01‏/09‏/2018

مثقفون مع وقف التنفيذ! ( من أرشيفي عن الغزو العراقي للكويت )

مثقفون مع وقف التنفيذ!

أوسلو في 3 ديسمبر 1990

كارثة الغزو العراقي لدولة الكويت العربية المستقلة فجّرت قضية من أخطر القضايا التي واجهها المثقف العربي في هذا القرن، والتي لم تستطع حتى القضية المركزية العربية في نصف القرن المنصرم أن تطرحها بهذه الدقة، وذلك الوضوح.
إنها قضية مفردات الثقافتين العربية والإسلامية وكيفية استدعاء المفردة أو المصطلح من قــِــبـَـل المثقف، ليس انطلاقا من قيمتها وضرورتها ولكن بحسب حاجة المثقف ورغبته في تطويعها لتناسب فكره، وتخفي ضعف منطقة، وتَحلّ فكر عاجز أمام قيمة أخلاقية لا مخرج من عدم الالتزام بها إلا اللجوء إلى " لعبة المفردات".

حتى أشد المثقفين غوصا في قضايا الفكر، وتأملا في مشكلات الوطن لجأ إلى " لعبة المفردات" عندما واجهته قيمة أخلاقية وأراد الهروب منها مع الاحتفاظ الدائم براحة الضمير، التي تأتي عادة إثر حسم فكري ـ حقيقي أو زائف ـ مع القيمة الأخلاقية.
هكذا أنهى مثقف كبير وصحفي ناجح ورئيس تحرير إحدى أفضل المطبوعات العربية في المهجر مقاله الافتتاحي في أحد أعداد المجلة حيث قال"...وعلى الكويت أن تطرق باب العراق..". خداع واضح للنفس يُحَرّم فيه صاحبنا على القوى الأخرى المستضعفة( الفلسطينية مثلا ) أن تلجأ إلى جلاديها ومغتصبي أرضها لتطرق أبوابهم، أما الكويت فعليها أن تطلب الرحمة من أبشع احتلال عرفه وطننا العربي في العقود الأخيرة.

وتتكرر المأساة مع عشرات، بل ومع مئات من رجال الفكر والإعلام والثقافة وقوى الإبداع العربية، لأن قاموس " لعبة المفردات " في متناول الجميع والأمر لا يحتاج إلى عناء كبير.
يكفي أن يقول لك إنه " لا يقف مع أمريكا ضد صدام حسين العربي المسلم" ويظن أنه أتاك بحجج دامغة يزهق بها باطلك كله.
فإذا حدثته عن الاحتلال والاغتصاب والتدمير والإعدام وتشريد شعب وتحطيم اقتصاده ونهب ممتلكاته واحتجاز الآلاف من أبنائه وضيوفه رهائن أو معتقلين، فإن المثقف العربي قادر تماما على سدِّ أذنيه وعقله وقلبه عن حديثك، ثم يبدأ في سرد ما يطلق عليه" تصرفات الشيوخ والأغنياء العرب في لندن وجنيف و..بانكوك". وقاموس" لعبة المفردات" هو الذي بقى لهم بعد أن "مرمط" بهم ميخائيل جورباتشوف الأرض وأنزل أوثانهم كلها، ماركس وانجلز ولينين وستالين و...من عليائها وأعلن انتصار القمح على البروليتاريا، وفضل مشاهدة مايكل جاكسون على الباليه الروسي، واكتشف أن متعة القراءة لجراهام جرين لا تقل عن متعة قراءة جوركي وتشيخوف.
قبل كارثة اختراق العراق للضمير العربي واحتلال دولة الكويت كان الأمر سهلا لا يحتاج إلى أي عناء، ومن حق أي مثقف أو مفكر أن يسب ويلعن الاستعمار وأعوانه وأذنابه، ومـَـلــَـك حق المزايدة كل من تعلم حروف اللغة العربية أو بعضها فأضحى كل المثقفين مناضلين، وأصبح جل الخطباء زعماء، وأمسى المفكرون أصحاب نظريات في كل أنواع النضال، من تشي جيفارا إلى أورتيجا ومرورا بكاسترو وأنور خوجة وجورج حبش وميشيل عون وحسن الترابي وأحمد بن بله.

مزاد علني يربح فيه البائع والمشتري مادامت القضية الفلسطينية هي الميزان الوحيد الذي يزن به المثقف حسناته وسيئاته، حتى عرَّاب الفلاشا، جعفر النميري، وصفه مناصروه بالمناضل الكبير. والآن أصبح للعرب قضيتان  مركزيتان، فلسطين، والكويت.
الكويتيون يطالبون المثقفين العرب بتحديد مواقفهم، وعدم الوقوف قَدَمًا مع الغزو العراقي وأخرى... مع المتعاطفين على استحياء مع الكويت. والمثقفون العرب فاجأتهم قضية الغزو الهمجي العراقي، فهم في حاجة إلى أموال الخليج وإلى حماية العراق، وهم ضد أمريكا ويلهثون وراء التعاون الخفي مع واشنطون.

في وائل الثمانينات نشرت صحيفة" لوموند" الفرنسية مقالا جيدا عن كتاب المفكر برهان غليون المعنون" بيان من أجل الديمقراطية" قالت فيه"... صدر هذا الكتاب وتم منعه ومصادرته في جميع البلاد العربية دون استثناء". وقتها انتشيت فرحا وأسرعت بشراء الكتاب.
ومنذ وقت قليل أصدر نفس المفكر كتابه الرائع" اغتيال العقل العربي"، ولكن الاحتلال الهمجي العراقي للكويت قلب الطاولة على اللاعبين وأصبح المثقفون ملتزمين بموقف ثابت وجريء وأخلاقي...
ماذا فعل عشرات المناضلين وأصحاب النظريات الرائعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية العربية وحرية الفكر والإبداع؟
سقط كثيرون منهم، ولجأ عدد كبير إلى " لعبة المفردات" لعلها تُرضي عنه جنود الغزو الهمجي، وتحفظ لهم خط العودة مع الخليج عندما تتحرر الكويت.
ولنكن صرحاء!
ألم تتحول الثقافتان العربية والإسلامية في أسمى صورهما إلى تراكمات من العفن في عقول عدد كبير جدا من مفكرينا ومبدعي لغة الضاد وحاملي لواء العروبة والإسلام؟

فائدة واحدة جنيناها من الغزو المغولي العراقي لدولة الكويت الآمنة، وهي أنه نزع ورقة التوت من على سوءات المثقفين العرب، ولم يُبْق غير لعنة التاريخ.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو  في 3 ديسمبر 1990 ( من أرشيفي للتذكير)

قراءة في الموقف الكويتي ( من أرشيفي .. لئلا ننسىَ)


قراءة في الموقف الكويتي
أوسلو في مارس 2003

مع بدء كل موسم حروب عربية أو مشاكل في الخليج أو انخفاض أسعار النفط؛ يشتعل سوق عكاظ العربي بكل من يريد أن يشتم أو يتهم الكويت أو يبحث عن كبش فداء لفشل الأنظمة أو الاجتماعات أو أي هزيمة تلحق بالعرب.

هكذا بدأ النظام الفاشي في العراق بعد انتهاء حرب المليون قتيل إيراني وعراقي؛ فوجّه اتهامات حمقاء إلى الكويت على أمل أن تتنازل الديرة عن مليارات من مستحقاتها على النظام البعثي التكريتي.
وتوالت الاتهامات؛ وكل من يفشل أو يأكل الفساد مشروعاته؛ أو تستصرخ بطون شعبه النظام يوجـِّـه سهامه إلى الكويت باعتبارها كما قال أبو عمار للشاعر الكبير أحمد السقاف: أم العرب والفلسطينيين؛ رغم أن ياسر عرفات نفسه تعاطف مع سفاح بغداد.

الجنود الأمريكيون في كل دول الخليج وفي الأردن ويعبرون قناة السويس ويتلقون دعما سريا من ليبيا ومخابراتيا من تونس وتعاطفا من المغرب وتقديرا من الجزائر؛ لكن الكويت هي كبش الفداء لإخفاء معالم الهزيمة العربية؛ فيبحثون عمن أتى بالجنود الأمريكيين إلى خليجنا العربي الدافيء!
في منتصف الثمانينيات كانت الكويت؛ بنفس شرعيتها الحالية لآل الصباح الكرام؛ أكثر دول المنطقة استقلالية في القرار؛ وتحديا للقوى الكبرى؛ وساحة لمعركة الفلسطينيين ضد الكيان الصهيوني؛ وسندا للعراق العربي في الحرب المجنونة.
والكويت هي التي اطلقت مارد الحرية والديمقراطية في المنطقة رغم توغل العادات القبلية ورفض أنفاس الحرية من كل الزعامات العربية.

والكويت لم تقم باستضافة القوات الأمريكية على أرضها؛ لكنها النهاية الطبيعية للعجز العربي في مواجهة النظام العدواني الفاشي في بغداد؛ وخطاب صدام حسين الذي أدّعىىَ فيه أن العراق اعتذر عن غزو الكويت ليس بعيدا؛ لكن العرب في ثقافة الفضائيات والمراسلين من بغداد توهموا أنه قدَّم اعتذاره فعلا للكويت؛ وقليل منهم من فهم أنه توعد بغزو جديد بعد أن فشل الأول عام تسعين؛ وانكشف أمر الثاني عام أربعة وتسعين؛ وكاد الثالث يتحقق عام ستة وتسعين.

نظام طاغية بغداد يعيش أمَّ المعارك؛ ويخطط لاحتلال الكويت ولو بعد حين؛ ويقوم بتعبئة العراقيين بكراهية الديرة، ويحرض على واحد من أهم ينابيع الديمقراطية والحرية والشورى والتسامح..  أعني حُكم آل الصباح الكرام.

الذين يتهمون الكويت بأنها فتحت ذراعيها لقوات الغزو الأمريكية وهم على مبعدة كيلومترات معدودة من قاعدة العديد القطرية يكشفون عن جهل شديد بأحداث المنطقة؛ ولو وقف العرب كلهم منذ هزيمة شيطان بغداد مع شعبنا العراقي، وقاطعوا النظام، وحاربوه في كل مكان، وحرّضوا الشعب العراقي، واستضافوا كل قوى المعارضة 
 لما انتهىَ الحال إلى ما نحن عليه الآن.
ولو كان هناك قرار عربي بالإجماع على عدم استضافة جندي أمريكي على أرض عربية مقابل انهاء التهديدات العربية ضد الجيران والأشقاء لخضعت الكويت والتزمت قبل كل أعضاء جامعة الدول العربية.

أين الذين يتهمون الكويت من مشكلة احتجاز ستمئة مختطــَـف ورهينة في بغداد؟
أين هم كذلك من حالة الحرب النفسية والتعليمية والثقافية التي أعلنها طاغية بغداد؛ وبدا كأنه على وشك أن يقوم باعادة غزو الكويت قبل أن ينبلج فجر اليوم التالي؟
أيّ دولة تنعم بالأمان والسلام والديمقراطية وتكاتف أبنائها ودعم كل أفراد الشعب للسلطة الشرعية الحاكمة يمكن أن تتحمل الخوف والخشية ورفع درجة الاستعداد لسنوات طويلة قبل أن يقوم مجنون بغداد الفاشي بهدم المعبد على نفسه وعلى كل دول المنطقة.

نحن لا نبرر للكويت وجود نصف الجيش الأمريكي في الخارج على أرضها؛ ولا ندين الكويت صاحبة التاريخ الناصع والقومي والوطني والأيدي البيضاء الخيّرة على العرب كلهم، والمواقف المشرّفة رغم كل من طعنها في الخلف وتآمر عليها وتحالف مع خصومها.
لو كان هناك نظام عربي آخر غير الكويت الصغيرة، وتلقى من التهديدات والغزو والغدر وتبديد الثروات التي نهبت خلال شهور الاحتلال وإشعال آبار البترول وإحياء أوهام إعادة الغزو كلما غضب النظام في العراق؛ لما تردد في استضافة الجيش الأمريكي برمته وحلف الناتو والمرتزقة، وربما رفض عبور أي لاجيء عراقي لأرضه، لكن الكويت تظل في أحلك الظروف وأصعبها وأقساها جزءا من الأمة العربية، ولها فضل على العرب جميعا من بيروت ودمشق إلى القاهرة وعمّان والرباط وتونس وكل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

لو لم تكن الكويت مضطرة لردع العدوان وانهاء التهديد العراقي، وعدم التغريد خارج السرب العربي الذي يحلق بأجنحة أمريكية لكانت آخر دولة عربية تستضيف قوات أجنبية؛ فهي التي رفضت رفع الأعلام الأمريكية على سفنها عندما كان العرب يحجّون للبيت الأبيض.
إن التشكيك في الموقف الوطني والقومي الكويتي لا ينفصل عن التعاطف ولو على استحياء مع جمهورية الخوف العراقية.

ومن يعرف الكويت جيدا لا يداخله أدنى شك في رغبة الكويتيين جميعا؛ بمن فيهم السلطات الثلاث، على رحيل كل جندي أمريكي بمجرد زوال خطر صدام حسين.
والكويتيون ليسوا ساذجين ليتصوروا أن الجيش الأمريكي جاء لحمايتهم، وأنه يحمل المَنَّ والسلوى، لكنهم اختاروا أسوأ الشريّــن؛ أو بالأحرى لم يختاروا، والرفض كان يعني أمريكيا تسليط طاغية بغداد عليهم كما فعلت السفيرة الأمريكية السابقة في العراق.

والكويتي ليس ممن إذا اتقى عضاضَ الأفاعي نام فوق العقارب، وما أشد حاجة الكويت الآن لنا جميعا لعل الجحيمَ ينتهي قريبا.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو ( مارس 2003 )


القاتل الحقيقي فاعل خير!


القاتل الحقيقي فاعل خير!

لو كان هناك تقدير مادي ملموس للخسائر النفسية والوجدانية والآلام والأوجاع والأحزان والدموع والقلق والاكتئاب وكوابيس تطارد أطفالا أبرياء بدلا من أحلام وردية جميلة بسبب غياب الأسرى والمرتهنين والمحتجزين الكويتيين في سجون الظلم والبغي في عراق شيطان بغداد، فربما بلغت الخسائر من ثروة الكويت مثنى وثلاث ورباع وكل احتياطي الأجيال القادمة!

ومع ذلك فما يغضبني ويؤلمني في هذه القضية الانسانية هم السماسرة والوسطاء والكاذبون والمنافقون والمحتالون الذين عبثوا في النفس الكويتية الجريحة، واستغلوا عواطف أمومة وأبوة سامية لنصب شباكهم في أخطر قضايا الابتزاز العاطفي الذي تعرضت له الكويت.
كل من هب ودب كان يعرض وساطته، ويدعي أن أجهزته الخاصة وجواسيسه ورجاله ومصادره تؤكد وجود الأسرى الكويتيين أحياء؛ فوقف في صف بلغ طوله أكثر من عقد من الزمان رؤساء ووزراء واعلاميون ومثقفون ورؤساء أحزاب ودبلوماسيون ، ولم يتخلف عن الصف محتالون في شوارع  الأردن واليمن ومصر وسوريا وعواصم الدول الأوروبية يزعم كل منهم أن له صديقا كان سجينا في بغداد وقابل بعض الأسرى الكويتيين.
عمل خسيس وحقير ويعبر عن نفس في أسفل السافلين.

كان الأسرى الكويتيون في عداد الشهداء، وتمت تصفيتهم بأيدي زبانية النظام الفاشي، وكانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية والعربية تعرف كلها، أو أكثرها، أن أبناء الكويت المحتجزين صعدت أرواحهم الطاهرة إلى رب العرش العظيم.
لا أصدق ولا أستطيع أن أمنع عقلي من تكذيب أكثر الذين عرضوا وساطتهم من الملك الراحل الحسين بن طلال مرورا بالدكتور عصمت عبد المجيد وليس انتهاء باللواء وفيق السمرائي وسعد البزاز وأقطاب المعارضة العراقية والسفير الأمريكي في الكويت.
إن عواطف الكويتيين ليست للبيع أو العبث بها أو ابتزازها أو السخرية منها؛ وينبغي أن تصدر الكويت بمساعدة مركز البحوث والدراسات الكويتية كتابا مدعوما بالوثائق والقرائن والأسماء عن كل الذين توسطوا في قضية الأسرى والامتيازات التي حصلوا عليها؛ ثم تفنيد الادعاءات كلها ليتبين الحق من الباطل، والصادق من الأفاك.

يجب أن لا تستثني الدراسة زعيما أو ملكا أو رئيس وزراء أو سفيرا أو إعلاميا كبيرا أو حتى صديقا للكويت، وهذا لعمري أقل وفاء ندفعه لأرواح الأسرى الشهداء وأحزان أهلهم وأحبابهم وذويهم التي عاشت في أوهام عودة أبنائها ظنا منهم أنها تمنيات ستتحقق بالدعاء والوساطة ودفع المال.
كل من سخر من عواطف الكويتيين وكان يعرف مصير الأسرى ثم صمت؛ أو توسط، أو لم يقل الحقيقة فهو مجرم، ومشترك ولو بنسبة ضئيلة في جريمة تصفيتهم.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو ( من أرشيفي في 2004)


لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...