02‏/05‏/2012

أيها اللبنانيون، نلطم وجوهنا دفاعاً عنكم!

أوسلو في 23 يوليو 2006
لن يتمكن الأطفال في الملاجيء تحت الأرض من الاستمتاع بفيروز وهي تغني باحبك يا لبنان، فأزيز الطائرات الاسرائيلية أعلى من الأوتار الصوتية لصاحبة زهرة المدائن.
بيانٌ هام من قصر الزعيم العربي الكبير يؤكد أنه لم ينم الليلَ، وأصابَه الأرقَ على مصير اللبنانيين ( ولا مانع من اضافة الأسيريّن الاسرائيليين )، وأنه أعطى أوامره ببذل كل الجهد للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني!
ما أرق قلب زعيمنا وهو يتقلب في فراشه، وينظر إلى سقف غرفة نومه، ويفكر في حرب الابادة التي تقودها إسرائيل ضد شعب عاش من أجل الحب والكِتاب والسياحة وبين الحين والآخر يتقاتل الأصدقاء على أرضه، ثم يساهمون في إعمار ما تم تخريبه، ليعودوا سائحين على شواطئه.
في الصباح الباكر يستجمع زعيمنا المبجل قُوَّتَه، ويصدر بيانا شديد اللهجة يطالب جنود الاحتلال الصهيوني بأن يتجنبوا قدر استطاعتهم قتل الكثيرين من الأطفال اللبنانيين.
مزق بيان شجيع الشجعان شغاف قلوبنا، وتبارت وسائل الاعلام في بلده لشرح عبقرية زعيمنا في إنقاذ الشعب اللبناني الصديق، حتى ظننت أنه سيرسل للرئيس الأمريكي محاولا اقناعه بتذوق التبّولة والحُمُّص والشاورما.
أيها اللبنانيون الساذجون الذين يظنون أن هناك اتفاقية دفاع مشترك، وأن ملايين من أبناء الشعب العربي الذين كانوا في يوم من الأيام على استعداد للدفاع عن صدام حسين صاحب القبور الجماعية سيهبون لنجدتكم، ويؤكدون للعالم كله أن زعماءنا المبجلين لا يحكمون موتى أو خشبا مسندة.
إننا نعدكم بأن نذرف مزيدا من الدموع على أرواح شهدائكم، وأن نشاهد جثث أطفالكم على الشاشة الصغيرة ونحن نتناول الطعام بلذة عجيبة كأننا نأكل بعد اضراب عنه.
وقودُ آلة الحرب القذرة التي يشنها الارهابيون الصهاينة تحت زعامة أولمرت جاء من بلد عربي كبير ومعه قُبْلة من زعيمه.
عزاؤنا في مئات المحاورين على الفضائيات العربية، نِصْفُهم يشير بأصابع الاتهام إلى حزب الله، والنصف الآخر يؤكد حَقَّه في المقاومة.
ضيوف الفضائيات العربية يصرخون حتى تصل صرخاتهم إلى مهندس الصوت، وتبرُز العروق في الرقبة، ويؤكد بعضهم أن الحل في نزع سلاح حزب الله، وآخرون مؤمنون أن الوقت لم يكن مناسبا لخطف الجنديين الاسرائيليين، ورئيس دولة عربية كبرى يقول بأنه كان ينبغي أن يستأذن الحزبُ رئيسَ الدولة قبل العملية بنصف ساعة، أي يستقل حسن نصر الله سيارة أجرة من صيدا أو صور أو مرجعيون ثم يتوجه بها إلى قصر بعبدا في بيروت، ليبلغ إميل لحود أن دورية إسرائيلية تنتظر غير بعيدة حتى يتم اختطاف أفرادها!
قوات الردع العربية تنتشر في دمشق، ولا يزال السوريون يُصَرّحون بأن لبنان وسوريا بلد واحد، وأن اقامة سفارة سورية في بيروت غير وارد في الوقت الحالي.
لكن حماية الشطر الآخر من الجمهورية العربية السورية، أي لبنان ليست مهمة قوات الردع خاصة وأن الدول الكبرى تبنت الموقف الاسرائيلي، وأن أرواح ثلاثة جنود اسرائيليين أطهر عند أمريكا والغرب من كل أطفال لبنان وفلسطين.
الموقف العربي لا يختلف عن مؤتمر القمة عقب غزو قوات صدام حسين لجارته الصغيرة الآمنة، لكن أضيفت له نكهة جديدة رائحتها تنبعث من بلاد الرافدين حيث نافس عراقيو اليوم لبنانيي الأمس في الطائفية، ويمكنك الآن في العراق أن تلقى حتفك وفقا لنوع المسجد الذي ترتاده، وأن تمر سكين على عنقك حسب اسمك إن كنت شيعيا أو سنيا.
تطل عليك من الشاشة الصغيرة مذيعة لبنانية تجعلك تحلم بها زوجة لك ولو كانت العِصْمةُ في يدها ودفترُ الشيكات في يدك، ثم تقرأ عليك تفاصيل المذابح الصهيونية في لبنان، ولكنك كمواطن عربي تنتظر رأي وليّ الأمر، فإذا أصدرت حكومتك بيانا يدين خطف الجنديين، فستلعن توريط حزب الله للبنانيين في هذا الخراب، وإذا أشادت وسائل إعلام بلدك بالمقاومة الشريفة فهي تستكتب مثقفيها وإعلامييها لتبرير الموقف الرسمي، وتلوين الضمير وفقا للمصلحة.
ماذا تفعل الأسلحة السورية الشقيقة التي تستطيع من دمشق أن تخيف طائرات العدو أو طيور السماء المهاجرة؟
لا بأس فالوقت غير مناسب لتحرير الجولان أو الدفاع عن لبنان.
يقفز إلى لسانك سؤال عن الجيش اللبناني والأسلحة والقاذفات والطيران خاصة أنه بلد مستهدَف وتعرّضتْ عاصمته للاحتلال الصهيوني من قبل!
وقبل الانتهاء من طرح سؤالك يأتيك الجوابُ موَحَدا من الداخل والخارج: إن قوة لبنان في ضعفه، ويتباهى اللبنانيون بصوت فيروز وجسد نانسي عجرم ودور النشر ومعرض الكتاب والمطبخ اللبناني وحرية الصحافة وعدم وجود جيش يدافع عن الوطن المتربَص به دائما.
هل كانت الطائفية مانعاً لتكوين جيش قوي على غرار جيش سويسرا ؟
ومع الاشارات المتناقضة لادانة حزب الله أو الاشادة به، تظل الغطرسة الصهيونية هي الحاجز المنيع لسلام في المنطقة، ويبقى التاريخ الدموي للكيان الصهيوني منذ نكبة تأسيس الدولة الارهابية في قلب العالم العربي شاهدا على الظلم الذي وقع على العرب برُمتهم، وعلى الفلسطينيين واللبنانيين خاصة.
الآن يمكننا توزيع دموعنا على أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان، ونحبس بعضها في مأقينا لكارثة قادمة تدك فيها اسرائيل أو أمريكا عاصمة عربية أخرى بعد اتهامها بأنها تغض الطرف عن الارهاب، وتريد الاضرار بالمواطن الاسرائيلي الطيب الباحث عن السلام ، وأنها من محور الشر، ويتم استقطاع مبلغ من دافع الضرائب الأمريكي الساذج للبحث عن أسلحة الدمار الشامل في دمشق أو طهران أو مقديشيو. هل يستحق لبنان كل هذا الدمار والقتل والابادة؟
لماذا نعانق اللبنانيين في فترات السلام، وندير لهم ظهورَنا إن ألمّتْ بهم كارثةٌ أو تعرّضوا لعدوان؟
لماذا يدفع لبنانُ ثمنَ الهوان العربي؟
لماذا لا نقوم بحل الجيوش العربية، وتسريح الجنود، واغلاق مصانع الأسلحة التي لا تعمل، وابلاغ سيد البيت الأبيض بهذا القرار لعله يرأف بنا ويرحمنا؟
أيها اللبنانيون :سنهزّ العالمَ دفاعا عنكم بدموعنا وصمتنا ومظاهراتنا المتكاسلة التي تتربص بها أجهزة استخبارات زعمائنا، ونلطم وجوهنا لحمايتكم، فتلك هي أسلحتنا وكرامتنا، فنحن أجبن من أن ننظر في عيون أطفالكم!

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...