23‏/05‏/2018

هل مصرُ ما تزال عربيــة؟

هل مصرُ ما تزال عربيــة؟
لماذا شنَّ المصريون الحربَ بضراوة ضد اللغة العربية؟
يكره المرءُ الشيءَ الذي يكشف ضعفَه، ويُعرّي سوءاته، ويُقصــِّــر طولــَــه، ويُضعِف قوتَه أمام الآخرين.
سنوات طويلة وغضُّ الطرْفِ عن الضعف اللغوي لدىَ المصريين أنتج في النهاية حالة اللا دهشة على كلِ المستويات، حتى كاد الخطأُ والصواب يتساويان، وتراجعتْ قيمة اللغة السليمة، وتلطختْ جودتها، ولم تعــُـدْ الأخطاءُ تثير انتباه أكثر المستمعين لها.
بكل خجل وحياء وأسفٍ واعــتذار أقول بأنَّ اللغة العربية الصحيحة والسليمة في مصر أضحتْ قريبة من القاع، والمثقفُ العربي في الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا ولبنان وسوريا والخليج واليمن تكاد أذناه لا تتعرفان من لسان المصري على الضاد الجميلة التي عاشتْ سنوات انتعاشها قبل خمسين عاماً، وعرفتْ لغة أهل الجنة أدباءَ وإعلاميين وشعراء ورجال دين وسياسيين من مصر تقترب ألسنتهم من البيان حتى في أحاديثهم العادية.

في مصر الآن مناهضة ومعارضة وإزدراء وضعف وتسوّس ومرض لا يقتنع أصحابُه أن ألسنتهم في حاجة إلى علاج عاجل، ليس لغلبة العامية، وإنما لهجرة الكتاب، وإهمال قواعد اللغة، والأمـــَــرّ والأكثر حُزنا هو ميل المصري إلى اعتبار النطق العامي المخالف لجرس اللغة ورنينها وموسيقاها مقبولا في الأمة العربية التي تمزَّقت، فلما قاومتْ الغزوَ الثقافي مئات الأعوام جاءت الهزيمة، لــُغوياً، بيدِ أهلــِـها.
كانت اللغة العربية في مصر خطَّ الدفاع الأول، وتتوسع مصر عربيا وإقليميا باللغة أولا، عاميتها وفصيحتها، فلما نزل معْوَل الهدم على الأدب والشعر والكتاب والإذاعة والتلفزيون والحوارات بدأ خط الانحدار يسُرع إلى الحضيض، فلا تستطيع أن تفرّق بين استديو وغرزة، ولا بين إعلامي وتاجر مخدرات، ولا بين منطوق حُكْم قضائي و .. شجار في مقهى بلدي!

كانت القنبلة اللغوية على لسان المستشار أحمد رفعت وهو يقرأ الحُكْمَ في قضية القرن، فلم يتمكن من قراءة جُملة واحدة سليمة، ثم اكتشفنا لاحقا أن القضاة والمستشارين والإعلاميين ورؤساء المؤسسات الثقافية والتعليمية ونوابَ الشعب لم يسمعوا عن اللغة العربية وقواعدها ونحوها وصرفها وتشكيلها وبيانها وتعبيراتها وكنوزها وجمالها وموسيقاها، فعجــَّــموها ودهسوها وحطــّـموها ونثروها في آذان تنفر من الجمال.
أنا لا أخاف على مصر من هزيمة عسكرية أو سياسية أو خسائر مالية أو طوفان أو فيضان أو كل سدود أفريقيا حولها، لكنني أخاف عليها من انفصالها اللغوي والبياني واللساني عن محيطها ، فتصبح الهيروغليفية أقربَ إلى أهل مصر من المتنبي وأبي تمام والرافعي وطه حسين والعقاد والمازني والطهطاوي وعلي مبارك والبابا شنودة وفاروق شوشة ونظمي لوقا و ..

إذا أردتَ أن تهزم قوما فعليك بقطع حَبْل السُرّة اللساني الذي يربط تاريخَها بآدابِها، وجغرافيتَها بالتحامِ لغتها وصلابتها وسلامتها.
تأخــُـر مصر في أي مجال يغضبني ويحزنني ويؤسفني، في المجال السياسي أو العسكري أو الإعلامي أو النهضوي أو الأمني أو العُمراني أو التعليمي، أما الانحطاط اللغوي وتأخر اللسان عن تعليم صحيح البيان فهو الشيء الذي أخجل منه.
البداية تبدأ من هنا .. من الاعتراف بأنَّ المصريين تكاتفوا، وتعاونوا، وتساندوا في الحرب ضد اللغة العربية، وتفرنج الأبناءُ، وتلعثم الإعلاميون، وتضعضعتْ المفردات، وتقطعتْ الســُـبــُـلُ بالتعبيرات فلا تدري أعربيٌ هذا أم أعجمي.
كأني أرى الكــِـتابَ يـبكي بدموع ساخنة حقيقية على هجرة المصريين له، وكأني أقرأ خبر إلغاء كل مجمعات ومؤسسات وجمعيات وملتقيات الألسنة مصر من عضويتها حتى تأتي لهم بشهادة موثقة أن لغة أهلها ما تزال العربية.
أرني خطابا عربيا خارجا من مؤسسة مصرية يكون خاليا من الأخطاء المتعارَف عليها بدءًا من السنة الخامسة الابتدائية!

إما أن تنقذوا اللغة العربية أو تأتوا بمستشرقين يصححونها لكم!
في السنوات الخمس المنصرمة تم بعناية اختيار كل خصوم اللغة، وضعافها، ومرضاها لاحتلال مناصب الدولة الكبرىَ، فهل هي مصادفة؟
حدّثني عن مستشار أو قاضٍ أو إعلامي أو صحفي كبير يعرف اللغة العربيةَ ولا أقول مُلــِّـمــًـا بها، إلا قليلا!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...