27‏/04‏/2016

مقطع من يوميات شاب إنترنتــي!

أرشيف
 
استيقظتُ صباح اليوم وكأنَّ جبلا ثقيلا نام فوق صدري لأنني ذهبتُ إلى الفِراش بعد ثلاث عشرة ساعة متقطعة أمام الكمبيوتر تخللتها خمسُ مكالمات هاتفية على المحمول الجديد، لكنني اعتذرت عن ممارسة أيّ نشاطات مع أصدقائي، فأنا والشاشة الصغيرة أصبحنا توأمين، أفتقدها إنْ سرق منها وقتُ قضاءِ الحاجة عدة دقائق.    
 
الإنترنت قـَلـَبَ حياتي سافلـَها عاليها، وأصبحتُ أكثر شهرة من كِبار الكـُتّاب، واستغنيتُ تمامًا عن عالـَم الكـُتُب رغم أنني لم أقرأ كُتيـّباً بحجم الكفّ منذ سبع سنوات، ويعرفني الآن القاصي والداني في أركان الأرض الأربعة، والاسم الغريب الذي اخترته لنفسي اخترق المنتديات والمواقعَ، وينتظرني الكثيرُ من الأعضاء لمعرفة وجهة نظري في عشرات الموضوعات.
قطعًا لا أقرأها، خاصة إنْ كانت ممن يقال عنهم أنهم مثقفون، لكنني أتسلل بخفـّة، وأقرأ العنوانَ، ثم أكتب:( جزاك الله خيرًا، فموضوعك رائع!)، ويردّ كاتبه أو ناقله: شكرًا لمرورك!
مرّات كثيرة تلك التي نقلتُ فيها مقالا كاملا، ووضعت اسمي بعد حذف اسم صاحبه، فالإنترنت جعل المـِلكيّات الفكرية كالماء والكلأ والنار، نشترك جميعا في مِلكيتها ولو شجّ صاحبُها رأسَه في الحائط سبعين مرة.
الشبكة العنكبوتية جعلتني مساوياً لكِبار الكـُتـّاب، ولم أعد بحاجة للثقافة والعلوم والآداب، فكل أنواع المعرفة أعثر عليها في حواراتي التشاتية مع أصدقائي الأونلاينيين، فنحن نتبادل النِكات والألغاز وأغاني الفيديو كليب، ولدىَ أكثرنا مهام عظمى في تغيير العالـَم برُمَّته، بل إنني أستطيع أنْ أطرد أي صحفي كبير أو كاتب شهير أو روائي عظيم بمجرد نشره أي مقال لا أفهمه!
الإنترنيت جعلني أحتقر الفلاسفة والمؤرخين والمفكرين وعمالقة العلماء الماديين، ويمكنني أنْ أصارع أكبرَهم عِلمًا وأرّديه قتيلا أونلاين، فأنا أشكك في أي فكرة، ويكفي أن أكتب بأن هذا الكلام هراء ويتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، وهنا يسابق الأعضاء الريح ليضعوا جواهرهم الفكرية المأخوذة من فقهائنا الذين عاشوا في القرون الأولى، فكارل ماركس، الذي لا أعرف من هو، تسقط أفكاره من منتدانا كما تسقط أوراق الخريف، ويستطيع أي أميّ وجاهل في موقعنا أن يُدحض كتابات أرنولد تويني وزكي نجيب محمود وسارتر وهنريك إيبسين وجمال حمدان وسيجري إينست ووليم شكسبير وقاسم أمين و جان جاك روسّو!
لم أعد بحاجة إلى قواعد اللغة العربية، وقد غضبت من أحد المتثاقفين، وهو رجل أخرجت له تروس المطابع كُتبا كثيرة أشاد بها أمثاله من الأدباء والمفكرين، عندما حاول تصحيحَ تعليقاتي، وكتب كلاما سخيفا عن أهمية اللغة السليمة، وصحّح لي كلمات مثل منذو ( منذ)، ولا كن ( لكن )، و مصطنقع ( مستنقع)، ونحنو (نحن)  وأستاز ( أستاذ)، تلميز ( تلميذ) و سقافة ( ثقافة)، وسمانية ( ثمانية) و.. عشرات غيرها، وهنا انفجرت غضبًا، وشتمت له أبا الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي ومصطفى صادق الرافعي وعائشة عبد الرحمن وميّ زيادة، فأنا لست بحاجة إلى هؤلاء المتخلفين لأنني شاب إنترنتي أنقل أي مقال، وأذيّله باسمي، وسيتبارى العشرات للذود عني لأنهم أيضا أعداءُ ما تـُسَمّىَ الثقافة، وخصومٌ مثلي للكتاب المطبوع.
الإنترنيت جعلني، باسمي المستعار، على قدم المساواة مع الذين دفنوا حيواتهم في البحث والدراسة والقواميس والموسوعات، ويكفي أن أقرأ السطور الثلاثة الأولى، والسطرين الأخيرين، وأيضا أكتب أنني لم أقرأ الموضوع لتفاهته، وسيبرز فرسان ومغاوير يدافعون عني، ويطلقون الرصاصَ على كل من يقترب مني.
مساء أول أمس طرق والدي باب غرفتي، ودخل بهدوء ثم سألني عن سبب قضاء ساعات طويلة دون طعام أمام الإنترنيت، فقلت له بأنني رئيس لجروب كبير يـُغرق البريد الإلكتروني لآلاف من الناس بأحاديث نبوية شريفة، ومقالات منقولة تدحض أكاذيب الأديان الأخرى، وأكدت لأبي تفاؤلي بقرب تحقيق الخلافة الإسلامية التي ستمتد من كيب تاون، مرورا بنجامينا، ثم القدس المحتلة، ومنها إلى استانبول لتستقر في شمال النرويج وتأتينا الدنيا كلها صاغرة!
ابتسم والدي الطيب، ودعا لي بالفلاح والنجاح في مهمتي الشاقة، وشعرت بأن نجاحاتي على النت مرجعها إلى أنني هجرت الكتاب والثقافة والفكر، وتفرغت لقضايا سامية، وبدأت أستعد للخطوة القادمة وهي إنشاء منتدى أتحكم في أعضائه كما يتحكم المستبد في رعاياه، وأطرد منهم من يُهـَيـّج علينا أجهزة الأمن بآراء سخيفة ومناهضة للزعيم،
مهمتي العظيمة بالغة الصعوبة فهناك مئات المواقع الإسلامية والمسيحية التي يحاول أصحابها وأعضاؤها إثبات زيف الدين الآخر، فالمسيحي يظن نفسه مبعوث العناية الإلهية، وأنه سيجعل المسلمين متحضرين، وسينزع القسوة من قلوبهم، وسيثبت أن القرآن الكريم مليء بالمغالطات، والمسلم، الذي لم يقرأ حرفا واحدا في العهدين القديم والجديد، يستعد لجمع الجزية بعدما يسيطر الإسلام على كل شبر في الدنيا، وسيرغم الكفار على أن يأتوا إليه صاغرين!
معارك دون كيشوتية، يستخدم فيها أتباع الدينين الكبيرين كل الأسلحة والضرب تحت الحزام والاستعانة بأساطير تاريخية ليستلقي بعدها كل مسلم أو مسيحي على فراشه، ويتخيل العالم كله قد اعتنق دينه وذلك بفضل مكوثه أمام الكمبيوتر معظم ساعات الليل والنهار!
قال لي صديق مسلم بأنه لم يلمس الأناجيل أو حتى يراها، ولكنه يوصل الليل بالنهار ليدحضها، ويثبت خرافة المسيحية!
وأعرف مسيحيا انضم إلى جمعية دينية في الخارج، وأصبحت مهمته البحث في عجائب الكتب الصفراء عما يسيء للإسلام، ويعيد نشرها مهللا لعبقرية اكتشافاته، ويقسم باسم العذراء أن المليار ونصف المليار مسلم أصبحوا على مرمى حجر من اعتناق المسيحية.

نحن فرسان المبارزات الدينية على الشبكة العنكبوتية لا نحتاج لأدنى قدر من المعرفة والقراءة والبحوث والاعتكاف لدراسة تاريخ الأديان، فالساحة أمامنا تدعونا، مسلمين ومسيحيين، للقتال، فالله لا يريد أديانا مختلفة، وإنما يريد منا أن نتذابح حتى تقضي فئة على أخرى وتتفتح لها أبواب الجنة!
كم هو رائع ذلك الإحساس بتورم المعرفة في الدماغ بعيدًا عن كآبة الكتب، وسخافة المثقفين، وملل الأدباء، وثقل دم الموسوعات!
في كل يوم أحصي مشاركاتي فأجدها بالعشرات على الرغم من أنني لم أنشر مقالا واحدا من إعمال فكري، وأكثر مشاركاتي لا تتعدي ثلاث جُمَل في سطرين يتيمين، فنحن مولعون بكاونتر المشاركات، بل إن بعضنا إذا نقل برنامجا أو مقالا أو موضوعا من مكان آخر، ثم وضعه في منتدانا، يشترط تعقيب المشاهد قبل القراءة، وأن يُقدم الشكر الجزيل حتى يتمكن من المشاهدة.
أعرف كثيرا من الأصدقاء يعملون مع جهات أمنية، ويدخلون المواقع لتخريب الموضوعات أو إثارة البلبلة حول بعضها أو تحويل الأنظار إلى ناحية أخرى أو التشكيك في توجّهات الكاتب، وفي هذه الحالة نحن نأمن على أنفسنا حتى لو اعتقلت أجهزة الأمن كل أعضاء المنتدى.
منذ عدة أيام قابلت زميلا في الدراسة لم أكن رأيته لخمس سنوات، وتجاذبنا أطراف الحديث، ولكنني شعرت بالملل القاتل من تفاهة حديثه، فهو يقول بأن نقل الموضوعات من النت دون إستئذان صاحبها سرقة، وأن الكتاب لا يزال سيد المعرفة، وأن التشات والألعاب والفوازير والساعات الطويلة أمام الماسينجر ومقارنة الأديان والبحث عن أخطاء الآخرين كلها اهدار للوقت وضياع للعُمر، ثم قال لي بأنه يرى الآخر مثله تماما حتى لو كان مخالفا في العقيدة والمذهب والطائفة والدين، وختم حديثه المتخلف بالقول بأنه يتساوى لديه المسجد والكنيسة، وأن الله قريب من المؤمنين هنا و .. هناك!
تركته دون تحية، فهؤلاء المتسامحون ضعاف بعلومهم، ونحن أقوياء بجهلنا! لقد صنعوا الإنترنت، ونحن قمنا بـاحتلاله.
إن أكثرهم عِلمًا يتذلل لأكثرنا جهلا، وإذا تم طرده من منتدى للأغبياء، عاد باسم مستعار جديد، ووضع مشاركاته، لينتظر موافقة المشرف العام!
أحد أصدقائي أنشأ واحدًا من أهم المنتديات على النت، واستقطب عددًا هائلا من الأعضاء والزوار، ولديه سمك لبن تمر هندي من كل شيء، أغاني، فيديو، تحميل برامج مجانية، تأسيس مواقع، حوارات ساخنة .. الخ
هذا الصديق، الذي أعرفه جيدًا، يقرأ بصعوبة بالغة، ويكتب جملة واحدة بَشقّ الأنفس، ولم يقترب من كتاب قـَطّْ، فبينه وبين الكتب خصومة شديدة، ومع ذلك فيتحكم بأميّته في موضوعات نشرَتها لديه نخبة من المثقفين والمفكرين.
يقول المثقفون بأننا سوس الشبكة العنكبوتية، لكن الحقيقة أننا ملوك الساحة لأنهم تركوها لنا، وولوّا الأدبار، فتـَحَكمْنا في القاصي والداني، حتى اللغة العربية جعلناهًا مِسْخًا، وشوّهنا حروفـَها، وتساقطت قواعدُها بين أناملنا كما يتساقط بناءٌ رمليّ أقامه طفلٌ على شاطيء البحر.
نعم، نحن نسرق الموضوعات، لكن الكـُتّاب العرب لا يدافعون عن شرف القلم، ولا يطاردون لصوص الملكية الفكرية، ويتساهلون مع أعراضهم الثقافية كما يتساهل الزعماء العرب في مؤتمرات القمة مع كل الاعتداءات الإسرائيلية، ويطاردون لسانَ المواطن العربي حتى لو حـَرَّكـَه داخل حلقه!
أحيانا يتملكني شعور بالدونية، وأغلق باب غرفتي، وأبكي ساعات طويلة فقد تركوني وحيدًا، وأمتدحوا جهلي، وأثنوا على أميّتي، ولم يصححوا لي أخطائي، وغضّوا الطرْفَ عن سرقاتي لأفكارهم، ورغم آلاف المشاركات الهزيلة التي تنفخ في عقلي فتورّمه، إلا أنني يتيمٌ أمام هذا الجهاز العجيب.
لقد ظننتُ أنني أصبحت واحدًا من الصفوة، فإذا بي أصنع مجتمعًا وهميًا من أصدقاء غير حقيقيين يدخلون بأسماء مستعارة، ويتبادلون كلمات تافهة، ويقضون ساعات الليل والنهار متنقلين بين الفيس بوك والمنتديات والمواقع وتحميل برامج لا تسمن ولا تغني من جوع!
لقد سجنت نفسي داخل الشاشة الصغيرة، وهجرت العالمَ الحقيقي، ولم تـَعُدْ لي أي فائدة في تطور المجتمع، ولو دخلت امتحانات من جديد فربما لا أستطيع أن أخُطّ حرفا واحدا مما أفرغته على ورق الإجابة منذ عدة سنوات!
إنني أشير بسبّابة الإتهام إلى كل المثقفين والمفكرين والإعلاميين والكـُتّاب والعلماء الذين تركوني وحيدا أتجرع بجهلي نتائج غطرسة كانت قد جعلتني على يقين من أن البقاء للعقل الأجوف، وأن قياس المعرفة مرهون بعدد المشاركات.
إنني وملايين غيري من الشباب العرب محبوسون داخل قمقم ونظن أننا نجوب العالم كله في طرفة عين، وقد آن الوقت لأن يحررنا من صنعوا لنا الإنترنت، وتركونا يتامىَ!
لقد صنعنا عالـَمَ الكراهية، وضربنا القيم الروحية والفكرية في مقتل، ونسجنا حروبا عنكبوتية هشـّة، وتصارع أتباعُ الإسلام والمسيحية على أرضنا الخاوية على عروشها فكان الجهلُ سيّد الفرسان، ونقلنا معاركنا إلى البيوت والمدارس والشوارع والعلاقات الإنسانية والاجتماعية لتخريب وطن تركت نخبتـُه الأميّين يتحكمون في المسار الفكري والثقافي على النت.
قام المتشددون المتمسحون بأهداب الدين باستغلالنا، وفتحوا لنا صنابير الفتاوىَ الفجّة لتنفجر ملوّثة الجميع كما تلوّث بريتش بتروليوم خليج المكسيك، وأصبحنا طرفا في معارك بدأت منذ ألف وأربعمئة عام، ودافعنا عن أنظمة فاسدة، وتجوفت أدمغتُنا ليضع كل مِنـّا مكان التجويف اسمَ فرقته الناجية من النار.
أشعر في أحايين كثيرة بقرف شديد عندما أجوس خلال النت، وألمس عن قرب عالم البغضاء الذي تم تجنيد ملايين من شباب الغد ليعيدوا صياغة المستقبل على أسس طائفية ودينية ومذهبية، رغم أن الملايين من الشباب الإنترنتيين لا يستطيعون تحريك شعرة في رأس أي طاغية يحكم بلدًا عربيًا، وأكثرنا خُشـُبٌ مُسـَنَّدة تجمعهم شاشة صغيرة ويفرّقهم مُخبر جـِلْفٌ، يتظاهرون بالشجاعة في غرفهم، ويتظاهرون بالعشرات فقط في الشوارع والميادين.
إذا كتب مسيحي متطرف وأحمق مقالا يطعن في الإسلام تداعت له جماهير النتّ كأنهم على وشك التخلص نهائيا من خاتمة الرسالات السماوية، وإذا نشر مسلم غبي ومتعصب مقالا يـُهين المسيحية وكتبـَها المقدسة وتعاليمها وأتباعها التفتّ حوله جماهير الأونلاين تظن أنها ستـُنهي إلى غير رجعة أكبر أديان الأرض، وتظل المعركة بين المسجد والكنيسة مبارزة حمقاء إنْ سقط فيها بيتٌ للهِ انهار البيتُ الآخر على رؤوس المؤمنين.
في غمرة مشاركاتي نسيت أنني أمام أهم اختراع حققه العقل البشري منذ بدء الخليقة، وبضربة خفيفة من أطراف أصابعي يأتيني من جـِنّ النبي سليمان، عليه السلام، آلافٌ ينطقون بشبيك لبيك، عبدك بين يديك، وسأجد قواميس، وموسوعات، وأدوية، وعلاجات ناجعة، وترجمات لكنوز الدنيا، وفنونا، وآدابا، وكتباً صوتية، وقصائد مسموعة للمتنبي وأبي تمام وإمريء القيس، وبحوثًا عن أعماق البحار، وصوراً لبركان آيسلندا وهو ينفجر غيظًا، واستمع إلى السيمفونية الثامنة لبيتهوفن، وأقرأ في قواعد اللغة، وأعيد تنشيط اللغات الأخرى التي أعرفها، وأحجز تذكرة سفر لجزيرة يونانية، وأتابع تقارير لجان حقوق الإنسان، وأشاهد العقيد جالسًا في خيمته، واستمع إلى جمال مبارك في الفيوم وهو يـَعِد الشعب المسحوق بالمن والسلوى على يد أحمد عز، وأشاهد الزعماء العرب يتعانقون وأعضاء الحكومة الإسرائيلية يضحكون حتى الثمالة مع بدء وانتهاء أي مؤتمر عربي.
أستطيع أن أدخل على مكتبة الكونجرس الأمريكية، وأبحث في وثائق مغمورة وهامة، ويمكنني قراءة أهم ما جاء في الصحف العربية قبل أن يتم فرشها على الطريق أمام الأكشاك، بل بامكاني مخاطبة الدنيا كلها، صورة وصوتًا، وأعُبّ من المعرفة والثقافة والعلوم ما لم يكن متاحاً لعلماء الأرض قاطبة قبل عشرين عامًا مضت.
لكنني اخترتُ طريقَ الغرور، وجعلتني المنتديات والمواقعُ الساذجة والمشاركات المتخلفة وأصدقاءُ الجهل الإنترنتّي أنتفخ حتى ظننت الورمَ معرفة، وقد آن الوقت الذي ينتشلني فيه المعرفيون والمثقفون والعلماء والخبراء وعلماء النفس بدلا من أن يهبطوا إلىَّ، ويسقطوا معي!
إن شباب الإنترنت لن يقودوا حركة تصحيحية، أو حِراكًا فكريًا، أو تغييرًا اجتماعيًا، أو مواجهات مع المستبدين والطغاة بغير قيادة واعية، وعندما يتنازل الكبار لنا عن هذا الدور فـَقُلّ على الوطن السلام، فنحن لازلنا على مقاعد الدراسة والتربية حتى بعد تخرجنا بسنوات، وعلى عقلاء الأمة أن يمدوا إلينا ايديهم ليرفعونا، وإلا مدَدنا نحن أيدينا لاسقاطهم!محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 3 يوليو 2010

Taeralshmal@gmail.com

        

حوار بين السيدة سوزان والشيخة موزة!

هذا الحوار نشرته قبل ثورة 25 يناير بشهر واحد!
 
 
في لقاءٍ جَمَعَ مُصادَفةً السيدة سوزان مبارك والشيخة موزة بنت ناصر المسند جَرَىَ حِوارٌ لَمْ يلتقط فحواه إنسٌ، ولا معناه جِنٌّ!
استعنتُ بقلمي العاشقِ سباحة في خيالات تـُحاكي الواقعَ، ووقائعَ متخيَّلَةً، فجاء الحوارُ كالآتي:
السيدة سوزان مبارك: أراكِ مُبْتَسِمَةً، وتتطاير السعادةُ من مُحَيّاكِ كأنَّ قَطـَرَ حَصلتْ علىَ كأسِ العالـَمِ في كُرَةِ القَدَمِ قبل الموعدِ بأحد عشر عاما!
لو أراد زوجي أنْ يحصل المصريون علىَ هذا الشرفِ لتراجع المُتنافسون واحداً إثـْرَ الآخر، ولـَما احتاج الأمرُ من رئيسِ الفيفا أنْ يفتح المظروفَ ليظهر اسمُ أم الدنيا، ويتوارى الآخرون خَجَلا من المنافسةِ مع مصر مبارك!
الشيخة موزة: يبدو أنكِ، يا سيدتي، مُصابةٌ بارهاقِ الانتخاباتِ البرلمانيةِ فاختفىَ نِصْفُ المخِ المتعلقِ بالذاكرة.
هل تتذكرين يوم أنْ حصلتْ مصرُ علىَ الصِفْرِ الكبير ِعندما تنافس معها الصغارُ، وتشرَّفتْ جنوبُ أفريقيا باستضافةِ كأسِ العالم رغم تأكيد رجالِ زوجِكِ أنَّ العالَمَ كُلَّه سيقف خاشِعاً أمام اسمِ مصر الـْمُبارَك بمبارك؟
نحن نافسنا اليابانَ وأستراليا والولاياتِ المتحدةَ بكل مالديهم من امكانياتٍ هائلة تجعل الفيفائيين يحتارون في الاختيار بينهم، ولا يرى أيٌّ منهم قَطـَرَ الأصغر َمن ملعب كرة قدم في كانبيرا أو لويزيانا أو .. ناجازاكي!
السيدة سوزان: تحدثينني كأنَّ قَطَرَ دولةٌ عُظْمَىَ تناطح الصينَ الشعبيةَ، ولو جاء القطريون كلـُّهم في رحلةٍ سياحيةٍ لازدحم بهم شارعان أو ثلاثةٌ في عاصمة المعز!
أنت شيخةٌ بزوجِك، وقبيلتِك، وعائلتِك، والذهبِ الأسود الذي يجري تحت دويلتِكم، وأنا أكبر من شيخةٍ بزواجي من قائد الضربة الجوية الأولى، وأصولي الإفرنجية، وانتمائي لفرعون الذي قال السحرةُ لموسى عنه بعزّة فرعون إنا لنحن الغالبون!
أنا وزوجي وولدانا نحكُم أكثر من ثمانين مليونا من البشر، ونستطيع إنْ أردنا أنْ نجعلهم وجبة لا تحلم بمثلها أسماكُ القرش في البحر الأحمر من سفاجا إلى .. شرم الشيخ.
لو أقفلنا أقمارَنا الصناعية فلن تجد قنواتكم الفضائية مشاهدين إلا في الربع الخالي وجزيرة حنيش والخور والرويس ورأس لفان!
الشيخة موزة: وأنتم أيضا لديكم النفط، لكنكم تبيعونه للدولة العبرية بثمن التكلفة دون أرباح فيزداد الشعبُ فقراً، ونحن نبيعه بسعر السوق العالمي، فأمَرَ زوجي بمضاعفة دَخْلِ المواطن القَطـَري!
ثلثُ مواطني بلدكم تحت خط الفقر المدقع رغم أن ثروة ابنيكما، علاء وجمال، يمكن أن تجعل هذا الثلثَ خُمساً أو ثـُمْناً أو عُشْرًا، أما ثروة أولادي فلم تنتقص من خيرات قَطَر قَطْرَةً واحدة.
لو كان الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يحكم مصرَ لجعل شعبَها يأكل من تحته ومن فوقه، ولجعل نفطَه وغازَه ونيلـَه في خدمة المصريين قبل غيرِهم.
السيدة سوزان: هذا هراءٌ، وأضغاثُ أحلام صحراوية في حُكم بلدٍ متقدم بعقلية بدوية، فنحن نحكُم شعباً لا يطيع إلا فراعنـَته، فثقافةُ الصحراء لو انتقلت لقصر العروبة لتأخرتْ مصر عدة قرون، وأصبحت المراكزُ العلمية المتناثرة في أرجاء أرض الكنانة ساحاتٍ لسباق الهجن أو حظائر تبرك فيها الإبل بعد طول عناء و .. عطش.
إننا نـُعَلـِّم ولا نتعلم، نعبر الحواجزَ المائية والسواتر الترابية ولا يعبر أحدٌ فوق ظهورنا، ونحن أكرم من غيرنا، وتـَحَضُّرُنا هو في جيناتٍ تولَد معنا، ووافدُنا لديكم أغزر عِلْما من كفيلِه في الدوحة!
الشيخة موزة: هذا غرور ٌقاروني يظن أنَّ مفاتح خزائنه تنوء بالعُصْبَةِ أولي القوة، وأنتم تملكون إعلاماً عبقرياً في تحويل الهزائم لنصر مُبين، حتى المباراة الأخيرة بين مصر وقطر التي سخَرْتُم من فريقنا مُسبقا، فاستعنتم بثلاثة لاعبين جُدُدٍ لثقتكم في أن الكرة تسجد تحت أقدام لاعبيكم، انهزمتم فيها، ولم تتراجع غطرستكم خطوة واحدة.
إن ثقافتنا البدوية تلك جعلتنا نبني رأسياً دولة تناطح السحابَ وجيرانَها، وأنتم بثقافتكِم التي تمتد لخمسة آلاف عام نهبتم أفُقياً أكبر بلد عربي فتراجع كل شيء حتى كاد النيلُ يغير مجراه الذي حفرا، ويغرّب الهرم المصري و .. يبتعدَ!
في عصر زوجك تستعد عشر دول أفريقية فقيرة لتروي عطش المصريين بالقَطَّارة، وستجف مياهُ النيل إنْ عاجلا أو عاجلا ما دمتم في الحُكم، ولن يمضي وقت طويل حتى يعلن أحد أصدقاء ابنك أمين لجنة السياسات عن فراغ كل مصارف مصر من آخر جنيه كان قبل وصولكم إثْرَ حادث المنصة يرفع رأسَ المصري، فإذا بكم، أنتم الأربعة، تغطـّسونه في مياهٍ آسنةٍ كما يفعل ضابطُ الأمن في مُواطن مصري يقع حظُه العاثر في المبيت بتخشيبته.
نحن نُهدر أموالا لشعب لديه ما يكفيه وأكثر، وأنتم تبددون أموالا لشعب يعيش على المِنح والمساعدات.
لو كانت قناة السويس بين أيدينا، والآثار الفرعونية تحت أقدامنا، وشواطيء الأحمر والأبيض تحيطنا، وتحويلات ملايين المهاجرين تضاعف دَخْلـَنا لأصبح كل مواطنٍ كفيلا لعشرين وافدا يعمل لديهم عشرون خادما وسائقا!
لو كان هناك عدل لأصدر أصغر قاض في مصر حُكْماً بالحَجْر عليكِ وعلىَ زوجِك وولديكما بتهمة الاسراف، والتبذير الشيطاني، واهدار أموال أمة من أعرق أمم الأرض.
السيدة سوزان: تعايرينني بذهبِك الأسود والأصفر، ولو ساهمتم في تنمية دولة دخلت حروبا لستين عاماً من أجلكم ومن أجل كل الوطن العربي لما كان حالُنا هكذا.
تكدّسون أموالَكم في مصارف الغرب، وتبخلون على أشقاء العروبة والدين والأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
تهددون مصريينا لديكم بالتفنيش على أول طائرة رغم أنهم يبنون معكم دويلتَكم لتصبح في حجم مصر، كما تتخيلون وتتوهمون!،
الشيخة موزة: هذا كذِبٌ يشابه أكاذيبَ حزبكم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فنحن لم نبخل على مصر بريال واحد، حتى أننا إثر زلزال أكتوبر عام 1992 نظَّمـنا علىَ مَدَىَ ثلاثة أيام حفلاتٍ لجمع التبرعات للمتضررين في مصر كانت تحت شعار ( في حب مصر )، وأرسلنا الملايين فلم تذهب لجيوب المحتاجين تماما كالخمسين مليونا من الدولارات التي حولها الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، فَضَلَّتْ طريقـَها ، ودلفت إلى جيوب وحسابات البزنسيين الجُدد في مغارة علي بابا المصرية.
أنتم بالوعة للمال الحلال والحرام على حَدٍّ سواء، وفي ثلاثة عقود أعدتم مصر إلى أكثر عهودها وحشية، وظلاما، وتخلفا، وظلما.
لو ركبتُ أنا سيارة مكشوفة تخترق شوارع القاهرة لخرج المصريون عن بِكْرَةِ أبيهم لتحيتي، ولو حدث الأمر نفسُه معكِ، ومنحْنا المصريين في قطر أجر يَوّْمٍ .. يَومَ خروج موكبك في شوارع الدوحة لما كلَّف مصريٌ واحد نفسَه عناء الوقوف لتحيتكِ، ربما باستثناء السفير المصري وأعضاء سفارته.
آلاف المصريين يقيمون معنا منذ سنوات طويلة ولو خـُيّر أي منهم بين نار الكفيل في قطر أو العودة إلى أهله وأحبابه في ظل حُكْمِك وزوجك والرئيس الشاب القادم لما تردد هُنيهة في اختيار قطر وطنا ثانيا، يعيش ويموت فيه.
في خلال ثلاثة عقود جعلتم مصر أكثر غلاء من أمريكا والدول الاسكندنافية، ولو تسلل زوجك إلى أي بيت مصري، وأنصت إلى دعاء صاحبه في صلاة الفجر فسيسمع لعنات مع بكاء ونحيب تلف اسم مبارك لتخترق حجب السماء فيسمعها الحي القيوم الذي لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم.
السيدة سوزان: على مقربة من مكتبك الأنيق في قطر توجد قاعدة عسكرية أمريكية ترصد كل نملة تقول لصويحباتها ادخلوا مساكنكم، والقاعدة لا تتنصت على القاعدة فقط، لكنها تمدّ أذنيها إلى الجيران وجيرانِهم، واستقلاليةُ القرار القطري مشكوك فيها!
هل تستطيعون محاكمة جندي أمريكي واحد قفز فوق كل الممنوعات والمحرمات في قطر؟
الشيخة موزة: للغيرة أيضا خزعبلات وأوهام، فمن يزيّف إرادةَ أُمَّةٍ في صناديق الاقتراع، لا يتوانىَ عن تسريب معلومات مغلوطة لو قرأها جوليان أسانج لأغلق موقعَه، واكتفى بعناوين صحف الصباح.
نعم، لدينا قاعدة عسكرية أمريكية لحمايتنا من جيران قد يكبرون وتكبر معهم الظنون بأنهم قوىَ عظمى، فصدام حسين كان الجارَ الشماليَّ للكويتيين، وعندما استصغر الكويتَ واخترق فجرَها الآمنَ، إستصغره العالـَمُ كلـُّه، ووضعت أمريكا قدميها في الخليج برمته.
ومع ذلك فزوجي إذا قام بزيارة الولايات المتحدة فسيستقبله الرئيس الأمريكي فور وصوله، أما رئيس أكبر دولة عربية فينتظر ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ حتى يتفضل سيدُ البيت الأبيض بعشرين دقيقة لسيدِ قصر عابدين.
زوجي جلس مع ديك تشيني دقيقة واحدة، ولما لم يرق له الموضوعُ قبل طرحِه، انسحب فورا، فكرامةُ الشيخ حمد من كرامة قطر، وزوجُك لا يستطيع أن يعاتب السفير الأمريكي في القاهرة، فهو ليس جمال عبد الناصر الذي طلب من مدير مكتبه أن يترك السفير البريطاني، ملطوعًا، ساعة كاملة ثم يطرده لأنه جاء إلى القصر لمقابلة أبي خالد دون موعد مسبق.
نحن نحب مصرَ وأهلها أكثر من أي فرد في أسرة مبارك، رغم الشكوك اليقينية بأن فيكم من يحب هذا البلد الطيب.
تصلني آلاف الرسائل من مصريين يحبونني كأنني سيدتهم الأولى، وأحسب أنك لا تتلقين رسائل الحب إلا من المنافقين والوصوليين وأصحاب المصالح الخاصة والمتعلقين بوجودكم الأبدي فوق رؤوس المصريين.
السيدة سوزان: زوجي وصل إلى الحكم لأنه قائد عسكري فذ، وكان نائبا للرئيس الراحل أنور السادات، وأصبح الرجل الأول والوحيد منذ ثلاثين عاما، وكل الاستفتاءات ثم الانتخابات الرئاسية انتهت إلى نتيجة واحدة أن ليس بمصر من يرفع عينيه فوق رأس الرئيس، وأن لا بديل لمبارك الكبير غير مبارك الصغير!
أما زوجك فقد استولى على الحُكم في غياب والده، وتركه عدة سنوات يهيم في الغربة، وخرج القطريون لتأييده، فثقافة الاستيلاء على الحُكم عنوة من أحد أفراد الأسرة لا تعرفها إلا بلادُكم، أليس كذلك؟
الشيخة موزة: هذه زهايمر السياسة المصرية التي ترى من خلالها أسرة مبارك الصِفْرَ انتصاراً، والنواقصَ زياداتٍ، وجحيمَ المصريين جنةِ الخـُلدِ.
زوجي أنقذ قطر من الشللية التي أحاطت بوالده كما تحيط بكم شللية لا تشبع حتى تجوع، وعامَلـَه أفضل معاملة، ومنذ عام 1995 قفزت قطر الصغيرة فبدت كأنها اللاعب الرئيس في معظم الوساطات شرق الأوسطية التي فشلت فيها مصر مبارك.
كان الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني رجلا عظيما، وطيبا، لكنه لا يصنع حداثة، ولا يجعل قطر أكبر من حجمها على الخريطة.
لقد أحاطه ابنُه بالرعاية والعناية، وابعد عنه شرور المنتفعين بثروته، واسترد منهم ما سرقوه من أموال شعبنا، وكرَّمه أفضل تكريم، وعاش في كنف أحفاده بعيدا عن لصوص الوطن الذين استغلوا طيبته وثقته الزائدة.
أما القاعدة العسكرية الأمريكية فهي في الواقع على أرض مصر التي حكمتموها، فصغرّتموها، فقزمّتموها، فحجمّتوها، وعندما اخترقت الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي المصري عدة مرات وهي تضرب الفلسطينيين أشقاءَكم، صَكَّ أبناءُ أبطال العبور وجوهَهم، وسدّوا آذانَهم، فالقرارُ العسكري المصري في عهد زوجِك لا يساوي جَناحَ بعوضة.
حُكْمُ أُسْرة مبارك يعني انتهاءَ العصر المصري، ولم يبق لكم غير الوساطة بين الفلسطينيين وعَدوِّهِم برعاية رئيس جهاز المخابرات التي كان اسمُها يُنزل الرعبَ في قلوب خصوم مصر، فجعلها زوجُك مُشَرّعة الأبواب أمام كل من هَبَّ ودَبَّ.
السيدة سوزان: لكننا لانزال قادرين على تصدير ما تحتاجونه من أدمغة تـُثري الحياة في قطر بعلماء، وخبراء، وإعلاميين، وأكاديميين، وأطباء، ومهندسين، وأنتم ماذا لديكم غير المال لتمنحوننا إياه؟
الشيخة موزة: الغرور قاتل، والفوقية مرض، والاستعلاء نقص، والتفاخر مسَبّة!
لولا أننا نعرف آلاف المصريين الطيبين، المسالمين، العاشقين لقطر، لجعلني كلامُك أكره أبناءَ مصر .. ضيوفـَنا الأعِزّاء.
أنتم الذين تدفعون المصريين للهجرة بحرا، وجوا، وبرا، وتـُلقون بهم في زوارق متهالكة تمخر عُباب موج هائج، وينتهي بهم السندبادُ المزيّف إلى قاع البحر فهو أكثر أمنا من الحياة في ظل زوجك و .. ابنه.
إنَّ حُزننا علىَ مصر لا تعرفينه، ولا تفهمين كُنهه لأنني أشك أنك تحبين بلدَك وشعبَها الكريم.
لقد أعماكم الغرور، وصحافة النفاق، وأقلام السلطة الرابعة، فظننتم أنَّ إعلامَ أنس الفقي هو إعلام الرِيادة، فإذا بالخلاف الكروي مع الجزائر يكشف عورته، ويشاهد الملايين قِرَدة تقفز، وتتحرك، ويستدعيها القرداتي ليطلب منها أنْ تشتم الجزائريين، وشهداءَهم، ويلعن تاريخ نضالِهم، ويـَمُنُّ بالفن السابع ومسلسلات رمضان ومسرحيات الزعيم!
عندما ينتهي الصراع الفلسطيني مع الإسرائيليين فلن يصبح لمصر دور في عهد زوجك إلا الوساطة بين بعض القبائل الأفريقية أو الجهاد مع الجماهيرية العظمى ضد سويسرا!
أتفهم تماما غيرتَكِ القاتلةَ من دوري، وأعرف كيف ينظر زوجُك إلى بلدنا كعُلبة كبريت إذا اشتعلت مرة واحدة فقد ضاع شرفنا.
وسيظل للمصريين في قلوب القطريين أعزُّ مكان، وأنا أقرب إليهم منكِ، وعندما ينتهي نظام حُكم عائلة مبارك فسنكشف أوراقاً لم تَدُر بذهن أحد قط، وسننشر أسماء كل الذين نهبوا أموال الدعم القطري لمصر، أما الآن فلا نستطيع خشية انفراط العقد العربي الأوهن من بيت العنكبوت.
السيدة سوزان: سنرى بعد سنوات من الأبقىَ لشعبه، فزوجي لديه وريث، وأحفاد مبارك سيتشبثون بالحُكم لعقود طويلة قادمة، وربما يحكم مصرَ مباركٌ حفيدُ الابنِ بعدما يكون مَلـَك الموت قد حصد في ثمانين عاما قادمة كل الأحياء فوق أرض مصر وقطر.
لو أراد زوجي أن يثير المتاعب لدويلتكم الصغيرة فسيقف في شرفة قصر العروبة، وينفخ نفخة واحدة، فإذا بآل ثاني قد طاروا من الدوحة إلى المنامة.
الشيخة موزة: قصر ُالعروبة لم يعد فيه عبد الناصر الذي كان كبيرا وهو مهزوم، وظن الصغار أنهم سيشمتون فيه بعد نكسة يونيو فإذا هو في قمة الخرطوم أكبر منهم جميعا.
قصر العروبة لو أطلق جندي عليه رصاصة من مطاط لهرب ساكنوه من الباب الخلفي، وحُكمُ زوجُكِ تسقطه قناة فضائية مصرية معارضة لو بثت من عاصمة غربية فستصبحون لاجئين في أمريكا أو ألمانيا أو عندنا في علبة الكبريت.
قوة استمرارية عائلة مبارك ليست في القبضة الحديدية التي تمسكون بها رقاب شعبنا المصري الصبور، ولكن بفضل الدعم الخليجي لبالوعة النهب الذي لا يشبع.
اذهبي لزوجِكِ وقُصّي عليه مِنْ نبأ حديثِنا، ودَعيه يحاول مُصارعة علبة الكبريت، وحينئذ سيشاهد العالـَمُ ذكاء جيري أمام حماقة توم بضخامة جسده.
أنصحُك بقليلٍ من التواضع، فالأصفارُ القادمة في الولاية السادسة لزوجك لا يحصيها كشّاف، أو عَدَّادٌ، أو آلةٌ حاسبة.
وهنا انصرفت السيدتان بعد عناقٍ خفيف، وطبعتْ كل واحدة قـُبلة على وجنة الأخرى دون أن تقترب من مساحيق بسيطة ، ويبقى الحُكم على الوجه للمرآة، والحُكم على العمل لشعبيهما، والحُكم الفصلُ علىَ القلب في السماء.



محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 19 ديسمبر 2010
Taeralshmal@gmail.com

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...