قاطعوا إسرائيل و..لا تقاطعوا الإمارات!
العرب فنانون في خسارتهم الأصدقاء وفاشلون في استمرار مقاطعتهم للعدو أو المحتل!
المزايدة الوطنية نُظهرها في الأزمات؛ أما المزايدة الدينية فهي لصبغ القداسة على الموقف حتى لو كان صادرا عن جهل.
متابــَعة موسَعة ودقيقة لوجهات نظر العرب في القرار الإماراتي بالتطبيع مع إسرائيل نكتشف أننا تصادمنا مع دولةٍ عربيةٍ شقيقة أضعاف ما فعلنا مع الاحتلال الصهيوني لبلادنا، واستخرج العرب قواميس التخوين والعداوة والتحدي والمقاطعة واستدعاء شهادات إعلامية من التاريخ وكل من ضاعت عليه فرصة العمل في دولة الإمارات أو الاستفادة المادية ذهب إلى ساحة المعركة الفضائية والصحفية الورقية عارضا قوته ومعلوماته كأنه سيقود الفرسان في ساحة الوغىَ.
قبل أن أسترسل ويُساء الفهم فموقفي لم يتغير طوال حياتي ولو للحظة واحدة( أقيم في أوروبا منذ 47 عاما)، وأنا مقاطع صُلب للاحتلال ولم تدخل بيتي حبة برتقال استوردته أي جهة من إسرائيل، وعلــّمت أبنائي وسيتعلم منهم أحفادي أن مقاطعة كيان الاحتلال واجب وطني وقومي( أقصد هنا أشقاءَنا الأكراد والأمازيج والطوارق وغيرهم) وإنساني وعربي، هذا لئلا يبدأ قارئو السطور الأولى في رفع راية المزايدة الوطنية.
هناك مئة نقطة اختلاف بيني وبين الإمارات وكلها محشورة فيها مشاعر حب تدفئها بانتظام روح الشيخ زايد، أسكنه الله فسيح جناته.
لكن التخوين والمقاطعة والتشكيك وصهينة دولة عربية عمل لا أخلاقي ولا يليق بي، فدولة الإمارات عاهدت مواطنيها ووافديها على التقدم والنهضة والتسامح والعلوم والآداب والبحوث والرفاهية وصناعة دولة تحكمها قوانين صارمة في الحياة اليومية النظامية للإماراتيين وضيوفهم من العاملين على أرض الدولة.
رغم محبتي للإمارات وشعبها وقيادتها فتحفظاتي الكثيرة لم تمس مشاعري، وتمنياتي الخير والاستقرار والسلام للدولة لا تعني أن أغض الطرف عن مواقفي المبدئية.
نبدأ بالتخوين الذي احتل مواقع الصدارة في وسائل الإعلام العربية والفارسية والتركية رغم أن كل المُخوّنين جالسون في قطار التطبيع( باستثناء طهران ودمشق) ولا ندري في أي محطة سيستقبلهم نتنياهو أو من سيجيء بعده.
كلهم مُطبّعون، في مصر وقطر وتركيا والأردن وعلى رأسهم القيادة الفلسطينية صاحبة أطهر قضايا العرب.
الدعوة الحمقاء والبلهاء واللامسؤولة لمقاطعة دولة الإمارات تؤكد أن الجماهير العربية كقياداتها تماما، في سنة أولىَ سياسة رغم صراخها الوطني بالوعد والوعيد لمن يُطبّع مع اسرائيل.
مقاطعة الإمارات أسوأ من التطبيع ذاته، فهي تفتح الأسواق الإماراتية للبضائع الاسرائيلية بدلا من منتجات إيرانية على الشاطيء الآخر ومنتجات تركية لها شعبية في الإمارات ومنتجات كُردية تتفوق على نظيراتها في الأسواق الأوروبية، وطيران سينزوي وتحل محله شركة العال.
المال الإماراتي سيتوجه إلى إسرائيل بدلا من مكانه الطبيعي في المحيط الخليجي ومعه التركي والايراني والكُردي، ونحن الخاسرون.
الحملة القطرية على التطبيع، والذي أنا مناهض له تماما، يخرج من خواء وطني فالدوحة مُطبـــّعة مع الاحتلال الصهيوني، ومسؤولون قطريون كثيرون يتسوقون في مولات تل أبيب.
دولة الإمارات تستطيع أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ فيغادرها فلسطينيون أعطوها من محبتهم وجهدهم وعرقهم ووضعوا بصماتهم التعليمية على عقول مئات الآلاف من الإماراتيين الذين احتلوا مناصب تربوية وسياسية وإعلامية بعدما كبروا في الدولة، وعرقلوا أي اقتحام اقتصادي اسرائيلي ويأتي فلسطينيون برخصة إسرائيلية ممهورة بموافقة أجهزة الأمن الصهيونية وشقيقتها في رام الله، فنخسر نحن وتخسر الإمارات وتربح إسرائيل.
أختلف مع الإمارات في التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، واختلف معها في استمرار الحصار على قطر( بعدما أدىَ رسالته في العام الأول وأفصح عن الغضب الخليجي من الدعم القطري للتيارات الإسلامية)، و اختلف قطعا في استمرار الحرب اليمنية رغم تعاطفي مع الإمارات في الموقف من الحوثيين المدعومين من إيران، واختلف مع الإمارات في الموقف من الصراع في ليبيا وكذلك في دعم الصحافة المصرية التي إنْ ساندت حقّا أصبح باطلا، واختلف أضعافا مضاعفة في دعم الإمارات لديكتاتور مصر عبد الفتاح السيسي.
لكنني أعارض وبشدة ترك الساحة الإماراتية ترتع فيها الدبلوماسية الإسرائيلية ورأس المال الصهيوني والإعلام الموسادي الموجه من تل أبيب.
كلنا إماراتيون ولو كان بيننا وبين أبوظبي ملء الأرض اختلافات وخلافات ورؤى متناهضة، ومن أراد التخوين بسبب التطبيع فأمامه قطار التطبيع العربي/الإسرائيلي وسيجد معظم الوطن العربي الكبير قد حجز مكانه فيه قبل الوصول للمحطة الأخيرة وطرْد الحُلم العربي.
أنا خائف على النهضة الحضارية والثقافية ودولة الرفاهية والنظام التي أسسها الشيخ زايد وورثها أبناؤه وأبناء الشيخ مكتوم أنْ تُحاصَر من الإعلام الايراني( محتل الجُزر الثلاث)، والاخواني، والتركي، والقطري المُطبّع مع التيارات الإسلامية المتطرفة.
استفزاز الإمارات في اتهامها بالخيانة كما يزعم أباطرة التطبيع في فلسطين المحتلة سيزيد شُقة الخلاف وتتوسع حفرة سنسقط فيها جميعا.
أنا أرى أن الوقوف الطبيعي والعروبي والقومي يبدأ بمقاطعة اسرائيل داخل الإمارات، والدخول بكل الثقل للمجالات التجارية والمالية والثقافية والعُمّالية داخل الدولة فكل مؤسسة تخلو بسبب التخوين سيحل محلها أصدقاء جُدُد مرسومة على منتجاتهم نجمة داود.
على الفلسطينيين أن لا يتدخلوا في الشأن الإماراتي كما حدث في الأردن ولبنان والكويت، لكن عليهم أن يبتدعوا مقاومة من نوع جديد وذكي لا يخسرون فيها شبرا واحدا من بلدهم الثاني .. الإمارات.
الفلسطينيون المقيمون في دولة الإمارات لهم ما للإماراتيين ومن يترك الدولة غاضبا سيأتي بدلا منه مُنتَج عربي مزيف ومصنوع في الدولة العبرية.
أنا ضد التطبيع وغاضب على اتهام الإمارات بالخيانة وغير راضٍ عن مقاطعة دولة عربية كريمة بعد عشرات السنوات من الخير والدعم والمساهمة والمساندة التي لم تتأخر الإمارات فيها عن أشقائها العرب.
كلماتي ليست ضوءًا أخضر للتطبيع، معاذ الله، لكنه ضوء أحمر لحماقة المزايدين دينيا ووطنيا وكثير منهم في نفس الصف مع إيلي كوهين.
الشجاعة أن تقاطع عدوَك لا أن تتهم أخاك بالخيانة.
الشيخ زايد، رحمه الله، ترك إرثا أخلاقيا أيضا قد نكتشف قِسمَه الأعظم قريبا أو بعيدا عندما تنسحب الإمارات من ليبيا ومن اليمن ومن الخصام مع ثورة 25 يناير المجيدة التي أطاحت بمبارك.. عدو العرب الأول.
الإمارات لنا جميعا وليست لكيان الاحتلال، والمعارك الدونكيخوتية ضدها ستجعلنا نحن الخاسرين.
أكثر العرب مُطبّعون، لكنهم كالتي ترتكب الفاحشة وتُحاضر في الفضيلة.
إن الضربَ تحت الحزام ضد الإمارات الذي تقوم به جماعة الاخوان المسلمين في قنوات مدعومة من تركيا وقطر وتيارات إسلامية أخرى عمل لا أخلاقي وقميء وجبان، ومكتظ بالشائعات والافتراءات، وليس فيه من النُبْل ذرة واحدة.
من كان لديه حِسّ عروبي ووطني ومعادٍ للاستعمار والاحتلال والاستغلال فليقاطع إسرائيلَ فقط، وليحفظ الودَّ والدفءَ والدعم والعطاء للإمارات ولو كان بينه وبينها مئة خلاف و.. اختلاف!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 5 سبتمبر 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق