10‏/09‏/2013

أنا أعرف، إذن فأنا جاهل!

أنا أعرف، إذن فأنا جاهل!
مصانع الخبر مثل بيوت الأزياء التي توحي لك بأنك حر في اختيار ما ترتديه بعدما مارست حريتك في شراء ما ترغب به من محل ذهبت إليه بمحض إرادتك، فدلتك عيناك على ما سيتم تعليقه لاحقاً في دولاب ملابسك أو على جسدك، وهل هناك فارق؟
المضحك هي قناعاتك اليقينية أن كل خطوات شراء ملابسك وأزيائك المنتقاة بعناية وإرادة هي بدافع شخصي دون تدخل قوى خارجية، ملموسة أو غير مرئية، في اختياراتك!
كذلك مصانع الخبر فالمواد الأولية موجودة مسبقاً، والعقل المدبر أو المحرك أو المفبرك أو المخطـِّط لا يحيد عن هدفه إلا إذا غيرت الرياح مصالحه، فتتغير اتجاهاته.
تجلس أمام الشاشة الصغيرة مرات عدة في اليوم الواحد، وتـُـلصق مؤخرتك في المقعد المفضل لديك، ويُخرج من الشاشة قاريءُ النشرة يديه بخفة لا متناهية فيمدّها ناحية رقبتك ليربط السلسلة بمهارة فائقة بحيث لا تشعر بها أو تختنق بعُقدتها وإلا غضب منك أصحاب مصانع الخبر.
لكن لا تنس فأنت حر تماما في أن تشرب قهوة أو ترتشف قدحا من الشاي بالنعناع، وأنت حر في أن ترفع قدميك فوق مسند أو تحررهما فوق أرض الغرفة! وأنت حر في أن تتابع الخبرين الأولين في القناة الفضائية المفضلة لديك أو في قناة أخرى يُزيد حُسن المذيعة وجمالها ورقتها ولمعان شفتيها التصاقك بالمقعد، ولكن لا يهم فالخبران متشابهان تماما، أما الثالث والرابع فقد ترك لك صاحب مصنع الأنباء حرية متابعة أي منهما وفقا لطائفتك أو عقيدتك أو حزبك أو اهتماماتك المسموح لك بها.
تصبح المتابعة عادة، وتتحكم العادة في نوبات الجوع المعرفي لديك، وفي كل الأحوال فأنت حتى لو تضورت جوعاً فسيتم تلقينك بنفس طريقة عمل الملقن تحت خشبة المسرح ولن ينتبه الجمهور إلى علو صوته.
تبدأ مرحلة الإدمان، ويسرق التلفزيون من وقت الكتاب، ويوحي لك بأن الصورة خبر، ثم يقنعك أن الخبر معرفة، وأخيرا تتجمع في جعبتك جبال هائلة من الأخبار المماثلة، نوعا وكماً ومادة، لغزل البنات وهو يذوب تحت لسان طفل فيعود إلى أهله فرحا بوجبة الطعام الدسمة التي ابتلعها، وهضمها قبل أن ينتهي من اللعب!
أنت لا تختار أخبارك لتعرف، ولكن الأخبار تختارك لتتورم بها تحت عناوين جذابة توشي، كذباً، بقدرتك الهائلة على بناء أرضية صلبة للنقاش والحوار والجدال.
الخبر الأول عن سوريا، والثاني عن العراق، والثالث عن الرئيس الأمريكي والرابع عن مصر أو اليمن أو السعودية، ولا مانع من لعبة الكراسي الموسيقية فتحل أخبار دولة مكان أخرى، لكن يظل الخبر كما رسمته الأيدي المصنـِّـعة والمخطـِّـطة فالفضائيات تستجيب، وتربح، وتصمت عن مصدر الخبر.
ثلاثة من الأخبار الأربعة الأولى مليئة بالآكشن، ففيها قتل وانفجارات وسيارات مفخخة وكيماويات ورعب إسرائيلي وعضلات إيرانية مفتولة وخطبة عثمانية ينسى العالم بها الرجل المريض ومرور حاملة طائرات في الطريق إلى مياه دافئة وتهديد رجل مختبيء في كهف بجبل في أفغانستان ثم إيحاء بأن الحرب الباردة لم تنته بعد.
يأتي ضيوف الفضائيات وقد انتفخت صدورهم وتضاعف يقينهم أنهم يعرفون فقد تابعوا الأخبار الأربعة الأولى في قنواتهم المفضلة، وقرأوا فيسبوكيات وتويتريات وبعض الصحف الالكترونية.
الغريب أن سؤالا مفاجـِـئاً للمثقف والقاريء ومدمن الأخبار عن أهم أحداث موريتانيا والصومال والجزائر وماليزيا والكونغو وكوستاريكا والتصحر والتغيرات البيئية والمناخ في الشمال وانقراض بعض الحيوانات وسرطان الثدي والحياة اليومية في كوريا الشمالية وعدد الذين ماتوا من التعذيب في السجون العربية لعام 2012 وملايين غيرها من الأخبار المعلوماتية التي لم تقترب منها الشاشة الصغيرة ولم يكترث لها صانعو الخبر هناك .. في مكان ما، يفغر السؤالُ فاه الذي زعم معرفة تلفازية اقتربت به من مستوى العلماء.
تواضعوا بهذا القدر من المعرفة، يرحمكم الله، فكلنا مربوطون بنفس المقعد، والسلسلة ذاتها، وسيدنا الذي هناك، في مصانع الخبر، يتحكم في مساحة التجويف في جماجمنا.
كلنا كونتاكينتيون بصورة أو بأخرى، وقد نعيش ونموت دون أن نصافح سيدنا الذي هناك في مكان ما.
عندما يبحث الخبر عنك فيجدك في انتظاره، فأنت لا تعرف ولو كنت تعرف، وعندما تبحث عنه في غفلة عن أباطرة مصانع الخبر، فأنت في الجانب الآمن واليقيني من المعرفة.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 6 سبتمبر 2013                                     

دعوة لتنازل الملك عبد الله بن عبد العزيز عن العرش !

زيارتي الأخيرة للسعودية مرَّت عليها أكثر من عشر سنوات، ولم تكن موفــَـقة، فالبرود طبـَـع الاستقبال والأيام الأربعة الأولى ، وكان لي حوار جانبي مع موظف في وزارة الإعلام بالرياض الذي أكد لي أن الفتور مرجعه غالبا إلى مقالي ( دعوة لتنازل الملك فهد عن العرش)، بينما أشار آخر إلى حملتي على المؤسسة الدينية، ولمَّح ثالث إلى أن حديثي الدائم عن تحريم تغطية وجه المرأة قد يكون هو السبب!

كان مقالي عن الملك فهد، رحمه الله، منطلقاً من جانب إنساني عاتبت فيه السعوديين على القسوة التي طبعت العلاقة مع مليكهم قبيل رحيله رغم أن الظاهر يبدو كأنه توقير واحترام وولاء لخادم الحرمين الشريفين.
كنت أراه مقْعــَــداً، يقف خلفه الابن الأصغر الأمير عبد العزيز، والمدلل لديه والأقرب إلى قلبه، يدفع كرسيـَّـه المتحرك، والملك لا يدري ماذا يحدث حوله، وفلاشات الكاميرات الباباريتسية تنطلق في الوجه، وتندفع في العينين وتزيدهما ألما ووجعاً.
كنت أعتب على السعوديين تلك القسوة، وأرى أن مكان ملكهم هو فراش أبيض ثلة من ملائكة الرحمة يعطونه مسكنات، ويغيـّـرون فراشه، ويلبـّـون حاجاته في الوقت الذي يدخل عليه أولاده وأحفاده يقبـّـلون يديه ورأسه، ويتمنـّـون له الشفاء.

في الحقيقة أنني تلقيت رسائل شكر مبطنة، ولو لم يصرح أحد قط بأن دعوتي للملك فهد كانت صُلب ما يدور في خلد أي سعودي تختلط مشاعر الرحمة لديه بالعقل ومعرفة أن المرضى الذين يحكمون قد أورثوا غيرهم السلطة وهم أحياء يـُـرزَقون.

وتمر السنوات وأرى الملك فهد، رحمه الله، في أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز، فالزمن لا يعرف المجاملة، والأيام تأكل من عمر كل الناس بنفس القدر ، لكنها تشبع في البلدان الفقيرة ، وتمد في عمر صاحبها في الشمال الثري، فمتوسط عمر المواطن النرويجي 79 عاما، والرواندي 36 عاماً!

ويخضع الزمن، بما لا يخالف القدر واللوح المحفوظ وقضاء الموت ولو في بروج مشيدة لمشيئة الثراء والعلاج وكونسلتو طبي يراقب كل خلية تتحرك في جسد الملك والأمير والملياردير والمليونير، فلا يرتفع ضغط ولا تزيد نسبة السكر ولا ينقص فيتامين واحد إلا كان الطب بكل امكانياته على أهبة الاستعداد لتعديل الوضع المقلوب، أما الفقير فيكفيه مــُـسـَـكـِّـن طبي رخيص مع عصير ليمون وكمادات غير نظيفة ترتع فيها الميكروبات.

وصل الأمر بالملك فهد إلى مرحلة حزينة أمام عجز المحبة من الأقربين له أن تستنشق بعض الشجاعة وترسلها للسان ليقول كلمة حق في أهمية تنازل الملك عن العرش.
الآن يأتي دور الملك عبد الله بن عبد العزيز، وشقيقه وولي عهده الأمير سلمان على مبعدة أمتار منه، ومع ذلك فلا تستطيع جهة أمينة ومخلصة وشجاعة أن تهمس في أذن الملك: دع أخاك يتولى الحُكم بدلا من أن ينتظر قضاء العلي القدير الذي أعطى اشارة سـُـنـِّـة الله في خــَـلقه فتوقفت وظائف كثيرة في الجسد والعقل والفكر والذاكرة ولم تعد هناك غير الروح.

أيها السعوديون،
انزعوا ذلك الخوف من قلوبكم الذي تحول مع الأيام إلى قسوة، واطلبوا من ملككم أن يعلن تنازله عن العرش إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز ليتولى بنفسه ترتيب البيت الداخلي، واعطاء الفرص للشباب لتولي الحقائب الوزارية والمناصب الهامة فالأمير سلمان تعرفونه جيداً، وهو لن يتنازل للمؤسسة الدينية عن السلطة، وسيستعيد المملكة من سطوة رجال يزعمون أنهم متحدثون رسميون باسم الله على الأرض.

أشفق على الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو لا يستطيع أن يسير أو يرفع يديه أو يقرأ صحيفة أو يقوم بتوقيع ورقة فالدائرة القريبة منه هي التي تحكم، بل هي التي تسرق حق ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز في ترتيب البيت الداخلي قبل فوضى أي صراع للأجنحة يأتي لاحقا بعد مغادرة ملك الموت القصر الملكي ومعه روح خادم الحرمين الشريفين.
أيها السعوديون،
لا تصدّقوا المؤلفة قلوبهم وإعلاميي المديح وكــُــتـَّـاب النفاق، فالقلم الذي يكتب بمداد المال يصبح في الجانب المناهض لمصالح المملكة حتى لو أغرقكم بقصائد الحب والغزل.

ارحموا الملك عبد الله بن عبد العزيز ولا تكونوا قــُـساة صخريي القلوب كما كنتم مع الملك فهد في سنوات مرضه العصيبة.
أنا أعلم أن المسؤولين السعوديين يحبون من يغرقهم بكل صنوف المديح، لكن في حالتنا تلك، والصمت على الوضع الصحي للملك عبد الله، واصرار كبار رجال الدولة على التمتع بمشاهدته وهو يتألم، ويفقد القدرة على الحركة، وتتراجع قواه مقتربة من نقطة الصفر، فإن الصمت حرام بكل المعايير، ومن لا يطالب الملك عبد الله بن عبد العزيز بالتنازل عن العرش إلى الأمير سلمان، فورا وبدون انتظار ملك الموت، فهو كاره للملك، مُبغض لحُكمه، سعيدٌ بمرضه، مبتهج بعجزه، مغتبط بآلامه، فرح بعذاباته، ولو أقسم بكل مقدساته أن هذا ليس صحيحاً بالمرة!                                    

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...