03‏/03‏/2019

الكلمةُ في البـِـدءِ وليستْ في القبر!


الكلمةُ في البـِـدءِ وليستْ في القبر!

أيُّ شعبٍ لا تُحَرّكه الكلمةُ الغاضبةُ ضد الظلم يحفر قبرَه بأيدي أبنائــِه ويحسب أنَّه في عُرْسٍ يشهده الحاكمُ ويحتفل به معه العبيدُ المطيعون!
لم يرسل اللهُ، عزَّ وجَلَّ، نبيــًا أو رسولا بدون كلمة ؛ إذا هجرها الناسُ فقد كفروا بمُرْسلـِها وحاملـِها وقدسيتِها، وفي عصرِنا الحديثِ ظهرتْ الكلمةُ مقروءةً ومسموعةً ومُشاهــَـدة، ثم تطورتْ وأصبحتْ الكترونيةً وأثيريةً يستطيع الأمّيُّ أنْ يعثرعليها في عشرات الصور المختلفة.
ومع ذلك فكثيرٌ من الشعوب تفضّل الصَمَمَ والعَمىَ وتقطع ألسنـَـتَها في تصوير مجازيٍ لتُبهج سيدَ القصر، وتُسْعِد رجالَ أمْنِه، وتنام ملءَ جفونِها في محاولةٍ لاقناع الضمير أنْ ينام هو الآخر.
عندما تفقد الكلمةُ تأثيرَها ومفعولـَها وقوتــَها تنسحب المباديءُ والأخلاقُ والفروسيةُ والنُبــْـلُ إلىَ الخلفِ لتترك السوطَ يحل محلَ الصوتِ، وتغادر روحُ اللهِ القلبَ فتحتله على الفورِ ارتعاشةُ الرعب، واصطكاكةُ الخوف.
مع اتساع رقعة المعرفة التي تطارد الناسَ عقلا وقلبا من مداخل كل حواسه، المعلومة والزائدة، سلـَّـمَ أكثر الناس مصائرَهم لأشباحٍ من البشر؛ قد تقضي عُمرَك كله تخشاهم ولا تشاهدهم، وتسمع صدىَ أصواتِهم المصنوعة من خيالك في عُمق طبلة أذُنك.
تحتضر الكلمةُ أو تمرض أو تضعف؛ فإذا ألقيتها في قلب جبانٍ ماتتْ قبل أنْ تصل إلىَ شغافــِـه، وهنا تكون مصانعُ العبودية في أوجهها لتتحول من عبوديةِ قهرٍ إلىَ عبوديةٍ مختارةٍ و.. طوعية؛ وقد يصل مداها إلىَ المازوخية!
يوهم الجبانُ نفسَه أنَّ السلطة مختبئة تحت وسادتـــِـه لتراقب أحلامــَه، وأنها قد تستدعيه عند انبلاج فجر الرقيق لتستفسر منه عن أشياء تغضبها وقد مرّتْ بذهنــــِه دون أنْ يفصح عنها؛ وكأنَّ لسانَ حالــِـها يُجــَـسّد المثلَ الصينيَ الذي يقول: اضرب زوجتك عند عودتك إلى المنزل بدون ذِكْر السبب، لكنها لا بد وأنْ تكون قد ارتكبت ما يسيئك منها في غيابِـك!
تنهار الأممُ عندما يجفّ تأثيرُ الكلمة، والشعوب التي لا تغضب مرة في كل يوم يباركها الشيطان، والكاتبُ الهاديءُ والمسالــِـمُ صيدٌ ثمينٌ لقوىَ الشرّ، والضميرُ الذي لا ينتفض لاعتداءِ خبرٍ كاذبٍ على آدميته؛ صاحبُهُ خادمٌ لدىَ سلطةٍ غاشمة.
الإنسان الذي لا يتحسس قفاه طوال الوقت خشية كفِّ السلطة؛ لن يعرف ضميرُه الطريقَ إلى السماء، والكلمة التي لا تؤثر فيك تفسح المجالَ لسلسلة مربوطة حول رقبتــِـك.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 3 مارس 2019

   

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...