31‏/08‏/2019

صاحب السمو الأمير و.. حديث عن المرض!


صاحب السمو الأمير و.. حديث عن المرض!

الرجال العظماء لا يخجلون من الحديث عن المرض؛ والعقلاء يعلمون أن كل يوم في العُمر هو هدية سماوية لا يفتحها إلا القدر فإما أن تأتي في موعدها، أو يحتفظ بها الغيبُ حتى حين.
إن نفي المرض عن سمو أمير الكويت أو تأكيدَه كالذي ينكر الزمن في حوار عبثي مع من يؤكده؛ فنحن لسنا أمام حاكم فقط، إنما قطعة من تاريخ وطن لا يتجزأ ولا ينشطر و.. لا يتراجع.
صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في التسعين من عُمره، وما يزال بفضل الله يمشي، ويتحرك، ويتحاور، وينصت بشغف، ويبتسم، ويمازح أحفاده، ويقوم بزيارة المقاهي الشعبية، ويتابع أحوال الديرة كأنها تعيش فيه فتضيف لـعُمره بأمر الله مزيدًا من حكمة الحُكْم ، رغم أنه حكيم العرب.
أول مرة قمت بتوزيع خطاب سموه منذ أربعين عاما عندما كان وزيرا للخارجية، وتلقفه بشغف شباب كـُثر في المدينة الجامعية بأوسلو، وترك انطباعا جيدًا.
التقيت سموَه مرتين: تشرفت في الأولى عندما قدّمني لسموه الصديق العزيز الأستاذ سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية آنئذٍ. أهديتُ سموه عدة كتب من مؤلفاتي . والمرة الثانية في استراحة مجلس الأمة وكنت جالسا مع الشيخ أحمد الفهد، وكان وزيرا للإعلام، فناداه الشيخ صباح وزير الخارجية من مكان قريب وسأله عني.
ظللت أتابع أخبار سموه، ودورانه الأرضي كأنه لا يمكث في مكان واحد يومين فسموه في لقاءات ووساطات ومحادثات ومصالحات فيتعجب المرءُ من قدرة سموه على الإنصات والحديث ورتق أي تصدّع بين الأشقاء في سلاسة وبسهولة ويُسر مهما كانت التعقيدات، وربما ظهر هذا جليا في مصالحة اللبنانيين عندما عجزت كل الوساطات الأخرى للدول المهيمنة، فجاء الشيخ صباح كأنه يمسك العصا السحرية التي لا تنفصل عنها ابتسامته المريحة.
أعود إلى المرض متعجبا ممن ينفيه وأكثر دهشة ممن يؤكده، فتسعون عاما وطأت قدما سموه كل شبر، تقريبا، من الكرة الأرضية هي عُمران وليست عُمرًا واحدًا، وهي وطن يتمدد في سنوات كانت أكثرها عبقرية الخارجية المصنوعة صباحيا فيوحي إليك المشهد برمته أن مدرسة الشيخ صباح الأحمد تخرج فيها كل الدبلوماسيين الكويتيين!
تسعون عاما ندعو الله أن يمُدّ فيها صحة وعافية وذاكرة وقدرة لسانية وحوارية وفكرية، وإذا مرض سموه فأمر طبيعي بأمر الزمن!
الكويت دولة مستقرة حتى في خلال الشهور السبعة الجحيمية التي جاست خلالها أقدام همجية، فأعادها فضل الله إلى أهلها.
والكويت هي الدولة العربية التي يستطيع كل أركان الحُكم من آل الصباح الكرام السفر في طائرة واحدة لأداء واجب الفرح أو العزاء، والعودة في المساء دون أن تتحرك دبابة من موقعها.
والكويت لا يتصارع أبناء الأسرة على الحُكم، لكن لا مانع من مداعبة الحُكم لخيالات أجيال الشباب، فمن لا يحلم لا يحكم، ومن لا يتخيل نفسه في القصر لن يعرفه الكوخ.
قدرة آل الصباح على التكاتف عجيبة حتى لو سابق عضو فيها آخر في الظهور ففي النهاية تجد التسلسل الحاكمي يعود ليصحح نفسه بنفسه.
عندما احتاج صاحب السمو لبعض الوقت ليتعافىَ من وعكة صحية طبيعية، كان سمو الشيخ نواف الأحمد في الموقع المطلوب فورًا واستقبل وزير الخارجية الايراني، تماما كما حدثت عشرات المرات كنائب لسمو الأمير في غياب صاحب السمو.
إن الذين شمتوا في المرض، سواء كان حقيقيا أم من نسج خيالات مواقع التواصل الاجتماعي لا يعرفون شدة ترابط آل الصباح الكرام، وتجربة الاحتلال الغاشم العراقي ليست بعيدة، ومؤتمر جدة في منتصف أكتوبر 1990 دليل ساطع أن الكويت بخير في الحلوة والمُرّة.
لا تجعلوا الزمن يسخر مِنــّـا عندما تتحدثون عن مرض صاحب السمو في تسعينيته، فلا أحد منكم يدري شيئا عن تحركات القدر بين أجساد وأرواح وأعمار البشر.
أكاد أرىَ صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد يبتسم من الذين يتجادلون في مرضه، فسموه لا ينفي ولا يؤكد، ويترك الأمر لله!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في الأول من سبتمبر 2019 

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...