16‏/10‏/2018

مستنقع الإعلام المصري في عهد السيسي!

مستنقع الإعلام المصري في عهد السيسي!
أتخيل جبلاية من القِرَدة في غابات الأمازون وقد قررتْ الانتقالَ من الأشجار إلى استديو في مصر به فضائيات وصحف ومجلات؛ فهل ستكون النقلةُ بعيدةً ومستحيلةً و..خيالية؟
لم أشهد منذ اكتمل وعيي علىَ الحياة العامة، والاهتمام السياسي والاجتماعي والوطني والثقافة خمسين عاما خلتْ، واختلافي البيّن مع أنظمة حُكم السادات ومبارك وطنطاوي ومرسي وعدلي منصور أنْ تخيلت لهنيهةٍ واحدة قُدرةَ الحُكْم على تجميع أكبر قدْر ممكن من المتخلفين والسفهاء والجاهلين وأنصاف الأميين والمنافقين والغثيانيين والمطبلين والحشاشين والقاتيين، وإطلاقهم في الفضاء والمطابع ليحمل كل منهم لقب صحفي أو إعلامي أو مذيع أو مُحاور كما حدث في سنوات السيسي الخمس.
نعم، هناك فساد في القضاء والعدالة والتعليم والتجارة والطب وسلوكيات المجتمع، لكن الجزءَ الأعفن كان من نصيب الإعلام الفضائي وصوت الحمقىَ تحت سوط السلطة، كأن عصرَ العبيد عاد بقوة تكاد تُقنع الإعلام الفضائي أن لعق حذاء السلطة أشرف من شرائع الحق كلها، الوضعية والسماوية!
أنت لا تحتاج، إذا كنت طبيعيا، لأكثر من سويعات قليلة لتكتشف جريمة غمس القلم واللسان في غائط القصر، والكُفر بالوطن وأنت تتغزل، ظاهريا، في نهضته المزيفة.
تحدّث مع أي مصري يعمل عقله بعُشــْـر قدرته على التفكير فسيرتفع ضغط دمه ضعفين أو أكثر إذا أتيتَ على ذِكــْــر إعلام بلده.
دروشة وجهل ومزايدة دينية وأكاذيب مضلله ولغة سقيمة وحروف مريضة وتعبيرات غُرْزية  وضعف معلوماتي تجعلك تتصبب عرقا وأنت تتابع أخبار وإعلاميي وبرامج وحوارات بعد خمسة آلاف عام من حوارات ملوك الفراعنة مع عبيدهم أو.. مواطنيهم.
كيف تمكن كل هؤلاء في نِصْف عقد سيساوي من القفز فوق مقاعدهم ومنافسة القرد ميمون في ( سلام للبيه )؟
نقيب الفلاحين يطالب بحل المشكلة الاقتصادية واستقبال العُملة الصعبة في تصدير الكلاب الضالة، خاصة أنها مُحرّمة في الإسلام(!)، ولا ينسىَ أنْ يضاعف المزايدة الدينية في قوله بأنه يجلس في الاستديو رغم أن حديث المسلم مع المرأة حرام، والمذيعة الجاهلة لم تنبس ببنت شفة.
عمرو عبد السميع يطالب بمحاكمة من قاموا بثورة 25 ينايرالتي أطاحت بحُكم مبارك.
كل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة يسحب الإعلام المصري وطنه المسكين إلى الأسفل ولا نعرف عُمقَ القاع بعد.
كل المصريين خائفون من خيال الرئيس السيسي حتى لو مرمط باللغة والمنطق والموضوعية والحق كل هموم الوطن، وكلما سألت مصريا زعم أن يدَ السلطة طويلة، وأن الرئيس يقرأ أحلامه ويدعم كوابيسه، لذا فهو ينتظر الله لينقذ مصر بفضل الدعاء.
شجّ رأسك في جدار منزلك قبل الصباح وفي المساء، وطالب بالافراج عن المظلومين، وابحث عن حقك، واصرخ من غلاء الأسعار، واغضب لسفاهة التبذير السلطوي، ومِتْ جوعا أو فقرًا أو مرضا، فالرئيس يعرف أن ضعفه ونُبله وإيمانه في الإنصات لمطالب الشعب، لذا فيزداد إذلاله إياك؛ ويمُنّ عليك بأنك لست في سوريا وليبيا والعراق واليمن.
أحفادك وأولادهم مدينون بقروض ستعذبهم لقرن أو قرنين قادمين، لكن بلادةً وبرودة ورعبــًـا وذُعرا وخوفا وطاعة ومسكنة رانتْ على الوطن، فالمركب لا تغرق، إنما يتبرع الراكبون بالهروب منها، سواء للخارج أو لأحلام اليقظة أو لــ ( تحيا مصر ) حتى تتركك السلطة تأكل من فتاتها.
ويبقى السؤال مطروحا: كيف تغلـَّـب جهل الإعلاميين وحقارة وسفالة وقذارة أكثرهم على واحد من أكثر شعوب الأرض تأثيرا حضاريا، فإذا به يستورد نفايات اللغة والثقافة والجهل والتصحر الفكري والتعليم القـِـرَدي فتتراجع أم الدنيا في كل المجالات، تقريبا؟
ماذا لو وقف الرئيس السيسي قبل بِدْء خطاب له أمام حشد ضخم من ضباط الجيش والشرطة والقضاة والمحامين والأكاديميين والمثقفين والمسؤولين والمحافظين ؛ وبصق في وجوههم، فهل سيُقابــَـل باحتجاج أو تذمر أو عتاب؟
لقد هجر المصريون الكتاب والكلمة المقروءة ومصادر المعرفة، وكرهوا الحديث عن الثورات والغضب والاحتجاجات والدفاع عن كرامة الشعوب، وأبسط الإيمان التعاطف مع المحرومين من حرياتهم!
مصر تمر الآن بمرحلة لذة العبودية، ومتعة الخضوع، والتخدير الديني، ومشاعر الخيلاء الفارغة التي تحملها قبضة الرئيس في تحيا مصر!
مصر تعيش على أمجاد الماضي بالتسوّل لخنوع أجيال قادمة ستسدد قروضا .. بنىَ بها الرئيس مشروعات مثقوبة جيوبها ليأكل الفاسدون.
مصر أعطت ظهرها للرئيس يكربجه كيفما يشاء، فالمثقفون وهم روح الأمة يبول أكثرهم على ملابسهم الداخلية إذا عرفوا أن ألسنتهم أو أقلامهم ستجلب عليهم نِصْف غضب الرئيس.
أعود إلى سؤالي وهو رأس الموضوع: كيف تمكن عهد الرئيس السيسي من تجميع قطعان الماشية في الإعلام، وهشّ عليها بعصاه فإذا هي تخرّ أو تبرك على الأرض قبل أن يلمسها.
أكتب كلمات الغضب تلك كأنني أتجول بين القبور، فلن يسمعني أحد، ولا يذرف الموتىَ دمعة حزن واحدة، والقراءة أضحت آخر اهتمامات المصريين.
من يظن أنه أكثر مني حزنا على أم الدنيا فليمدد بسبب إلى السماء، ثم ليقطع فالمصريون صامتون، ومن في القبور أكثر منهم ضجيجا واحتجاجا وغضبا!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 16 أكتوبر 2018
    

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...