لماذا لم يُعَرّوا أقفيتهم كما فعل آباؤهم طوال ثلاثين عاما، جفّف خلالها الديكتاتور مبارك منابع الحرية والديمقراطية والإخاء؟
لماذا لم يخرسوا، ويصمتوا، ويعرضوا أجسادَهم على أجهزة الأمن كما تَعْرض العاهرات أجسادَهن؟
لماذا دعوا إلى مظاهرات، واعتصامات، واحتجاجات في قلب القاهرة؛ فأثاروا غضب الأسياد، وأفسحوا الفرصة للمتآمرين بالانقضاض على الوطن؟
لماذا لم يتعلموا حكمة بطل الضربة الجوية الأولى؛ فيشكروه على فتات لقمة العيش مثلما فعل آباؤهم حتى لو جمع وهرّب مليارات من أموال فقرائهم؟
لماذا قاموا بوكسة 25 يناير وقد خلقهم الله عبيدا مثل آبائهم الصامتين ثلاثين عاما، وهم يعلمون أن المصريين حيوانات أليفة إذا أطاعت الذئاب، وتناست أن رجال الحاكم حيوانات مفترسة إذا شمّت رائحة تمرد على العبودية؟
لماذا ورّطوا مصر والمصريين في الإيمان بحرية المواطن وحقوقه وكرامته وحقه في الاختيار؛ فكانت النتيجة ثورة أطاحت بسيدهم، فعاد في أبشع صور: طنطاوي ومرسي وعدلي منصور والسيسي، ولو صمتوا كما تفعل الأغنام لما تمكنت القوى الكبرى من التآمر على مصر؟
لماذا أصروا في وكسة يناير على خلع سيدهم وتاج رؤوس آبائهم، ولم يقبلوا تقبيل نعاله ومؤخرته كما فعل الشعب كله خلال ثلاثين عاما؟
لماذا ظن شباب 25 يناير أن المصريين كلهم أسياد في بلدهم، وأن الدستور يمنح الحاكم فترتين فقط ثم يأتي مصري آخر، وتتجدد دماء القصر، فخرجوا يلعبون مع أسيادهم واكتشفوا أن الرئيس هشٌّ من كرتون، لكن سيأتي من بعده ذئب، يعقبه ذئب تمهيدا لوقوع مصر بين أنياب ذئب آخر؟
لماذا خرّب علينا ولاد الكلب أبناؤنا متعة، ولذة، ونشوة، وغبطة العبودية والكرباج والسجون وأمانــَــنا في جمهورية الرعب؛ فجاءتنا جمهوريات متعددة، عسكرية لطنطاوي فكشف عذرية بناتنا، ثم إسلامية مرسي والاخوان فأخرج من أحشاء الناس الطائفية والحماقة، وجاء عدلي منصور ليشوه عدالة القضاء ويمهد لديكتاتور الديكتاتوريات، وأخيرا جاء من منع المصري من التنفس! أليس هذا بسبب دفاع الشباب عن كرامة رفضها آباؤهم لثلاثة عقود؟
لماذا أغضب شباب وكسة يناير قوات الأمن والجيش والاستخبارات والعملاء والجواسيس فاضطر المساكين(!) لقتل أكثر من 800 منهم وفقأوا عيون المئات في قنص ممتع وفتحت السجون أبوابها لمئة ألف، وضاعت مصر بسبب مفردات الحرية والمساواة والكرامة ومحبة الوطن والدفاع عن خيراته؟
لماذا لم يقنع الآباءُ أبناءَهم الذين سقطوا من بطون أمهاتهم قبل أربعين عاما أن الله خلقهم ليعبدوا الرئيس ورجال الأمن والجيش والقضاة وحثالة الإعلاميين وأن يصمتوا، فالصمت هو الحياة؟
لماذا ظن ولاد الكلب أبناء وكسة يناير أن المصريين، ومنهم آباؤهم، سيدافعون عنهم، وأن القضاة سيحكمون بالعدل، وأن الإعلاميين لن يبيعونهم في سوق النخاسة، وأن أبناء أبطال العبور سيقومون بحمايتهم، وأن الشرطة في خدمة الشعب، فدفعوا الثمن غاليا، وثكلت أمهاتهم مئات منهم؟
لماذا لم يفهم ثوار وكسة يناير أنهم حشرات في نظر الرئيس والجيش والشرطة والقضاة والإعلاميين والمثقفين وجماهير الجبناء المنبطحين؟
لماذا لم يفهم الذين رفضوا العبودية أن المصريين أعداء المصريين، وأن الرئيس عدو للجميع، وأن الله لم ينقذهم لأن اخوانهم وأحبابهم وزملاءهم وأبناء بلدهم يرفضون العيش في بلد كريم وحر تماما كما رفض آباؤهم طوال ثلاثين عاما مستمتعين تحت حذاء حسني مبارك اللعين؟
لهذا هي وكسة يناير؛ ليس لأن أنبياء الله الصغار قاموا بها، معاذ الله، ولكن لأن المصريين يرفضون العيش بكرامة بعيدا عن كرباج الحاكم!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 26 يناير 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق