09‏/02‏/2019

أنا مسلم والجنة في إنتظاري!




غريب أمر الذين يستشهدون بآيات قرآنية ليس فقط لاثبات كُفر المخالفين للإسلام، ولكن أيضا لافساح مكان لهم في الجحيم.
ماذا ساستفيد أنا لو أقنعتني أن المسيحي واليهودي والبوذي والصابئي والبهائي والبابي والأحمدي والطوطمي سيدخلون جهنم من أوسع أبوابها؟
لن يزداد إيماني أو ينقص بالإسلام ، وكما ذكرت سابقا فأنا لا أشتاق لجنة عرضها السماوات والأرض من لون واحد، ولا أريد أن أعرف حساب الآخرة مسبقاً، حتى لو عفا الله عن إبليس نفسه، وقــَــبـل توبته، فلن يزعجني كثيراً

لست من الذين يجعلهم إيمانهم يرقصون طرباً لأن من لا يعتنقون ديني سيخلدون في نار جهنم ، وعشرات الجنسيات التي قابلتها وعشرات الآلاف الذين التقيت بهم وفي صدورهم قلوب بيضاء ناصعة كأنها موروثة من قلوب الانبياء، فكيف لي أن أبحث في كتاب الله عن آيات تسعدني لأن هؤلاء سيحرمون من لقائي في الجنة، ولن أرى معهم وجه ربنا ذي الجلال والإكرام.
الإنسان ليس فقط مسلما ملتحيا وزبيبياً وقارئا للقرآن الكريم وعضوا في جماعة دينية، لكنه طفل في الخامسة عشرة من عمره تعلم الوثنية، وشاب يعيش في غابات الأمازون ولا يعرف له إلــَــهاَ إلا النار، وعجوز طيبة تخدم كل من حولها تقيم في كهفها الصغير بجبال الجواتيمالا، وصياد أميّ يعيش على سمكتين يوميا من ساحل دولة افريقية، و... كل هؤلاء ستدخلهم قلوبهم المتسامحة الجنة قبل كل مسلمي الدنيا.
مرة خامسة وعاشرة وللمرة السبعين اقول لكل مسلم بأنني لست مشغولا أو مهموما بأديان ومذاهب وعقائد الآخرين، لكنني مشغول بصدقهم وتسامحهم وإنسانيتهم.
أنا مسلم يؤدي شعائر دينيه، وأصلي وأصوم، وأديــّــت العُمرة مرتين، لكنني لست أفضل، ولو بمقياس شعرة، من غيري، والحُكم في الآخرة لله، ولن أدهن قلبي باللون الأسود لأقنع نفسي أنني سقطت من بطن أمي مسلما، فأصبحت موعودا بالجنة والمغفرة، وغيري قضى تسعة أشهر في رحم أم لا تعتنق ديني، فيعاقبها العلي القدير.
أنا راض عن إسلامي، فأرجوكم لا تحاولوا الغوص في كتاب الله للبحث عن أدلة تُشعرني أنني أفضل وأعلى وأقــَـوَم، فكلها مصادفات أرحام تسكنها أجنة تسعة أشهر ولا تعرف لونها وشكلها ودينها ومذهبها.

توقفوا عن الكبرياء والغطرسة والغرور الديني فمهما فعلتم سيتلذذ بكم دود الأرض في وليمته الكبرى، أما في الآخرة فستقفون أمام العزيز الوهاب تقرأون كتابكم الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وتبحثون عن البطاقة الشخصية ففيها خانة الديانة، ولن تعثروا عليها.
من يدري فربما يكون مصير أكثر المسلمين في نار جهنم!
توقفوا، رحمكم الله، عن الزعم بأنكم تشاركون مالك المُلك عملية الفرز بين من يدخلون جنته، و.. من يُلقــَـوّن في الجحيم.
في يوم الحشر نأتيه كلنا فرداً، ولا تسمع إلا همساً، وتشهد لنا أو علينا قلوبنا، ولا يحق لأحد أن يقوم بعملية الفرز في الدنيا أو في الآخرة.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو النرويج

06‏/02‏/2019

خطاب الرئيس السيسي الذي لم يُلْقــِــه بعدُ!

خطاب الرئيس السيسي الذي لم يُلْقــِــه بعدُ!

تتعجبون، أيها المصريون، عن سبب أوامري لمجلس النواب أن يمُدّ في فتر ة حُكمي ؛ والحقيقة أنني استجبتُ لكم عندما خنعتم، وفرطتم في كرامتكم، وطبــّلتم لي، وعثرتم في فِكــْـر المهانة على تبريرات لكل جرائمي!

في خمس سنوات جعلت مسلميكم وأقباطــَكم كأنهم قادمون من عالمين متنافرين، فزاد تأييدُ شيوخِكم وقساوستِكم لنشاطات ال
شيطان في صدري.
تنازلتُ للسعودية بأمر المال عن ترابكم الطاهر في جزيرتين كانتا رمزًا لجيشكم البطل الذي خشي استيلاء اسرائيل عليهما، فخرس القضاة والدعاة والإعلاميون والصفوة بهذا التنازل الوضيع.
اكتمل سدُّ النهضة المناهض للسد العالي توطئة لحرب المياه من اسرائيل وإثيوبيا وإسراعا في العطش الطاعوني الذي سيُسقط مصر وحضارتها، فنمتم بعدها؛ كأن الأمر لا يعنيكم.
أغرقتكم ببيانات الكذب والباطل في ثروات مجهولة، جبل الحلال وكنوز باطن الأرض وقاع البحر والثروة السمكية والاحتياطي المالي والغاز  فلم يحاسبني أحد، وأنتم تعرفون أن السلطة المطلقة دعوة للفساد.
اخترت في القضايا الكبرى أفسد القضاة وأقربهم إلى إبليس فقاموا بتبرئة أعداء الشعب، وأنتم غائبون عن الوعي.
أوهمتكم أن رفع القبضة والصياح بــ( تحيا مصر ) هي رمز العزة وجوهر الوطنية فصدّقتم تخديري إياكم.
عرفتم من مجلس النواب أنكم قدّمتم للإرهاب في سيناء أربعين ألف شهيد في فترة حُكمي وكأننا في حرب عالمية في مواجهة ألفٍ أو ألفين من الكلاب الإرهابية، أي أنه فشلٌ ساحق لي وقد كنتُ مديرا للمخابرات العسكرية وعاهدتكم بثلاثة أشهر للقضاء على الثلة الإرهابية في سيناء، وفشلتُ رغم دعم إسرائيل لي، وكانت النتيجة أنكم قطعتم ألسنتم واكتفيتم بالأدعية الدينية.
كبّلتُ حبكم الكبير .. مصر بقروض تثقل كاهل أمم، فما وجدت منكم إلا الصمت والدفاع عن كرامة مزيفة، وثقة في غبائي!
صنعت لكم بُعبُعا من الاخوان المسلمين، ولأنهم حمقىَ متشربون من فكر سلفي نقلي فقد وقعوا في مصيدتي وأنشأوا إذاعات وقنوات تلفزيونية يقوم على أكثرها معاقون ذهنيا، وصفراويو الأصابع الأربعة، فخفتم منهم وضمنت أنا استمرار حُكمي.
جعلتُ ربة البيت المصرية تمزق ملابسها من غول الغلاء، وفرّغت حصالتها المنقوصة بعد التعويم، فما وجدت منكم إلا صيحات احتجاج بأصوات مبحوحة وهامسة خشية أن أسمعكم في قصري.
ضحكت عليكم كما يفعل الطغاة في كل مكان، فأنشأت طرقا جديدة يأخذ اللواءات نصيبهم منها كمقاولين، وتركت قضايا الوطن في الكرامة والعزة والحرية، ففرحتم بالكباري ولم تشاهدوا النهضة الآيلة للسقوط بعد مئة عام من ظهورها.
تمكنت من صناعة أغبى وأجهل برلمانيين ليعيدوا صناعة الفساد ولعق حذائي وسددتُ أفواههم بالمال والحصانة والوهم أنهم نواب الشعب؛ فإذا هم كوارث الأمة.
الدين حالة وعي فجعلته تغييبا عن الوعي بفضل ظهور دعاة من نسل قردة الغابة بروح داعش وطائفية مقيتة فضمنت بذلك بلدا ممزقا يظن كل جزء فيه أن بقاءَه مرهون بوجودي.
كل الدلائل تشير إلى أنني سلفي أكره المساواة بين مسلميكم وأقباطكم،فظن الأقباط أنني محاميهم لافتتاحي كاتدرائية أو كنيسة، وغضّوا البصر عن التحريض اليومي ضدهم من مسلمين متطرفين تربوا في مدرسة ياسر برهامي.
جرائمي ضدكم تكفي للف حبل المشنقة حول عنقي مئة مرة في اليوم، فأعمى اللهُ بصيرتـَـكم بفضل إعلامييكم ومثقفيكم ، وزعمتم أنكم خائفون من قول كلمة حق وستكتفون بالطلب من الله أن يذهب وملائكته لاسترداد حقوقكم.
من خنافس الأرض وسحالي الأشجار وضفادع التــرَع والمياه الآسنة جئتكم بإعلاميين فضائيين تشتاق جهنم لأجسادهم، وأصبحتم في مساحة من الخجل لا ينفع معها كتاب أو مسجد أو كنيسة، ووجدتم الحل في السخرية منهم.
تعرفون جميعا أنني قادم من عمق الكراهية لأجعلكم تسفّون التراب، وتتسولون في كل مكان، ولن أفرج عن بريء لا يقوم أهله بالاحتجاج من أجله.
خائفون من البديل رغم أن الاخوان المسلمين لا يساوون جناح بعوضة، لكنني حشرتهم في زنزانات ضيقة بدون محاكمة ليظلوا الوحش المحبوس الذي يمنحني القوة والاستمرار، ويسعدكم بالخوف الدائم.
تقولون بأنني أنقذتكم في 30 يونيو ونسيتم وتناسيتم أن ثلاثين أو أربعين مليونا من المصريين هم الذين أطاحوا بمحمد مرسي والاخوان والمرشد، فنسبتم النصرَ لي، وبدونكم كنت لا أستطيع أن أتحرك من الثكنة لبوابة القصر، فقزّمتم أنفسكم وعملقتموني!
لو جلست عدة أيام أحصي جرائمي في حق بلدكم فلن تصدّقوني، والحمد لله أن تل أبيب وواشنطون تقفان معي!
هل تفهمون الآن لماذا قررتُ أن أقف فوق رؤوسكم مدىَ الحياة وأنا واثق أن رأســًــا واحدة لن تهتز؟
في سجوني عشرات الآلاف من الأبرياء من السفير معصوم مرزوق والدكتور يحيي القزاز إلى أصغر شاب غضّ تبكي أمه غيابــَـه، لكنني أتلذذ بالقسوة والسيادة والوحشية تحت لسان ناعم و.. كاذب.
لقد أنهيت عروبة مصر بكراهيتكم الفلسطينيين والجيران والكتاب العربي والفن الراقي و الاستعمار وجهلكم بالتاريخ وغسيل أدمغتكم اليومي من أحقر ببغاوات إعلامية.
نعم.. فمسخ البرلمان قادر على رفعي إلى مصاف الأنبياء، ثم الألوهية الطوعية قبل أن أقضي على مصر التي احتجَّت منذ ثمان سنوات وحق لها أن أخسف بكم الأرض لئلا يرتفع صوت ولو بعد مئة عام.
أعلن لكم انتصاري عليكم بفضل رفضكم عشر دقائق تقرأون فيها خطابي هذا، فقد فصَلتكم تماما عن كلمة الله العليا، أي الكتب حتى أضع القيد في معصم كل منكم.
من لم يعرف حجمَ كراهيتي للمصريين فهو في صفي رغم أنفه.


محمد عبد المجيد
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
طائر الشمال
أوسلو في 6 فبراير 2019

27‏/01‏/2019

اليوم انتصر الاستعمار على الضاد!


اليوم انتصر الاستعمار على الضاد!

لغةُ أيّ بلدٍ هي عنوانُ حضارتِها، وتعبيراتُ مثقفيها، والخطُّ البياني لسياسييها، والحرفُ المقدَّس في جهاز العدالة، وصِلة الوصل بين معابدها و.. السماء في الصلوات والتراتيل.
لغةُ أيّ بلدٍ تحفظ أرشيفَها التاريخيَ وأدبياتــِها وشِعْرَها ونثْرَها وخُطب زعمائِها والسباحة الماهرة في أثيرها.
لغةُ أيّ بلدٍ هي صلة الوصل الحقيقية بين اللسان والفكرة بعيدًا عن حِوارات الشوارع والحواري والأزقة والمقاهي والغُرَز.
لغةُ أيِّ بلدٍ كلما زادتْ رونقـًا وقوة ومَنـَـعة وثراءًا في مفرداتِها وتوسعة في معاجمِها، خشيَ خصومُها أن تصبح اللغةُ خطَّ الدفاعِ الأولِ إذا تهاون السلاحُ أو ضعف، جاءتْ اللغةُ والموسيقىَ والمارشات لتعضدد وتشدّ من أزر الوطن حتى يقوم علىَ قدميه ويدافع عن هويتــِه.
حدّْثني عن قوة وسلامة وصحة لسان أمة قبل أن تتباهىَ بعدد الفرقاطات والغواصات والمقاتلات، فالأولىَ تشتريها بجهدك في تحصيل العلوم والآداب، والثانية بأموال تكون قد اقترضتها ويُسدّد أحفادك القرض و.. فوائدَه.
إذا نظرتَ إلىَ زعيمٍ فابحث عن الكتاب في يده قبل أنْ تفغر فاك لبساط أحمر يمشي عليه هو أو عجلات سيارته الفارهة.
إذا أردتَ بقومٍ سوءًا فاستبدل بلغةِ الكتاب لغةَ الشارع، واجعل أنفاسَك في النرجيلة أوجاعَ لسانــِك، واهجر تاريخَ وطنــِك لتتعلمه من جديد على الشاشة الصغيرة بواسطة أعداء الكتاب.
إذا تمكنتَ من جعل زعيم بلدٍ يتباهىَ بلغة الجهلاء، ولا يكترث لجمال وعظمة وقوة وثراء ألسنة مرؤوسيه فيطلب منهم أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فاذهب إلىَ المقابر لتسمع الموتىَ لعل عظامَهم تكون أفصح من الأحياء.
استمعت اليوم إلى كلمة وزيرة التعاون الدولي والاستثمار المصرية سحر نصر وهي تتحدث أمام قيادات الدولة بلغة عامية مُشوشة، مهلهلة، ممزقة، ومقطّعة تعادل أسلوبَ تلميذ في الثانية الإعدادية، فتأملتُ في الحاضرين وكدت أسمع صرخات حروف اللغة العربية تتوجع، فكل قيادات مصر من رئيس الدولة ورئيس مجلس النواب والإعلاميين والوزراء والقضاة والمستشارين والفنانين خصومٌ للكتاب والفُصحىَ!
ما أحزن بكاء لغة قومية، وفي حديث الوزيرة اليوم سمعت أنين طه حسين والرافعي وخيري شلبي وبنت الشاطيء والعقاد وميّ زيادة والبابا شنودة والشيخ محمد الغزالي والمازني وجلال معوض وفاروق شوشة وأحلام مستغانمي!
اليوم كان سرادق عزاء لمن أراد أن ينعي لغة الضاد فقد جاءتْ الدولة بقصرها وكوخها، بمعلميها ومثقفيها، بإعلامييها ومسؤولين لتبلغ أمة العرب أن مصر قررت الانتصار للغة العامية بحجة أن المصريين لا يفهمون لغة أبي تمام و.. أن المعلقات السبع لوغارتمات؛ وأن ضبط الكلمات طلاسم دخلت معاجم العربية عنوة.
كانت قيادات الدولة كلها جالسة تصغي إلى لغة ابتدائية أو إعدادية تكاتفت وسائل الإعلام لرفعها فوق هوية وطن.
كان الاجتماع عن صندوق تحيا مصر، ولم يكن مناسبــًا أنْ تحيا مصر وخنجر العامية الهشّة يطعنها أمام كل المسؤولين ولم يعترض واحد على أوجاعها وآلامها.
اليوم حقق الاستعمار والاستدمار نجاحا باهرًا على الأرض وفوق أغشية اللسان.
الخطوة القادمة ستكون توجيهات بكتابة القرآن الكريم والكتاب المقدس باللغة العامية تسهيلًا للشعب في الاتصال مع السماء.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
 أوسلو في 27 يناير 2019 

  

19‏/01‏/2019

النزول من قطار الحياة!

النزول من قطار الحياة!
الحمد لله فنحن لا نعرف حكمة الله في اختيار عباده للرحيل عن الدنيا، وأحيانا يرحل بعض الأحباب والأقرباء وغيرهم من القريبين منا دفعة واحدة، وبين الراحل والآخر فترة قصيرة قبل أن يجف الحزن. وفي أحايين أخرى تنتظر وينتظر القدر، وكل إنسان يرقب ويراقب غيره، ويظن أن ملك الموت سيمر أمامه ولا يلاحظه، ثم فجأة ينزل من القطار في محطة لم يتوقعها.
حكمة الله في اختيار زمن الوداع لا مثيل لها.
نحن نحزن ليس على الراحل فقط، إنما على أحبابه وآلامهم وأوجاعهم وعيونهم التي لم تجف فيها الدموع، ثم نكتشف أن كل واحد منا يحزن على نفسه مسبقاً .. حتى قبل وصول الضيف الرباني بزمن بعيد.
في بعض الأوقات نحزن على من لم يغادرنا أكثر من حزننا على من أراد له القدر البقاء لمزيد من طول العُمر، لأن الراحل لا يتألم ، أما من لم يأت دوره بعد فأكثر عذاباً.

رحم الله من أراد الله أن يرحمه.
دعونا نعيش حياتنا، ونخدع أنفسنا زاعمين أننا لم نشاهد ملك الموت يروح ويجيء قبل أن يتلــقى الأمر الإلهي.

طائر الشمال
محمد عبد المجيد
أوسلو النرويج

15‏/01‏/2019

وأخيرًا .. غضب المصريون!


وأخيرا غضب المصريون!

لم يكن احتجاجا على انخفاض مستوى المعيشة..
ولا على الغلاء الجحيمي الذي تعيشه الأسرة المصرية..
ولا على آلاف المصريين المعتقلين والسجناء بدون محاكمة..
ولا على فشل أكبر جيش في الشرق الأوسط في القضاء على حفنة من الإرهابيين ..
ولا على تنازل رئيس الدولة عن تيران وصنافير ..
ولا على استمرار قانون الطواريء ليتحول إلى حالة طبيعية كما في عهد اللعين حسني مبارك..
ولا على الطائفية المقيتة والقميئة والعفنة التي ترعرعت في عهد السيسي ..
ولا على جمهورية الخوف التي زرعها نظام الحُكم ..
ولا على القضاء الظالم والفاسد والمتواطيء والفاشل ...
ولا على تحويل الإعلام المصري إلى أغبى وأجهل مؤسسة في تاريخ مصر القديم والحديث ...
ولا على صراخ ربات البيوت اللائي أفلسهن السيسي وأصبحت مدخراتهن تحت البلاطة في خبر كان ..
ولا على سيطرة وهيمنة قوى الحماقة والتطرف والدعوشة على المنابر في المساجد والزواوي ...
ولا على التفريط في الحدود المصرية فوهبها السيسي للإسرائيليين لمطاردة مصريين في بلدهم بعد فشله ..
ولا على فشل نظام التعليم فخرج من تحته نصف جيل؛ جامعيوه كأنهم خريجو الابتدائية ..
ولا على عالم الغش في الدواء والمستشفيات والعلاج ...
ولا على كرامة المواطن التي يعتبرها رجل الشرطة كرامة جيفة أو حشرة مفعوصة تحت حذائه ...
ولا على عباطة وهبالة وسخافة وجهل وأمية الرئيس في كل أحاديثه فيتحول الحاضرون إلى أرانب تصفق، وفئران ترتعش ..
ولا على احتقار وازدراء وتجاهل الرئيس لرأي أي مصري في شؤون وطنه ..
ولا على اختياره الأفشل والأجهل والأسوأ لقيادة مؤسسات الدولة
ولا على أظلم وأقتم خمس سنوات في عهد يكذب رئيس الدولة كما يتنفس..
ولا على التلوث البيئي المميت لأجيال قادمة ..
ولا على سرقة أراضي الدولة ومنحها للواءات وكبار الجنرالات في تقسيم مافيوزي مخيف في مقابل الصمت على جهل الرئيس ..
ولا على توقيع العقوبات على مؤيدي ثورة يناير العظيمة التي لولاها لكان السيسي يقبع في مكتبه أو ثكنته لا يساوي جناح بعوضة.
ولا على عدة ملايين من أطفال الشوارع الذين لا يدري السيسي ماذا يفعل لهم وبهم ومعهم!
ولا على مشروع سدّ النهضة الإثيوبي الذي أصبح سرّاً يحتفظ به الرئيس فقط، رغم أن مصر هبة النيل .
ولا على جهل الرئيس في معرفة التركيبة الوطنية للمصريين، وبسبب جهله تفجرت قوى التطرف والسلفية لتجعل شركاء الوطن مواطنين من الدرجة العاشرة ..
ولا على إهدار المليارات في بناء ما يُخلد السيسي، ويُغضب اللهَ، فمسددو القروض هم أحفاد المصريين ..
ولا على قيمة مصر ورئيسها، فهو فضيحة بكل المقاييس إذا خرج من مصر أخجلتنا لقاءاته وخطبه واحتقار الزعماء له ..
ولا على أرنبة الإعلاميين والمثقفين في عهده فجعلهم أو جعلوا أنفسهم قردة خاسئين، يُصَفــَـق لها فترقص، سلام للبيه ...
ولا على تحوّل المصريين كرئيسهم إلى حالة من السلفية الداعشية الكارهة للغير ..
ولا على اغتيال اللغة العربية في عهد السيسي، وتحويل مؤسسات الإعلام والدين والتعليم إلى اللغة العامية كتمهيد وتوطئة لخروج مصر من عالم العرب ..
ولا على اختفاء ومحو ومسح وإزالة اسم المصري وحضارته وثقافته فأصبحنا عاجزين عن العطاء ...
ولا على عالم التسول الذي صنعه مبارك وورثه طنطاوي فمرسي فالسيسي فخسف بمصر الأرض ...
ولا على تعمد اختيار السيسي لأجهل إنسان منذ عهد الفراعنة فجعله رئيس مجلس النواب الذي يجلس تحت قبته مصفقون أميون وجهلة وفاسدون ..
ولا على وصول المصريين إلى أخطر مراحل العصر وهي كراهية القراءة والمتابعة والثقافة والمعرفة لتصبح الصورة والفهلوة ووضاعة الإعلام وسوقية اللغة وضعف اللسان، وبالتالي يضمن السيسي حُكما فوق الوطن حتى يموت أحدهما .. الرئيس أو مصر!
ولا على اختفاء الإسلام وظهور دين جديد دراويشي يصنع العبيد، ويُعلي من شأن الجهل ..
ولا على عدم المساواة بين المواطنين فأصبح حلم الهجرة أرفع وأشرف الأحلام ( في عام 2017 تقدم مليون و800 ألف مصري بطلبات للهجرة في السفارة الأمريكية بالقاهرة )!
ومع ذلك فقد غضب المصريون عن بكرة أبيهم، وزلزلت الأرض زلزالها، وارتفع ضغط دم الشعب، واستجاروا، واستخاروا، ولعنوا الفساد في الأرض والبحر عندما التقى طالب جامعي بزميلته وعانقها، أو احتضنها في الحرم الجامعي وبدون أن نعرف السبب فقد يكون حبا أو زمالة أو لقاء بعد غياب أو عاطفة جارفة استغرقت عشر ثوانٍ، فأصبحت يوم القيامة المصري.
لقد غضب المصريون، ورقص الشيطان، واحتفلت تل أبيب، وطالب الشعب بتوقيع أقصى العقوبات على المجرميّن حتى يكونا عبرة لمن تسوّل له نفسه الإساءة للدين والقيم والأخلاق.
لقد غضب المصريون لعناق طالب وطالبة في لقاء الثواني العشر، ولم تهتز لهم شعرة فيما ورد أعلاه من جرائم يهتز لها عشر الرحمن.
الآن يمكن لأي داعشي أن يرفع الراية السوداء للإمارة الإسلامية المصرية وعليها نجمة داود!
الآن يمكن للرئيس السيسي أن يقف في قلب ميدان التحرير ويرفع لنا إصبعه الأوسط!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 15 يناير 2019





رسالة مفتوحة إلى روح جمال عبد الناصر



هذا المقال نشرته في عام 1991 في طائر الشمال ثم في كتاب ( قراءة في أوراق مهاجر )، وأعيد نشره، فأرجو لمن يقرأه أن ينظر إليه في سياقه التاريخي.
الدافع للمقال كان وجود حسني مبارك في 23 يوليو في قصر باكنجهام خلال زيارة لملكة بريطانيا، وكانت إشارة إلى أن روح عبد الناصر ليست أهم من الذين قادوا العدوان الثلاثي عام 1956.
رسالة مفتوحة إلى روح جمال عبد الناصر
أكثر من عشرين عاما مضت منذ رحيلك وأنت الغائب الحاضر( نصف قرن في هذا العام )، بين الأصدقاء كما بين الأعداء، يتذكرك الأوفياء فتختفي أصواتهم لأن الذين يثرثرون في تاريخك كثر! لقد أصبح من حق أي دعي أو عاهرة أو كاتب مرتزق أو عميل سابق أو راقصة في كباريه في شارع الهرم الادعاء بمعرفتك معرفة وثيقة، ولا مانع من نشر كتاب يدّعي فيه صاحبه أنك ـ رحمك الله ـ كنت تأتمنه على أسرارك، وتُسِرّ إليه بخلجات نفسك، وتمنحه ثقتك.
تسألني عما حدث لنا بعدك وكأنك تراهم واحدا واحدا، أو قزما.. قزما، وهو حديث يطول بطول أعوام غيابك أو يزيد التي قضيتها بعيدا عنا، في جوار ربك، تنعم برحمته ويظللك غفرانه.....ويتوب عليك.

لو عدت إلى عالمنا ، يوما واحدا أو أقل، لما عرفت أي مشهد من مشاهد الوطن الصغير مصر، أو الكبير الذي منحته جسدك وصحتك وعقلك، ثم أسلمت الروح لبارئك، وأسلمت السلطة لمن لم يكن يستحق أن يكون عمدة لقرية مجهولة في أقاصي البلاد.
في عالمنا العربي الآن أشياء تقتل المواطن هَمّا أو غما أو ضحكا، فلا تعرف إن كان الضحك جزءا من أوجاعنا أو كانت الهموم شهادات موت نكتبها لأنفسنا دون تصريح بالدفن!

دعني قبل أن أكتب لك عن فواجع أمتنا أقص عليك من نبأ الأستاذ رشاد نبيه!
طبعا لم تسمع بهذا الاسم من قبل، وربما ذهب بك الظن إلى أنه تاجر مواشي أو حديد مسلح. الحقيقة أنه أكبر من هذا بكثير، فقد كتب الأسبوع الماضي شيكا غير قابل للصرف بمبلغ مليار ومئات الملايين من الجنيهات المصرية! باسم رئيس لجنة التحفظ على الأموال.
لا تظن، يا من كنت حبيب الملايين، أنني أمزح، فالمبلغ صحيح والحكاية ليست من نسج خيال أحد. ولو قلت لك كيف تلاعب هذا المحامي بقلوب وعقول الشعب كله والصحافة والمثقفين ورجال القانون لاكتفيت وعدت من حيث أتيت. ستقول وهل يسمح القانون بهذا الهزل، فضلا عن السرقة والنهب؟ وهنا لا أستطيع أن أدافع عن القانون ولكنني أؤكد لك، أيها الراحل العظيم، أن كل شيء ممكن في وجود أو غياب القانون.

فقد كان بإمكان شخص يدعى سامي علي أن يحول بلايين من أموال العمال المصرين في الخليج باسمه الشخصي ويربح مبالغ خيالية، فإذا سألته الحكومة " من أين لك هذا"؟ هدد بتدمير اقتصاد مصر. وتحت سمع وبصر القانون ضحكت امرأة واحدة على البلد كله ونهبت الملايين ثم خرجت من المطار معززة مكرمة. إنهم، أيها الشهيد الراحل، ينهبون مصر قطعة.. قطعة، من آثارها القيمة واقتصادها وزراعتها وأرضها وقيمها وتراثها وثقافتها.
تسألني وأين مجلس الشعب؟ وكأنك تريد البكاء قبل أن تستمع إلى بقية الحكاية. هل تعرف أن في مصر الحبيبة أكثر من نصف مليون مدمن مخدرات؟ وهل تعرف أن بعض أعضاء مجلس الشعب( الموقر) يتاجرون في سموم الشعب ويتعاطونها فلا تدري إن كان العضو وهو يمثل الشعب يقظا أم ( غائبا!)، وهل تعرف أن بمصر صحافة معارضة تكتب في كل شيء تقريبا، ولكن لا أحد يستجيب لها أو حتى ينصت إليها بأوامر عليا! وهل تعرف أن المنازل أصبحت أبراجا من حق صاحبها أن يحدد بنفسه نوعية مواد البناء شريطة أن تسقط بسكانها الأبرياء، لأن مقتل مصري أو مائة أو ألف لا يهم فلدى الدولة ( منهم) الكثير؟
أعود إلى موضوع المحامي التاجر، وهو الذي يتولى عملية إعادة الاعتبار والاحترام والتقدير للريان.
الريان! ماذا تقول؟ آه، معذرة أيها الحبيب الغالي، فأنت لم تسمع عن الريان. هل تذكر الميثاق الوطني الذي قرأته علينا في أوائل الستينات وتحدثت فيه عن الرجعية الدينية؟ لقد كنت تتنبأ به وبأعوانه، ولكنهم انتظروا مدة كافية لقتلك عدة مرات قبل أن يظهروا على الملأ بكروشهم الكبيرة، ولحاهم الكثة القذرة، وعيونهم المكحلة. انتظروا حتى تصدر (دار الزهراء) مجموعة من الكتب تتهمك فيها بكل موبقات الإنس والجن، ثم هجموا عليك هجمة ذئب واحد حتى لا يعرف أنصارك من أين تأتي الضربات، فنشرت اعتماد خورشيد ما أطلقت عليه (حكايتي مع عبد الناصر). وقطعا لن تجد في ذاكرتك أي صورة لهذه المرأة التي تقول إنها قامت بزيارتك وحدثتك، وأجلستها على طرف فراشك، وتناولتَ طعامك المتواضع أمامها، فنشرت كتابا كاملا عنك بعد أقل من عشرين عاما بقليل، أملته على شخص يدعى فاروق فهمي. لن أحدثك عن أنيس منصور (وجع في قلب إسرائيل)، وقد عاد إليه وعيه الإسرائيلي فنشر عنك كتابا أسماه(عبد الناصر المفترىَ عليه والمفتري علينا)

ولن أحدثك عن كثيرين من أعضاء الاوركسترا النشاز التي يقودها شخص يدعى محمد جلال كشك، الذي وضع مجموعة من المؤلفات لو قرأها إبليس في جحيمه ولعنته لرقص طربا، وانتشى فرحا، وأعاد على رب العزة قوله ( لأغوينهم أجمعين...)
نعود إلى الريان فأجد نفسي عاجزا عن شرح ملهاة أبكت شعبا بكامله، ومازالت فصولها تتوالى. فلن تستطيع أن تستوعب هذه الصدمات إن شرحت لك من هو الريان، وما معنى شركات توظيف الأموال! ستقول وهل هناك أموال في مصر؟ وهل تعرف الحكومة أين يستثمرون أموالهم، وماذا عن العمال والفلاحين والفقراء والعلاوات وعيد العمال و...؟
لن أرد على كل هذه الأسئلة والاستفسارات لأن هذا يعني أنك لن تصدق أن الحديث عن مصر والوطن العربي، وستظن أنني أخطأت العنوان! فالعمال الذين يهمك أمرهم ذهب أكثرهم إلى دول الخليج والعراق وليبيا. أما الذين ذهبوا إلى ليبيا ـ وتسمى حاليا الجماهيرية لأن الجماهير هي التي تحكم! ـ فقد غضب عليهم قائد الثورة، ذلك الشاب البدوي العفوي الذي كان قد قام بثورته على الملك إدريس السنوسي وأقسم أن يجعل من ليبيا جنة الصحراء، وقلت يومها إنه يُذكــّـرك بأيام شبابك.

عمالك، أيها الشهيد الغالي، تم طردهم من الجماهيرية والاستيلاء على أموالهم وتوجيه كل قاموس الشتائم إليهم.
وتم الصلح فعادوا مرة أخرى أضعافا مضاعفة، فلا يهم إن كان الهَمُّ هنا أو هناك، فالذل له طعم واحد.
أما الذين سافروا إلى الخليج وأنعشوا الحياة في مصر وساهموا في نهضة الدول العربية الشقيقة فأمرهم أعجب من العجب. ولكن قبل أن أكمل الحديث عن عمالك في الخليج أراك، أيها الشهيد الحبيب، تتساءل عن معنى الجماهيرية، وهل ليبيا أصبحت الآن غنية جدا ومتقدمة بحكم أن الجماهير هي التي تحكم وبين أيديها أموال البترول منذ عام 1969 وثورتها المباركة؟

والحقيقة أنني لا أعرف إن كانت المليارات من الدينارات تكفي لتحسين مستوى معيشة الليبيين وجعل الجماهيرية سويسرا العالم العربي أم لا. ولكن الواقع أن العالم كله استفاد من أموال بترول ليبيا بعدالة لا نظير لها، بدءا من منظمة " إيرا" الأيرلندية والهنود الحمر في أمريكا وشقيق جيمي كارتر والميليشيات والعصابات اللبنانية وحسين حبري وجون جارانج ومحمد عبد العزيز( الأخير إن لم تكن قد سمعت عنه هو رئيس قطعة من الصحراء القاحلة ليس فيها ماء أو خضرة أو وجه حسن. لكن الجزائر وإيران( الإسلامية!) قررتا جعل هذه الكثبان الرملية دولة عظيمة مثل الصين ومواجهة المغرب بها وتدمير اقتصاد الرباط وهز عرش الملك الحسن الثاني). لهذا لا أعرف إن كانت ليبيا قد أصبحت غنية أم أن 300 مليار دولار في العشرين عاما المنصرمة لم تكن كافية للجماهيرية و...تشاد!
أما عمالك الذين شدوا الرحال إلى دول الخليج العربية واستقروا بها، وزاد عددهم على المليونين، فقد شهدوا مع إخوة لهم من أقطار عربية أخرى سنوات خصبة ونهلوا من خيرات الأشقاء، وأطعموا أهلهم وذويهم إلى أن جاء يوم أغبر لا أعاده الله على العرب مرة أخرى اقتحم عشرات الآلاف من الجنود المدججين بالسلاح، وآلاف الدبابات، ومئات الصواريخ دولة الكويت الصغيرة!
ستقول، أيها الراحل الكبير، إنه لا شك عدوان ثلاثي جديد تقوده بريطانيا! لا، ألم أقل لك إنك لن تصدق أن هذا هو وطنك العربي. الاستعمار الجديد الذي قتل وسلب ونهب وذبح ودمر هو العراق الشقيق بأوامر من رئيسه صدام حسين! طبعا تذكره جيدا هذا الشاب البعثي الأنيق الذي لجأ إلى مصر ثلاث سنوات واشترك في عدة محاولات اغتيال في العراق، وفي عام 1968 استتب الحكم لحزب البعث وكان نائبا للرئيس أحمد حسن البكر، لكنه العقل المدبر للحزب، وللعراق كله. لقد اختلف كثيرا عن ذي قبل وأصبح الآن متمرسا في القتل والكذب، ويمارس ضد شعبه سادية لم يعرفها ستالين في دراكيولياته، فما بالك وهو يمارسها ضد الآخرين.

سترد فورا، أيها الغائب الحاضر، بأن العالم العربي كله قد وقف دون أدنى تردد أمام أطماع وهوس ودمويات صدام حسين.
آه، أيها الزعيم الحبيب، لقد اشتقنا لطيبتك وثقتك في قومك وإيمانك بهم ودفاعك عنهم.
العالم العربي اختلف فانقسم، وخرجت مظاهرات بعشرات الآلاف من المهووسين ترفع صور القاتل، وتعاهد الله على دعمه والوقوف معه، في الوقت الذي كان فيه جنوده يعبثون بكل القيم والمبادئ والأعراف والأخلاق، فذبحوا وقتلوا ونهبوا ودمروا وأحرقوا الأخضر واليابس، وأشعلوا آبار البترول وحولوا مدارس الأطفال إلى ثكنات عسكرية، وجامعة الكويت إلى معتقل، ومعهد البحوث العلمية إلى أطلال وخراب .

هل تصدق ، أيها القائد الغائب أن الجزائر العظيمة، صاحبة أنقى ثورات العصر ، تقرر إعداد مليون شخص للوقوف بجانب صدام حسين، وتخرج الجماعات الإسلامية تستعرض قوتها وعضلاتها تهدد بها النظام، وتعرض على صدام حسين الدعم الكامل؟
والكويت ليست إسرائيل، لكن العرب، يا زعيم العرب الغائب، لا يفرقون بين العدو والصديق، ولا يعرفون الطيب من القبيح، ولا الغث من السمين. أما في الأردن، فقد أعطى الملك الحسين بن طلال الضوء الأخضر لمساندة الباطل، فخرجت المظاهرات في كل مكان تعاهد القاتل على مزيد من الدعم إن أوغل في إرهابه وترويع جيرانه الآمنين.
في جنوب لبنان، وفي مخيمات المظلومين والمضطهدين، كانت صور صدام حسين تتصدر كل المظاهرات، فالعرب لم يتعلموا بعد مناصرة الحق.

عبد الناصر أيها الغائب الحبيب؛
هل تريد أن تسمع المزيد عن مأساة العرب بعدك؟ إذن سأحدثك عن الجرح الكويتي الكبير الذي لن يندمل أبدا. طبعا تذكر الكويت، خاصة وأن أميرها السابق كان آخر من عانقت من الأشقاء في مطار القاهرة بعد ظهر الثامن والعشرين من سبتمبر من عام 1970، ثم عدت إلى بيتك وأسلمت الروح إلى خالق الروح.

بعدما رحلتَ عنا وانتهت مدة الحِداد صدر كتاب لجلال الدين الحمامصي يشكك في ذمتك المالية. وبمباركة ضمنية من الرئيس أنور السادات تناول بعض الصحفيين الأمر، انتقاما منك، أو تشفيا فيك، أو تزلفا لنائبك السابق. وهنا غضب الكويتيون، وهم لا ينسون موقفك المشرف من بلدهم وأطماع عبد الكريم قاسم، فانتهزوا فرصة زيارة السادات لهم وطالبوه بإيقاف حملة التشكيك، وانبرى أحدهم في حفل عام وعرض على السادات، باسم كل الكويتيين، تسديد ما ادعى الكاذبون أنك مدين به.
تسألني، يا قائد العروبة الشهيد، عن أحوال الفلسطينيين؟ نعرف جميعا أنك كنت تحبهم، وتفضّلهم على العرب أجمعين، وقد قضيت عمرك كله تدافع عنهم، وأخيرا سكت قلبك الطيب بعد أن أوقفت مذابح الحسين بن طلال ضدهم.
لقد مرت بهم بعدك أزمات عنيفة تكفي كل منها أن تبيد شعبا بكامله، لكنهم كانوا يخرجون من كل أزمة أشد صلابة وأكثر إرادة في التحدي، لأنها كانت دائما هزائم خارجية، من الأعداء، ومن الأصدقاء أو من الأشقاء، فكانت تل الزعتر، وصبرا وشاتيلا وطرابلس الشمال... أما خروج 82 فكان وصمة عار للعرب حيث دخلت إسرائيل بيروت وجعلت تقذف حممها على مدى ثلاثة أشهر متواصلة بأكثر مما قذف الحلفاء برلين حتى خرج الفلسطينيون في مشهد لم يمر بمثله العالم العربي.
وقام الفلسطينيون بانتفاضة عظيمة مباركة تملك الإيمان والحجارة، وتحدت بها طوال أربع سنوات الجيش الإسرائيلي بكل جبروته وقسوته ووحشيته.

إلى أن جاء يوم الظلم العظيم، يوم العرب الأسود، الثاني من أغسطس عام 1990 فوقف الفلسطينيون مع القاتل صدام حسين في مواجهة العالم كله، ولأول مرة يُهزَم الفلسطينيون من الداخل، وهم الذين كانوا يمنحوننا الأمل دائما بأن الظلم لا يتجزأ، وأن الاحتلال في كل صوره مرفوض، سواء كان احتلالا إسرائيليا أو بريطانيا أو جنوب إفريقي أو حتى ....عربيا.
وخسر الأشقاء منذ الثاني من أغسطس المشؤوم أكثر مما خسروا منذ عام 1948، في الكويت والسعودية ودول الخليج الأخرى، وفي مصر ولبنان وسورية.
ثم جاء قطار الحل السريع للقضية الفلسطينية التي يملك الباطل فيها ـ أي إسرائيل ـ كل أوراق اللعبة تقريبا، وما زال العرب في انتظار أن تعترف بهم إسرائيل!
جمال يا حبيب الملايين؛
تتساءل أيها الحبيب الغائب عما حل بـ" الإقليم الشمالي" من الجمهورية العربية المتحدة؟ ونحن لا نملك أدلة، غير أن في النفس لوعتين، الأولى عندما تقفز صورة مدينة حماة إلى الذاكرة، وهذه لن نقص عليك من نبأها، فقد قتلتك في المرة الأولى مذابح سبتمبر الأسود، أما حماة فلم تكن أقل سوادا. اللوعة الثانية هي في إقامة دولة من أجهزة المخابرات، ولو قرأت تقارير منظمة العفو الدولية عن إقليمك الشمالي لذرفت دمعات على الوطن كله.

عبد الناصر أيها الهرم الكبير؛
هل أحدثك عن السودان؟ الحديث عن السودان لا يحتاج إلى أكثر من وصف البؤس بكل درجاته؛ ففيه الفقر، والمجاعة، وحكم عسكري كأنه أخطأ الطريق إلى أمريكا اللاتينية ووصل الخرطوم، وقيمة للمواطن تعادل الصفر أو أقل.

هل تصدق، أيها الهرم الغائب، أن ستمائة ألف سوداني اختفوا بين إثيوبيا والسودان ولا يعرف أحد عنهم شيئا؟ وهل تصدق أن إعدام مواطن في عهد البشير أكثر سهولة من إلقاء تحية الصباح؟ وهل تصدّق أن السودان الحبيب، جنوب مصر العظيمة، وقف مع صدام حسين في عدوانه؟
لو حدثتك عن الوطن العربي الكبير بتفاصيل مآسيه ودراماته وفواجعه منذ رحيلك لما صدقتني، فاكتفيت ببقع سوداء لعلها تحكي لك عن أسباب شوقنا إليك، وإلى صوتك وإيمانك وقوتك وإرادتك وإخلاصك.. أكاد أسمعك تسأل عن عيد الثورة، عيدنا القومي!

وهل الرئيس حسني مبارك قام بتوزيع العلاوات على العمال والأراضي على الفلاحين؟ معذرة، فقد بحثنا عن الرئيس في مصر ولم نجده وعلمنا أنه في قصر باكنجهام!
محمد عبد المجيد
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
طائر الشمال
أوسلو في سبتمبر 1991
أوسلو في 23 يوليو 2012
أوسلو أيضا في 15 يناير 2019

09‏/01‏/2019

قراءة في وعي فنان.. خالد أبو النجا!

قراءة في وعي فنان.. خالد أبو النجا!

صناعة الوعي تبدأ من الشاشة الفضية؛ أما موتُ الوعي فيأتي عن طريقين: القصر والمنبر؛ رغم أن المفترض أن سيد القصر ورجل الدين يحمل كل منهما رسالة سامية فإذا بالأول يُكمم الأفواه و.. الثاني يكمم العقول!
شاهدت اليوم حوارًا تلفزيونيا على القناة الفرنسية 24 ساعة استضافت فيه الإعلامية عزيزة نايت سي باها، المغربيةُ القديرة وصاحبة الابتسامة الجذّابة الفنانَ المصري خالد أبو النجا، واستمتعتُ بشدة، فلم يكن حوارًا أكثر منه رسالة أخلاقية في الفن والتمرد والثقة والوطنية.
كلما ذاكر وقرأ المضيفُ عن ضيفِه اتسعتْ مساحة المعرفة، وعرف الاثنان طريقهما إلى نجاح الحلقة حتى قبل بثها!
أما إذا كانت أحاديث وأعمال الضيف مرسومة بإتقان في ذهن المضيف فقد أحكما المشهد الأثيري فيجعلانك لا تود إنزال الستار وتوديع الجماهير.
الشاشة الصغيرة تحكي عن الشاشة الفضية وهي الفن السابع، والتي تحكي بدورها عن الشاشة الأكبر ..
أي الصورة الحقيقية للوطن ومتعرجاته، وهمومه، وغضبه، وفرحه، وأزماته.
المذيعة الرائعة تتحدث عن مخاض الربيع العربي، ومن يبحلق في عينيها يعثر على خيال ( سنوات الرصاص في المغرب)، فكل شبر في العالم العربي الممتد من جزيرة ليلى المغربية إلى جزيرة حنيش اليمنية مرورا بجزيرتين مُتــَـنازَل عنهما، كان الشباب فيه هم الأصل، ليس قبله طفولة و.. لا بعده كهولة!
خالد أبو النجا فنان رقيق ومتمرد في الوقت عينه، ثوري وصريح وقاريء جيد ومخارج ألفاظه متفردة وواضحة.
وضع يده على أسرار الشخصية المصرية وأهمها أن الصمت هو الذي يجعل الأزمات متراكمة، والمصريون عندما هجروا الصمت في يناير 2011 انطلق الربيع من ميدان التحرير بعد أنْ تنفس تونسيــًـا.
خالد أبو النجا يملك حِسّا فنيا سينمائيا، لذا التقطه داود عبد السيد ويسري نصرالله وغيرهما، ومزح قائلا إن هناك فارقا بين مصر الجديدة الحي القاهري و .. مصر الجديدة بمعناها السياسي.
تنبأ في حديث مع نفس المذيعة في مهرجان ( كان ) في مايو 2010 بثورة يناير.
تحمّل طوال عام كامل حملة ظالمة إعلامية ومغرضة لمواقفه السياسية الصريحة والجريئة، فالإعلام هو سلاح السلطة تُغري به أو..  تبطش!
كان حوارًا ذكيا ومبهجا وفيه الأنا خفيفة ومشوبة بالحياء، والوطن أكبر منذ أن غادر مصر فرأى أرضَ الكنانة من الخارج، وزاد عشقه لها.
طبيعيٌ في تمثيله فكأنه ينقل المشهد الحقيقي على الشاشة كما فعل في ( هليوبوليس) وفي ( شقة مصر الجديدة).
تحية للفنان القدير خالد أبو النجا، وتمنياتي له بالمزيد من الأعمال المبدعة سواء في الاستديو أو في الشارع مع الشباب المتمرد.
الفنان الشجاع مكسب للفن وللجماهير، فإذا التصق بالقصر أو المنبر فقد بهت أخلاقيــًــا حتى لو سطع شعبيا!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو 9 يناير 2019



  

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...