25‏/12‏/2020

صناعة المُسلم الأفيوني!

 

صناعة المُسلم الأفيوني!

الدين يمثل برنامجاً سماويا لترتيب المنهج الرباني في النفس الإنسانية؛ لكن الذي يحدث منذ عقود هو أن هذا البرنامجَ السماوي السامي يُستخدَم من لدُن الحمقى والدراويش لصناعة الهَبَـل، والعباطة، وتسويق الخرافات، وترديد حكايات ورقية هشة كأنها حقائق رغم أنها لا تُقنع جنينا قبل أنْ يسقط من بطن أمه!

يمكنكم متابعة مئات، وآلاف البرامج التلفزيونية، واليوتيوب، والخُطَب الدينية،والمنبريات من الشيوخ الزبيبيين وهم يقُصّونها بطُرُق هستيرية تنتقل بين الهوس الجنسي، وبين التأكيد على تفاصيل دقيقة لا يمكن أن يتحقق من صحتها ولو عفريت من الجن عاش منذ أربعة عشر قرنا.

مرويات تستحق أن يمر المؤمنون بها على مصحّات نفسية وعقلية قبل غربلتها والوصول بها إلينا.

شيوخ منشغلون بأحقر، وأتفه ما ترسب في قاع الجهل، فيعيدون ترميمَها، ويضيفون إليها الصوت، والصورة، والصرخة، والآياتِ المقدسةَ، وما قيل بأنها أحاديث نبوية حكاها مجهولون عن مجهولين حتى إذا شاهدها وسمعها المسلمون مع أفواه مفتوحة، وشفاه متبلدة، وإيحاءات بقدسيتها تكون الفأسُ قد وقعتْ في الرأسِ، وتتسلل هذه الحكايات الخَرَفية، والخُرافية، والخريفية فتصنع المتخلفَ، والأبلـَـه، والداعشي، والإرهابي، والمُغيَّب!

الخطر على عالـَمِنا بعد الطواغيت والديكتاتوريين والمستبدين يأتي عن طريق المنبر، والداعية، والشيخ، وراوي الحكايات التي تُعادل كلُّ حكايةٍ منها في خطورتها كيلو حشيش، أو خمسين جرام هيروين، أو عَشْر حِزَم من القات!

أعترف لكم بأنني أشعر بقرف، وغثيان، ويأس، وإحباط لدى مشاهدتي دقائق معدودة لمحمد حسّان والحويني ومحمود المصري وعمرو خالد ومصطفى حسني وعبد الله رشدي ومحمد حسين يعقوب ووجدي غنيم وعشرات.. ومئات غيرهم؛ فهؤلاء لا يمثلون من قريب أو من بعيد ديني الإسلام الحنيف.

الخُطب الدينية أوضح عمليات احتيال، وتدليس، وغشّ تُبْعــِـد المسلمَ عن الله، وتُقرّبه من وثنية هرائية، وتُلصِق بذهنه ما ورثه الجهلة عن أسلافهم، أو عن كتبٍ غير معروف مصدرها.

الخُطبة الدينية أصبحت جريمة مكتملة الأركان، متكاملة البلاهة، مُغطاة بسطحية ساذجة، مليئة بكل مواد التخدير التي تداعب حِسّياتٍ جنسيةً لدى المسلم، أو أحلام اليقظة، أو طاعة الحاكم الظالم، أو عشق الجهل، أو كراهية كل ما ليس إسلاميًا على هواهم.

والمسلم الذي جهّلته الخطبُ الدينية لا تتحرك شعرةٌ في جسدِه إذا عرفَ أنَّ الحاكمَ الديكتاتورَ ذبحَ الشعبَ فردًا.. فردًا؛ لكن نفسَ هذا المسلمَ يُعلن الحربَ على من ينفي وجود الثعبان الأقرع، أو علامات الساعة، أو ظهور شعر رأس المرأة، أو عدم تحريك السبّابة في التشهد،  أو أنَّ صحيحَ البخاري مليء بالمغالطات و.. الخرافات!

أتذكر في مقال لي عن جرائم التعذيب في عهد حسني مبارك وهي جرائمُ تُحرّك الصخر من موضعه؛ وتحدثت عن مَلــَــك الموت؛ فانبرى مسلمٌ الخُطَبِ الدينية يردّ على مقالي وكأنه يحمل سيفـًا، مُهددًا، ومُتوعدًا لأنَّ صديقـًا له قرأ المقالَ وأبلغه أنني استخدمت تعبير عزرائيل، فكيف لا أذكره باسم مَلــَـك الموت؛ وليس عزرائيل كما جاء في مقالي، وهذا ما لفتَ نظرَ صاحبِنا المصنوع مُخاطُ مُخِّه فوق المنبر!

 الخُطبة الدينية يُحَرّكها القصرُ بطاغيته لتستمر الشعوبُ في نومِها الدائم مع وعودٍ بأنَّ من يصبر على الظلم سيجد الجنةَ في انتظاره، فاللهُ يمهل و.. لا يهمل!

الخطبة الدينية التي تبدأ بحزمة من الأدعية وتنتهي بأضعافها ليستْ أكثر من تخدير ونصب واحتيال.

إن وجود استثناءات قليلة.. بل قليلة جدا من علماء مستنيرين يُثَبّت الأكثرية من محاربي الإسلام باسم الإسلام.

سيقول قائلٌ: وما رأيك بالشيخ الفلاني؟ وأقول: أنا أتحدث عن مئات و.. آلاف من الشيوخ الغوغاء، وأباطرة الحكاوي، وأمراء المرويات التي لا يصدّقها ضفدعٌ يحتضر، أو فأرٌ مَيّتٌ، أو سِحْلية مريضة!

لقد خلط المسلمون حكايات اليوتيوب، والعباطات، وبورنوجرافيات المنابر وبين الإسلام العظيم، فسقطَ المسلمُ الحديثُ من القرن الحالي إلى قرون طويلة خلتْ، وصدّق المسلم أحاديثَ دارتْ في خيام متحركة بأقصى قرى معزولة حكاها لنا أناس لم يعيشوها، أو يعايشوها، فعششوها في أدمغتهم مع صبغة مقدسة لتوحي للساذجين أنها من الدين.

الخطبة الدينية أصبحتْ كأنها تجارةُ مخدراتٍ في الحلال؛ فصنعتْ المسلمَ المُغَيَّبَ، والغائبَ عن عصره.

الديكتاتور، والجهل، والظلم، والسجون، والمعتقلات، وتنويمُ الجماهيرِ صُنعتْ فوق المنابر، وعلى الشاشة الصغيرة، و.. في اليوتيوبيات الجاهلة.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

 عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين

أوسلو في 25 ديسمبر 2020  

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...