المصريون غاضبون لسبب واحد!
المصريون ليسوا غاضبين على كرامتهم في قسم الشرطة أو على تبذير أموالهم في سفاهات الرئيس أو على تعديل الدستور رغم أنفهم أو على إحلال الجيش محل الشعب في البيع والشراء أو على تعويم الجنيه أو على عشرات الآلاف من أبنائهم في السجون والمعتقلات أو على ثلاثة ملايين قضية لم يبُتّ القضاء فيها أو على الأدوية المغشوشة في صيدليات الجمهورية كلها أو على أسعار العمليات الجراحية التي تخطت حاجز الجنون، أو على تبرئة كل لصوص العصر، أو على جهل رئيس مجلس النواب، أو على احتقار الرئيس لأي مصري يفتح فمه، أو على لطم ربات البيوت وجوههن من ارتفاع الأسعار، أو على جهل المصريين بمصير أبنائهم في سيناء، أو على دعم الرئيس للقوى السلفية المتخلفة، أو على عالم البلطجة في الشارع والزقاق والحارة، أو على دخول الفساد في كل شبر من أرض مصر، أو على فقدان مصر دورها الرائد في العالم العربي، أو على دعوشة أم الحضارات، أو على عودة دور ضباط الشرطة في الإهانة والتعذيب، أو على التعدي على الشواطيء المصرية ، أو على تقارير منظمات حقوق الإنسان التي وضعت مصر في ذيل قائمة الدول التي تحترم الإنسان...
لكن المصريين بعد خمسة آلاف عام من عُمر حضارتهم غاضبون على كل من يريد إظهار وجه حتشبسوت وشجرة الدُر وكليوباترا وهدى شعراوي وميّ زيادة وأم كلثوم !
المصريون على استعداد لتكوين جيش عرمرم بطول نهر النيل لمحاربة كل من تسوّل له نفسه المطالبة برؤية وجه الضلع الأعوج للرجل!
لن يكترث لك المصري إذا حدثته عن عشرات الآلاف من أبناء بلده القابعين في زنزانات مظلمة بدون محاكمة، لكنه سيفترسك إذا قلت له بأن وجه المرأة هويتها وأن المَحْرم يمكن أن يمارس الحرام في خياله بكشف المرأة وجهها عليه.
هذا هو غضب المصريين في القرن الواحد والعشرين؛ لذا لم يكن غريبا أن يُعيد الرئيس ياسر برهامي إلى المنبر ليمهد للمصريين الفصل بين المسلمين وأشقائهم الأقباط، وبين الطالب وزميلته في المعهد العلمي، لكن لا مانع من مرور رجل منتقب في حارة مظلمة لينتقي طفلا ينتهك جسده الضعيف فيغتصبه، فهذه توجيهات إلهية من أجل الفضيلة والعفة!
السُعار الجنسي المُشبع بلذة المهانة يجتاح منارة الدنيا التي كانت الدرس الأول في كتب يلتهمها تلاميذ المدارس في الدنيا برمتها!
المصريون غاضبون على من يقترب من النقاب لكنهم ليسوا غاضبين على من يغتصب بلدهم!
حدّثني عن مصري يقرأ كلماتي فتسقط دمعتان على وجهه ترسمان قلبا على صورة هرم، ولا تُحدثني عن مصري يعيش في مصر ولم يفتح عينيه بعد!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 18 أغسطس 2019
مجلة عربية حرة ومستقلة. صدر عددها الأول الورقي بالعاصمة النرويجية أوسلو في يونيو 1984 الناشر رئيس التحرير المسؤول: محمد عبد المجيد. عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين صدر للكاتب عشرون كتابـًـا جميع المراسلات توجه إلى Taeralshmal@gmail.com
18/08/2019
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!
لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...
-
لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...
-
قراءة في وعي فنان.. خالد أبو النجا! صناعة الوعي تبدأ من الشاشة الفضية؛ أما موتُ الوعي فيأتي عن طريقين: القصر والمنبر؛ رغم أن المفترض أ...
-
النضوج عشر سنوات في كل عام! سألني صديق: هل يمكنك تلخيص تجارب حياتك في فكرة واحدة وقد بلغتَ من العُمر ثلاثة أرباع القرن؟ قلت له: فكرة تموت فو...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق