16‏/10‏/2020

المُلحدون قادمون!

أبدأ قبل أن يُساء الفهم وتُشير أصابعُ الاتهام لمعتقداتي قبل أنْ يقرأوا سطرين أو ثلاثة، كالعادة، بأنني مؤمنٌ ومقتنعٌ بديني، عقلاً ووجداناً وسلوكاً.

شعرةٌ واحدة عنكبوتية تفصل بين الإيمان والكُفــْر، بين الدين والإلحاد، وهذه الشعرة قد تنقطع في أي وقت إذا جذبها أوشدَّها أحد لطرف دون الآخر.

رغم أن الإنترنيت أهدىَ، إلكترونياً، إلىَ المؤمنين ملايين المواقع التي تُثبّت إيمانَهم، وتفسِّر لهم دينَهم، وتُقرّبهم لتعاليم السماء، وتشحنهم بوقود من الفكر والقناعة والمعلومات والمرويات والتفسيرات فتزيدهم إيمانــاً على إيمان.

في الجانب المقابل، وتحقيقاً للمساواة النــِتّية كان نصيب المُلحدين، أو الذين هُمْ في طريقهم للإلحاد، أو للواقفين في منتصف الحيرة بين الجهر بما يعتمل في النفس أو العودة إلى ما سقطوا من بطون أمهاتهم عليه من عادات وتقاليد وتربية سواء كان العقل رديفاً أو غائباً؛ فتجد ملايين المواقع التي تُحطــِّم في القيم الدينية، وتُشكــّك في الإيمان، وتنفي الاعتقاد بالألوهية، وتسخر من حكايات ومرويات يتناقلها المؤمنون بغير بصيرة لأنهم ورثوها عن أسلافهم  في غياب تام للعقل، أو على الأقل في مناهضة شديدة للتفكُّر والتدَبُّر والتعقــُّل!

منذ مئة عام أو أقل كان النصر من نصيب المؤمنين، واشتدتْ حركات التنوير قوة، واستعانتْ بالعقل، ونظفتْ الثقافة النقلية، ورفعتْ الحرج عن تفسيرات متحجرة أتتنا من عصور الانحطاط على حين غفلة.

سبق قاسم أمين ومحمد عبده والأفغاني والكواكبي وعلي مبارك زمنَهم بأزمنة إضافية.

في عشرات السنين المنصرمة هجم جرادٌ متوحش من الفتاوىَ، فأصاب الإسلامَ والمسلمين حتى إذا مَرَّ جيلٌ أو اثنان إلا وتغلغلتْ، وترسبتْ، وتثبتّتْ، وتخمرتْ الفتاوىَ الفجــّة في عقول، وقلوب، وأفئدة أكثر المسلمين.

ثم ظهر مُفسّرون لها، ومحللون لحماقتها، ومُزيّنون لتخلفها؛ فأضافوا، وحذفوا، واستعانوا بكل ما وصلهم من عصور الانحطاط لصناعة إسلامٍ جديد، مختوم عليه بختم الدولة، أو السلطة، أو الصمت الثقافي، أو..  العُزلة التنويرية.

ومن المصادفات أنَّ الصورةَ حَلـّتْ محلَّ الكلمة، وأصبح بإمكان المساكين، والجهلاء، والأميين، والمتعفنين من أثر الفتاوىَ أن يجلسوا كالتلاميذ البُلهاء أمام دُعاة يحتاجون لمصحة للأمراض النفسية والعقلية والعصبية، ينصتون وكأنَّ على رؤوسهم الطير.

عرف هؤلاء الدعاة الأوغاد كلمة السر بدلا من افتح ياسمسم: وكانت المرأة والجنس والغلمان والانتصاب الدائم وبيت للدعارة في الجنة طوله ألف سنة.

كان الأوغاد يعرفون أن نفورَ جيل الفتاوى منهم يبدأ مع استخدام العقل، وتقريب الإيمان، وجذب المؤمنين لجَنــّـةٍ يرى فيها المرءُ وجهَ ربه، ذي الجلال والإكرام، ويعيش حياة ثانية في سلام، ويصبح أتباع كل الأديان أتباع أُخُوَّة بشرية وإنسانية في السماء و.. في رعاية مالك المُلك.

عرف الدعاة الأوغاد أن الجالسين أمام خرافاتهم وحكاياتهم يحلمون بالجنس، وبسبعين من الحور العين، وبغلمان، وفي كل مرة يمارس أحدُهم الجِماعَ مع حورية يظل يقذف لسبعين عاما، ثم ينتصب عضوه التناسلي مرة أخرى، فاللهُ(حاشا لله) أعَدَّ له مائدة من الطعام والشراب والنساء اللائي لم يمسسهن إنسٌ ولا جان، ولا مانع أن تجلس زوجته في الدنيا الفانية تشاهده في الجنة وهو ينتقل من أحضان إلى أحضان.

عرف الدعاة الأوغاد أن اللهَ آخر من يفكر فيه المتعطشون لجنتهم، واليوم فقط شاهدت حديثا على فيديو لأحد المشاهير وهو يؤكد أن المسلم في الجنة أعدَّ الله له دكاكين يختار منها ما يشاء؛ هذا الدكان للغلمان، فيشحن مئة أو مئة وخمسين إلى القصر، وهذا للحور العين فيشحن ما لا حصر له. كان المنصتون في المسجد يهللون فرحين بماخور سماوي في انتظارهم.

عرف الأوغادُ أن جيوبَهم وحساباتهم في المصارف تحتاج إلى حمقىَ، وجهلة، وساذجين، ومهووسين بالجنس، ودراويش صنعتهم الفتاوى.

عرف الدعاةُ الأوغاد أنهم في العالم الإسلامي في حماية السُلطة والفتاوىَ.

من عشرات الآلاف من الكتب المُغبرة والمنقولة إلينا استطاع الدعاة الأوغاد استخراج الغثيان منها، فزعموا أن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، كانت معجزته في قوة جنسية تعادل أربعين رجلا فيمر على كل زوجاته بغُسْل واحد.

واستخرجوا من تراث منقول، ومزيّف، ومن إسرائيليات دخلت عُنوة إلى الدين كل ما يصيب النفسَ العفيفة بالقرف، لكن الجماهير المسلمة غابتْ عن الوعي، ودخل أكثرها في لذة حكايات ألف ليلة وليلة الجنسية الإسلامية.

هذا فضلا عن قضايا المرأة والنقاب وضرب الزوجة وتفخيذ الطفلة والزواج منها إذا بلغت السادسة ويتحمل جسدها ثقل جحش إنساني يقتحم موضع العفة منها الذي لم يتكَوّن بعد.

وأخيرا ظهرت الصورة أوضح من شمس مكة في رابعة النهار: فالأوغاد تمكنوا في سنوات قليلة من صناعة الملحدين، وتربية الكارهين لآخر الأديان السماوية، ومنح خصوم الإسلام عشرات الآلاف من الحكايات المُنفّرة التي تُحبب الكُفر على الإيمان، وتقوي شوكة خصومه، تماماً، كما فعلتْ طالبان وبوكو حرام والدواعش والسلفيون وشباب الصومال وغيرهم ممن اختاروا السيفَ لفتح أبواب جنة الجنس.

الملحدون قادمون لأن المسلمين يدعمون الدعاة الأوغاد، ويعتقدون أنهم يتحدثون في الدين حتى من خلال الدم والجنس والاعتداء على الأطفال.

هناك مجتمعات بأكملها وقعتْ تحت سطوة وسيطرة الدعاة الأوغاد، وهم غثيانيون، وممثلون، ومزايدون، وفي أعماقهم من خلال ألسنتهم ومنهجهم كارهون للإسلام حتى وهُمْ فوق المنبر.

دعاة أوغاد زادتْ بأحاديثهم، وخطبهم، وعفنهم، ونتنهم الجريمة، والمخدرات، والتحرش، والاغتصاب، والسرقة، ودعم الحُكّام الطواغيت، وتأييد اعتقال الأبرياء، وتعذيبهم، والتهرب من الضرائب، وتأسيس إعلام فاسد بأموال إسلامية، ظاهراً، وباطنُها حرام.

إن وجود عشرات الدعاة الشرفاء والمخلصين والعقلانيين لا ينفي الغزو النجس من الدعاة الأوغاد، ومن ملايين المسلمين الذين خدّرتهم خمسون أو أربعون سنة من أسوأ ما مرّتْ على الأمة من انحطاط.

كان عمل الدعاة الأوغاد صعباً عندما كانت الكلمة المقروة هي الفصل، والحَكــَـم، والمنطق، أما دخول الصورة والفيديو واليوتيوب المعركة إلى جانبهم فقد أحكموا السيطرة على العقل المسلم، وخاصة الجاهل والأمّي الذي لا يحب اللهَ، إنما يخاف منه فقط، ويقضي حياته في عالم الأدعية.

إذا حاورتَ جاهلاً في الدين فسيقضي عليك بالضربة القاضية من خلال حكايات وفتاوىَ الدعاة الأوغاد.

الملحدون قادمون فقد تهيأتْ لهم كل وسائل الانتصار في الحق، و.. في الباطل.

كل هؤلاء الدعاة الأوغاد سيرفعهم الملحدون فوق الأعناق؛ فهم الذين فتحوا الطريق لهم، وخدّروا عقول المسلمين، وتبَوّلوا في جماجمهم، وبصقوا في آذانهم، وجعلوا إيمانَهم بورنوجرافياً!

الملحدون قادمون فالعالم الإسلامي بكل دواعشه، وسجّانيه، وطُغاته، وخرافاته التي حشروها في الدين، وأحلام الحوريات العذارىَ،  والغلمان مهدّوا الطريق لفصل الدين عن القلوب بعدما كان فصلـُه عن السياسة حُلمَ المتنورين.

أكرر في نهاية المقال بأنني مسلم، ومؤمن عقيدة وسلوكاً وشعائر دينية وقناعة عقلية؛ قبل أن يتشبثْ الحمقىَ في جُملة، أو كلمة، أو إشارة؛ وسيفعلون رغم أنفي!

محمد عبد المجيد 

طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين

أوسلو في 16 أكتوبر 2020   


ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...