، لكن وزارةَ الداخلية أعادتهم إلى المجهول مرة أخرى، وسمعنا أنهم يرجون اللهَ، ليلا ونهارا، أنْ يُعَجّل بأخذِك أخذ عزيز مقتدر، فالظلم الواقع عليهم جاء بمعرفة شخصية منك، ولا يتحرك عسكري أو ضابط أمن أو مخبر أو بلطجي أو مأمور قسم أو لص أو مُقترِض ملايين أو هارب من مطار القاهرة الدولي أو مُحتكر حديد أو مُسمم أرض زراعية أو مستولٍ عليها إلا بمعرفتِك، فأنت الأب الروحي لكل خراب في هذا الوطن الصابر.
لم يحدث من قبل أن تكدست السماوات السبع وأديم الأرض وباطنها بلعنات على زعيم مصري كما هي عليك، ولو سألتَ فقيرا مُعْدَماً أو مظلوما أو مواطنا انتهكوا حُرمَتَه أو حتى جدران قسم شرطة المنصورة أو سيدي جابر أو باب شرقي أو ..... لما سمعت غيرَ اسمِك وخوف إبليس أن يقولوا عنه بأنه وسوس إليك، فالعكس هو الصحيح.
سمعنا بقُرْب تَرَشُحِك لولاية سادسة تنتهي بالاقتراب من عامك التسعين، وهذا الترشح يحمل يقيناً منك بأن أجلـَك غيرُ آتٍ، وأن عشرات الآلاف من جرائمك في حق شعبك لم تراود ضميرَك لعلك تتوب، وأن ذكرياتك تَصُبّ في خانة واحدة وهي الغطرسة والغرور وكراهيتك المقيتة للمصريين.

السيد الرئيس،
ننتظرك في باطن الأرض بصبر نافد، وسينزلق نعشُك ولو سَجَّلَتْ عقيلتُك مِئَةَ حلقةٍ في الفضائيات تقول فيها بأنَّ صحتَك زيّ الفُل، ولن يخرج في جنازتك إلا حفنة من المنتفعين والأفاقين وبعض البلهاء الساذجين الذين يظنون أن للموت حرمة أكبر من حرمة الحياة.
اقرأ مرة أخرى ماذا كتب الناس عن كمال الشاذلي، ثم تخيل يوم يسابق خبرُ رحيلِك الريحَ، فلا تعرف الشبكةُ العنكبوتية غيرَ شهقات وزفرات الملايين الذين يتنفسون الصُعداء برحيلك.
ننتظر أيضا كل الصامتين والمشاركين في تصعيدك فوق رؤوس أبناء شعبك، ولن نفَرّق في باطن الأرض بين عُضو من حزبك وآخر وفدي أو اخواني أو قبطي أو تجمعي أو ضد الترشح أو مع الترشح، فكل من برر جرائمَك أو غضّ الطرفَ عنها أو شارك في اغتيال الشعب المصري تحت قبة البرلمان، مع الحكومة أو ضدها، سيكون جسده معنا قبل أن يقرأ كتابَه في يوم الحشر.

السيد الرئيس حسني مبارك،
تلك هي كلمات مضيفيك من دود الأرض، ولن ننتظر حتى يذوب كفنُك، لكننا سنبدأ فورَ توقف دموع التماسيح من عيون الذين ساروا في نعشك وهم يرتدون نظارات سوداء يُخفون بها حزنَهم على أنفسِهم و.. ليس عليك.
لم تُصَدّق أنك ستموت، وأنَّ شهقةَ الروح أسرع من طرْفَةِ العين، وأن مكانك في باطن الأرض أظلم من زنزانات في أقبية سجون ألقيت فيها آلافا من المظلومين وحَرَمْتَهم من حياةٍ أعطاهم إياها ربُّهم.
مئات المرات ونحن نحلم بوليمة أنت على رأسها، خاصة ذلك اليوم الذي قمتَ فيه بتوزيع أوسمة الاستحقاق على ثلاثة من ضباط الشرطة المتهمين بالتعذيب، واليوم الذي ودّع الحياةَ الشاب خالد سعيد، واليوم الذي قفز أبُ من الطابق الرابع بعدما فشل في العثور على لقمة خبزٍ لأولاده، واليوم الذي نام عجوز بين أيدي طلاب الطب ليتعلموا في جسده النحيل ما لم تُعَلّمَهم كتبُهم في مقابل جنيه لكل طالب، ثم عاد المسكينُ بطعام العشاء لأسرته، واليوم الذي دفن فيه صديقُ ابنِك نفايات الحديد تحت سطح أرض زراعية في دمنهور للتعجيل في تسميم المصريين الذين لم تصل إليهم مزروعات عهد يوسف والي، والتي ظلت عشرين عاما تُسَرّطن أبناءَ وطنك لتسعدك، وتبهجك، وتُثْبِت للشيطان أنه تلميذُك.

السيد الرئيس حسني مبارك،
نحن في انتظارِك حتى لو نشر رئيسُ تحرير أكبر صحيفة قومية بأنك أكلت من شجرة الخُلـْدِ ولم تهبط من جنة شرم الشيخ إلى حيث يعيش المصريون!
ليس للكفنِ جيوبٌ، ومع ذلك فكل دودِ أرضِ مصر الطيبة يريد حضورَ تلك الوليمة الكـُبرىَ التي لم تُصَدّق أنت أنك ستكون ضيفنـَا لأربعين يوما أو أكثر!
أيها الميّت الحي،
لقد بَلـَغَنا نَبأُ تبرئةِ إبليس نفسه من الوسوسة إليك، وقيل بأنَّ لديه ثمانين مليوناً من الشهود على صِدْقِ كلامِه، وهذا يضاعف فرحتَنا بقُرْبِ انزلاق جسدك في تلك الحُفرة الضيّقة التي لن تستطيع منها تجديد ولايةٍ رئاسية أو تعذيب أبناء شعبك.
للمصريين أعيادٌ إسلامية وقبطية ووطنية وقومية، أما يومُ اختفائـِك في باطن الأرض فهو عيدٌ لـَنا و .. لـَهُم.

أوسلو في 17 نوفمبر 2010
رد من الرئيس مبارك على دود الأرض

تسلمتُ رسالتَكم التي يوشي كلُّ حَرْفٍ فيها بتهديدٍ وتخويفٍ ووعيدٍ، ومع ذلك فقد قرأتها وانفَجَرْتُ ضَحِكَاً اِهْتَزَتْ له جُدرانُ قصر العُروبة، وهَرّوَل الجميعُ إلىَ مكتبي فقد ظنّوا بي مَسّاً من الجنون!
لم يَدُرْ بذهني لبُرهةٍ واحدةٍ أنكم قادرون علىَ الاقترابِ من كَفَني، فصديقُ ابني الذي وضع تحت إمْرَتِهِ مليارَ جُنيه لتلميعِه اِنتخابياً يستطيع أنْ يصنع لي مقبرةً من الكريستال البلّوري الذي يحميني منكم كما يحميني عشرات الأطباءِ بعياداتهم المُتنقلة من انتشار أيّ مرض، أو تفاقمه، أو حتى الأوجاع التي يسببها لي.
ثم ما هذا الهراء الذي تتحدثون عنه، وتخلطون ما بين كَفَنٍ مُهتريٍء مَليءٍ بالثقوب يلتف حول مواطنٍ فقير، مُعْدَم، حَرَمَه رجالي من لُقمةٍ تقيم أوده، وبين مقبرتي التي ستقف شامخة بجوار مقابر الزعماء المصريين، لكن أموالي التي جمعتُها بِعَرَقي، وتعَبي، وذكائي ستحميني تحت الأرض، ولن يخيفني ظلامٌ دامسٌ أو دُودٌ جائعٌ يحاول اختراقَ قبري فلا يفلح، ويعود أدراجَه إلىَ الفقراءِ وأكفانـِهم التي تذوب فَوْر ابتعاد حفـّار القبور.
تتحدثون عن توّبتي كما يتحدث المختَّلون عقليًا، والمعاقون ذِهنيّاً، والمتفلسفون الذين يظنون أنَّ ميزانَ العدالةِ في يدي يشبه موازينَهم المطففة رغم أنوفهم!

أعزائي دود الأرض،
تنتظرونني بصبر نافد، لكن مهارة أطبائي تمدّ في روحي تماما كما حدث في ميونيخ عندما تخيل الحاقدون أنني علىَ مرمىَ حَجَرٍ مِنْ الحَجَرِ، وأنه لن يمر زمنٌ غيرُ محسوب لسرعته حتى يتوقف البثُّ الإذاعي والتلفزيوني في مصر ليعلن نبأَ رحيلي، لكنني عُدْت إلى أبناء شعبي أقوىَ من قبل، وأكثر شراسة، وفتحت لحيتان عهدي وأصدقاء ابني مغارةَ علي بابا، وضاعفتُ في سنوات قليلة مَرْضَىَ الكبدِ الوبائي، وأصبح لدينا أكثر من 800 طبيب يقومون بنقل أعضاء من أجساد غير القادرين إلى أجساد أثريائنا لعل أعمارَهم تنافس عُمْرَ نوح، عليه السلام.

