لماذا تتأخر بعض الشعوب؟
هل يتوقف النمو العقلي أو التطور الذهني لبعض الشعوب ولفترة مُحددة ترجع لأسباب مجهولة أو معلومة؛ ثم تعاود التطور مرة أخرى؟
الجماهير التي تتوسع فتصبح شعوبا محشورة في مساحة جغرافية تكون لها أحيانا بعض صفات الأفراد؛ فتتأخر أو تتقدم أو تتقزم فكريا أو تَضْحىَ فقيرة في تغذية اكتشافاتها التنموية أو النهضوية، فتتراجع لتصبح فريسة سهلة لقوىَ أكبر وأذكى وأقوىَ منها، فتغري الاستعمار، مثلا، لافتراسها أو تمنح الأثرياءَ فرصة للتلاعب بمقدراتها، أو تؤكل خيراتُها من كل جانب.
هناك شعوب وصلت في زمن ماضٍ إلى قمة الحضارة في ذلك الوقت، ونفس هذه الشعوب المُكوِّنة لدول وبلدان تراجعت على كل المستويات، ولكن ظل الجانب الفسيولوجي كما هو من الجسم والعظام وحجم المُخ وحدة البَصَر وغيرها.
ويتناسب التطور الحضاري عكسيا مع قوة تحمّل الأمراض الفردية، وتظل الأوبئة عصية على الإنسان بنفس القدر، سواء كان متطورا أو متخلفا، وكوفيد 19 مثال حيّ لاكتساحه العالم المتقدم ونظيره المتأخر بنفس السرعة والقوة.
لكن يظل السؤال المطروح عن غرابة التأخر بغير إجابة بعكس التطور وهو حالة طبيعية للجنس البشري والحضارات والخبرات والعلوم والاكتشافات الطبية والفضائية والالكترونية.
لماذا تتأخر شعوب شهد تاريخها نهضة معمارية وفكرية وعلمية، ورسم الأقدمون في معابدها قوتهم وتقدمهم، فجاء وقت ضعف حضارة الخــَــلــَــف وأصبحوا غير قادرين على مواجهة شعوب صغيرة العدد، ضئيلة التسلح والجيش؟
هل الجينات الوراثية لها تأثير في حركة الشعوب والدول؛ وإذا كان هذا صحيحا فكيف تنشط جماعات في ظل الاستعمار المتقدم، فإذا غادرها أو أُخرج منها أو هزمه أصحاب الأرض عاد الضعف يُنهك المنتصرين ؟
أعود إلى السؤال الرئيس عن كيفية التأخر بطيئا أو حثيثا فتقبل جماعة من البشر المذلة والخنوع والفقر ونهب أموالها وفتح السجون والمعتقلات لأبنائها وإذا استخدمت عقلها ففي تبرير مهانتها وكثيرا ما تضفي قداسة دينية على من يدوس فوقها؟
بعد سنوات من قبول الأمر الواقع والخضوع لهدوء وسلامة وأمان الإذلال تكون الجماعة قد غيّرت مفاهيم لغوية في قاموسها الحياتي، فلا تستطيع أن تشرح لها معاني الكرامة والحرية والإنسانية والاستقلال فهي مفردات قادمة من عالم غريب عنها حتى لو كانت من صُلب حضارتها القديمة وكفاحها ضد مستغليها ومحتليها ومستنزفيها وناهبيها.
أغلب الظن أن هذا الضعف والخمول والمسكنة يفتح الباب لرجل واحد فيدخل مستعرضا قوته، ويجد في انتظاره حراسا ومدافعين وجبناء وخائفين ومنافقين وعبيدا يكوّنون خط الدفاع الأول عنه، ثم تكبر وتتناثر وتتسع دوائر وخطوط الدفاع فتدخل كل مؤسسات الدولة وسلطاتها القضائية والتشريعية.
هنا تكون الجماعة قد فقدت إيمانها بنفسها وبوطنها وبقدرتها على إدارة شؤون بلدها، وتظهر قدرة المتحكم في تحريك الخيوط في كل اتجاه يراه مُساعدا لاستمرار الخمول الشعبي.
لا يكون حاكم قوي أو ديكتاتور سوبرمان أو طاغية مُستنسخ من كينج كونج، إنما يوجد مرشدون ومتعاونون ووصوليون وجبنان ومستغلون، وهؤلاء يحركون من وراء الشعوب ومن خلف الستار ويوحون لجماهير الناس أن الديكتاتور هو الذي يمسك كل الخيوط.
الطائفية والتطرف الديني وقداسة بعض الأفراد والتبرع الذاتي بالخوف كلها أمور تنتهي بالتخلف الاجتماعي والتأخر الجماهيري.
من الذي حرّك هذه الجماهير، مثلا، في رواندا عام 1994 فقتلت من بعضها مليونا كأنها في لعبة تشبه صراع الديكة؟
لماذا يختار حاكم في بلد ما ضعاف النفوس والعقول والجهلاء والجبناء والوصوليين للامساك بمفاصل الدولة، وتصمت الأغلبية؟
معظم الشعوب المتخلفة قامت لها قائمة وانتصبت في تاريخها حضارات بل ربما أغارت على جيرانها وأرسلت جيوشها وعلماءها ومبشريها ودعاتها إلى أركان البسيطة في أقصاها وأبعدها، ومع ذلك إذا نظرت إليها الآن لا تجد تفسيرا منطقيا لقبول التأخر التدريجي الذي ينتهي بالعبودية الطوعية!
أنا أظن أن فقدان او ضعف أو غياب ما يمكن أن أطلق عليه( حاسة الغضب) هو الذي يفتح المجال للضعف في كل جوانبه، والفرد كالجماعة كالشعب؛ إذا ذبلت أو اضمحلتْ أو خفتت حاسة الغضب للكرامة والاستقلالية والإنسانية والملكية الجماعية( هذه بلدي، وأرضي، وبحري، ونهري، وخيراتي، وإرثي من أجدادي، وحريتي ..) تكون الدولة كلها في حالة استعداد للقبول بكل سيئات التخلف ومنها الإذعان والمهانة وتقديس القوي أو تقوية القديس قبل الخضوع له.
المبشرون المسيحيون والدعاة المسلمون مارسوا أكثر على مدى التاريخ دور وسطاء الخنوع واقناع الشعوب أن التخلف والطاعة والعبودية قد تكون أقصر الطُرق لرضا السماء.
على المستوى الفردي فأنا تُحيّرتي الصورة الغامضة لفرد تعلــَّــم وتثقف وقضىَ جل حياته في تحصيل المعرفة ثم اختار العبودية الطوعية والقداسة لممثلي السماء المزيفين وممسكي سوط الحاكم فركل بحذائه ما تعلمه، ولعق بلسانه ما سيُنجيه من خطورة تطوره الذهني والعلمي والفكري.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 24 سبتمبر 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق