عادت النائبة صفاء الهاشم تُطلق النار على المصريين؛ فأعدتُ نشر رسالتي إليها لعلها تستطيع وضع الكراهية بجانب المحبة، فتُرجّح كفة واحدة!
رسالة مفتوحة إلى صفاء الهاشم
السيدة النائبة،
المُصارعُ الذي يدخل معركةً ويضرب تحت الحزامِ قبل الوصول إلى الحَلبة ستهزمه الجماهيرُ المتعطشةُ لسقوط الذي تصفق له أو.. لخصمه .
أما المُصارع الذي صنع خصمـًـا، وجعل يلاكمه من تحت قـُـبّة حرمٍ ديمقراطي، وينتظر التصفيق فقد خسر الاثنين معا: مطرقة الرئيس والحصانة البرلمانية!
لم يدر بذهني قط أنْ أتعاطف في معركة بينكِ وبين النائب المصري مرتضىَ منصور، فكل منكما أساء للديرة و.. أرض الكنانة، وكل منكما يرى الحصانة في لسانــِـه مع نزع قداستها، فخسر عشاق مصر من الكويتيين وهُم كُثر، ولم يربح عشاق الكويت من المصريين وهم أكثر!
ولم يدر بذهني أنْ أمسَّ من قريب أو من بعيد البرلمان الكويتي؛ فبيني وبين كثير من أعضائه مودة دافئة عبّر عنها رئيس مجلس الأمة الكويتي الأسبق الأستاذ أحمد السعدون عندما استقبلني بُعيد التحرير وقال لي: كنتُ وزملائي في لندن خلال شهور الاحتلال نتنفس حرية من كتاباتك، ونرى الأرضَ راجعةً إلينا بين سطور كلماتك، وأكمل سمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، رحمه الله، عندما استقبلني في مقر إقامته بالعاصمة البريطانية: هل تعرف أنَّ كل كويتي يحبك، أنتَ كنتَ تمثل الأملَ لنا، بل إنني قرأت كتابَك( كتابات لا ترضي الرقابة) في ليلة واحدة؟
وأنا آخرُ من يتعصب للوطنية الضوضائية التي تُغطي على السلطة، ولو أخطأ بلدي الأم، مصر، فقلمي بفضل الله ماهر في خسارة أصدقائي.
ربما لا تعرفينني، أنا المصري الاسكندراني الذي أصدر ثلاثة كُتب عن الكويت وبين يدي كتاب رابع عن ( خرافة عراقية الكويت )، رغم أنني أقيم في النرويج منذ أكثر من أربعين عاما؛ وأنا الصحفي العربي الوحيد الذي تحدّث في قلب بغداد عن حدود كويتية آمنة ومرسومة مع العراق، وكدت أصبح ضحية صدام في نهاية مايو 1990 لولا أن ألهمني اللهُ بعدم العودة لبغداد مرة ثالثة بعد زيارتي في 7 مايو في المؤتمر الشعبي للتضامن مع العراق، رغم أن برزان التكريني هدد بتصفيتي بسبب وقوفي مع الكويت، تماما كما قال سفير الجماهيرية في كوبنهاجن بأنني محظوظ فقد نجوت من عملية ( شدّ أُذُن ) أي تصفية في طرابلس، ولم أسافر للقاء العقيد القذافي الذي قال عن الكويت بعد الغزو العراقي بأنها دولة ورقية!
أوسع الأبواب التي فتحها حديثُكِ دخل منها إعلاميون ومواطنون مصريون قرأوا تاريخَ الكويت من هوامشه، ولم يعرفوا أن الفضلَ في تحرير هذا البلد الصغير يرجع إلى الكويتيين أنفسهم والمقاومة الكويتية الباسلة التي شهد لها سفيرا النرويج والهند صباح الثاني من أغسطس، وجسّدها سمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وزير الدفاع آنئذ، فكان آخر من قاوم في الوزارة، وغادرها بضغط من سمو الشيخ سعد العبد الله ليقيم مركزَ مقاومة ضد جيش صدّام على الحدود السعودية.
ساهمتْ أكثر من ثلاثين دولة في تحرير الكويت، وفي المقدمة شجاعة الملك فهد بن عبد العزيز الذي استضاف الشرعية الكويتية في الطائف، ومن السعودية انطلقت وفود شعبية في منتصف أكتوبر 1990 تجوب العالم؛ لكن فضل التحرير بعد الله هو للكويتيين ولإعلامها ووفودها الشعبية وسفرائها ودبلوماسييها وآل الصباح الكرام، وعدم وجود متعاون كويتي واحد عكس كل الدول التي تم احتلالها!
كل الجيوش التي حاربتْ جاءت بأوامر من زعمائها؛ ولم يتبرع جنود دولة بتكوين جيش حُرّ أو خاص أو حتى مرتــَـزَق، لذا فالمصريون الغاضبون من كلماتكِ لهم عُذرُهم في الجهل بأسباب تحرير الكويت وذهب الظن بهم أن جيش مصر الشقيق هو الذي حرر الكويت رغم إسقاط 28 مليار دولا كانت ديونا على نظام اللص حسني مبارك ورجاله الفاسدين.
لكن الحقَّ يُقال فأول مظاهرة خرجت منددة بالغزو الآثم كانت من مسقط رأسي، الإسكندرية، في صباح يوم الغدر، والجيش المصري الذي تلقىَ الأوامر بالمساهمة في تحرير الكويت لم تمنعه مشاعر المحبة والمودة للكويتيين من أخذ وضع الاستعداد لنيل الشهادة كما نالها كويتيون في حرب 73 على جبهة القنال!
مشاعرُكِ، السيدة النائبة صفاء الهاشم، أثارتْ حفيظة كل الشرفاء، وطعنتْ تاريخا طويلا من الدفءِ بين بلدين شقيقيّن، فأنا أعرف مصريين تحتقرينهم هم أكثر كويتية منكِ، وبادلتهم الكويت محبة بمثلها، فجمال عبد الناصر الذي وقف ضد أطماع عبد الكريم قاسم في بلدكِ هو أبو خالد نفسه الذي وقف كويتي وطني عروبي أمام السادات قائلا له بأنه سيدفع من جيبه ما ذكر جلال الدين الحماصي، كذبا، أنه مبلغ في ذمة عبد الناصر.
من أين جاءتكِ، السيدة النائبة، مشاعر الكراهية تلك وكأنكِ مولودة على سطح القمر وكل الناس مستنسخون من كونتاكنتي، فالوافدون من بنجلادش وباكستان والهند وكوريا الجنوبية ومصر ونيبال واليمن وايران يعملون في أسفل السلم بالقرب من الصرف الصحي، رغم أن كثيرين يعملون جنبا إلى جنب مع أشقائهم الكويتيين ومنهم مستشارون في الديوان الأميري ومنهم صحفيون وإعلاميون تشهد تروس المطابع أنهم قدّموا أدمغتهم لوطنهم الثاني الكويت.
في 13 ديسمبر 1990 اتصل بي الدكتور بدر جاسم اليعقوب من القاهرة ليحدثني عن الوفد الشعبي الكويتي الذي سيزور النرويج بعدها بيومين وطلب مني أن أنظم لهم برنامجا لشرح قضية الاحتلال العراقي، فلما سألتُ وزيرَ الإعلام إنْ كان قادما معهم، ردّ قائلا: إنَّ الكويت بلدك وأنت سفيرنا في النرويج، ولما تحدثت بعدها مع سفير الكويت في لندن الأستاذ غازي الريس قال لي: سأضع اسمَك ضمن الوفد الشعبي الكويتي فهي قضيتك كما هي قضيتنا.
كان هناك في الكويت مصري نوبي يعمل في مكتب رئيس ديوان سمو ولي العهد. اسمه يحيي عبد الباري، يشبه طمي النيل وهو يترسب على شطه الجميل. كان نحيفا مثل أغصان النهر الخالد. كانت لديه أسرار ومعلومات وخصوصيات كبار رجال الدولة وساهم في فتح أبواب العمل والإقامة في الكويت لعشرات من النوبيين.
كان يحيي عبد الباري، رحمه الله، عجينة مصرية في تراب الكويت، وعاشق للنوبة والديرة كأنهما توأمان. إذا تلقىَ سرًا أو خبرًا خاصا ألقاه فورًا في بئر صدره فلا يخرج إلا مع خروج روحه.
في جعبتي، السيدة النائبة، حكايات عن العشق الكويتي / المصري، في السراء والضراء، في الفرح والحزن، ما لو قصصته عليكِ لاستدعيتِ كل المصريين في الكويت، الأشرار منهم والأخيار، لتضعي قُبـْـلــَـة على وجه كل منهم دونما حاجة لــ ( هاتوا الأوراق تتقرا).
ومع ذلك فجريمتكِ، السيدة النائبة، كانت في جعل ملايين المصريين يتحسرون على جرائم شيطان بغداد عندما دنس أشاوستُه أرضَ كويتكِ الطاهرة.
أوقف الرئيس مرزوق الغانم صناعتكِ للكراهية قبل أن تمتد وتشتعل في غضب يصغر بجانبه غضب صعايدة خيطان الذي انفجر منذ عدة سنوات.
رئيس مجلس الأمة الكويتي أثلج صدورَ الكويتيين قبل المصرييين؛ فالنواب معادن ورئيسكِ من معدن نادر جعل الوفد الإسرائيلي في مؤتمر البرلمانات يهرون في الخروج مُسرعا.
النائبة صفاء الهاشم،
لا يدخل الجنةَ من كان في قلبه مثقالُ ذرة من كِبْر؛ فكيف ذهب بك الظن أن هناك من الوافدين من تم استيرادهم في مراكب من ليبريا أخطأت أعالي البحار إلى أمريكا فرستْ في الكويت؟
لن أبالغ إذا قلتُ لك ما يجعلك تصُكــّـين وجهك قائلة: مصري عقيم، يقول بأنه ومئات الآلاف أعلىَ محبة للديرة من أبراج الكويت!
أنا رأيت الوجهَ المشرق والمتسامح والمتحضر للكويت لأكثر من ثلاثة عقود، والذي تريدين تشويهَه، وجذب كارهين لديرتكِ، وماذا حدث؟
مواقع التواصل الاجتماعي انتفختْ بأخبارٍ عنكِ، مُخجلة ومحرجة، أكثرها كذب وبعضها حقيقي، وهذا الحقيقي القليل قادرٌ على إعادتكِ لعدة أجيالٍ سابقة ليتبين لكِ أنَّ الجذورَ المختبئةَ قد تصل أصولـُها إلى أماكن تبعد سنوات ضوئية عن الكويت، وربما يأتي من يغوص في جذور شجرة عائلتكِ الكريمة فلا يرىَ أيَّ أثرٍ للكويت فيها.
أول شيء فعله الشيخ سعود ناصر الصباح عندما عاد من واشنطون للكويت وزيرًا للإعلام أن طلب من السيدة أمل الحمد أن تدعوني للزيارة فورًا لأن مقالاتي، على حد قوله رحمه الله، كانت بلسما له كسفير للكويت يريد أن يبتهج ببلده من خلال رؤية مصري بغير الحاجة إلى ( هاتوا الدفاتر تتقرا)!
لديَّ حكايات تجعلك تفتخرين بالكويتيين والوافدين بنفس القدْر، بل قد تلمس ضميرَكِ، إذا كان ما يزال مستيقظا، فتطلبين من الحرم الديمقراطي سنّ قانون يُسهّل الحصول على الجنسية الكويتية لوافدين هم، للأسف الشديد، أشد وأعمق وأعشق وأصلب وأجذر منك امتدادا في تُربة الكويت.
خطيئتكِ، السيدة النائبة، كانت حشر مفردات الكراهية والبغضاء والتمايز والطاووسية تحت قبة برلمان ظل منذ استقلال الكويت مُعَلـِّـما لجيرانــِـه، ومَعْلــَـمـــًــا لبلدِ( العربي)و( عالم الفكر) و( البيان ) و( الفكر المعاصر)!
لو تسلل صدام حسين من قبره الآن، وأنصتْ لمئات الآلاف من المصريين الذين كانوا يلعنونه، فلما استمعوا إليكِ ترحّموا عليه، لعاد إلى قبره مُبتسمــًـا، وإلىَ دود الأرض مبتهجاً!
إن الحصانة البرلمانية للذين يطالبون بالمساواة بين البشر ولا يفرّقون بين مساقط الرأس ليساقـَـط منها غيرُ الأصيل حتى لو كان هو الأصل في تطور أمة، فالبنغالي الذي يحرقه قيظ الصيف في شارع بالجهراء قد يكون أفضلَ من الكويتي أو الوافد الأنيق الجالس أمام مكيف هواء بالأحمدي يحصي أمواله في البيت والمصرف!
الولاء للكويت تواضع، هكذا رأيت آل الصباح الكرام طوال أعوام معرفتي بهم، وأتذكر عندما كان الوزير الشيخ سلمان صباح السالم الحمود الصباح عندما كان يصافح النوبيين العاملين في رَكــْـن السيارات أمام فندق الشيراتون، ومن فرط تواضعه لم يصدّق العاملون أنه صباحيُ الأصل من الذين تتماسك بهم شجرة العائلة الكريمة.
أستعيد ذكري عشرات .. ومئات من الكويتيين المتواضعين فأفهم لماذا لم يجد جنود صدام حسين متعاونا واحدا منهم.
نزل الوزير الأستاذ سليمان ماجد الشاهين من سيارته في منطقة معزولة، وحمل معه ما أفاء الله عليه به، وسلّمه لعدة أسَرٍ فقيرة دون أنْ ينبس ببنت شفة أو حتى ينظر في وجوههم خشية أن يجرح حياءَهم، ولما عاد للسيارة وكنت جالسا فيها أتأمله؛ أزاح وجهه إلى الناحية الأخرى لئلا أرىَ تأثرَه بأشقائه في الإنسانية وليس بوافدين تثقل كاهلــَــهم طلبات السيدة النائبة صفاء الهاشم.
أنا أقترح عليكِ النزولَ في جولة تفقدية في كل المناطق الفقيرة التي يتكدس بها وافدون كُثُر، وتقومي، رعاكِ الله، بتقبيل يد كل وافد فيها لعل بعضَهم أعطى عُمره وأولاده وجهده وحبه للكويت أكثر مما فعلت السيدة النائبة.
حدثتك عن نفسي كثيرا في هذه الرسالة ليس لأنني استثناء، معاذ الله أن أكون من الظالمين، ولكنني واحد من عدد هائل عرفوا عن كثب الصفات الطيبة والمتواضعة والإنسانية لأكثر الكويتيين حتى لو أفلتتْ منهم جماعات عنصرية متغطرسة ظنت أنها الأعلىَ.
لن أطلب منك، السيدة النائبة، مراجعة النفس فهي مهمة لا يقوم بها إلا الذين ربطوا قلوبهم بالسماء، وعرفوا أن مكان المولد مصادفة الطـَـلــْـق من رحم لم تقُم صاحبته باختيار نقاء الأرض والجنسية والهوية، وربما كان اللهُ يُقدّر لك المولد فوق حصيرة ببيت منهار بزقاق ضيق في ضواحي كلكُتا أو خرابة في لاهور، فتصبح حينئذ النائبة نوائب!
أكتفي بهذا القدر رغم رغبتي في كتابة مئات الصفحات عن كارثة الطاووسية والتفرقة بين البشر، وإنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم، أي أكثركم تواضعا فلا يصعّر خدَّه، أو خدَّها، للناس.
وسلام الله على الكويت
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيي
أوسلو في 17 نوفمبر 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق