24‏/03‏/2017

هكذا يغتالون الإعلامي .. يسري فودة نموذجا!

هكذا يغتالون الإعلامي!
مقال مهم جدًا جدًا، تحتاج فيه للسير بين ألغام الدعاية المضادة، وإحراق إعلامي، وتصوير البطل في مشاهد متفرقة: محترف، مهني، جاسوس، وطني، ينايري، اخواني، وصولي، شجاع .. وعشرات غيرها حتى تؤدي الغرض المطلوب.
 مقال مصنوع في أروقة الاستخبارات بشتىَ أنواعها، مديح في أوله، تشكيك في منتصف، اغتيال في نهايته، مع ربطه بجوبلز وزير إعلام هتلر لارسال رسالة لكل الأطراف.
مقال يحتاج إلى تأنّي وتأمُّل، وقراءة ما بين السطور وما خلفها.
مقال لو قرأت نصفه ما فهمت شيئا، ولو قفزت فوق فقراته فكأنك لم تقرأ شيئا.
 مقال مصنوع في عدة مكاتب للاستخبارات، العربية والغربية، المصرية والقطرية والأفغانية والأمريكية والداعشية.
 مقال يبين لك فكرة مالك بن نبي ( الصراع الفكري في البلاد المستعمرة ) لتكتشف في النهاية أنك في قطعة الشطرنج.
 مقال اغتيالي من الدرجة الممتازة، وقد تقف حائرا، مع أو ضد يسري فودة، وفي النهاية يحقق المقال غرضه.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 23 مارس 2017
===============================================
 مقال منقول عن يسري فودة

لعل العنوان يكون صادما للوهلة الأولى، ولكن التفاصيل أكثر صدمة، والشيطان دائما يكمن فى التفاصيل، ويسرى فودة يعرف هذا جيدا، ليس باعتباره شيطانا بالطبع، ولكن لأنه قارئ بليغ للتاريخ والأدب الألمانيين، على الأقل من طول عشرة الألمان ومعاملتهم والاتصال بهم والعمل معهم، وبالتأكيد يعرف مقولة المعمارى الألمانى «لودفيج ميس فان دير روه»: «الله يكمن فى التفاصيل»، التى أنتج الواقع مقابلها بسبب ما رآه الناس من مفاجآته وكوارثه المتلاحقة، حتى أصبح المقابل المصنوع أشهر من الأصل المنحوت، وأصبحت التفاصيل باب الشر الوحيد الذى يمكن أن يسمح لجيوش الخير بالمرور، للرد على الشرور الأكبر، وكشف حقائق صانعيها، ونزع أقنعتهم المصنوعة بعناية فائقة، لا تقل جودة عن رصف المعلومات وترتيب الأفكار ووضع الخطط وبرامج العمل فى أعتى أجهزة المخابرات وأقواها.
يقول أدولف هتلر فى كتابه «كفاحى»، أن الدعاية تهدف إلى لفت نظر الجمهور لوقائع وأحداث، لا إلى تنويرهم على أساس علمى، ووفق هذا التعريف الواضح للأب الشرعى للدعاية والتضليل السياسيين، لا يمكن اعتبار أى جهد إعلامى لا يستند إلى محاولة جادة للتنوير العلمى إعلاما حقيقيا، هو دعاية سياسية، والكلام بشأنها لن يكون عن أدوات مهنية بقدر الحديث عن الدوافع والأغراض والمصالح والداعمين والمستفيدين، الصورة إلى هذا الحد واضحة ولا ارتباك فيها، ولكن المشكلة تظهر بقوة وحدّة وإرباك، حينما تتخفى أدوات الدعاية وترتدى أقنعة ووجوها أخرى، ويكون القائمون عليها واعين وموظفين وفق خطط مسبوكة بعناية، هنا تغيم الصور وتتداخل الأصوات، وتصبح الكفاءة والممارسة المتمكنة أداة خداع عنيفة التأثير، بقدر ما تفيد ماكينة الدعاية وتحقق طموحات مؤسسها جوزيف جوبلز، بقدر ما تنتهك حقوق الناس وعقولهم، ولا جسر يربط بين الأمرين، فإما أن تكون ظهيرا للمعرفة والتنوير، وهنا ستظل تعمل وتجد وتناضل دون كسب ولا غاية إلا المهنة، أو تكون تلميذا فى المدرسة، وهنا يمكنك الترقى والتربح ونسج العلاقات والدوران بين الدول والأجهزة، لتصبح بقدر من الاجتهاد والتلون «أنجب تلاميذ جوبلز».
يسرى.. من ألمانيا ولألمانيا يعود
فى يونيو 20166 أعلنت «دويتش فيله» إنجاز تعاقد مع الإعلامى المصرى البريطانى يسرى فودة، للظهور عبر قناتها العربية بدءا من 20 يوليو التالى، إضافة إلى كتابته مقالا أسبوعيا عبر موقعها بدءا من 25 يونيو، ورحبت قيادات المؤسسة بالتعاقد الذى أنجزه ناصر شروف، رئيس القسم العربى فى «DW»، ألمانى من أصل فلسطينى ويرتبط بعلاقات قوية مع حركة حماس، بعد اتصالات من مدير مكتب المؤسسة بالقاهرة، عمادالدين السيد عبدالله، المحسوب على الإخوان، واستغل «شروف» وجود يسرى فى «بون» لإنجاز التعاقد، خلال حضوره فعاليات منتدى الإعلام الذى نظمته المؤسسة فى الشهر نفسه بحضور 2300 شخص منهم إعلاميون وفنانون وحقوقيون وأكاديميون مصريون.

البرنامج الذى تعاقد «فودة» لتقديمه نظير 250 ألف يورو سنويا، وانطلق فى الثالث من أغسطس 2016 متأخرا أسبوعين عن موعده المحدد، بسب اشتراط إدارة القناة لموضوع حلقة البداية وضيوفها، وتقاطع ظروف المواعيد والإجراءات الروتينية للضيف المصرى مع موعد البث، ليس بداية معرفة يسرى فودة بالإعلام الألمانى كما قد يتصور البعض، ولا حتى بالساحة الألمانية بشكل عام، فقد بدأت العلاقة منذ سنوات بعيدة، بتعاونه مع مؤسسة «فريدريش ناومان» الألمانية، التى تحمل اسم لاهوتى بروتستانتى شهير، وأسسها أول رئيس لألمانيا الاتحادية «تيودور هيوس»، وترتبط بإحدى القوى اليمينية الألمانية، الحزب الديمقراطى الحر، حزب «هيوس» الذى تأسست خلال رئاسته «دويتش فيله» ودائرة الاستخبارات الاتحادية «BND»، ومن خلال هذا التعاون أشرف يسرى فودة على تدريب أعداد من العاملين باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى، وخلال هذه الفترة تواصل مع إدارة «دويتش فيله»، قبل أن يعود إليهم بعد سنوات طويلة اسما بارزا ووجها أساسيا ضمن كتيبة المؤسسة لتغطية منطقة الشرق الأوسط، ومصر بشكل خاص.
رحلة بين المؤسسات والأجهزة
 بين بداية يسرى فودة مع فريدريش ناومان، ووصوله لمحطة «دويتش فيله»، سنوات طويلة قطعها الإعلامى الطموح بين مؤسسات وشاشات ودول وأجهزة عديدة، لم يتخل فى أى محطة منها عن طموح يقود خطاه للذيوع والانتشار ودخول مطبخ صناعة المعلومة، لا الاكتفاء بمراقبتها ونقلها وشرحها، ربما يختلف فى تفاصيله عن طموح الأديب والصحفى جوزيف جوبلز نحو الزعامة السياسية، ولكنه لم يختلف فى جوهره، ظل الأساس لدى «فودة» أن يكون قريبا من دائرة الفعل ورأس الإدارة، شريكا وخليلا وفاعلا وأداة فى آن، ولا دليل على هذا الطموح أو ضوء يكشف خباياه إلا مسيرة «فودة» نفسه وتتبعها من بدايتها حتى محطتها الأخيرة.

خلال تعاون «فودة» مع مؤسسة فريدريش ناومان، لم توافق الموجة الألمانية هواه وقتها، وسرعان ما اقتنص فرصة مع بريطانيا سنة 1993، عبر منحة دكتوراة من خلال المجلس الثقافى البريطانى، وخلال وجوده فى لندن انتزع مكانا بهيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، وخلال تلك الفترة غطّى حرب البوسنة وبعض أحداث وتطورات الشرق الأوسط، بينما كان مشروعه وأسلوبه الإعلامى والمهنى، وآليات إدارته لعمله وخططه، قيد التشكل، وسريعا ما نفذ لمستويات سياسية وأمنية بريطانية، صانعا دائرة واسعة ومهمة من العلاقات، أثمرت أثرا حقيقيا مع تعيينه مقدما للبرامج بالقسم العربى فى «BBC»، وخلال هذه الفترة تواصل فى إطار مهنى مع عناصر من جهازى «MI5» و»MI6»، الاستخبارات الداخلية والخارجية، لينتقل بطريقة غريبة وسريعة وغير مفهومة وقتها من «BBC» إلى تليفزيون وكالة «أسوشيتدبرس» الأمريكية، ومنها سريعا أيضا إلى قناة الجزيرة القطرية التى تأسست سنة 1996 باتفاق ودعم ووكالة مباشرة مع «BBC»، التى كانت بصدد إطلاق شبكة تليفزيون عربية، قبل أن تبيعها بتجهيزاتها وعامليها لقطر، ليعود «فودة» لدائرة العمل الإعلامى فى لندن مؤسسا لمكتب الجزيرة هناك، قبل أن يطلق فى وقت لاحق برنامجه الأشهر وسبب شهرته ومعرفة اسمه فى المنطقة العربية «سرى للغاية».
«سرى للغاية».. البرنامج والعلاقات
 بدت حلقات «سرى للغاية» مصنوعة بعناية فائقة، فى إطار بنية استقصائية غير معهودة فى الإعلام العربى وقتها، ومع فتح ملفات وقضايا مثيرة، وتقديم رؤى وأفكار واسعة لمتخصصين كثيرين، إضافة إلى حصيلة وفيرة من البيانات والمعلومات، حقق البرنامج انتشارا كبيرا بالمنطقة، بينما ظل النظر فى أمر هذا الوصول السهل للقضايا والأطراف المختلفة والمعلومات المثيرة والملفتة سؤالا جديرا بالفحص، وغائبا للأسف عن الإثارة والبحث والإجابات.

فى حلقات البرنامج فتح يسرى فودة ملفات عديدة، وفجر مفاجآت، كانت منها حلقة «العميل الهارب»، التى التقى خلالها الضابط ديفيد شيلر، المنشق عن جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية «MI5»، وتناولت الحلقة محاولة اغتيال الرئيس الليبى معمر القذافى، وقضية طائرة لوكيربى، وتفجير السفارة الإسرائيلية بلندن، واحتاج «فودة» لإنجازها المرور على «MI6» والحصول على موافقته لإثارة الموضوع ولقاء «شيلر»، وبفضل علاقته السابقة بالجهاز مر الأمر بهدوء، وامتدت يد المساعدة له لاحقا لتيسر تحركاته فى قضايا وملفات أخرى خارج لندن، وغير متصلة ببريطانيا مباشرة، ومن بوابة البرنامج وما حظى به من تسهيلات مالية وأمنية وفنية من بريطانيا وقطر، فتح يسرى فودة خطوط اتصال مع جهات أُخرى، أو بادرت هذه الجهات بفتح الخطوط، المهم أنه حظى بمظلة أمان وتغطية واسعة لعمله، تمثل أبرزها فى حلقتى «الطريق إلى عتليت» و»الطريق إلى 11 سبتمبر».
فى «الطريق إلى عتليت» فتح «فودة» ملف قتل إسرائيل للأسرى المصريين فى حربى 1956 و1967، وخلال الحلقة زار مدينة حيفا الإسرائيلية، وحصل على دعم كبير داخلها، من خلال اتصالات رسمية من الدوحة، إضافة إلى تأكيد مصادر مقربة من الدبلوماسى الراحل محمد بسيونى، سفير مصر الأسبق فى تل أبيب، أنه حكى لهم عن تلقيه اتصالات رسمية من دوائر أمنية نافذة ضمن نظام مبارك، طلبت منه تقديم كل الدعم اللازم لـ»فودة» خلال وجوده فى إسرائيل، والتسهيلات نفسها قُدّمت له داخل مصر، إذ استُقبل فى مقر الخارجية والتقى الدكتور مصطفى الفقى، مساعد الوزير إبان تسجيل الحلقة فى 2000، كما سُمح له بلقاء الفريق سعدالدين الشاذلى الذى كان قد حصل على عفو من الرئيس الأسبق بشأن العقوبة التى كان يقضيها بتهمة تسريب أسرار تمس الأمن القومى، ويجلس منعزلا فى قريته، وليس من الطبيعى أن يظهر فى لقاء تليفزيونى متحدثا عن أمور تخص الحرب والأسرى ومصيرهم دون موافقة رسمية من الدوائر العليا للنظام، أما داخل إسرائيل فقد وفرت علاقة يسرى فودة بـ«عمير أورين»، الصحفى فى «هآرتس»، فرصة واسعة للقاء أكاديميين وباحثين فى التاريخ، لتكتمل الحصيلة فى النهاية، بدعم الدوحة واستغلال علاقاتها بالسلطة فى تل أبيب، ودعم أصدقاء يسرى داخل الأجهزة الاستخباراتية البريطانية، ودعم الأجهزة الأمنية التابعة لنظام مبارك، من لقاء ضباط وجنود سابقين بالجيش الإسرائيلى، ولقاء نائبى وزيرى الدفاع والخارجية، وبالتأكيد كانت مبررات الدعم مختلفة، قطر كانت تثير ملفا مزعجا لمصر وتشغل شاشتها الناشئة بموضوع مهم، وبريطانيا كانت تواصل صنع أسطورة رجلها، وأجهزة مبارك كانت تفتح ملف المآسى التى شهدتها الفترة الناصرية، كوسيلة لغض الطرف عن مآسى النظام القائم والتماس شهادة إيجابية له من باب القدح فى «عبدالناصر» ومرحلته، وفى حلقة «الطريق إلى 11 سبتمبر»، توسعت دائرة التغطية والدعم من ألمانيا لأمريكا لبيشاور الباكستانية، وخلالها التقى رمزى بن الشيبة وخالد شيخ محمد، الضالعين فى التخطيط لأحداث 11 سبتمبر، وعددا من المحللين والخبراء ورجال الاستخبارات، بدعم مباشر من «MI6»، والاستخبارات الألمانية «BND»، والاستخبارات الباكستانية IB»، وتم تأمين رحلته وإقامته وتحركاته فى بيشاور، وصولا إلى ضمان عودته بغنيمته من المعلومات والشرائط الصوتية والمصورة.
بطل من ورق
 خلال رحلته الإعلامية كانت صورة البطل تداعب مخيلة يسرى فودة طوال الوقت، مخلوطة بأحلام التأثير والنفوذ والزعامة، وكانت وسيلته الأقرب، الأوراق والنصوص الحماسية المكتوبة بحرفية، والتدرب طويلا على الأداء المشحون، حتى عُرف بمقدماته النارية، منتقاة الكلمات ومحسوبة الأداء والانفعالات، والمطعمة بأبيات الشعر والحكم والأماثيل، بشكل يتجاوز كثيرا حياد الإعلام ومهنيته، لتضاف إلى تجاوزات أخرى تورط فيها «فودة» خلال رحلته، ربما بشكل عارض، وبعض الظن أنها كانت مقصودة، فالصورة العامة التى سيطرت على برامجه انحصرت فى نصوص محكمة تقود لنتائج قاطعة، أقرب إلى سيناريو مؤلف منها إلى تحقيق استقصائى قد تتوزع خيوطه ولا تفضى بالضرورة لنسيج واحد، فالرجل ينتقى ضيوفه بحساب نوعى ربما لا يوفر تغطية موضوعية حقيقة لمساحة التقصى، يتشاجر مع بعضهم ويتعاطف مع آخرين، ينصب نفسه قاضيا فى أحيان ومحاميا فى أحايين أخرى، يراهن فى أدائه للمقدمات والأسئلة والمداخلات على مفردات حادة وهجومية، وعلى شحن نفسى وعاطفى للعبارة اللغوية، وعلى ملامح وجه تتبدل بين الجمود والابتسامة الناعمة، فى انسجام كبير مع محتوى الرسالة الصوتية والموقف من الضيف.

بطولة «فودة» لم تنحصر فى أجواء العمل ومساحة الشاشة وحسب، الرجل وأصل تلاعبه بالأوراق لتعميق بطولته، أو حفر طريقه نحوها، أحيانا دون مبرر منطقى، هكذا استقال من «الجزيرة» فى 2009 عبر خطاب طويل نشره بإحدى الصحف، مستعرضا فيه على الناس بطولته القيمية والمواقفية الرافضة للظروف الإدارية والسياسية والمهنية المحيطة بـ «الجزيرة»، التى اكتشفها فجأة بعد 13 عاما من العمل، مبتعدا عن شرحها أو حتى الاقتراب منها، وبينما يشير مقربون منه إلى أن الاستقالة كانت لأسباب مادية، تشير مصادر أخرى إلى أنه اتخذ القرار بعد تشاور مع أصدقاء بريطانيين وعناصر من «BBC» وبعض الأجهزة الإنجليزية، الذين أشاروا عليه بأهمية التواجد فى مصر فى الظروف التى تشهدها وقتها، وعليه استجاب الرجل واستقال من القناة القطرية وعاد للقاهرة، وسرعان ما حصل على فرصة للظهور عبر إحدى الشاشات الخاصة الشهيرة وقتها، وظل يواصل عمله بالآلية نفسها، المقدمات الخطابية المشحونة عاطفيا، والمعالجات التى تبدو عميقة فى ظاهرها بينما تراهن على الانفعال والتأطير والنمذجة، معمقا صلاته بالجماعات والأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية المختلفة، ومحافظا فى الوقت نفسه على روابطه بالأجهزة الأمنية فى نظام مبارك، التى توطدت بشكل أكبر سمح له فى أحيان كثيرة بأن يكون وسيطا بينها وبين إعلاميين وسياسيين وشخصيات عامة على الساحة، واستمر هكذا حتى قطع علاقته بالقناة فى 22 سبتمبر 2014، ليعود للبطولة الورقية مرة أخرى، معلنا أن الأسباب تعود لضغوط أمنية ومنع مباشر من جانب السلطة، بينما رد مالك القناة وقتها على هذه البطولة المدعاة قائلا فى حوار تليفزيونى: «كان يجب على فودة أن يأتى بفكرة جديدة لبرنامجه كى يستمر فى عرضه، وقرار رحيله جاء بسبب انتهاء العقد، ولم نرغب فى تجديده مرة أخرى»، يُضاف لهذه الكذبة موقف سابق مع القناة نفسها خلال العام 2012، هدد فيه يسرى فودة بإيقاف البرنامج والعودة إلى لندن، وقال مقربون أن الخلاف مالى بالأساس، إذ يطالب المذيع اللامع برفع أجره من 3 إلى 4 ملايين جنيه، وهو ما صنع صداما مع إدارة القناة وصعد بالأمور إلى التهديد المباشر بالسفر، قبل أن يجلس معه المالك ويستجيب لشروطه، بالاتفاق على رفع أجره %20، إضافة إلى %10 من الإعلانات، وهى الرواية التى لم ينفها أحد من مسؤولى القناة، ولا حتى يسرى فودة نفسه، بينما قال مدير القناة وقتها أن عقد «فودة» أقل من 4 ملايين جنيه، مفسرا أنباء إيقاف البرنامج وسفر مقدمه بالقول: «ما حدث بالضبط هو أن يسرى كان يتوقع أن تهدأ الأمور فور إعلان اسم رئيس الجمهورية، لهذا فكر فى العودة لـBBC، إلا أنه رأى أن المشهد السياسى فى مصر مازال مشتعلا ومن الأفضل أن يبقى»، وهو ما يدعم المعلومات القائلة أن استقالته من الجزيرة وعودته لمصر كانت وفق توجيهات، أو على الأقل وفق تنسيق ونصائح من إدارة «BBC» وبعض الجهات المتصلة بها داخل منظومة السلطة والأمن فى بريطانيا، التى يحمل يسرى فودة جنسيتها.
