04‏/05‏/2016

يا ليلة الشباب آنستينا!



هذا المقال الذي نشرته عقب خلع الطاغية مبارك أجده مرآة أرى فيها نفسي وقلمي وهمومي وغضبي.
أعيد نشره الآن لعله يعيد شحني من جديد، فأحيانا يكون الغضب صلاة، وحبُ الوطن يُقاس بسعة المسافة بينك وبين القصر.
أوسلو في 15 فبراير 2011
لو كان هناك اجتماعٌ في الأسبوع الثالثِ من يناير الماضي وحـَضَرَه أشهر المُنـَجّمين والضاربين بالودع والعرّافين والسَحَرَة ومعهم الألوسي وبلـّورته لـَما تمكنوا من تصوير شبرٍ واحدٍ من مشهدٍ مُسْتـَقْبَلي لميدان التحرير ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظهيراً!
الثوراتُ كالبراكين تبدأ هادئةً، وادعةً، خاملةً فيظن مَنْ يراها من بعيد أنها كالمرأةِ المُسالمة القادمة لتوّها من أقصىَ الريفِ تنظر إلىَ الأرض كلما وجَّه إليها أحدٌّ سؤالا، وهي لا تثور قبل أنْ تصل حرارةُ جهازها العصبي إلى درجة الغليان.
كانت الدولةُ كلُّها في جـِلبابه رغم أنه لم يعلن كالسادات، رحمه الله، بأنه كبير ُالعائلة، لكنه ترك لكلابِه حُرّية افتراسِ مَنْ لا يُصَدّق أنه كبير الأسرة والعائلة والدولة والأمة والقارة و .. العالم.
لذا لم يـُصَدّق رئيسُ تحرير الصحيفةِ الكُبْرىَ أنَّ سَيّده يسير خلف زعماء آخرين، بحُكم السِنّ والحركة البطيئة، فاستعان بالفوتوشوب وجعله قبل الجميع، ولولا الحياء لجعلهم تحت قدميه.
عندما ألقى بيانَه قبل الأخير ارتفعت في ميدان التحرير قبل الدقيقة الثانية عشر أحذيةٌ غير تلك التي قذفها منتظر الزايدي، فغضبُ أبناءِ النيل علىَ المحتل الداخلي يعادل غضبَ أبناءِ دجلة والفـُرات علىَ المحتل الخارجي!
في اليوم الثالث والعشرين كَبُرَ بـَعْلُ ليلىَ الطرابلسي عشرين عاماً، وفي اليوم الثامن عشر أكمل مبارك عامـَه المئة قبل الموعد بسبع عشرة سنة.
كلمتان لو تفوَّه بهما أي شخص أمام مبارك وهو يستلقي علىَ غضروفه في قصره لا يضمن له أحدٌ أن يتنفس بعدها: الشباب، وميدان التحرير.
لم أتخل أو أتزحزح عن قناعاتي لسنواتٍ كثيرة وهي أن قلبَ مبارك مصنوعٌ من مواد صخريةٍ صُلْبَة وسوداء، ولو كان الأمرُ بيده لأمـَرَ بمسح شباب ميدان التحرير من علىَ وجه الأرض أو احراقهم، فهو طاغيةٌ ليس كالطـُغاةِ الآخرين، ويمكنه افتتاح مَدْرَسة للشياطين يكون هو مديرَها و.. مُعَلمَها الوحيد.
كان العالم كلٌّه مبهوراً، ومُندهشاً، وغيرَ مُصَدِّقٍ لمشهدٍ قال فيه شبابُ الثورة للملائكة: شكراً، لا تساعدونا فنحن قادرون على هَزِّ عرشه، وتقديم عشرة ملايين شهيد من أجل مصر.
المساحات الفراغية خلال الثورة في القصر ، والثكنات العسكرية، وأروقة أجهزة الأمن، والسفارات الأجنبية والعربية، سيكشف عنها المستقبلُ ليتضاعف حُبُّ المصريين لشبابهم لدىَ اكتشافهم أن مبارك كان يلعب لعبةً أكبر مما فعله الطغاةُ كلهم من كاليجولا ونيرون وهولاكو إلى زين العابدين بن علي قبل أن تدوس شعوبُهم على رقابهم!
كنت أقوم بتأجيل فرحتي الكبرى يوماً بعد يوم، فبياناتُ نِصْفِ الحقيقة لا تروي ظمأي، وعمر سليمان الوجه الآخر لمبارك، ولغةُ مِكِرٍ، مِفَرٍ، مُقْبِلٍ، مُدْبٍر كالتفويض والتنازل والانتقال السلس كلها كانت كوعد الذئب في ذات الرداء الأحمر قبل أن ينام في فراش الجدة.
فجأة وقف نائبُ الرئيس كأن سلاحا مُصَوَّبًا إلى ظهره يأمره بالقاء بيان كأنه تنزيلٌ من التنزيل علىَ عدة ملايين من الأنبياء في وقت واحد، وكان عمر سليمان خائفا حتى خِلْتُه قد لفظ أنفاسَه الأخيرة أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة!
مصر بدون مبارك!
فركت عيني كـَرَّتين فتحقيقُ الأحلام كان مُحَرَّماَ على المصريين منذ أن تولى الطاغية اِمساكَ رقابـِنا لثلاثين عاماً خَلَت، ومَرَّ شريطٌ في ذهني كأنه عَقْدٌ انفرطتْ حـَبَّاتُه فظللتُ أجمعها، وأعيدها، وأتأملها فإذا هي تاريخُ كتاباتي ضد سفاح مصر الأشر.
أتذكر يوم كان قلمي نِصْفَ حاد، وطلبتُ اجراءَ حديث مع الرئيس، وعندما اتصلت من أوسلو بسكرتير وزير الاعلام صفوت الشريف، ظن أنه يُبشرني وقال لي بأن الوزير وافق، وأنه أَعَدَّ الأسئلة لي لأطرحها على الرئيس مبارك!
سألته في المكالمة الهاتفية عن دوري أنا إذا كانت وزارةُ الاعلام سَتُعِد الأسئلة! فقال لي بأنني سأتشرف بلقاء الرئيس وطرحِ الأسئلة المُعَدَّة سلفاً!
غضبت لكرامتي، وقلت له بأن الرئيس سيتشرف لو أنني أعددت الأسئلة بمفردي، فصَدَمَه حديثي المغرور، وقال لي اعتبر الأمر مُنتهياً عند هذا الحد، وأغلب الظن أنه قال لصفوت الشريف بأن صاحبكم الذي أُرْسِل إليكم لمجنون!
الكتب السبعة الأولى أصدرتها في مصر، وحصلتُ على ترخيص من مباحث أمن الدولة بالاسكندرية، وفي واحد منها قام صاحب المطبعة بتشويه متعمد، وتغيير صفحات خمس مقالات عن مبارك خشية أن يغلق الأمن مطبعته، أما دور النشر فلم توافق أي منها على نشر كتاب لي!
كان ذلك قبل وضع اسمي في المترقب وصولهم!
أرسلت 600 نسخة من طائر الشمال إلى مكتبة مدبولي باتفاق مسبق، وعندما ذهب أحدهم لتسلم المجلة في المطار، واطّلع عليها، هرّوَل منها فِراراً، وتركها في المطار.
كنت أسافر إلى بلدي مرة في كل عام، وأكتب، وأنشر، وأنتقد نظام مبارك من الداخل والخارج، لكن الكثيرين من أصدقائي طلبوا مني عدم ارسال المجلة إليهم خشية استدعاء أمن الدولة لهم.
واتخذتْ كتاباتي منحىً حاداً، وصريحا، ومباشراً، ونشرت مقالي ( فخامة الرئيس جمال مبارك)، وبعدها تم وضع اسمي في القائمة السوداء لخصوم مبارك ونظامه العفن.
كان هناك جبل من الخوف يحجب رؤية زملائي عن وصف المشهد الكارثي لأم الدنيا في عهد طاغيتها المستبد.
ونشرت( ولكن عزرائيل لا يزور ميونيخ )و ( وقائع محاكمة الرئيس مبارك ) و ( ورسالة مفتوحة إلى أم الدنيا .. ماذا فعل بكِ هذا الرجل؟)، وبدأ جهازي العصبي يعمل جنبا إلى جنب مع قلمي، طلب مني البعض أن أحذف أسماءهم من البريد الالكتروني خوفا من كمبيوتر مطار القاهرة الدولي الذي سيكتشف أن لهم علاقة بي.
ونشرت ( سيدي الرئيس .. استحلفك بالله أن تهرب- سبتمبر 2004) و ( صناعة العبودية .. لماذا يحتقرنا الرئيس مبارك؟) و ( دموع المصريين تفيض على ضفتي النيل)، ثم دخلت في عالم المنتديات على الإنترنيت، وتم الغاء اشتراكي في أكثر من عشرين منها، حتى أن أحدهم اعتذر لي عن الغاء اشتراكي، ومنع مقالاتي لأن والد مصمم الصفحة يعمل في مكتب محافظ البحر الأحمر، وقام موقع للطلاب بالتهديد برفع دعوى قضائية ضدي، وأوحى أحدهم إلى صحيفة ( النبأ ) فقامت بنشر مقالٍ مسيئٍ لي.
ونشرتُ ( سيدي الرئيس .. وهل هناك غيرك؟) و ( رد من الرئيس مبارك .. لا ليس هناك غيري!) و ( وحوار بين الرئيسين حسني مبارك و .. جمال مبارك)!
ثم صدر كتابي الثامن في أوسلو ( وقائع محاكمة سيد القصر)، وكان على نفقتي الخاصة، كالعادة!
تم اتهامي بأن هناك ثأراً شخصيا بيني وبين مبارك، وكان ردي أنني أتحدى أن يكون هناك مصري شريف ليس بينه وبين مبارك ثأر شخصي!
ونشرتُ ( الرئيس مبارك يضحك في جنازة وطن) و ( البحث عن زعيم لمصر ) و ( حوار بين إبليس و.. الرئيس مبارك )!
كانت الدعوة لأول عصيان مدني في 2 مايو 2005، وكتبت مقالات، وبيانات، ومنشورات للثورة، وتلقيت كَمَّاً هائلا من رسائل التهكم والسخرية، وفي المقابل صدَّق دعوتي حفنةٌ صغيرة من شباب كانوا يرون في كتاباتي غضبا يعتمل في نفوسهم ضد الطاغية، وفشلت الدعوة، وخرج بضعة عشرات فقط وفي المقدمة الشاب الرائع والمتحمس محمد الشرقاوي.
في كل مرة ينتابني اليأس والاحباط والقنوط لدقائق معدودات، ثم يتسلل الأمل إلى كياني كله، ويبشرني بأن المرة القادمة ستطيح بالمجرم حسني مبارك.
ويبتسم من حولي، فهذا شخص مجنون يظن أن مقالاته قد تحُرّك شعرة من موضعها، ونشرت كتابي التاسع في أوسلو ( دعوة إلى التمرد).
وتقفز فكرة ( الانتفاضة الشعبية ) في عام 2006، وأتعاون مع الكثيرين من المتحمسين في مندرة كفاية، ولكن تصل رسالة من قوى المعارضة، واضحة وصريحة، بأنها لن توافق على دعوة للتمرد من الخارج، ونقوم بالغاء الدعوة.
وأنشر ( البيان رقم واحد- انقلاب عسكري في مصر ) و ( كلاب السيد الرئيس) و ( هل المعارضة المصرية ترقص مع النظام؟ ) و ( حمار يقدم أوراق ترشحه إلى الرئاسة) ..
في السنوات السبع الماضية شعرت بأن القراء يتراجعون، فهم يبحثون عن التجديد في نقد النظام، ويرون أن المحيطين بمبارك هم أصل البلاء، فزاد حزني ونشرت( معركتنا ليست مع رجال الرئيس) و ( لماذا زهد المصريون في كتاباتي)، ولم أتراجع قيد شعرة، فمبارك هو رأس الأفعى, وإذا تم قطعها، تساقط الوزراء والفاسدون والمحافظون واللصوص كما تتساقط أوراق الخريف إذا زاجتها نسمة هواء بسيطة.
قال لي وكيل وزارة الإعلام في مكتَبِه بعاصمةِ دولةٍ عربية: لقد لاحظ الشباب في العلاقات العامة أن زملاءك الصحفيين المصريين يتجنبونك، ويبتعدون كلما اقتربت منهم!
وكتبت ( الله يخرب بيتك يا ريس!), ( الوصايا العشر للتخلص من مبارك ) و ( لماذا أكره الرئيس مبارك؟ )و ( الحمد لله تخلصنا من 900 مصري) والأخير مقال عن غرق العبَّارة.
اتصل بي صديق نرويجي لتهنئتي بسقوط مبارك، فمازحته قائلا: أنت من سلالة الفايكينج، ومع ذلك فينبغي أن تفتخر لأن لك صديقا مصرياً!
ناصر ابني الأصغر ( 12 عامًا) قال لوالدته بأنه لن يسافر معها إلىَ مصر أبداً مادام والده غير قادر على زيارة بلده، فقد زار مصر عشر مرات ويريد أن يراها بعيوني.
اقترب مني وأنا أشاهد التلفزيون وسألني: هل لو مات مبارك يمكنك أن تزور معي بلدك؟ أجبته بنعم، فكان سؤاله التالي: وماذا لو أصبح ابنه رئيساً؟ قلت له بأن الفرصة تصبح منعدمة، فجلس حزينا يفكر في كيفية موت الأب والابن في نفس الوقت!
خفف من حِدِّة قلمك قليلا لعلك تسافر إلى مصر!
سمعتُ هذه الجملةَ خلال العقد المنصرم عشرات المرات، وهي تبدو كمن يطلب مني أن أتصف بنصف الفضيلة، أو أعتنق نصف الإيمان، أو أحب نصف بلدي!
فكتبت ( الرجل الذي أحلم به رئيساً لمصر ) و ( حوار بين عزرائيل والرئيس حسني مبارك) و ( تأييدك لجمال مبارك تجسس لحساب إسرائيل ) و ( رسالة غاضبة إلى قائد عسكري مصري)، واتسعت ممارساتي التحريضية ضد سفاح مصر، و في يوليو 2010 بدأت دعوة ثالثة للعصيان المدني، وتراجعت عنها بعدما تلقيت تعقيبات وردوداً رافضة لأن يقوم مصري في الخارج بعملية التحريض للداخل.
وكتبت ( مقطع من يوميات ضابط شرطة مصري) و ( أحلم بحبل المشنقة حول عنقك) و ( رسالة تحريض لأبطال العبور) و ( هل يحرقنا مبارك قبل أن نحرقه؟ ولم يخفت، أو يبهت، أو يتراجع، أو يغفو إيماني بقدرة المصريين على الثورة رغم أن من يقرأ مقالا لي منفصلا عن غيره من الكتابات يظن أنها دعوات يأس واحباط ( كيف تقنع المصريين بأن لهم كرامة) و ( لكن الله لا يقبل من المصريين صلواتهم) و ( ألم نقل لكم بأن مبارك شيطان يحكم مصر؟ )و ( أحفاد الرئيس لهم الجنة وأطفالنا ولاد ستين ألف كلب) لكن الحقيقة أن استمرار قلمي في مناهضة طاغية مصر البائد يعود إلى المحبة التي غمرني بها آلاف مؤلفة من الشباب حتى أن أحدهم أبلغني أن والدة زميل له استعانت به لاقناع ابنها برفع الاضراب عن الطعام، الذي بدأه معتزلا في غرفته ثلاثة أيام، فلما جاءه صديقه، وأصر أن يعرف السبب، اشار له على النت لمقال لي قائلا: كيف أعيش مثل الآخرين وأنا لا أستطيع الدفاع عن كرامتي!
غمرني عدد هائل من القراء بثناء، ومديح، ورسائل محبة، ودعم معنوي كانت مدادا لكلمات قلمي وتكفي لآخر رمق في حياتي.
لذا لم يكن غريبا أن أشعر بأنني أسعد خلق الله بنجاح ثورة الشباب، وأنني كنت في كل شبر من أرض مصر خلال أيام الثورة حتى لو لم أغادر العاصمة النرويجية، فكان قلمي، وشروحاتي، وفيديوهاتي، وكنت واثقا بنجاح الثورة لأن المصريين اكتشفوا كلمة السر التي حرضت عليها سنين عددا!
كنت على يقين لا يقل عن الإيمان بأن مبارك يكره المصريين، لكن اقناع قرائي بهذا الاستنتاج الغريب كان شبه مستحيل، وعندما استضافتني قناة ( الـحوار ) في برنامج ( أوراق مصرية ) بتاريخ 13 نوفمبر2010 للحديث عن الانتخابات البرلمانية قلت بأن بداية الطريق الصحيح عندما يكتشف المصريون بأن حسني مبارك عدو الشعب رقم واحد.
وقفز بعدها بثلاثة أيام عبد الله كمال فوق صفحات ( روزا ليوسف )، وهدد، وتوعد بحجب القناة التلفزيونية التي استضافت شخصا مجنونا، وغير متوازن، فلم ترفع القناة الحلقة على اليوتيوب.
ونشرتُ كتابي الحادي عشر ( قلم في عيون الطغاة ) والذي رفضته كل دور النشر العربية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في أكتوبر 2010.
سقط ثاني الطغاة في العالم العربي، وظهر خلفه صف طويل يبدو للمشاهد فيه العقيد والبشير والشاويش، ويقف معهم طبيب العيون والرياضي الهاشمي وسارق ثورة المليون شهيد، ومن بعيد يرهف ثلاثة من الطغاة الآخرين في ( بلاد العُرب أوطاني ) السمع خشية أن تتعلم شعوبهم كيف تقول ( الشعب يريد اسقاط النظام )!
هل هناك من هو أكثر سعادة مني بانتصار ثورة يناير الشبابية؟
في هذه الحالة فأنا افضل أن أكذب على نفسي حتى لا يرفع عشرة ملايين أصابعهم.
إذا أردت أن تتعلم القيم والمباديء والحرية والكرامة في حالة عدم قدرة المسجد والكنيسة على تعليمك إياها، فميدان التحرير هو البقعة المقدسة التي تتنزل عليها الملائكة، والصلاة في الميدان لها نفس الثواب كالصلاة في بيوت الله.
عندما يشير مؤرخ في المستقبل إلى مسقط رأس باتريس لومومبا وتشي جيفارا ونيلسون مانديلا وعمر المختار فربما يختلط عليه الأمر فيظنهم جميعا من مواليد ميدان التحرير.
الآن يمكنني أن أستعد لزيارة بلدي، ربما في شهر ابريل بإذن الله، ولو فركت مصباح علاء الدين وسألني العفريت عن أمنيتي، لطلبت منه أن يأتيني بكل شباب ثورة يناير لأقوم بتقبيل رأس كل واحد منهم، فهم الآباء الروحيون والحقيقيون للثورة، وقد آن الوقت الذي يتتلمذ الكبار علىَ أيدي الصغار، ويتلقى عواجيز المعارضة دروسا من الشباب في فقه التمرد، والعصيان، والغضب، والكرامة.
المصريون يكتبون التاريخ، أو يصنعونه، أو يُصَدّرونه، أو يُعَلِّمونه، أما هذه المرة فقد قرأه ملايين منهم على مسامع كل سكان الدنيا، وفي أقل من ثلاثة أسابيع حفظه عن ظهر قلب ملايين من البشر.
للأوطان أعياد وطنية ودينية وقومية، أما مصر فلها أيضا عيد ميلاد أشعل الشموعَ فيه عدةُ مئات من شهداء الشباب، ليحيا الوطن بموتهم.
مبروك للشهداء جنة الخلد، ومبروك للأحياء جنة الحرية، ومبروك لمصر عودتها لشعبها بعد اعتقال دام ثلاثين عاما.
وسلام الله على مصر.

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 15 فبراير 2011

من أين ينبع بركان الكراهية لدىَ الإسلاميين؟

الإسلامي غير المسلم، فالأول يرضع بغضاء، ويكره العالم كله، ويحتقر المرأة وهو يتحدث عن تكريمها، والثاني مسالم لا يؤذي جاره، ويسع قلبه خصومه كأقربائه، وأقرب أصدقائه مسيحي شوهدا كثيرا وهما يسيران يداً بيد، وأحيانا يحضر الأول قداس الأحد بدون صلاة، ويجلس الثاني في ركن المسجد منتظرا صديقه حتى ينتهي من صلاة العصر.

الإسلامي من نسل العبيد، يركع للأمير، ويطيع المرشد، وإذا خاصم فجر، وذهنه منشغل بالمرأة فكلها شهوة له، الوجه والعينان والملابس واللسان ويستطيع خياله أن يخترق مئة عباية ترتديها المرأة ليكشف عورتها.            

والمسلم يحب الناس، ويرى أن لا فضل له أنْ سقط من بطن أمه مسلما، ويبحث عن ايجابيات الآخر وإذا أمر بالمعروف خفض صوته خشية المزايدة.

الإسلامي يمسك سيفا ويحلم بالحور العين وقطــع رقبة مخالفه، والمسلم يمسك وردة يعطيها لمن يحب أيا كانت خلفيته الدينية والمذهبية والطائفية.

الإسلامي يستنشق هواء ملوثا وسط جماعة مغيبة، وأفكاره نصوص جاهزة، وجمجمته تحوي تجويفا يضع فيه أميره أو مرشده أو معلمه كل الفضلات التي نامت مئات السنين بين صفحات كتب غبراء كتبها مجهولون واحتضنتها إسرائيليات عنعنية كاذبة فظن أن فيها الروح المقدسة.
والمسلم لا ينخرط في حزب أو جماعة أو فرقة فإسلامه له وحده، ونقاء دينه يسمو بالشعائر فيستمتع بلقاء الــله في أي مكان، غرفة مغلقة، زاوية مسجد ضيقة، مراقبة طيور، التأمل في عجائب مخلوقاته، إقامة علاقات صداقة دون أن يطرح على نفسه ولو على استحياء فضول معرفة الدين والمذهب والحزب والجماعة.
الإسلامي يزايد في كل مكان، ويبدأ حديثه في الدين وينهيه عن الدين وكأن حياته محصورة في نصوص لصقها مجهولون في قلبه وصدره، فأضحى القلبُ صخرة صماء والصدرُ مخزنا لرماد الفكر البغيض.
والمسلم تعرفه من حديثه الطيب، وإذا أردت التأكد فاجعله يغضب منك وستجد مساحة غضبه لا تراها العين المجردة، ولسانه عفيف مع أهله، وأعف مع خصومه.
الإسلامي يلعنك إذا اختلفت معه، ويدعو الــله في صلاته أن يشل يديك، ويجمد الدماء في عروقك، ويسلط عليك الثعبان الأقرع، ويتهمك بالكفر إذا فكرت، وبالزندقة إذا استخدمت تصريح العلي القدير بالعقل والتدبر.
والمسلم لا تسمع صوته إلا همساً، وإذا اغضبته ابتسم في وجهك، وإذا استفززته وأحمر وجهه، عاد إليك معتذرا.
الإسلامي يغتصب طفلة تحت زعم أنها زوجته على سنة اللـه ورسوله، فحلاله أربع، لا يتنازل عنها إلا بدافع الفقر. وهو يكره وطنه وجيشه وعلَمَ بلاده ولا يحرك النشيد الوطني فيه إلا مشاعر النفور.
والمسلم يأبي هذا، ويقارنها بابنته الصغرى، ويعرف أن شروط التعدد مستحيلة، وزوج الأربعة فاجر وكاذب ومخادع، وهو يعتز بوطنه، ولا يُفرق بين أهله وشركاء الوطن معتنقي دين آخر أو مذهب مختلف، وتسقط دمعتان على وجهه إذا استمع للنشيد الوطني، ويــُــقــَــبـِّـل العــَــلــَــم بمحبة كأنه كائن حي.
الإسلامي يدعو إلى تطبيق الشريعة وهو مبغض لها، والمسلم يرى العدل في أي صورة إسلاماً يعتز به.
الإسلامي سيجد في مقالي هذا سبعين ذنباً، وكل ذنب يهلل له سيــَّــافـُـه فقطْــعُ الرقبة أصبح علىَ مرمىَ حجر.
والمسلم سيجد في مقالي سبعين عذراً وعلى رأسها أنني وهو على مسافة واحدة من.. رب الكون العظيم.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 11 سبتمبر 2013

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...