18‏/03‏/2018

رسالة إلى صدام حسين .. حفار القبور يحكم الجمهورية السجن! ( من أرشيفي )



إهداء الى الذين يقولون بأن صدام حسين كان بطلا للعروبة!
رسالة إلى صدام حسين .. حفار القبور يحكم الجمهورية السجن!
أوسلو في أكتوبر 1995، أي منذ ثلاثة وعشرين عاماً!
أظن قبل البدء بتوجيه رسالة مفتوحة إليك أنه لا تستطيع أي جهة أو شخص أو حتى من المقربين إليك أن يتجرأ ويعرض عليك رسالتي وهو يعلم مُسبقا أن ذرة من غضبك تنهي حياته، وأن الاقتراب منك دون معرفة مسبقة بحالتك النفسية قد تزيد القاطنين في باطن الأرض واحدا أو أكثر، بل إنني أزعم أن لملك الموت مقرا ثابتا في بغداد فهي العاصمة التي تمد في عهدك دود الأرض بجثث العراقيين دون حساب مع افتراض نجاتهم من الإذابة في حامض الأسيد كما فعل الملك المغربي الراحل الحسن الثاني مع المعارض المهدي بن بركة!
المرة الأولى التي وجهت إليك فيها رسالة مفتوحة شملت كل صفحات عدد طائر الشمال بعد غزو أشاوسك لدولة الكويت، لكنني أعلم أنك لا تسمع غير صوتين، إما صدى صوتك، وإما همزات الشياطين والتي بدأت تخشى أن تقوم أنت بالتفوق عليها بل وغوايتها على مالم تحِطْ به علما من شرور الكون وأسباب وطرق الإيذاء!

هل يمكن أن تصبح النفس مستودعا لآثام لا نهائية تزيدها نهما غلظة وقسوة ووحشية لا قبل لإنس أو جان بها؟

قد تقفز إلى ذهني الآن صور حفنة من المستبدين الدمويين أمثال ستالين وهتلر وفرانكو وسالا زار وتشاوشيسكو وعيدي أمين دادا وجان بيدل بوكاسا وهيلاسلاسي ومنجستو هيلا مريم ومعمر القذافي وغيرهم، ولكن للحقيقة وللأمانة وللتاريخ فإن كل هؤلاء من أعداء البشرية وخصوم الخير وشقائق الشيطان يقفون بجوارك تلاميذ في مدرسة الشر مع استثناء وحيد لإرهابي مثلك هو بول بوت الذي كاد يقضي على نصف سكان كمبوديا.
هل يؤثر فيك أن تعلم عدد الذين يصبون جَمَّ غضبهم عليك ويتضرعون إلى العلي القدير أن يكون اليوم هو آخر أيام حياتك؟ لعلك لو قضيت أياما طويلة تحصيهم عدا لما بلغت نصفهم أو ثلثهم أو أدنى من ذلك أو أقل ولو ساعدك في ذلك طائفة من الذين معك، أعني الذين سينقلبون عليك فور أنْ يتناهى إلى أسماعهم البيان الأول من إذاعة بغداد وهو يبشر شعبنا العراقي العظيم بنهاية حكم رجل آل علي نفسه أن يدفن العراقيين كلهم أو يغرقهم في نهر دجلة حتى يحلبجهم كما فعل مع أكراد قومه!
أحسب أنك تستمتع بحكايات الرعب التي يتناقلها العراقيون فتزيدهم خوفا وهلعا لتتسع دائرة سطوتك وسيطرتك فتطارد المواطن العراقي في بيته وعمله وفي غرفة نومه بل وفي همساته غير المسموعة خشية أن تلتقطها أذن صغيرة فيكررها أمام زملائه في المدرسة لتبدأ رحلة العذاب للمواطن الذي تُلقي به كلاب قصرك من زبانية جهنم التكريتية في واحد من معتقلات تكاد تُغطي جمهورية الخوف من بصرتها إلى موصلها!
في الغربة، حيث يتوزع عدة ملايين من العراقيين الذين هربوا من جحيمك لا يلتقي عراقيان شريفان إلا وانقشعت حجب السماء عن لعنات يصبــّـونها عليك وعلي نظامك وولديك وعائلتك التكريتية ومخابراتك وكلاب قصرك وحراس سجونك وساديي معتقلاتك وذئاب أمنك، ولعل لله، عز وجل، حكمة في تأخير أجلك رغم حشرجة أصوات الملايين الذين يرفعون أكف الدعاء إلي ملك الموت لكي يعجل في قبض روحك قبل أن يقرأ عراقيو المنافي الفاتحة على من بقي من عراقيي الداخل في الجمهورية السجن.

لن أحدثك عن الخوف وهو يتسلل إلى كل مسامات الجسد وخلاياه فلا شك أنك عانيت أيضا منه على الرغم من الذين يزعمون أن القائد المهيب صدام حسين يملك قلبا لا يلين وروحا لا تنهزم ونفسا تحتكر لنفسها شجاعة أمة بأكملها، فقد شاهدك العالم كله ثلاث مرات وأنت تقترب من أكثر لحظات العمر ضعفا وقد امتص الرعب دماء وجهك وكادت تبدو مكانه صورة عبد الكريم قاسم وهو يتعرض لنفس المصير الملتصق بتاريخ انتقام العراقيين من حكامهم!

المرة الأولى عندما هاجمت طائرات التحالف بغداد تدكها دكا لينتقم الأمريكيون والبريطانيون من عاصمة الرشيد التي تحولت في عهدك إلى مركز عدوان على جيران العراق، فرأيناك في مخبئك خائفا مرتعدا وأنت تحرض شعبك على الصمود.
والمرة الثانية عندما بدأ أشاوسة نظامك المنسحبين من الكويت في رفع الرايات البيضاء وتقبيل أحذية اليانكي والتوسل إلى جنود العم سام أن يأخذوهم أسرى فذُلُ الأسر والمهانة والانهزام أمام رامبو الأمريكي، أعني الأمريكي الذي دس الفيتنامي أنفه في التراب فأعدت أنت إليه كرامته بحماقتك وغرورك وغباء قادتك العسكريين وجبن مستشاريك، أهون من العودة إلى الوطن السجن ومرتع الأشباح والمقر الرئيس لملك الموت.
أما المرة الثالثة فكانت يوم أن انهارت كل مؤسساتك تقريبا خلال ثورة مارس التي أعقبت تحرير الكويت، وكان العراقيون الثائرون على مبعدة كيلومترات معدودة من بغداد وبدعم شعبي لم يلتفت لحظة واحدة إلى الطائفية المقيتة التي حاول إعلامك الفاشل أن يصورها شيعية إيرانية فجاء القرار فورا من أسيادك في البيت الأبيض بتسهيل القضاء على الثورة العراقية خشية قيام نظام عراقي وطني يهدد أمن أساطيل أمريكا في الخليج، فأنت وحدك فقط الذي يمكن أن يحقق للغرب مصالحه في ابتزاز دول الخليج ونهب ثرواتها وتثبيت هراوات النظام العالمي الجديد في خليجنا الدافئ.

يقال بأن الرعب الذي امتد إلى كل مواطن سوفييتي في عهد ستالين جعل الجماهير التي كانت تصفق له تخشى التوقف عن التصفيق إلا بعد أن يشير إليها الديكتاتور، ومع ذلك فقد قتل ستالين من أبناء شعبه أكثر مما حصدت آلة الحرب العالمية الثانية في الاجتياح الهتلري لأراضي الإمبراطورية السوفيتية الواسعة.

ونفس الأمر ينسحب على بول بوت الذي أتخم دود الأرض بجثث ثلث سكان كمبوديا حتى الذين كانوا يضعون على وجوههم النحيلة نظارات طبية اعتبرهم بول بوت أعداء للشعب وتمت تصفيتهم فربما كانوا مثقفين أو متابعين لأحداث وطنهم!
ولكن الحكايات الشبحية المفزعة عن العراق في عهدك تجعل المرء يزداد حيرة في التعرف إلى خبايا ومسارب النفس والتي يتحقق فيها قول العلي القدير

" ثم رددناه أسفل سافلين".

ولكن من أين أبدأ؟

من الطالب الجامعي الذي سقطت من كراسته ورقة محاضرات فتم القبض عليه لأن أجهزة المخابرات في الجامعة اعتبرتها إشارة إلى شيء غامض لا تعرف كنهه، أم من سائق السيارة الذي أوقعه حظه العاثر في طريق مر به مسؤول كبير، وكانت سرعة قيادة السائق لسيارته أقل من سرعة سيارة المسؤول خلفه فتم توقيف المسكين وألقى به الأمن في المعتقل بتهمة عدم ذكر أسباب قيادته السيارة بأقل من السرعة القصوى؟

هل أبدأ من السيدة التي كانت تعمل في مؤسسة حكومية وطلبت من زميلتها خفض صوت المذياع الذي كان يذيع خطابا لك فلبثتْ في السجن أسبوعين طويلين تعرضت خلالهما لكل صنوف العذاب، أم من الأب الذي ذهب إلى جحيم سجونك لأن ابنه الصغير ذكر في المدرسة أن والده وضع صورة أخرى بدلا من صورة " بابا صدام" في إحدى غرف الدار؟
وربما أبدأ من قسوة أشاوستك وهو يدنسون حرمة مسكن عائلة كويتية أثناء الاحتلال الآثم فيسحبون إلى الخارج شابا كويتيا ويطلقون عليه رصاصات عمياء، ثم يهددون أهله بالويل والثبور إن لم يتركوا جثته أمام بيته ثلاثة أيام وثلاث ليال، فقد دخل جنود الغزو دولة الكويت محملين بزاد لا ينضب من قسوة علمتهم أنت إياها، ولقنتهم دروسا في الغلظة وكيفية تعذيب الأبرياء فبدا الأمر كأن إبليس لم يعد له موقع بين جنودك لأنك أنت وحدك جسدت كل همزات الشيطان ونزعاته منذ أن أقسم لرب العزة بأنه سيغوينهم أجمعين!

عندما تنتهي فترة حكمك السوداء بإذن الله في محكمة الشعب العراقي العظيم التي قد تكون سحلا في شوارع بغداد أو حرقا في البصرة أو إعداما في ساحة شعبية في تكريت سيقول المرجفون والمؤيدون لك والمنافقون ونافخو أبواق التزييف الإعلامي بأنهم لم يكونوا على علم بكل آثامك وخطاياك، وسيبحثون أمام الشعب العراقي يطلبون الصفح والعفو في وقت تكتشف فيه الحكومة القادمة عشرات من المقابر الجماعية التي تم فيها دفن آلاف العراقيين على حفيف أقلام الصحفيين الأردنيين والفلسطينيين والجزائريين والمغاربة واتحاد الكتاب التونسيين وهم يطيلون بقاء روحك في جسدك بأكاذيب وأباطيل ونفاق أصحاب السلطة الرابعة!

في سجن أبو غريب كانت صرخات الموجوعين والمعذبين أكثر حدة وشدة مما تتحمله أي نفس ولو صُنعت من حديد أو من صخر وهو يتعرضون للاعتداءات الجنسية والكي بالنار ونفخ الجسد وسبل العيون وإحراق مواضع العفة منهم, وعلى مبعدة دقائق معدودة كان عادل إمام يعرض مسرحية، وقبله تلوثت سماء بغداد بضحكات رجال استخباراتك وعائلاتهم وكلاب قصرك وهم يشاهدون الفنان محمد صبحي في مسرحية" ماما أمريكا" فعباقرة الفن يقفون في صف طويل ويصمون آذانهم عندما تصل طائرة ملعونة مطار صدام الدولي، فالفنانون الذين سيتشرفون بلقائك لا يرغبون في التعرف على العراقيين في الجمهورية السجن!

ومع ذلك فكل المستبدين والطغاة كانوا يملكون قدرا ولو ضئيلا من حرية التحرك خارج بلادهم إلا أنت فقد سجنت شعبك كله ونسيت أنك أيضا سجين في وطن لم يعد لك فيه غير حفنة من الكلاب والذئاب وزبانية الموت الذين يطيعون أوامرك الشيطانية بالقتل والتعذيب والتنكيل ودس أنوف العراقيين في التراب أو حفر المزيد من القبور لإرضاء نزعات الشر في نفسك.

ترى كم كان إحساسك بالضآلة والدونية وأنت تتابع من قصرك المسلح في بغداد وقائع المؤتمر الشعبي الكويتي في منتصف أكتوبر من عام الغزو وقد التفت كل فئات الشعب الكويتي في الداخل وفي الخارج حول الشرعية الممثلة بآل الصباح ولم يتخلف كويتي واحد عن التأييد المطلق لحكومته الشرعية حتى وهي بعيدة عن أرض الوطن و لا تملك من القوة إلا الإيمان بالنصر والتحرير والعودة؟
لو انعكست الآية وكنت أنت وعائلتك ورجالك في أي منفى إجباري أو اختياري لما كتب الله لك أن تشرب من ماء دجلة ما بقى لك من عمر!

كيف استطعت أن تحول الجنود العراقيين، الفرسان من أهل الشجاعة والإقدام، إلى لصوص في خدمة ابنك المتخلف الدموي عُديّ وأحد لصوص بغداد المدعو علي حسن المجيد لسرقة كل ما تقع عليه عيونهم وأيديهم في الكويت حتى أن الدبابات والمصفحات التي كان من المفترض أن تتوجه إلى فلسطين فأمرتها أنت بالتسلل إلى الكويت فجر يوم خميس أسود كانت تعود إلى عاصمة الرشيد محملة بالأثاث والملابس ولعب الأطفال الكويتيين وأجهزة طبية سرقها أشاوستك من المستشفيات؟

هل فتحت صدر كل جندي قبل تدنيس أرض الكويت ووضعت فيه جمرة من شرورك وآثامك وخطاياك؟
أزعم أنك لم تستطع إلى هذه اللحظة أن تتخيل أو تستوعب مصيرك ومصير عُديـّـك وقُصيـــّـك وساجدتك وكلاب حراستك وذئاب معتقلاتك عندما ينتفض الشعب العراقي العظيم وتهتز لغضبته أرض الرافدين وتتلون حمرة مياه نهرية ولا يبقى في شوارع بغداد بعد سحل العائلة كلها وفي المقدمة كبيرهم الذي علمهم الغدر والقسوة قطعة من جسد!

كراهيتي لك كمجرم عتيق لا تقل بأي حال من الأحوال عن كراهيتي للذين يمارسون التعتيم الإعلامي والسياسي على جرائمك ويتخندقون معك في مواجهة الشعب العراقي وإذلاله وإهانته والتغطية على عمليات القمع والاختفاء القسري فضلا عن عشرات الآلف الذين تمت تصفيتهم في سجني أبو غريب والرضوانية منذ توليك مهمة تحويل العراق إلى جمهورية الأشباح.
عندما أشاهد على شاشة التلفزيون وفي قناة العراق الفضائية الأكثر بؤسا من كل الفضائيات، باستثناء الليبية، عراقيين في تجمع أو ندوة أو احتفال أو معرض أو مظاهرة أو حتى عرس أجد كل ملامح الذل والخوف والفزع على وجوههم وهي تكاد تنطق هلعا مناشدة الأحرار والأشراف البحث عن مخرج للهروب من الجمهورية السجن، ثم يزداد غضبي عندما تقع عيناي على ضيوف العراق من المنافقين والأفاقين ومتحجري القلوب وأنصاف الأميين من الفنانين والسياسيين ورجال الأعمال المحتالين والإعلاميين الذين قدموا إلى بغداد لتحية صمود الشعب العراقي، كما يدعون، ولم يكلف أحدهم نفسه جهدا لقراءة صفحتين من أي تقرير لمنظمة العفو الدولية أو أي منظمة حقوق أخرى عن الوضع الكارثي لحقوق الإنسان العراقي.

أحسب أنك أكثر سعادة من أسياد البيت الأبيض في فرض العقوبات الدولية الظالمة على شعبك، فهي لم تمسسك أو تقترب منك أو تؤثر في جـشعك لمزيد من القصور والأموال المنهوبة والنسبة المئوية من أموال النفط، لكنها ساعدتك في قهر الشعب وإذلاله وبسط قبضتك على كل حفنة من فتات الطعام الذي يدخل جوف طفل عراقي، فالحصار الدولي، ظاهرا والأمريكي واقعا جاء ليُثَبت قدميك ويحميك من غضب شعبك ويبتز دول الخليج العربية ويضمن المكوث أطول فترة ممكنة بين منابع النفط، والاقتراب من إيران، وتهديد ما بقى من أشلاء اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية.

وكلما بدأ الخليجيون في التململ والضجر وفهم لعبة الاستغلال الأمريكي، خاصة في دولة الكويت، جاءت تهديداتك أو لوثات لسان ابنك المتخلف عُديّ أو وسائل إعلامك تهدد أمن وسلامة الكويت حتى تتيح أنت بحماقتك وتآمرك لجنود أمريكا وأساطيلها المكوث في المنطقة، فكل الدلائل والشواهد والقرائن تثبت أنك أنت الخادم المطيع والعميل السري والعلني لقوى الغرب، واليد التي تبطش بها أمريكا وإسرائيل كل حركات التطور والتنمية والتقدم والرفاهية واستقلالية القرار النفطي.
سياسة النفط مقابل الغذاء كانت تهدف منذ بدء تطبيقها إلى مساعدتك في إحكام السيطرة على العراق، فتوزيع حصص الغذاء على العراقيين أتاح لك فرصة استدعاء المواطنين إلى مراكز التدريب لتكوين جيش جديد من حراس الجمهورية السجن الذين تطعمهم أنت في مقابل أمنك والتجسس على العراقيين والوقوف في مواجهة المد الشعبي من الجنوب أو التمرد الكردي في الشمال.

وسياسة النفط مقابل الغذاء جعلت أفواه الأطفال الجائعين والمرضى في قبضتك، فصعدت أرواح مئات الآلاف منهم في خلال العقد الماضي إلي بارئها تشكو ظلم الاستبداد الخارجي وصمت العرب والمسلمين وقبل ذلك تبتهل إلى العلي القدير أن يخلص العراق منك ومن ولديك وأهلك وعشيرتك الأقربين وربما من حزب البعث العربي الاشتراكي كله! 

الساذجون فقط هم الذين يظنون أن الإدارة الأمريكية تسعى للإطاحة بك وبنظام حكمك وبأنها تدعم المعارضة بالمال والسلاح وأنها هي التي ساهمت في إنشاء إذاعة عربية في العاصمة التشيكية لمناهضتك فأمريكا لم تنته بعد من حلب آخرة قطرة نفط من ثدي البقرة الخليجي، وهي لن تجد في الزعماء العرب كلهم، على كثرة رجالها في القصور العربية، رجلا يخدم مصالحها مثلك، وعدوا للعرب والإنسانية كالرئيس المهيب.
قبل غزو جيشك للكويت كان كثير من العرب يقفون معك لسبب بسيط لعله يعود إلى الحرب التي أمرت بشنها على إيران بعد عام ونصف العام من نجاح الثورة الإسلامية التي قضت على الإرهابي المستبد محمد رضا بهلوي شاه إيران وكان غباء السياسة الإيرانية بعد نجاح الثورة هو الذي جعل المفكرين والمثقفين والسياسيين العرب يدعمون العراق في حربه غير العادلة ضد الثورة الإسلامية، فقد بدأ الإيرانيون بالهوس والإعدامات الجماعية التي كان يصدر خلالها خلخالي الحكم بالإعدام في أقل من ثلاث دقائق من عرض المتهم عليه ثم استنطقت الثورة الإيرانية النعرة الطائفية، الفارسية والشيعية، وتعالت على العرب وأظهرت أنيابها لدول مجلس التعاون الخليجي وجعلت الخليج العربي فارسيا وسال لعابها للاستيلاء على البحرين والاحتفاظ بالجزر الإماراتية المحتلة.
وغزو الكويت قام بتعرية سوءات نظام حكمك الدموي, وما قام به جنودك خلال سبعة أشهر جحيمية في الكويت المحتلة لا يستطيع إبليس نفسه أن يقوم به لو كان من جنودك أو من زبانية نظامك. فقد نصب أشاوستك للكويتيين المسالمين كل أدوات التعذيب التي تفتقت عنها أذهان كلابك وفي مقدمتها منح الجندي أو الضابط أو المحقق سلطة مطلقة في التعامل مع الكويتيين تماما كما يفعل في العراق.

ولكن تحرير الكويت أثبت أن جيشك المنسحب والمنهزم كان جيشا من ورق، وكان جنودك يخبئون قطع قماش بيضاء في دباباتهم ومصفحاتهم وعرباتهم ليسلموا أنفسهم مع أول طلقة معادية لهم أو مع أول قطع للاتصال بالقيادة في العراق فأي مكان في العالم يحسبه العراقيون نعيما مقيما عندما يقارنوه بجحيمك الكارثي. هل يعرف الذين يقومون بزيارتك أو الذين يطالبون بعودتك إلى الحظيرة العربية أنهم يشاركونك في تثبيت جمهورية الخوف؟

هل قرأ أحد منهم عن الأساليب المتبعة في السجون العراقية والتي تعرض لها مئات الآلاف من الأبرياء والمظلومين ومنها وضع الرأس في المرحاض والضرب بالعصي وحرق الصدر بأعقاب السجائر ونتف شعر الجسد والتعليق من القدمين لساعات طويلة ثم الوخز بالإبر واستخدام المكواة الكهربائية وهي ساخنة لحرق الأعضاء التناسلية وتقديم طعام فيه حشرات ونفخ البطن من الدبر واغتصاب السيدات أمام أزواجهن إمعانا في إذلال السجين العراقي والتغطيس في مياه حارقة وربط ثقل حديدي في الجهاز التناسلي للمعتقل؟
هل يعرف الذين يعيدون تلميعك وتأهيلك أن لعنة الشعب العراقي ستلاحقهم في المستقبل وتطاردهم أينما كانوا وتصب عارها عليهم وعلى كل من يقف معك أو يصمت أمام بغيك أو يغمض العين عن جرائمك وهو قادر على فضحها وتعريف المجتمع الدولي بها؟
العلاقة العدائية التي صنعتها بينك وبين شعبك لن تجعلك أنت وأهلك في مأمن ولو كنتم في بروج مشيدة. إنني أتنبأ لك بمصير تصغر بجانبه نهايات كل المستبدين الآخرين، فلن يقرأ الفاتحة على روحك أحد ولن يشفع لك عندما يأتي أجلك كل أصدقائك ومعارفك ورجال الأعمال العرب وأصحاب القلم المغموس في قلوب أطفال العراق من الصحفيين الأردنيين والفلسطينيين والجزائريين والمغاربة والتونسيين وغيرهم، وحتى لو عرض كل الفنانين والمطربين والراقصات في مصر إقامة مهرجانات في بغداد لإسعاد رجال مخابراتك وإدخال الفرحة والبهجة والسرور إلى نفوس حرسك الجمهوري أو شبيبة صدام وقصي فلن يتأخر مصيرك الأسود يوما أو بعض يوم! 

هل حدثك أحد عن الملايين الأربعة من العراقيين في المنافي والمهجر والغربة الموحشة بعيدا عن الوطن؟

إنهم ينتظرون بصبر نافد اليوم الموعود عندما يطيح بك الشعب العراقي وينفجر غضبه حمما حارقة في كل مكان، ويطارد رجال الحرس الجمهوري وضباط أجهزة المخابرات والأمن وزبانية التعذيب في سجون العراق التي يزيد عددها عن عدد الحدائق وأماكن لهو الأطفال الأبرياء الذين قضيت على آبائهم بقسوتك وغلظتك وساديتك المهووسة برائحة الموت وجمال القبور ونغمات صيحات وصراخ المعذبين في الجمهورية السجن.
لا شك في أن اليوم الأخير في حياتك سيكون أيضا نهاية البعث العربي الاشتراكي عندما يتبرأ أعضاؤه المنخرطون فيه رغم أنوفهم من كل صلة به وببرنامجه وبأعماله ونشاطاته ومبادئه حتى لو كانت حقا الدعوة إلى أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة!

هل تصدق إنني لم أقابل في السنوات العشر الأخيرة عراقيا واحدا يحمل لك ذرة من تعاطف أو تأييد فضلا عن المحبة؟

في كل مكان يصادقني عراقي يبدأ الحديث عن هموم العراق، فإذا زالت شكوكه، وكل عراقي في الغربة يخشى الحديث مع أي غريب لئلا يكون من أزلام نظامك العفن، فتنطلق بسرعة الصوت من بين شفتيه لعنات وكلمات يعاقب عليها قانون الحياء وألفاظ لو أصابت أذنيك بعضٌ منها لعرفت كم أنت بعيد عن شعبك بُــعــد المشرقين وأنك لست حاكما له إنما سجان غليظ القلب عديم الرحمة.
إن رسم لوحة سوداء تبين مدى الرقابة التي يتعرض لها شعبك بفضل نظامك القمعي تحتاج إلى وقت طويل، فكل عراقي مراقب منذ استيقاظه إلى أن يغلبه النعاس ولا مانع أن تطارده صورتك في منامه فيستيقظ فزعا فإذا بصورك تطارد عيون العراقيين أينما ولوّا وجوههم.

أذكر أنني رأيت في إعجاب الرئيس الراحل أنور السادات بنفسه دليلا قويا على أنانيته ونرجسيته، فقد كان رحمه الله، يستدعي مَثّالا فنانا من تركيا ويجلس أمامه ساعتين في كل يوم لينحت تمثالا للرئيس المؤمن.

أما أنت فجبل من التعاجب والأنانية حتى أنك أمرت بتنفيذ مشروع صور السيد الرئيس القائد فتنتصب اللوحات والصور الكبيرة ويتم تعليق الأصغر في كل مكان بعشرات الآلاف خشية أن يتبادر إلى ذهن أي عراقي أن هناك مترا واحدا من أرض الرافدين لا تقع عيون المواطنين فيه على صورتك.
إنه إمعان في التعذيب والامتهان ودس كرامة المواطنين في أحذية كلاب قصرك المولعين بالنقيضين معا، المازوخية أمامك والسادية في مواجهة رعاياك.

المواطن العراقي يخرج من بيته وهو يعلم تماما أنه مفقود حتى يعود إليه مرة أخرى وعلى الرغم من ذلك فهو ليس آمنا في بيته، فقد يتلقى أمرا بالتوجه إلي أقرب مخفر للشرطة ويطلب منه ضابط الأمن تسليم مفاتيح سكنه لأن الشرطة السرية ترغب في مراقبة جهة ما أو بعض الأشخاص من سكن هذا المواطن المسكين، فيعود مسرعا ليبحث هو وزوجته وأولاده عن أقارب لهم يستضيفونهم لشهر أو شهرين أو عام كامل إلى أن تتفضل الجهة الأمنية وتستدعيه على عجل، ثم تلقي في وجهه مفاتيح سكنه ليعود إليه ذليلا خانعا.
كيف تفتق عقلك الجهنمي عن كل أفكار البطش والتوحش والذئــبــوية ؟

إن ما يحيرني ولا أجد عنه جوابا نصف شاف أو أقل، هو مدى كراهيتك لشعبك ولذاتك المريضة في وضع حذائك فوق رؤوس كل أبناء شعبك وكأنك تعتذر أنْ ولدتك أمك في العوجة وتربيت تكريتيا قاسيا ورضعت مع الشياطين ثم انفصلت عنها لتُكَون عالمك الخاص!

أعود للملايين الأربعة من العراقيين في المنافي الذين كان يمكن أن تصنع بهم ومعهم معجزة الرخاء والرفاهية والأمن والسلام، لكنك رأيت أن العراقيين لا يستحقون شرف الحياة التي وهبها لهم الخالق، عز وجل، فآليت على نفسك أن تكون حَفّارا للقبور وعميلا مدهشا لملك الموت لتدمير وتخريب العراق حاضرا ومستقبلا.
عراقيون في كل مكان، في الأردن يفترشون الأرض بعشرات الآلاف بعد أن كان الأردنيون يحلمون بالسفر إلى بغداد ليتقاسموا مع العراقيين خيرات الرافدين والذهب الأسود! وفي تركيا يلتقطون أنفاسهم بعد رحلات شاقة ومضنية عبر جبال الشمال للهروب من قبضتك والارتماء في أحضان تجار التسلل الذين يطلبون من العراقي كل ما ملكت يداه في مقابل الهروب من الوطن السجن.

ثم يجد العراقي نفسه مرة أخرى بين يدي تجار النعوش المائية الذين يكدسون أكبر عدد ممكن من مواطنيك في مركب متهالكة فيبتلعهم البحر أو يقعون في قبضة شرطة السواحل في اليونان أو ايطاليا أو أي جزيرة بائسة فالموت أو السجن أكثر رفاهية ومتعة من الحياة في ظلك!

وفي الغربة أيضا عشرات الآلف من العراقيين الذين تتسابق دول كثيرة على الفوز بأي منهم، فمنهم خبراء في الكيمياء والذرة والطب والهندسة والسلاح والاقتصاد وعشرات من العلوم الحديثة، لكنهم لاجئون، ويقف بعضهم في انتظار موافقة السلطات الأوروبية على طلبات لجوئهم السياسية أو الإنسانية. 

أينما وليت وحهي وجدت عراقيا على استعداد تام لقبول أكثر الأعمال بساطة وتواضعا ولو كان في بلده عالما أو أستاذا جامعيا، فالسعادة تم اختصارها لدى العراقي إلى العيش بكرامة بعيدا عنك وعن نظامك وحزبك وأهلك وعشيرتك وأمنك وولديك المعتوهين.
في طريقي إلى معرض فرانكفورت الدولي للكتاب تحدثت مع سائق سيارة الأجرة العراقي، فلما زالت شكوكه كاد لسانه يشتعل من كثرة ما صب في أذني من شتائم ولعنات عليك وعلى حكمك، فقد كان عالما في الذَرَّة وأستاذا جامعيا، وفقد شقيقيه في معتقلاتك، فلما اقترب منه الموت دفع كل ما يملك لمن استطاع تهريبه من جمهورية الموت!

قال لي شاب عراقي بأن صديقا له تم إلقاء القبض عليه لأنه هاتف زميلا آخر واستخدم في حديثه كلمة " لاسلكي" فهبطت عليه كعزرائيل كتيبة أمنية واقتادته من بيته لتحقق معه في المكالمة الهاتفية التي استخدم فيها كلمة ممنوعة أو على الأقل تثير الريبة، ولبث بعدها في السجن بضع سنين!

ما هذا الخوف الذي يشم الموطن رائحته مع كل نسمة هواء ملوثة تدخل رئتيه؟

كيف استطعت بإبليسيتك أن تجند مئات الآلاف من العراقيين للتجسس والتنصت على شعبك ورعاياك ومواطنيك، فجعلتهم في كل مكان يتواجد فيه عراقي. 

