02‏/05‏/2012

عقيد متقاعد : نعم اشتركت في قتل جون جارانج


Oslo 11.09. 2005


الرابع والعشرون من أكتوبر عام 2022
بعَيد وقوع الحدث تتم كتابة مسودة التاريخ مع بعض الهوامش، ويتم تقديمه للعامة على أنه تفصيل دقيق لحقائق الحدث، فيخوضون فيه، ويضيفون إليه، ويحذفون منه
لكن الكتابة الفعلية مع الشهود تنتظر غالبا عقدا أو اثنين أو ثلاثة بحد أقصى، أما الكتابة الثالثة للتاريخ فمليئة بالأكاذيب، في الأولى تجد مجموعة انفعالات مضافا إليها أنصاف حقائق وثرثرة الصحافة وتسريبات أصحاب المصالح.
هكذا علمنا التاريخ، فهو يكذب كثيرا ويترك لنا اكتشاف الحقائق ونزعها عنوة من صفحاته.
نحن نحيط علما بالجهل، ونتبادل الشائعات كأنها خارجة من مختبرات علمية، ونستدعي من اللغة ألفاظا متفرقة ومتصادمة مع المنطق فنظن أنها قرائن وأدلة ووثائق ممهورة بتوقيع سماوي لا يأتيه الباطل.
بعد عشر سنوات أو عشرين أو ثلاثين سيقرأ من بقي حيا سيناريوهات مختلفة عن جحر شيطان بغداد الأسير، وعن سقوط العاصمة العراقية، وعن تفجيرات شرم الشيخ، والحادي عشر من سبتمبر، ويوميات جندي سوري في لبنان، والاجتماعات السرية بين أبي مازن وشارونوسبب صمت أبي عمار ثم موته الغامض، وأسماء المسؤولين العرب المتعاونين مع الاستخبارات الأمريكية، والمفاعل الايراني، وحكاية القاعدة،ولعبة الحكم بين المعارضة والسلطة في الوطن العربي، والمقابر الجماعية لدى الدول الأعضاء في جامعة عمرو موسى، وثروة الرئيس حسني مبارك ....
من المستحيل التحقق من الكلام الذي سيصرح به عقيد متقاعد ( سوداني أو أوغندي أو أمريكي أو تشادي ) في حديث بعد سبع عشرة سنة عن اشتراكه في قتل جون جارانج بعدما استدركه نظام الحكم الارهابي المستبد لعمر حسن البشير، ومنحه الأمن والأمان، وجعله نائبا أول لرئيس الجمهورية.
تاريخ البشير كتاريخ جعفر النميري مليء بنكث الوعود، وتصفية المعارضين، وصناعة الارهاب باسم الدين، والتمييز بين أبناء الوطن الواحد، وانشاء سجون ومعتقلات قال عنها السودانيون بأنها بيوت الأشباح لهول ما يحدث بداخلها.
سيقول العقيد المتقاعد بأنه تلقى الأوامر باسقاط طائرة جون جارانج، وأن ديكتاتور السودان كان على علم بكل تفاصيلها، لذا رفض اعلان سفر نائبه الأول حتى لا يحرجه السؤال من الفضوليين عن سبب عدم سفر الرجل الثاني بطائرة الرئاسة

البشير مسؤول عن جرائم لا تعد ولا تحصى، ومنه جاءت الأوامر للقتل واغتصاب الفتيات في دارفور، وهو الذي تحالف مع الترابي عدة مرات وغدر به رغم أن الثاني كان أيضا مستعدا للغدر بالرئيس.
الادعاء بأن البشير لم يكن على علم بسفر نائبه الأول كذب أكثر حماقة من الجهل بالحدث نفسه.
والبشير له تاريخ من المؤامرات ولعل أكثرها وضوحا تحالفه مع صدام حسين ضد الكويت في مقابل نصيبه من ذهب المصرف المركزي الكويتي.
التفاصيل لمن سيبقى منا على قيد الحياة تجدونها في حديث العقيد المتقاعد أو ربما الجنرال، وقد يكون في التاريخ المذكور أعلاه أو بعده أو قبله بعدة سنوات، وقد يكون صيفا أو شتاء، وقد يكون شاهد زور جديدا أو عسكريا أوجعه ضميره وقرعه لسنين عددا.
أيتها الحقائق الكاذبة والأكاذيب الحقيقية، كم أنت أرخص سلعة يسعى المؤرخون لتثمينها، ولكن بعد رحيل كل الشهود!

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...