هل تريد أن تربح رضا الرئيس؟
أنا أفهم أنك تؤمن بأنَّ التنازلَ عن تيران وصنافير هو من أجل مصر، وأنَّ اعتقالَ ستين ألف مواطن أكثرهم بدون محاكمة من أجل مصر، وأنَّ اختيارَ أعفن إعلاميين منافقين للتعبير عن رؤية السيسي من أجل مصر، ومليارات من القروض المُهلـِكة والقاصمة لظهر الوطن في أجيال قادمة هو من أجل مصر، وأنَّ استضافة كل المعاقين ذهنيا من النواب وعلى رأسهم رئيسهم في التلفزيون من أجل مصر، وأن بناء تفريعة قناة السويس من أموال الحصّالة المصرية من أجل مصر، وأن توقيع اتفاق سدّ النهضة مع رفض إثيوبيا هو من أجل مصر، وأن صناعة ثقافة التسوّل في كل مؤسسات الدولة وإعلاناتها من أجل مصر، وأن اعتقال أي منافس للرئيس من أجل مصر، وأن رفض مئة مليون مصري مشاهدة القنوات التلفزيونية المصرية هو من أجل مصر، وأن نكث الوعد في احترام الدستور الذي أقسم عليه ثم عدّله ليحتفظ بالعرش إلى ما لا نهاية من أجل مصر، وأن موتَ السياحة لأن الرئيس لا يعرف ماذا تعني كلمة سياحة هو من أجل مصر، وأن استمرار القُضاة الجهلة والظالمين والمتخلفين هو من أجل مصر، وأن تقسيمَ مصر وخيراتها وأرضها ومناصبها على اللواءات فقط من أجل مصر، وأن غياب أي مشروع وطني وقومي وإصلاحي وثقافي هو من أجل مصر، وأن إنزال الرعب في صدر كل مصري يريد أن يتكلم أو يتنفس أو يختلف هو من أجل مصر، وأن امتلاءَ الفضاء المصري بالمتطرفين والمتشددين المتخلفين دينيــًا هو من أجل مصر، وأن غيابَ أكثر حقوق أشقائــِنا الأقباط وخاصة المساواة المواطــَـنية هو من أجل مصر!
وقد أتفهم أن الكراهيةَ لثورة 25 يناير المجيدة هو من أجل مصر، وأنْ لا مكان لمسؤول أو إعلامي أو كاتب أو ناشر لا يمتدح في الرئيس هو من أجل مصر، وأن نجاة المخلوع اللص مبارك بمليارات الشعب المنهوبة ثم خروج جنازة عسكرية لوداعه إلى مقره مع دود الأرض هو من أجل مصر، وأن رفض الرئيس السيسي وقبله محمد مرسي وقبلهما المشير طنطاوي استرداد أموال الشعب من الخارج هو من أجل مصر، وأن مضاعفة أعداد الفقراء والمتسولين هو من أجل مصر، وأن توسعة مساحة الفساد في كل أرجاء البلد هو من أجل مصر، وأن أربعة أخماس المحافظين لواءات من أجل مصر، وأن حجب زُرقة البحر عن عيون المصريين في الاسكندرية من أجل مصر، وأن مطاردة المغتربين والمهاجرين سواء في الذباب الالكتروني للمرشدين أو قائمة المترقب وصولهم من أجل مصر، وأن الجيش المصري خسر عددًا هائلا من الشهداء الشباب في نفس المكان وبنفس الطريقة الغبية في شمال سيناء كان من أجل مصر، وأن اتفاق الغاز في البحر المتوسط الذي أضاع علىَ أُمِّ الدنيا مليارات هو من أجل مصر، وأن لذة ومتعة الرئيس في اختيار وزراء من خصوم الثقافة والمعرفة من أجل مصر، وأن التعذيبَ في السجون والمعتقلات لأبرياء لم تتم محاكمتهم هو من أجل مصر، وأن مصر الكبرى التي كان من الممكن أن تأمر فتأتيها تركيا وإيران وليبيا وقطر والسلطة الفلسطينية اختفت بفضل السيسي من أجل مصر، وأن استقلالية القرار الوطني ضعفتْ وهزلتْ وأصبح المموّل ومن يدفع أكثر هو المتحكم من أجل مصر.
وقد أفهم أن يكون الرئيس الديكتاتور مثقفا وخبيرا في شؤون المعرفة والعلوم والآداب واللسانيات فتغضب عليه، لكنك لا تخجل منه أمام الدنيا كلها!
الغريب الذي لم أفهمه من مصريين كثيرين أرسلوا لي مؤكدين أن السيسي يبني قصورًا واستراحاتٍ في كل مكان وبأموال الشعب، من أجل مصر!
هل هناك فيروس أشد من الكورونا اخترق عقولـــَنا وصدورنا وقلوبنا ومشاعرنا فجعل المصريين يتجمدون عند 3 يوليو بعدما أعادت 25 يناير روحَهم من جديد وهي التي غابتْ في صدور آباء خائفين لحوالي قرن من الزمان.. أي منذ ثورة 1919؟
تبقى مشكلة المشاكل؛ كيف أكتب لأهل بلدي وهم يكرهون القراءةَ، ولا يُكْملون ثلاثة أسطر فيتعرقون، ويزيحون أيَّ موضوع بعيدًا عن أعينهم؟
كيف أكتب والمثقف والأكاديمي والإعلامي والفنان يلتصقون كالأرانب في سروال الرئيس؟
كيف والدولة أرسلتْ حشـــّاشين وشتّامين وسبّابين وعواطلية ومقهيين وأنصاف أميين يُعلـّقون ويردّون ويلعنون كل من يناهض الاستبداد، وعيونهم مُصَوَّبة على شفتي الرئيس ورضاه؟
كيف أكتب والكثيرون يتسابقون لكسب ودِّ أجهزة الأمن والمرشدين والمتعاونين والوشاة لضمان السلامة و.. لئلا يغضب عليهم القصرُ؟
كيف أكتب وقد تم وضع الدين في خدمة الظُلم والطائفية والكراهية وتأييد أحكام الجهل؟
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو النرويج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق