18‏/03‏/2019

العبيدُ يهزمون العبيدَ .. مديحــًــا!

العبيدُ يهزمون العبيدَ .. مديحــًــا!

أن تُهزَم دولة في حرب مع عدو خارجي أقل فداحة من أنْ يهزمها أدباؤها وإعلاميوها ومثقفوها المحصّنون بالتاريخ والجغرافيا واللغة!
الهزيمة الداخلية بضلعيها اللغوي والمديحي للسلطة عارٌ بكل المعايير، ومناهضة للأخلاق، ومعاكسة للقيم الروحية، فالأمة التي يتسابق مثقفوها في كيل المديح لسيد القصر؛ سيأتي الوقت الذي يمتدحون فيه فأرًا ميتـًـا إذا ترشح لسيادة القصر.
الأمة التي لا تُفرّق بين الصوت والسوط تُهيل الترابَ على مستقبلها؛ فلا يكفي أنْ تسخر في غرفة مغلقة ومظلمة من خلف ظهر الحاكم، فالجُبن له عدة وجوه وقلب واحد إذا حرَّكت الرياح ورقة من فرع شجرة سقط بين الأضلع قبل أن تصعد الروح.
كلما امتدح مثقف أو أديب أو إعلامي أو شاعر في عبقرية حاكم متخلف وكاره للثقافة وخصم للغة وعدو للمعرفة؛ أحسستُ بضربة كف غليظة تصفع قفاي من الرأس إلى الظهر!
نعم، أكلُ العيش مُرٌ، والأمَرّ منه ابتلاع الغائط الجاري من مواسير قصر الحاكم، ولا أبالغ إذا قلت بأنني أعرف الكثيرين تبرعوا بالتهام غائط سيدهم؛ وتلذذوا به.
في السنوات القليلة المنصرمة أصابتني أقلام وألسنة عِجاف بغثيان لم يَمُر عليَّ مثلـُه طوال نصف قرن.
إذا لم تصطك أسنانهم وترتعش ركبهم، تبرعوا بهزّها وتحريكها؛ فالحاكمُ يغضب من أيِّ إشارة لا يرسلها المثقف والإعلامي والنخبوي والأكاديمي ممهورة بتوقيع العبد الذليل والمطيع ولو كان عقله يزن مئةً من زويل ومجدي يعقوب، فالعبودية المختارة قدَرٌ لا فكاك منه.
خسرت عشرات من أصدقاء وأحباب كانوا يمنحونني الدفءَ الفكري، والفهمَ الوطني، واللسان الذي يصهل في الساحة قبل المعركة.
في سنوات قليلة كان الكرباج الواحد والوهمي ينزل على ظهورهم دفعة واحدة، وهُم على أهبة الاستعداد ليخسروا وطنهم وأهلهم وفلذات أكبادهم وصلة الرحم وصداقة العُمر من أجل أن لا تقدح العين السليمة لحاكم أعور شرارة وغضبا؛ فالأخبار العشرة الأولى من تسعة لم تُشر لعبقريته.
ملعون من يزعم أن حاكمنا وسيدنا لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما!
ملعون من لا يصدق أن حاكمنا سيقف على يمين الله، عز وجل، يوم القيامة ليحاسب الناس وشعبه والأنبياء والمرسلين!
يبدأ الإيمان من الغضب، ولكن كيف تقنع أبناء شعبك أن الجزائريين هم أنبياء 2019، تماما كما كان الينايريون في مصرأنبياء 2011بدون ختم النسر من البيت الأبيض؟
أيها المثقفون والصفوة والنخبة والإعلاميون والأكاديميون والدعاة الدينيون،
عودوا إلى مقاعد الدراسة الابتدائية، للبدء في تعلُّم القراءة والكتابة والأخلاق والمباديء والشجاعة ونجدة الملهوف والفروسية، أو اقتلوا أنفسكم لعل الله يستبدل بكم آخرين تحل فيهم روح الكون، فتهرب الجنُّ من الأكف والألسن والقلوب التي في الصدور.
هذا ملخص لحكاية خسارتي لأصدقاء ارتدوا لبعض الوقت ملابسَ الأنبياء، فصدّقتهم قبل أنْ يصفقوا لسيد القصر فتـَـبْين أنيابٌ في أفواههم بدلا من الأسنان، حتى لو كانت صفراء .. فاقعة وباهتة!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 18 مارس 2019 

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...