شهورٌ قليلة وأحتفلُ بعامي الثاني بعد الثمانين، وأجدّد في ولايةٍ سادسةٍ أكبرَ عمليةِ اِستغفال، واِستحمار، واِستجحاش، واِستنعاج أكثر من ثمانين مليونا من البشر.
قد يذهب بكم الظنُّ أنَّ الوليمةَ التي تنتظرونها يُعَجّل فيها غضبُ المصريين، وتُوَحّد المعارضة تحت سقف الكرامة التي لا تفرق بين مسلم وقبطي واخواني وتجمعي ووفدي وناصري ومستقل، لكنكم تستحقون فعلا الحياةَ تحت الأرض لأنكم تجهلون المشهد المصري المُذَلّ، والمـُهان، والذي صنعتُه لثلاثين عاما، فأصبح صِبْيَةُ الاستبدادِ أكثر َعَدَداً مِنكم.
قرأتُ كلَّ التعليقات علىَ رسالتكم الأخيرة ( رسالة من دود الأرض إلى الرئيس مبارك)، ولم يكن فيها جَديد، فأنا أعرف أنَّ شعبي كُلـَّه يحمل لي كراهيةً لو وزّعها علىَ كُل طـُغاة العالم لأغرَقَتْهم حُزْناً، وكـَمَدا، وأسَفا.

أعزائي دود الأرض،
إنما يبكي علىَ الحُبِّ النساءُ، وأنا أكبر من أن أتسوّل عواطف،َ ومشاعرَ، ومحبة، ومديحاً، بل أصارحكم أنني كلما أمعنت في تعذيب المصريين، وفَتْح أبواب تسميمِهم، وتعذيبِهم، ونهبِهم، واغتصابِهم، زاد الالتفافُ حَوّْلي، وخضعتْ لأوامري كلُّ مؤسسات الدولة، وبَلـَعَ أبناءُ أبطال العبور كرامةَ آبائِهم، واختبأ تلامذةُ رأفت الهجّان في جـِلباب وزير الداخلية، وتحوّل الإعلاميون إلىَ قِرَدَةٍ تقفز، وتضحك، وتكذب، وتبرر جرائمي حتى ظننت أنَّ النهر َالخالدَ سيُغَيّر مجراه ويصبّ في قصوري فقط لأتحكم في مياه الشرب قبل أن يرتشف منها أيُّ مصري رشفةً واحدة .
التوبة كلمة يعرفها فقط الخائفون من الله، والذين يريدون أن يشرق نورُ ربهم في يوم القارعة فيبتسمون وهُم يقرأون كتابَهم الملزم في أعناقهم، أما أنا فلا أكترث لهذا الكتاب الذي يقول الله بأنه سيُخرجه لي يوم القيامة منشورا.

الحياةُ بهجةٌ، وسعادةٌ، ولذةٌ، ومُتعةٌ، وأنا عشتُها طولاً وعرضا مستمتعا بما لم يفعله طاغيةٌ من قبلي.
أتذكر يوم قرأت عن المصري الذي أ لبسه رجالُ أمني ملابسَ النساء، وجرجروه أمام جيرانِه، وأحبابه، ووالدته، فأصابها الشلل.
أتذكر يوم تبجح أحد المصريين أمام مأمور القسم الذي هدده بأن يحرقه، ونام المتهم في سلام، ثم جاء ضابطنا الملتزم بتعاليمي، وصبَّ علىَ جسد الرجل كيروسينا في منتصف الليل، وأشعل جسده النحيل، ولم يتعرض لأيّ عقوبات، فالدولة كلها تحت حذائي، والقاضي الذي تمرد ركله ضابطنا بالحذاء على وجهه، فصَمَتَ أربعون ألف قاضٍ، ونام كل منهم على صوت شخير يشهد بأنه كان نوما عميقا.
أتذكر يوم أن طلب ضابطنا من مصري أن يلعق عضوه الذكري أمام زوجته وأولاده، ولم يتعرض رجل الأمن لكلمة عتاب واحدة، فأنا وحدي صانع هؤلاء و .. هؤلاء، أصنع السوط، وأصنع الظهر الذي أعَرّيه له! أصنع الكَفَّ، وأصنع القَفَا الذي يتمدد أمامه!

أعزائي دود الأرض،
كانت رسالة سخيفة منكم، فأنا باقٍ بذكريات عن فاقة، وآلام، وعذابات، وخوف شعبي، ومرت أمامي في ثلاثة عقود عشرات الآلاف من الكوارث التي لم أكلف نفسي القاء نظرة ثانية عليها، فأنْ يغرق آلافٌ، وأنْ يحترق مثلُهم، وأنْ تطحن المباني الساقطةُ أجسادَ المصريين، وأنْ تصرخ كل ربة أسرة من الغلاء، وأن يبكي كل عسكري شريف وهو يرى حدود فلسطين من غزة مُغلقة لنتيح الفرصةَ لتكسير عظامهم، وأن أبدد ثروة المصريين الغازية والنفطية لتتحرك عجلة الحرب العبرية فيتأدب الفلسطينيون وغيرهم، وأنْ يصاب بأمراض وبائية ثلثُ سكان مصر، وأنْ ينام عشرة ملايين طفل مصري ببطون خاوية بجوار أمهات تتساقط الدموع من مآقيهن التي كادت تجف، وأن تضربنا دول الجوار النيلي على أقفيتنا، وأن تسبق 98بلدا مصر في الشفافية، وأن تتجه الدولة حثيثا لتصبح مثل كاراكاس وريو دي جانيرو وجوهانسبرج في انعدام الأمن، وأن يتحول مجلس الشعب إلى خدم وعبيد يعملون لحسابي، وأن تتراجع السلطة القضائية فترتعش أيدي ممثلي العدالة السماوية على الأرض، وأن أشعل في كل قرية فتيلا للفتنة الطائفية حتى إذا غادرت مصر أسقطتْ ما بقي فيها حربٌ أهلية لا تـُبقي ولا تـَذَر وأن ...

فكل هذا يؤكد لكم، أعزائي دود الأرض، أن التوبة بالنسبة لي عمل لا يليق بتاريخي الذي لو قمت بوزنه مقارنا بما فعله إبليس المغرور الذي ظن نفسه أفضل مني، فإنني سوبر ستار ستقضون زمنا لا نهائيا وأنتم تنتظرونني.
الموت لا يزيد نبضات قلبي نبضة واحدة، وحساب الآخرة لا يحرك شعرة واحدة في جسدي، والخوف من الله وأنا أطحن عظام المصريين لم يمر بخلدي قط، وأنا لن أغادر هذه الدنيا قبل أن أجعل المصريين يزحفون كالسَحَالي فوق بطونهم، ويتمنون تسول طعامهم من أوغندا وتشاد وهاييتي ونيبال و .. الصومال!

أعزائي دود الأرض،
سينفد صبركم سريعا فأنا أحكم المصريين، وهم يتصارعون كالديكة، وكل فرقة تأتيني من خلف ظهر أختها لتؤكد وقوفها معي، واللاهثون لعضوية مجلس الشعب يعلمون أنها مسرحية قميئة عفنة، ففي النهاية يظل القرارُ بيدي، وهم ( سنـّيدة ) وكومبارس لا يختلف أحدهم عن الآخر.
سينفد صبركم لأن الغضب المصري يحتاج إلى قيادة، وإلى معارضة شريفة، لكن مُعارضي نظام حكمي يضعون رئيس الحزب فوق رؤوسهم، ومباديء الجماعة قبل حب الوطن، والمزايدة الدينية والطائفية على رأس أولويات مطالبها.
سينفد صبركم، أعزائي دود الأرض، فروحي بين أيدي أطبائي من أركان الأرض الأربعة، وأنا لست مصريا مثل هؤلاء الذين يموتون بالمئات قبل أن يتحرك عقرب الثواني حركة واحدة، ودرجة الغليان موحدة لدى شعوب العالم التي يحكمها جبابرة مثلي، لكنها سبعون ضعفاً أو يزيد لدى المصريين.
هل هناك مصري في طول البلاد وعرضها لا يعرف أنني المتسبب الأول عن كل أوجاع الوطن، وآلام الشعب؟
وبالرغم من ذلك فكلهم يدخلون معارك دون كيشوت ضد الوزراء والمحافظين ورجال الأعمال، لكن المعركة ضدي مؤجلة إلى درجة الغليان التي قد لا تأتي حتى يلج الجمل في سم الخياط.