 صداقة «القاعدة» والترويج لـ«داعش»

التماس البطولة الورقية الذى قاد يسرى فودة لعرض أكاذيب أو معلومات مغلوطة حول مواقفه فى الجزيرة ثم فى مصر، وصولا إلى ادعائه أنه خرج من القاهرة منفيا، بحسب حوار مع برنامج «شباب توك» عبر شاشة «دويتش فيله» فى يونيو 2016، التى قال عنها «فودة» فى الحوار نفسه إنها قناة فقيرة ونافذة واعدة فى مشهد عربى بائس، متجاهلا علاقتها بالاستخبارات الألمانية التى لا يصح أن تخفى على رجل تواصل مع أجهزة مخابرات عديدة، والتقى إرهابيين من تنظيمات متنوعة، وتتوفر لديه معلومات كثيرة طوال الوقت، كما يتجاهل أنها تمنحه 250 ألف يورو سنويا، ما يتجاوز 5 ملايين جنيه، بينما لم يكن يحصل من الجزيرة على نصف هذا المبلغ، ولا من «BBC»، ولم يتجاوز راتبه فى مصر 3 ملايين جنيه قبل زيادة قيمة التعاقد، ولكن ثقافة «فودة» الواسعة وإجادته لآليات إعلام جوبلز والدعاية السياسية وقِدم علاقته بألمانيا وأهدافها، وفرت له دائما مساحة واسعة للرمادية واجتزاء الحقائق ونزع دسم المعلومات، كأن يقول مثلا فى حلقة برنامجه «السلطة الخامسة» قبل أسبوعين، وكان ضيفه فيها عمرو حمزاوى، أن وزير الدفاع الإسرائيلى اعترف بتنفيذ عمليات عسكرية بسيناء، متجاهلا نص التصريح القائل «أعتقد أن العمليات الخاصة التابعة للختنشتاين هى من قامت بالأمر»، ربما جهلا منه بأن ليختنشتاين دولة صغيرة لا جيش لها، أو تعمدا للتزوير والكذب، وهذا الموقف الكاشف ينسحب على كثير من عرض يسرى فودة للمعلومات ومعالجته لها إعلاميا، فكثيرا ما تسبق فرشاته الملونة واجباته المهنية وما يتوفر تحت يديه من معلومات.
فى واحدة من حلقات «سرى للغاية» بعد شهور من غزو العراق، عبر يسرى فودة الحدود السورية العراقية مع قافلة من المهربين والمتطرفين، حيث مهد تنظيم الدولة الإسلامية وقتها، بدعوة مباشرة من التنظيم، ووثّق الرحلة لاحقا ضمن كتاب «الطريق إلى الأذى: من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش»، ورغم جاذبية الحلقة إلا أنها تثير سؤالا حول علاقة الرجل بالإرهابيين وقدرته على النفاذ لصفوفهم والعودة سالما، هكذا جلس مبتسما خلف علبة سجائره وهو يحاور خالد شيخ محمد ورمزى بن الشيبة فى بيشاور، متحدثا بنعومة وابتسامة وروح صوفية عن إمامتهم له فى الصلاة، بشكل ترويجى أكثر من كونه عمل رصد وتوثيق، بينما قُبض على «ابن الشيبة» فى كراتشى الباكستانية بعد فترة قصيرة من اللقاء، وهى الصداقة المثيرة للريب المستحق فى ظل علاقات «القاعدة» و«داعش» الوطيدة بأجهزة استخبارات دولية عديدة، ومن الباب ذاته استضاف فى حلقة «الجهاد فى سوريا» بتاريخ 14 فبراير 2013 عبر برنامجه المصرى، شخصا ملثما من العائدين من صفوف داعش بسوريا، يُكنى بـ«أبوآدم»، إلى جوار شخص ممن يتولون تهريب الشباب للانضمام للتنظيم، وحملت الحلقة حالة من الترويج بالاتكاء على مناقشة الشرعية الدينية وتجاهل الشق القانونى وحقيقة تجاوز الأمن القومى واختراقه بهذه الممارسات، والمفاجأة أن الشخص الملثم قُبض عليه بعد أيام فى القضية 309 حصر أمن دولة عليا، وهكذا أيضا عرض فى برنامجه عبر «دويتش فيله» تحقيقا عن تهريب السلاح من ليبيا لـ«داعش» بسيناء، يتضمن لقاءات بعدد من المهربين «الملثمين بالطبع»، ليثير مزيدا من الأسئلة حول آلية الوصول لمهربين داخل مصر، لم تصل لهم الأجهزة الأمنية، وحول حدود الفصل بين المهنى والقانونى والأمنى، وقانونية التستر على إرهابيين وخارجين على القانون تحت دعاوى الممارسة الإعلامية المهنية، بينما تحيط به شبهات الإبلاغ عن «ابن الشيبة» و«أبوآدم».