في موقف الحافلات يقف جواسيسك لعل موطنا ينبس ببنت شفة متذمرا من وضع أو عاتبا على الحكومة أو غير راض عن حزب البعث العربي الاشتراكي. وداخل الحافلة يتناثرون كالذباب، وأكثر من ثلث سائقي سيارات الأجرة هم من رجالك أو من عيون رجالك. وفي المصانع والمدارس والمستشفيات والجامعات والفنادق لا يخطئ العراقي في التعرف عليهم، فآذانهم تلتقط حفيف الأوراق وهمسات البــُـكْم، وعيونهم مدربة على الدخول إلى المناطق المعزولة من النفس البشرية للتفتيش فيها فربما تنم ابتسامة صفراء لسماع خطابك أو اسمك عن كراهية يحملها في قاعه اللانهائي مواطن عراقي، وهنا لن يجانب المرء الصواب إن بدأ في قراءة الفاتحة على روح من يقترب منه أحد كلاب أمنك سواء كان ضابطا أو شرطيا أو مرشدا أو متبرعا للإرشاد عن مواطنيك ليضمن لنفسه السلامة لبعض الوقت!
لقد نجحت أنت لبعض الوقت في تنفيذ خطتك اللعينة بسحق وترويع الشعب العراقي تمهيدا لاجتثاثه بعد الإذلال والتعرض لكل أنواع الأذى، بدأ رجالك في تنفيذ الخطة المُحكمة وذلك بإيصال العنف إلى أقصى درجاته بين أفراد الشعب في محاولة لإيهام العراقيين بأن حياة كل منهم مستهدفة من قبل "الآخر" الذي قد يكون صديقا أو جارا أو ابنا أو زوجة أو قريبا أو زميلا أو حتى رفيق رحلة قصيرة في سيارة أو حافلة، وأن إنقاذ حياة العراقي ليس لها إلا طريق واحد يمر عبر التسليم الكلي، الروحي والفكري والجسدي، لقوى السلطة الممثلة برجال الأمن وحفظة النظام.
في ظل نظام حكمك العفن استطعت تطبيق قانون الغاب الحيواني الذي يؤكد أن كل عراقي مذنب حتى تثبت براءته، وهكذا وقف عشرون مليونا من أصحاب واحدة من أهم حضارات الشرق خلف قفص الاتهام أمام واحد من أخطر مجرمي وبلطحية عصرنا الحديث.

لاريب في أن المهانة التي تشعر بها لا تقل بأي حال من الأحوال عن الإذلال الذي سعيت لأن يكون سمة واضحة من سمات عهدك وحكمك، فأنت وحيد في قصرك وقبوك وبين عائلتك.

يهرب من قبضتك أزواج بناتك وتتخلص ابنتاك من ظلمك قبل أن تقوم أنت بتصفية زوجيهما، ثم يتوالى مسلسل الهروب الغريب الذي طال أفرادا من عائلتك من المفترض أنهم ينعمون بالسلطة والمال والسطوة.
والخوف الذي يسيطر عليك ليس أقل قدرا من الرعب الذي جعلته يسري في أجساد كل مواطنيك، فلا يستطيع ابنك أن ينفرد بك وسلاحه معه، وتقوم بتبديل مواقع إقامتك في كل يوم، وتغيير حراسك مرتين أو أكثر قبل أن يخيم الظلام، وتخشى الطبيب والزائر ومقص الحلاق وغرفة العمليات ونوع الدواء والطعام والشراب وكل ما فوق الأرض وما تحتها، هذا فضلا عن الجانب الذي يجهله كل من حولك وهو الكوابيس التي تطاردك في منامك وتؤرقك وتعذبك فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ونفس الأمر ينسحب على آل الصباح الذين جاء غزوك ليؤكد للعالم كله شرعية ودستورية حكم آل الصباح بعدما وقف الكويتيون كلهم في مؤتمر جدة خلف هذه الأسرة التي ما قصّرت يوما واحدا في تحقيق الخير لشعبها الكويتي.

ترى كم هي مرارة الدونية التي تشعر بها عندما تعلم أن أي تضرع لله في مسجد أو كنيسة في طول البلاد وعرضها يعني بالضرورة دعاء إلى الله أن يذيقك بعض ما أذقت لشعبك الصابر المسكين؟

ولأنني لا أفهم حكمة العزيز الوهاب في إرجاء أجلك فلا شك أنني مثل ملايين غيري أتعجل يوم الحشر العراقي عندما ينتفض شعبك ضد جلاديه، ويخرج إلى النور عشرات الآلاف من المعتقلين الذين لم تر عيونهم ضوء الشمس لسنوات طويلة وهم في أقبية تحت الأرض يمتد بعضها عمقا لعشرين مترا أو أكثر.

كل فروع الأمن في جمهورية الخوف العراقية أصبحت مصانع جاهزة لتعليب الموت ومع ذلك فقد امتدت فروع وأجهزة القتل والتعذيب إلى آلاف المواقع في طول البلاد وعرضها فلم تعد فقط شرطة التحقيق أو أجهزة المخابرات لكنها أيضا الأمن العسكري والأمن السياسي والحرس الجمهوري وأمن الرئاسة وشبيبة صدام و القوات الخاصة التابعة لأصغر ولديك ولا مانع من أن يقلد عدي أباه في التلذذ بتعذيب الرياضيين أو جلد الصحفيين أو اغتصاب الفتيات أو التحرش الجنسي بأي امرأة جميلة تسير مع زوجها، فعائلتك ورثت الإجرام منك، وقيمة العراقي في نظر هذه العصابة التكريتية لا تساوي روح حشرة يدهسها حذاء أحدكم.

