10‏/04‏/2019

اقـــتـــلـــوه بـــالـــصـــمـــت!


اقـــتـــلـــوه بـــالـــصـــمـــت!
يقولون لي: لقد قضيتَ أكثر من أربعين عاما تكشف سوءات الطغاة، وتدافع عن حقوق المضطهـَـدين، وتناهض الطائفية والتعصب، وتحاكم المستبدين، ونشرت وقائع محاكمة حسني مبارك وعمر حسن البشير وبوتفليقة والقذافي وعلي عبد الله صالح وزين العابدين بن علي، ووضعت سنّ قلمك في عيون مُعذبي الشعوب واللصوص، ونشرت آلاف المقالات، وأصدرت عشرين كتابا على نفقتك الخاصة، ومع ذلك فقد قتلوك بالصمت، ورفضتك الصحافة العربية( إلا قليلا)، وقاطعك الإعلاميون العرب، وابتعد عنك زملاؤك، وعرفتك كل أجهزة الأمن في عالمك العربي الذي ما زلت تحبه رغم كراهية أكثر حُكامه لك؟
يقولون لي: أكثر نداءات الحرية والكرامة والمساواة والحقوق والثورات الطاهرة كنتَ أنتَ سبّاقا لها لأكثر من نصف عُمرك؛ ولم تُشر صحيفة عربية أو زميل إعلامي أو منتفض ضد الظلم لكتاباتك؛ وأنت مستمرإلىَ أنْ يضمُّك قبر باردٌ في النرويج لا يعرف حتى موقعه أهلُ وطنك المتناثرين في عالم يمتد من البحر إلى النهر، ألم ينتابك التعب والكلل والضجر والسأم واليأس فتستريح في مهجرك في أمن وسلام ومعيشة كريمة؟
يقولون لي: كلنا قرأنا كتاباتك وأدرنا لها ظهورنا، وكلنا تلصصنا على غضبك وراقبنا رصاص حرفك في وجوه وصدور الطغاة، لكنك لم تفهم أننا ننحاز للسلطة وكلابها ولصوصها وفاسديها، ولن يقف معك في عدالة قلمك إلا حفنة قليلة؛ تنظر ثم تختفي.
هل هناك ملعون فاسد ولص ومستبد وديكتاتور وسجّان في عالمك العربي الذي تعشقه كتبتَ عنه، وفضحت جرائمه ومع ذلك وقفنا معك، حتى خـُـفية ومن خلف الستار؟
يقولون لي: لن يقول أحد أنك أوجعت فاسدًا أو طاغية وفضحت لصا حاكما وأحلامُك في الحرية للسجناء الأبرياء لا تــَــقـِلّ عن أحلام أهلهم بأحضانهم، لذا فلن نتذكر مقالاتك وكتُبك ومناهضاتك ومحاكمات أجريتها للأوغاد، فمن يناهض أسيادَنا يصبح عدوًا لنا ولو عانقناه في كل لقاء!
عندما كتب لك ينايري شاب بأنه تذكّر كتاباتك وهو في ميدان التحرير فرفع حذاءه ثم نظر خلفه، فإذا بالآلاف يرفعون أحذيتهم في وجه اللعين حسني مبارك، لم يُشر أحد ولن يُشير لكتاباتك التي تقترب من نصف القرن ؛ فلا كرامة لعربي بين أبناء وطنه حتى في مهجره الطويل.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين 
أوسلو في 10 ابريل 2019

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...