أمس، وبالتزامن مع طباعة الصحيفة، استضاف يسرى فودة فى حلقة «السلطة الخامسة» جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس الشهير، المقيم فى سفارة الإكوادور بلندن منذ 5 سنوات تقريبا، تحت حماية الخارجية والاستخبارات الإكوادوريين، وقد احتاج الادعاء السويدى إلى موافقات أمنية ودبلوماسية من بريطانيا والإكوادور للتحقيق معه، وهى التسهيلات نفسها التى حصل عليها «فودة» على طريقة جهات التحقيق السويدية، ورغم كل هذا فإن. الأمور السابقة ليست حصرا لتناقضات يسرى فودة وعلامات الاستفهام بشأن مشروعه فى كل المؤسسات التى عمل بها والأجهزة التى تواصل معها، هناك مزيد منها يحتاج تفسيرا وتبريرا منطقيين، بالضبط كما تحتاج مواقفه الأخيرة للتبرير، فالرجل الذى عمل داخل منظومة الإعلام المصرى حتى سبتمبر 2014، تحول فجأة بشكل غير مفهوم لكثيرين، رغم عمق اتصاله بعديد من المسؤولين والوجوه البارزة فى السلطة قبل ثورة يناير وبعدها، وبينما يخفى «فودة» التفاصيل، أو يعرضها فى حواراته وكتاباته وفق رؤيته المخلصة للبطولة الورقية، وبالأخص كتاب «آخر كلام» الذى تحدث فيه عن رقابة ومصادرة ومنع وتحكم فى برنامجه وحلقاته، فى الوقت الذى كذّب مالك القناة هذه الادعاءات، ويكذبها صبر «فودة» نفسه واستمراره فى العمل وعدم اتخاذ موقف قيمى وأخلاقى ومهنى يليق ببطل، أن كان حقيقيا وليس ورقيا، يواصل الإعلامى اللامع لعبته المحببة، فيروى من جانب واحد تفاصيل لقائه بوزير الدفاع وقتها، بعد إنقاذه بطائرة عسكرية إثر حادث سير تعرض له بالغردقة، قائلا أنه عرض دفع المقابل، وإن خطوة الطائرة كانت محاولة لكسر عينه، على حد تعبيره، بينما تؤكد مصادر مقربة من «فودة» أن تحوله يعود لمقاطعة بعض المسؤولين وقتها لبرنامجه وتفضيلهم الظهور مع إعلاميين آخرين، وهو ما يصلح تبريرا مقنعا لانعطافة الرجل الطارئة ووصفه لأحداث رابعة العدوية بـ«المذبحة» بعد وقوعها بأكثر من 13 شهرا، وانتقاده لثورة 30 يونيو وترتيباتها بعد اندلاعها بأكثر من 15 شهرا، وتحديدا بعد لقاءات جمعته فى لندن بالصحفى وائل قنديل، وعدد من عناصر الإخوان بالخارج، وهى اللقاءات التى تكررت ومازالت، وشهد بعضها الاتفاق على ترتيبات تخص برنامج «السلطة الخامسة» على شاشة «DW»، بشأن تواصل شباب الجماعة مع البرنامج وتنشيطهم للهاشتاجات التى يقرر عرضها ومناقشة مستوى نشاطها، والاستعانة بعناصر من فريق موقع «العربى» ضمن منظومة الرصد والإعداد وصياغة المحتوى، لتنضم كل هذه التفاصيل لسابقاتها، مكونة صورة عريضة لاسم لامع فى سوق الإعلام، يثبت أنه يمكن بقليل من الحماسة والكتابة المنمقة والأداء الانفعالى أن تنجح وتنتشر، وبقليل من التلون والقفز بين الشاشات والدول والأجهزة، أن تصبح أنجب تلاميذ جوبلز، لتستقر فى النهاية على مقعد وثير داخل قلعته التى حلم بها ولم يرها، «دويتش فيله».

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...