قابلت في الإسكندرية أرملة واحد من وزرائك السابقين الذي أبدى في أحد الاجتماعات رأيا مخالفا لما طرحته أنت فكان لابد أن يكون عبرة لرجالك وقمت، لعنك الله، بتصفيته أمام زملائه. أشعر أن الدماء تغلي في كل عروقي وأنا أتابع المقالات والتحقيقات التي ينشرها زملائي في مهنة البحث عن المتاعب وهم يعيدون تأهيلك وتحويلك من قاتل إلى قتيل، ومن شيطان إلى ملاك، ومن مفرّق العرب إلى موحدهم، ومن سبب معظم كوارث الفلسطينيين إلى صلاح الدين..الجديد، ثم يغمضون أعينهم عن جحيم جمهورية الموت.
عندما كانت جثث المصريين المشوهة تلقي في صناديق خشبية رخيصة في بغداد وتنزلق من أحشاء الطائرة في مطار القاهرة الدولي وسط صمت مريب من السلطات المصرية، كان رئيس تحرير واحدة من أهم الصحف المصرية، إبراهيم نافع، ينشر حديثا عفنا ونتنا معك ويسألك لماذا يطلق عليك أحبابك المصريون المحامي الوحيد عنهم؟
وحتى الآن لا تزال أموالك التي نهبتها من الشعب العراقي أو من الكويت تدمر بها حياء الكتاب والصحفيين في دول عربية كثيرة وفي المهجر ليعيدوا تزعيمك قائدا وحيدا لأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وكأن هذه الكلمات تصب من فوق رؤوسهم حميما ويصهر به ما في البطون. 

إن الحرب التي يشنها مؤيدوك وزائروك ومُلمّعوك وكتَبة السلطة وأفاقو الصحافة وشياطين الإعلام ضد شعبنا العراقي العظيم بحجة عودتك إلى الصف العربي لا تقل عن أي جريمة أخرى في بشاعتها وحقارتها ودنائــتـها. 

لقد آن الوقت لاعتبار كل من يصمت على جرائمك شريكا حيا وفعالا في تعذيب العراقيين، ولا نامت أعين الجبناء.
تتعرض أسر المعتقلين في جمهورية الموت في عهدك اللعين لكل أنواع الأذى ومنها زائر الفجر واختطاف الفتيات واغتصابهن والتهديد بتصفيته إن لم تستجب الأسرة لمطالب كلاب أمنك وقد تكون هناك زيارة واحدة ليرى أهل المعتقل ابنهم وقد أنهكه الجوع والإذلال والتعذيب والإرهاب الجسدي والمعنوي.

كلما هرب مسؤول كبير، أمني أو استخباراتي، من سجنك واستنشق نسيم الحرية ظننت للوهلة الأولى أنه سيكشف كل الأوراق وسيفضح نظامك ويتعاون مع خصومك، ولكن فجأة يتم تدجين الهارب وينزل على لسانه هدوء مريب ويتراجع عن بعض تصريحاته ويكتفي في صف المعارضة بما لا يؤذيك من قريب أو من بعيد، وهي ظاهرة تصب في صالحك وتطيل عمر نظامك وتثبت الحيرة بين أعداءك.

كنت أظن أن اللواء وفيق السامراني سيكشف كل الأوراق ويعجّل في تخليص العراقيين منك، لكنه يعطي جرعات صغيرة من المعلومات في ثنايا بعض التحليلات وبغض الطرف عن كنز دفين من الأسرار التي يملكها ويستطيع بها أن يؤدي خدمات جليلة لشعبه وللعرب وللإنسانية، حتى قضية الأسرى والمختطفين والمرتهنين الكويتيين رفض أن يمد دولة الكويت بما تحتاجه من معلومات تساعد في التعجيل بعودة الأبرياء أو التعرف إلى مصيرهم وإنهاء عذابات أهلهم وذويهم.
تمنيت أن يفجر الكاتب والصحفي سعد البزاز في " الزمان" طاقات المعارضة ويزيل كل شكوك عن علاقته بنظامك ويبرئ ذمته من تاريخ التعاون معك ويطلق أقلام كل خصومك في صحيفته دعما لشعبه واعتذارا عن ماضيه وتأكيدا لموقفه الجديد، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه فإن " الزمان" لن تحرك شعرة واحدة من مكانها في جمهورية الموت، ولن تنقذ عراقيا واحدا من براثن ذئابك.

أما المسؤولون العرب والوزراء والمثقفون والإعلاميون والفنانون ورجال الأعمال والكتاب الذين يتوافدون على جمهورية الموت العراقية لتأييدك أو تهنئتك على اقترابك من الانتهاء من عملية إبادة الشعب العراقي فهم مسؤولون أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون، وسيحاسبهم شعبنا العراقي العظيم حسابا عسيرا بعد سحلك وأسرتك وزبانيتك في شوارع بغداد.

وسيعرف الذين صمتوا جبنا وخوفا وإيثارا للسلامة أنهم مشاركوك في جرائمك، وآثمون وأعداء لشعبنا العراقي.

رسالتي هذه هي أيضا دعوة لكل ذي ضمير شريف أن ينبذ الجبن، ويطهر النفس من أوحال الصمت القاتل، ويقف مع كل فصائل المعارضة صفا واحدا لتخليص العراق منك ومن نظامك وإنهاء آخر معاقلك وكتابة شهادة وفاة ودفن لحزب البعث العربي الاشتراكي. وآخر كلماتي أن لعنك الله في دنياك وآخرتك، وعجّل في نهايتك، وحرر شعبنا العراقي من براثنك، والله أكبر.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في أكتوبر 1995

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...