أعزائي دود الأرض،
تريدونني ضيفا على أمعائكم في باطن الأرض، إذن عليكم اقناع المصريين أن لا يـُمدّوا في عمري، وأن لا يتواطئوا معي ويحسبون أنهم يُحسنون صُنـْعا!
اِئتوني بعشرة آلاف مصري يعشقون بلدَهم، ويخافون علىَ مِصْرِهِمْ، وأنا سأهرب من الباب الخلفي لقصر العروبة في حماية أمريكية إسرائيلية!
اِئتوني بخمسة آلاف مصري قلوبهم معجونة بلـُعاب مَلـِك الغابة، وأنا أقسم لكم أن رجالي، وكلابَ قَصْري، وحيتان عهدي، ولصوص زمن العبودية سيبللون سراويلَهم من الخوف!
أنا حيٌّ لا أموت، طالما كان المصريون أمواتا في صورة أحياء، وعندما تدُبّ الروح فيهم، تهرب مني، وأنزل ضيفا عليكم بعد سحلي في شوارع القاهرة!
تريدونني وليمة في باطن الأرض، إذن فعليكم باقناع المصريين أن الإنسان فيه من نفخة الروح العلوية، وحينئذ لن تكون هناك مقبرة فاخرة، وأكاليل من الزهور يضعها ابني ومعه رجال عهده في مستقبل جحيمي يجعل المصريين يتحسرون على جهنم زمني.

أعزائي دود الأرض،
إن مهمتي في خراب مصري لم تنته بعد، فانتظروني ست سنوات أخريات، وسيساعدني المصريون، معارضون وغيرُ معارضين، عسكر وأمن ومدنيون ومثقفون وإعلاميون ومفكرون وأكاديميون وحزبيون، فهم ينظرون في كل الاتجاهات، وإذا صوّبوا أعينَهم إليَّ، غضّوا الطـَرْفَ فورا.
في ولايتي السادسة سيكون انتقامي من المصريين أشدّ هَوّلا من كل صور العذاب التي مرَّت عليهم في تاريخهم القديم والحديث!
رسالتُكم وصَلَتْ، لكنكم ظننتم أن أجلي مثل آجال الآخرين، وأنَّ ضميري قد يستيقظ ذات صباح طاهر جميل يبسط جناحيه على سكان وادي النيل، لكنني باقٍ ولو زارني مَلَكُ الموت مرتين في كل يوم.
إن أحلامي في جعل الكوابيس تهيمن على يقظة ومنام كل مصري تمُدّ في روحي، وربما تجعلكم تنتظرون إلى ما لانهاية.
أوهام دود الأرض في استقبالي كتمنيات البلهاء في رحيلي، وأحلام الساذجين في توبتي مثل كوابيس المصريين في عجرفتي، واستجداءات الطيبين في عدالتي كثقة رجالي في قسوتي.

لو انتحيتم جانبا بشيخ الأزهر أو بابا الأقباط أو المرشد العام للإخوان المسلمين أو رئيس حزب التجمع أو رئيس حزب الوفد أو أي شخصية معارضة أو غير معارضة، واستحلفتموهم بكل الكتب السماوية وقيم الخير وحبهم لمصر أن يشهدوا أمام الله وضمائرهم، وأن يستحضروا ثلاثين عاما من حُكمي، وقبضتي الحديدية، وظلمي إياهم، وغيابات السجن التي يختفي فيها حواريوهم ومريدوهم، فإنهم في النهاية سيقفون معي، وسيؤيدون ابني حتى لو بعث اللهُ أنبياءَه يوم الانتخابات الرئاسية، فالنتيجة لن تخرج عن رغبتي، أما الدكتور البرادعي فسيطلب من الشعب الوقوف معه، وليس العكس، ثم يغادر القاهرة لحضور حفل أو اجتماع.
بحثت كثيرا عن معنى الموت، لكن لم يتجرأ أحد ممن حولي حتى الآن أن يحدثني عنه!
ولايزال المصريون بعيدين بُعْد المشرقيّن عن درجة الغليان، فالصدور والقلوب والعقول والضمائر لم تحسم أمرها بعد.

أعزائي دود الأرض،
أستطيع أن أراهن على أن أبعث إليكم في باطن الأرض بنصف سكان مصر قبل أن أنصت لأنفاس مَلـَك الموت وهو يخطو نحوي خطوةً إلى الأمام، وخطوتين إلى الخلف.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 22 نوفمبر 2010

( عرفت لاحقا أن شباب الثورة كانوا يتدارسون مقالاتي في ميدان التحرير، خاصة هذا المقال )

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...