22‏/05‏/2019

فجر السعيد ومبارك وتحرير الكويت!

فجر السعيد ومبارك وتحرير الكويت!

أجرت الكاتبة الكويتية فجر السعيد لقاءً صحفيا غير مسجل، كما أمر جمال مبارك، وأذاعت تلفزيونيا شطرًا منه تحوّل فيه الديكتاتور الذي أطاح به شعبُه إلى بطل شعبي ومحرر للكويت في عملية تلميع ربما يجري مثلها إعلاميون مع زين العابدين بن علي وعمر حسن البشير وروح علي عبد الله صالح وروح القذافي وبوتفليقة و .. غيرهم!
المؤرخ الأمين هو الذي يكتب التاريخ من شواهده ومراجعه ووثائقه، وليس الإعلامي الذي يعيد صياغة ذاكرة رجل ميّت لفظته جماهير مصرية عاشقة للكويت، تشهد بصماتها على كل شبر في الديرة حتى أن أول مظاهرة تنديد بالغزو العراقي الآثم خرجت من الاسكندرية، مسقط رأسي، في صباح الثاني من أغسطس المشؤوم في الوقت الذي بدأت المقاومة الكويتية الباسلة أولى عملياتها قبل التاسعة صباح يوم تدنيس أشاوس صدام حسين للكويت المسالمة.

هي فخورة باللقاء مع رجل رفعت جماهير أرض الكنانة الحذاء في وجهه قبيل رحيله غير مأسوف عليه، وأنا فخور لأنني رفضت طلب صفوت الشريف أن تقوم وزارة الإعلام بكتابة الأسئلة التي كنت سأطرحها عليه، ورفضتُ طلب صديق كويتي عزيز على قلبي أن يجمعني بجمال مبارك.
المخلوع لم يكن له أي فضل في تحرير الكويت فقد كان بإمكانه تحذير الكويتيين وهو قائد طيار يعرف أن أول شيء كان يمكن أن يقوم به قبيل الغزو هو القيام بجولة جوية من داخل الكويت للتأكد من وجود حشود عراقية على الحدود، وزعم أنه اتصل بعلي عبد الله صالح الذي نفىَ وجود أي بوادر عسكرية من جيش صدام.
حسني مبارك أحد أهم لصوص الطغاة طوال ثلاثين عاما وقد وافق على ارسال جنود مصريين مقابل تنازل الكويت عن مليارات من الدولارات ، ومع ذلك فكان الجندي المصري يحصل على 30% من مرتبه وهو في الصحراء السعودية مع أشقائه الجنود السوريين الذين لم تسرق حكومتهم منهم قرشا واحدا.
لم يكن مبارك الأول أو البطل أو الشجاع فعدد الأبطال الذين وقفوا مع الكويت ولم يتم تلميعهم كان الأكثر والأوفىَ!

طعنة نجلاء من الكاتبة الكويتية في صدر كل مصري قضىَ ثلاثين عاما قاتمة يحلم بيوم التخلص من أعتىَ طغاته، فالرجل داعم للمستبدين، ومر على سجونه ربع مليون مصري في ثلاثة عقود، وكان التعذيب يجري على قدم وساق، وشهد عصره اغتصاب الرجال والنساء على حد سواء، وجمع لصوصا أكثر من الهم على القلب وفي مقدمتهم حسين سالم وفتحي سرور وزكريا عزمي الذي كان يكره الكويت.
في عهده كافأ ثلاثة من الضباط المتهمين بتعذيب مصريين، وأشعل ضابط النار في جسد معتقل وهو نائم، وكان يرىَ الخليج مصدرا للمال فقط.
كان مُزيفا ومزورا في كل الانتخابات وأعد ابنه جمال لوراثة بقايا دولة لولا أن أرسل الله أنبياء يناير 2011 فأطاحوا به.

الكاتبة فجر السعيد لا تعرف من الذي ساهم في تحرير بلدها، وفي المقدمة المقاومة الباسلة صباح يوم الغزو، وشجاعة وزير الدفاع آنئذ( سمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح) الذي رفض أن يتحرك من موقعه قبل أن ينسحب آخر جندي كويتي أمام جحافل الأقدام الهمجية لأشاوس شيطان بغداد، وانتقل إلى الحدود السعودية ليمارس المقاومة والتدريب مع جيشه الصغير حسبما طلب منه سمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، رحمه الله.
كل كويتي كان خط الدفاع في دولة لم ينبت على أرضها الطيبة خائن واحد، وكانت الصحافة الكويتية تقوم بدور باسل  في كل مكان، القاهرة والظهران، وقامت ( صوت الكويت) في العاصمة البريطانية بدور مشهور.

كل كويتي في الداخل أو في الخارج قام بدوره بعدما اكتشف الكويتيون أن كثيرا من الوافدين كانوا طابورا خامسا لصالح العدو.
كانت السيدة هداية سلطان السالم التي راحت ضحية الغدر واحدة من خطوط الدفاع النسوية وتُخبيء السلاح في خزان المياه.
حسني مبارك كان يأتمر بتوجيهات أمريكية ولو أمرته واشنطون أن يضرب الكويت بالصواريخ لما تأخر لحظة واحدة فهو رجل ذو قلب متحجر، ولعلنا نتذكر أنه ساهم بالسلاح في الحرب الأهلية الرواندية التي راح ضحيتها مليون مواطن في عدة أشهر عام 1994.
وهل نسيت فجر السعيد بطلي التحرير، الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبد الله، طيب الله ثراهما، فالأمير جاب العالم من أجل بلده وجعل ثروته كويتية أكثر منها صباحية؛ أما الشيخ سعد العبد الله فلا ينكر أحد أنه الصورة المشرقة للمفاوضات قبل الغزو بعزة نفس الكويتي أمام عزة ابراهيم،  وللتماسك خلال التحرير؟
وماذا عن دور الملك فهد بن عبد العزيز الذي فتح بلده وصحراءه وذراعيه للحكومة المؤقتة الكويتية واعتبر نفسه في الجبهة وأن كل كويتي هو سعودي الوطن حتى يتحرر الوطن الأم؟

أحباب الكويت كانوا في كل مكان، وبصمة التحرير وضعتها الوفود الشعبية الكويتية في 15 أكتوبر 1990 خلال مؤتمر جدة، فخرجوا كأنهم يغزون العالم بقلوب وعقول أقسمت أن لا يستمر الاحتلال عدة أشهر، وتحررت الديرة فعلا بعد سبعة أشهر.
تلميع الطاغية حسني مبارك بصقة على وجه كل مصري شريف، تماما كما ظنت النائبة صفاء الهاشم أن كل مصري متسول!
حسني مبارك تسلم أجر حرب دخلها بوعود إسقاط الديون، لكنه دراكيولا مصر الحديثة، وهل بلغ فجر السعيد نبأ إجبار ضابط شرطة أحد الرجال الشرفاء المصريين أن يلعق عضوه الذكري أمام زوجته وأولاده، ولم يُعاقَب حسب أوامر السفاح الأشر؟
من فضلكم، لا تشوهوا تاريخ وبطولات وعظمة ما قام به شعبنا الكويتي وحكامه وأهله وآل الصباح الكرام، خاصة بعدما أصبح حسني مبارك نموذجا لشيطان العصر.

حتى لو كان لقاء فجر السعيد به فخرًا لها؛ فهو ليس نُبلا وفروسية وأخلاقا حميدة عرفنا بها الكويت، أقصد عرفت أنا بها الكويت لأكثر من 35 عاما.
فجر السعيد أساءت للكويت قبل أن تسيء لمصر والمصريين، وهل سمعتم عن إعلامي افتخر بلقاء مع القذافي أو صدام حسين أو هتلر أو تشاوشيسكو أو أنور خوجة أو   .. واحد من مئات الجزارين في العالم الذي حكمه قُطاع طرق.
على فجر السعيد أن تعيد قراءة التاريخ من أبوابه وليس من سلالمه، وستجد أن بلدها في سبعة أشهر أنجبت أبطالا، وأن الذين ساعدوا في التحرير حصل أكثرهم على الثمن وفوقه بوسة.

وهل نسيت الدور المبدع، إعلاميا ودبلوماسيا، للشيخ سعود ناصر الصباح، رحمه الله.
لماذا اختارت أحقر شخصية وأقذر طاغية وألعن مستبد لتعيد تلميعه وتشاهدها من السماء أرواح 800 شاب ينايري شهيد وحولها مئات من المفقوءة عيونهم بأوامر من مبارك وولديه وحبيب العادلي؟
أكتفي بهذا القدر من رسالة غاضبة نصفها حزن، والنصف الآخر على الكويت التي في خاطري وفي فمي حيث بدأ  أباطرة التلفزيون في تلميع مجرمين وأخشى أن يكون لقاؤها القادم مع رغد صدام حسين أو عائشة القذافي.
ولولا محبتي الشديدة للكويت وأهلها وآل الصباح الكرام لكان هذا المقال عن فجر السعيد قذائف حرفية لا تبقي ولا تذر!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
Taeralshmal@gmail.com
أوسلو في 22 مايو 2019


  

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...