شجاعةُ الدينِ ليست دينَ الشجاعةّ!
لا يوجد دينٌ على وجهِ الأرضِ يجعل منك إنسانــًا شجاعـــًا في الفروسيةِ وقولِ الحق والحوارات الأدبية والمخاطرة لإنقاذ فريسة من أنياب حيوان متوحش والوقوف في وجه ديكتاتور والتعبير عن الرؤية السياسية خارج الصندوق في قضايا رأي عام!
ولكن توجد شجاعةٌ منك تزفرها شخصيتــُك وأفكارُك وقدرتُك على المواجهة فتـُلـْصِق نفسَها بالدين أو تُفسِّر الآياتِ الحمَّالــَةَ الأوجه لصالح أنفاس الحرية والكرامة والثقة بالنفس التي تتمتع أنت بها، فتدلف إلىَ مشاعرِك قداسة انتزعتــَها أنت من الدين في الوقت الذي أخذها غيرُك كأنها طاعة عمياء لمن تظن أنهم فوقك.
كل التعاليم في أديان الأرض قاطبة تُفسّرها أنت وفقــًا لمساحة الشجاعة في صدرِك، فتحيل المفردات إلى قاموس الجُبْن أو نظيرِه مُعجمِ الشجاعة، فالخنوعُ يتحول إلى رغبة في السلام، والخوف يصبح بحثــًا عن الأمن، والمعركة الأدبية تَضحىَ هُدْنةً واستراحة أو تجنبَ صداعِ الحوارات؛ أما استخدام مُعْجَم الشجاعة فعكس السابق تمامـــًا.
لهذا فإنَّ المتلاعبين بالمقدسات من خارج دائرة المؤمنين يسْهُل عليهم السيطرة الايجابية أو السلبية بتفسيرات الإقدام أو الخنوع حسبما توجههم الرغبة في تقديم الدين كمُحفِّز علىَ الغضب أو .. كمُفَرمل للشجاعة!
كل الحروب الدينية على مدار التاريخ الإنساني لجأتْ إلى أعماق النفس زاعمة أنها دخلتْ صفحات الكتب المقدسة، فتستخرج ما يوافق هوىَ المحاربين أو القياديين وتضع خِتْمَ السماء علىَ معارك الأرض.
حتى العبيد كانوا يجدون تفسيراتٍ مريحةً للضمير لدىَ الوقوف تحت أقدام أسيادِهم، خاصة إذا خُتمَتْ برضا المعابد، وطاعةُ العبــْد لسيدِه تختلط مع طاعة العبدِ لربـــِه بفضل تفسيرات السَيّد الذي يضع الكـُرباجَ داخل كتابـــِــه المقدّس.
السماءُ تأمرك بالحُسنىَ فيأتي من يقنعك أنَّ المقصودَ بالحُسْنىَ جزُّ الرؤوس، فتقتنع؛ ليس بما قيل لك من الخارج، ولكن بما أفرزته نفسُك من الداخل.
معاركُ مقارنة الأديان هي أسهل الحروب الافتراضية على وجه الأرض، لأنَّ المحاورين يعثرون بسهولة على تناقضات أديان بعضهم بحُكْمِ المساحة الزمنية والمكانية في التاريخ والجغرافيا، فتختلط الحقائق والحكايات التي اختفىَ قائلوها تحت الأرض مع مقدسات عاشت في صدور المؤمنين بها فاكتسبتْ كلها صفة الرهبة؛ وهي التي تُيسّر التفسيرَ النفسيَ لفرسان المقارنة والمقارعة والضرب تحت الحزام حتى لو لم تصهل خيولـــُهم الفكرية.
ضع مسلمــًا ومسيحيــًا ويهوديــًا في ساحة معركة مقدسة مع بوذي وهندوسي وكونفشيوسي، فهل تستطيع أنْ تتنبأ بالمنتصرين؟
أغلبُ الظن، أو كما أنا أظن، أنَّ المنتصرين منهزمون كما أن المنهزمين منتصرون، فمئات السنوات من تاريخ كل دين من الأديان الستة، سماوية أو أرضية، تسمح لك أنْ تعثر على ثغرات وضعية يزعم صاحبــُها أنها سقطتْ من السماءِ، أو ثغرات سماوية قذف بها تجار ُالدين إلى الأعلىَ.
كل عُشّاق مقارنة الأديان يدخلون المعركة بالقَدَمِ اليُسرىَ فيطعنون في مُسَلــّماتِ مخالفيهم اعتقادًا منهم أنهم يدافعون عن مُسَلــّماتهم الذاتية، فلا آمن هؤلاء بعقيدة الآخرين و.. لا كفر الآخرون بمعتقداتهم.
أعودُ إلى قضية الطرح مؤكدًا أنَّ الدينَ لا يُعَلــّمك الشجاعةَ؛ إنما تُعَلــّمك إياه صفاتــُك النفسيةُ حتىَ لو صنعها التهَوّرُ واللامبالاة بالخطر والرغبةُ في التهْلــُكة، وكذلك الشجاعة تستطيع أنْ تصبغ بها الدينَ كلـــَّه أو بعضـَه وتقنع نفسَك بأنها أوامرُ و.. توجيهات عقائدية جعلتك فارســـًا مغوارًا.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 25 سبتمبر 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق