بمناسبة الاتهامات الموجهة للرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي؛ أعيد نشر مقالي عنه الذي مضت عليه عشرة أعوام!
ساركوزي .. أمين عام الأزرق الكبير
بعد عدة أعوام سيدعو رئيس وزراء إسرائيل إلى ( الاتحاد من أجل البحر الميت)، فتردّ إيرانُ بمشروع ( اتحاد الدول المطلّة على خليج هرمز)، فيقوم الرئيس اليمني القادم أحمد علي عبد الله صالح بعرض فكرة مشروع ( التجمع الموحّد من أجل جزيرة حنيش)، وهنا يغضب الزعيم الليبي القادم سيف الإسلام القذافي فيعقد مؤتمرا في خليج سرت حول مشروع ( مَدّ النهر الاصطناعي العظيم للدول المجاورة)!
نابليون بونابارت الجديد لن يحتاج إلى خيل يقتحم بها الأزهر الشريف، ولن يوحي لمستشاريه في مصر بأنه بصدد اعتناق الإسلام، لكنه سيقتحم أوروبا والعالم العربي برفقة زوجته الحسناء، وسيرفع راية النصر في كل مكان، من الجزائر إلى العاصمة البُلغارية صوفيا مع دموع الممرضات، ومن بروكسل حيث يأتيه الأوروبيون أفرادا وجماعات، إلى خيمة العقيد.. رسول الصحراء.
عندما كتبتُ بأنه قد يأتي الوقت الذي يصبح فيه أمين عام جامعة الدول العربية إسرائيلياً، لم يكن التندر أكثر من وجع في القلب، ودموع في العينين، وحسرة على عالم عربي تقوم سياساته على ردّ الفعل، وليس المبادرة.
ساركوزي يريد من العرب والإسرائيليين أن يَسْبَحوا في البحر المتوسط فهو مِلكية مشتركة بين أصحاب المنطقة وسكانها وبين المهاجرين الذين اضطهدتهم أوروبا لمئات السنوات فانتهى بهم الاضطهاد إلى الهولوكوست، ثم اعتذرت القارة البيضاء بهدية متواضعة تقرّ بها أعيُّن شعب الله المختار، وأعطى من لا يملك لمن لا يستحق أرضا باركها أنبياءُ الله ليتسلمها جيش الدفاع الإسرائيلي بوعد ممهور باسم الرب!
نابليون ساركوزي يرفض رفضا قاطعا أن يعتذر للعرب عن جرائم قرن ونصف القرن من الاستعمار الهمجي الوحشي، ومن مذابح طالت المغرب العربي برمته، وعن مليون ونصف المليون روح جزائرية صعدت إلى بارئها لينسحب دعاة الجزائر فرنسية بعد ثلاثة عشر عقدا.
ويرفض أنْ ينبس ببنت شفة عن جرائم التجارب النووية في صحراء الجزائر، فالعرب فئران تجارب لا يستحقون دمعة فرنسية رقيقة ولو تمساحية.
الرئيس الفرنسي يعرف أنه عندما يحتضن زعيما عربيا ويعانقه، فربما يقدم له الأخير صفقة العمر عربون محبة سمراء لعيون زرقاء!
سيداتي سادتي،
يقوم رئس الوزراء الإسرائيلي بتمثيل أشقائه قادة الدول العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط نظرا لانشغالهم خلال فترة عقد المؤتمر.. هذا ما ستعلنه فضائية عربية بعد بضعة سنوات.
مع ملوحة المتوسط تصبح فرنسا عملاقا من جديد، فالأزرق الكبير تمر به أكثر من ثلاثة ارباع امدادات البترول، وهو المركز الرئيس للأساطيل البحرية في استعراض القوة الأوروبي والأمريكي، وفرنسا تأمن على مستقبلها من ثورتي الجياع والتكفير في شمال أفريقيا، وتجعل تركيا تنزلق إلى الأسفل العربي بدلا من أن ترفع عنقها إلى الأعلى الأوروبي.
اليورو سيحاصر العملة الخضراء حتى لو جعلها أوباما تلمع مرة أخرى، والقارة السوداء ستصبح امتدادا للاتحاد الأوروبي العربي الاسرائيلي، والجمهورية الإسلامية ستنحشر تحت ذراع روسيا وشقيقاتها المنفصلات بعد أن فسخ جورباتشوف عقد الزواج الستاليني!
وفرنسا ستسحب البساط من تحت أقدام برلين، فلا يمكن لأوروبا أن تُسَلّم الزعامة لألمانيا مرة أخرى.
الزعماء العرب الذين حضروا مراسم تتويج ساركوزي قبطانا يدير الدفة في البحر المتوسط وفقا لرياح الإمبراطورية الفرنسية لم يستشيروا شعوبهم، فرفضُ العقيد أو قبولُ بوتفليقة يتساويان، فالقذافي الذي هدد مرة بالانضمام لحلف وارسو يقرر للمرة الخامسة بعد الألف لعب دور البطولة، ونجاح أي مشروع يقوم دائما على معارضة بطل من ورق لتزداد ثقة الناس بأنَّ السُمَّ في العسل أقل من النسبة التي تَضُرّ.
قد ينجح المشروع ويلتصق الشمال بالجنوب، ويعم بعض الرخاء دولا يحلم سكانها بالهروب في زوارق متهالكة متمنّين أنْ يقبض عليهم خفر السواحل في مارسليا أو برشلونة أو مالطا أو رودس أو كريت لعلها تكون أرحم عليهم من فاقة الوطن، وغربة الداخل.
وقد ينجح أوروبياً ونقرأ عن مناورة عسكرية إسرائيلية/سورية في المياه الإقليمية للجزائر بمشاركة تونسية ومغربية!
لكن أغلب الظن أن الكعكة تسع الجميع، وأن الإمبراطور ساركوزي قادر على أن يجعل من حقوق الإنسان قضايا هامشية، ولن يهمس في أذن الطغاة العرب بكلمة واحدة عن المقابر الجماعية والسجون والمعتقلات وانتهاك الكرامة، بل يقوم بتعيين أطولهم عمرا وكرسيّاً للعرش الرجل الثاني إذا غاب القبطان أدار الدفة أو أمسك الشراع ولو انزلق غضروفه واحتاج للأيام الأخيرة في مستشفى ميونيخ.
ترى من سيكون صاحب المبادرة القادمة للاتحاد من أجل بحر الغزال أو خليج العقبة أو قناة السويس أو بحيرة فيكتوريا أو جزيرة ليلى؟
لم يتحرج أحد من الزعماء العرب المتوسطين بحراً، والأطول عُمراً عندما شاهد ساركوزي وهو يتردد في طرح سؤاله: هل ستقومون، يا طويل العمر، باستشارة شعبكم العظيم قبل الانضمام للعملاق المالح الجديد، فلسان الرئيس الفرنسي كقلم إميل زولا، وقبلاته تُذكرّني بالرئيس جورج بوش الابن وهو يوزعها على كل مستقبليه العرب قبل أن يتعرف على مناصبهم.
ولا عزاء لكل الذين تمنوا الخروجَ من أقبية السجون العربية بفضل أبناء محطمي الباستيل، فأجنحة الملائكة وقرون الشياطين تتم صناعتها في مصانع أسيادنا .. هناك!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 22 أغسطس 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق