01‏/05‏/2012

الوصف الايجابي في صناعة الإرهابي

الوصف الايجابي في صناعة الإرهابي

أوسلو في 10 ابريل 2005
صناعة الإرهابي لا تختلف عن أي صناعة أخرى، مادية أو روحية، وأنت تستطيع لو كنت تملك المواد اللازمة لعمل الخلطة الدقيقة أن تصنع جنديا باسلا، وحارس سجن قاسيا، وطباخا ماهرا، وتلميذا فاشلا، وشابا مدمنا، ومعكرونة بالبشملة والتوابل الهندية، وأسمنتا مغشوشا يسقط البنيان فوق رؤوس ساكنيه بعد فترة محددة ومحسوبة، وفنانا رقيقا يستخرج من الطبيعة سحرها وجمالها ليعرضه على عينيك، ومهووسا جنسيا يرى الدنيا كلها امرأة حتى لو ظهرت له عفريتة من الجن الأزرق فسيتخيلها عارية في فراشه!
لكنك أيضا تستطيع أن تصنع إرهابيا بكل المواصفات المطلوبة وفقا للحالة شريطة توافر كل المواد الداخلة في هذه الصناعة الحديثة التي اكتسبت ُبعدا هاما!
والإرهابي لا يتبنى قضية يدافع عنها، لكنه يتلقاها جاهزة ويحفظها عن ظهر قلب، ثم يدفع بها إلى حواسه كلها فيشم بها، ويتذوق عن طريقها، ويسمع العالم من خلالها، ويرى الدنيا بعينيها، وتملك عليه كل مشاعره.
وهناك صناعات تستغرق وقتا طويلا، ويبذل فيها صانعوها جهدا غير عادي فتخرج قيادات إرهابية ليست صغيرة في العمر، وتستطيع أن تزاول هي الصناعة كما تشاء.
في الواقع فإن أكثر المواد المستخدمة في صناعة الإرهابي الحديث مستخرجة من الفهم السقيم للدين، ومن عالم مسحور ببخور الكراهية، ومن تخيلات مريضة لإلــَه قاس وغليظ يستمتع بمشاهدة قتل الأبرياء، وأحكام التكفير، وظلم النساء، واهدار الحقوق، والغاء العقل، والاحتكام لأبعد الأموات عن زمننا وعالمنا الحديث.
قبل عمل الخلطة عليك التأكد من أن الشاب الذي أمامك يملك ثغرات كثيرة يمكن النفاذ منها، كأن يكون محروما جنسيا، أو لديه تصور لرب الكون العظيم بأنه إلــَه ينتظر بشغف شديد عباده ليدخلهم الجحيم، ولا يرحم إلا قليلا، ويحاسبهم حسابا عسيرا، وأنه مشغول فقط بتتبع كل صغائر الذنوب والآثام والأخطاء، ثم تكبيرها وجعلها سببا لالقاء عباده في نار ســَــعــَـر.
عليك أيضا وأنت تبدأ في صناعة الإرهابي أن تجعله يبغض الدنيا، ويكره من حوله، ويفشل في علاقاته الإجتماعية والفكرية والوجدانية، وأن تبعد عن مرمى بصره وأذنيه أي اشياء تتسلل إلى مواطن الجمال والخير في نفسه، فهو يرى غير المسلمين كفارا ولو لم يسمعوا بالإسلام قط، وينفر من كونسرتو بيانو هاديء وجميل يرقق الطباع، ويرى السيمفونية الثامنة لبيتهوفن، وأعمال أبي بكر خيرت، وشعر محمود حسن إسماعيل بموسيقى عبد الوهاب، و(وقف يا أسمر) لفيروز، والعزف المنفرد لأيوب طارش، ودليلي إحتار لكوكب الشرق أصواتا للشياطين لأنها لا تقوم على الشرع الذي حدد الدف فقط لكي ينجو بها المسلم من عذاب مقيم إذا وسوست له نفسه وقرر الاستماع في حضور الشيطان للموسيقى.
هنا تكون قد حاصرت الشاب، وقمت بمحاولات ناجحة لتفريغ مواطن الجمال من أي شيء يجعل صاحبها يحب الحياة التي أهداه إياها رب العالمين.
لا تتعجل فصناعة الإرهابي ليست بهذه السهولة، وعليك الآن أن تجعله يكره المرأة، ويراها سببا لكوارث البشر، وأن أكثر أهل النار من النساء، وأنها لا تتحرك أو تخرج أو تتكلم أو تعمل أو تتسوق أو تصحب أطفالها إلا بحضور محرم، أي رجل يحميها من اغراءات الشيطان، ولك أن تسأل: لماذا لا يسافر الرجل السفيه أو الأحمق أو الضعيف بدون محرم، أعني بدون رجل آخر يحميه من نفسه، ويبين له أخطار الايدز إذا ارتمى في حضن عاهرة، ويحذره من الرشوة والمحسوبية والغش والفساد، فملايين من الرجال المسلمين يحتاجون لــ ( حماية ) أكثر مما تحتاج النساء!
لا عليك، فلن تجد الإجابة، بل إن سؤالك يدخل في صميم استنفار قوى الشر لدى الإرهابي، ولو طرحت عليه سؤالك هذا فربما تكون أنت الضحية القادمة!
صناعة الإرهابي لا تقوم لها قائمة بدون عالم الفتاوى الفجة والتي يعلم واضعوها أنهم لن يصطدموا بعقل يفكر، وخيال يسبح في ملكوت الله، ونفس مؤمنة بالتسامح والرحمة وترك يوم الحساب للعلي القدير.
لا يمكن أن يفجر إرهابي مُجَمّعا في الرياض، وبناية في الكويت، ويقتل سياحا زائرين آمنين في مصر، ويحكم بالإعدام على كاتب أو فنان أو مطرب إلا ويكون قد مر على عشرات الفتاوى وربما المئات في كتب صفراء، ومجلات للمتخلفين ذهنيا، وفهارس لا نهائية لفتاوى ( كبار ) العلماء، تجعله سجينا فيها، مكبل العقل في أحكامها، مسيرا بتوجيهات فضيلة الشيخ.
قرأت مؤخرا سؤالا من مسلم يسأل عن حكم الدين في تعويض صيام شهر رمضان الذي فاته، وهو يحب أن يصومه بالطريقة المثلي!
حتى الآن فالسؤال وجيه ومن صلب الدين، لكن صاحبنا يقول بأن الأيام التي فاتته من شهر رمضان المعظم كانت منذ حوالي ثلاثة وأربعين عاما!
ثلاث وأربعون سنة وهذا المسلم لا يعرف أن الله غفور رحيم، وينتظر كل هذه السنوات والعمر الطويل ليدخل في سباق المزايدة الدينية فيقدم شهادة حسن سير وسلوك للمجتمع، ويريد فقط أن يشاركه الآخرون هذا السباق المسيء تماما لديننا الحنيف. صناعة الإرهابي تكتمل بالبديل، وهو بيت في الجنة طوله ألف عام، ومكان قريب من مصب أنهارها، وثلاث وسبعون حورية تعود لكل واحدة عذريتها بعد الجماع، وعندما يؤكد الفقهاء وسحرة الفتاوى أن المسلم في الجنة في حالة انتصاب دائم، فلك أن تتصور كيفية قضاء الوقت. ولكن هل في كل منا شيء من الإرهاب لم يكتمل بعد؟ الواقع يؤكد أننا جميعا إرهابيون بدرجات متفاوتة، منا الرقيب، وضابط الشرطة السادي، والسجّان، والمخبر، والذي يطلق الفتاوى المعادية للحياة، والصامت على مضض، والذي يتمنى أن يحكمنا هؤلاء .

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...