صديقي القبطي؛ ألم يأن الوقت أن تتحرر؟
قضيتُ ثلثي سنوات عُمرى أدافع عن هموم
وحقوق أقباطنا، ومع ذلك فيُصر البعض أنني من نسل العرب والمسلمين الغزاة الذين
احتلوا مصر منذ ألف عام، ولسان حاله يكاد يقول: عليك أن تنبش قبور آبائك وأجدادك
لمئات الاعوام الماضية، وتلقي بها خارج مصر الممهورة بتوقيع سماوي كملكية خاصة
للأقباط فقط.
يريد مناقشتي والحوار معي ليثبت أنني غازٍ
ومحتل، وينزع عني مصريتي وذكرياتي وإسلامي، وماذا سيتبقى له؟
التاريخ إذا وقع على لسان الجاهل والطائفي فسيتحول
إلى ساحة دم داخل جمجمة، فإذا خرج منها فيصبح على هيئة حروب أهلية وأكاذيب تاريخية
وعبث أنصاف أميين.
عندما كنت أنشر مقالات تعاطف ومساندة ودعم
لأحبابنا الأقباط في موقع ( منتدى أقباط الولايات المتحدة )، وتلقيت من الشتائم ما
يعف عنها وجدي غنيم وآيات عرابي وأبو إسلام، وطالبني البعض أن أتوقف عن عرض حقوق
شركاء الوطن الأقباط قبل أن أرتد عن الإسلام وألقي برأسي على صدر المسيح، ولم
يسعفهم ذكاؤهم المهتريء لاكتشاف أن محبتي للمسيح لا تقل ذرة واحدة عن محبتي لمحمد
بن عبد الله، عليهما السلام.
لم يفهم كثير من الأقباط أن معركتنا ضد قوى
الباطل والعنصرية وتمزيق حقائق التاريخ هي التحام جيشين وليست صراع قوتين!
ماذا سيستفيد صديقي إذا وقفت امامه مرتعشا،
ثم جلست على كرسي الاعتراف قائلا أنني ابن الغزاة العرب والمسلمين، وهو من نسل نقي
سقط من بطن أمه حاملا الصليب وفي عروقه دم خالص لم يختلط بدماء نجسة كدمائي!
هل سمعتم عن الجنس النقي بعد آلاف السنين؟
هل تعرفون شعوبا كان أصلها ملائكة يمشون في
الأرض مطمئنين، ثم أصبحوا السكان المشتركين مع غيرهم في وطن واحد؟
تتفتح كل مسامات جسدي، وتتراكم معلوماتي وقراءاتي،
وتأتيني ذكرياتي الجميلة مع أقباطنا، ويتحول جرس الكنيسة في أذنيّ إلى شبه آذان ينطلق
تارة من مأذنة وتارة أخرى من كنيسة العذراء، فيزداد تمسكي بالإسلام الحنيف كلما
وقفت في خط الدفاع الأول عن أقباطنا ومسيحيتهم وحقوقهم، ثم فجأة يأتي أناس خرجوا
من رحم برامج فضائية طائفية وكتابات جاهلين وجاهليين رضعوا من نهد وفاء سلطان
وتكونت في أدمغتهم خيالات وخزعبلات رشيد وموريس صادق ومجدي خليل
وزكريا بطرس، فيدفعون بي خارج المحبة والشراكة الوطنية، ويقضون لياليهم السوداء في
محاولات إثبات والصاق كل الموبقات والسلبيات بنبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه.
معركة فرضها الجهل، وغير متكافئة لأنني مقيّد
كمسلم بحب المسيح، وهم يرتعون ويمرحون ويصوّبون رماحهم المسمومة بخرافات لصدور
وآذان محبيهم من المسلمين.
يتحدثون العربية، ويتعلمون بها، ويقرأونها،
ويحفظون الكتاب المقدس بها، ويتلون المزامير بلغة الضاد، ولا يعرفون نشيد الإنشاء
إلا بالعربية، ويقفون أمام الله في الكنيسة يبثون أوجاعهم ومظالمهم بلغة يقولون
بعدها بأنها مفروضة عليهم من المحتل العربي والإسلامي.
ما أخطر الجهل والثقافة الضحلة المعجونة
بالكراهية على العلاقات الإنسانية!
أنا أملك الشجاعة لأتحدث عن عفن دعاة
مسلمين كُثْرٍ، وأكره متخلفيهم أكثر مما يفعل أصحاب الأديان الأخرى، وأراني في نفس
مستوى وجبهة شركاء وطني، وعلى استعداد لأن أقضي ما بقي لي من عُمر قليل أنافح عن
أقباطنا، لكنني لا أمسّ المسيح بن مريم، عليهما السلام، بكلمة سوء!
لا أدخل معارك دون كيخوت مع أنصاف الأميين
وأرباع الحاقدين، ولا أطعن ولا أحب أن أُطعَن.
سيأتون لي بآلاف الأصوات والكتابات الصدئة
والآسنة من أقلام وألسنة مسلمين فقستهم أفكار داعش قبل أن تولد بعشرات الأعوام،
وأنا على استعداد أن آتي بأكثر منها من موريسيين ورشيديين وبطرسيين وفيسبوكيين
غمسوا ألسنتهم في مخاط الشيطان وطعنوا في دين شركاء وطنهم.
لا أجادل في الدين، ولا أناقش فروقات بين
حقائق وأكاذيب باسم الدين، لكنني أرى دعوة المسيح إسلامية، ودعوة محمد مسيحية،
عليهما السلام، ومع ذلك فلا أعثر إلا على قليل ممن يفهم.
لو قرأتهم التاريخ الإسلامي والمسيحي
واليهودي لجاء كل واحد منا يركع أمام زميله في الإنسانية.
كان صديقي في أوسلو لأكثر من ثلاثين عاما،
ونتحادث في كل شيء، ويعرف أنني خط الحماية الأول عن دينه وكنيسته وحقوقه.
ثم فجأة أصيب بلوثة الفضائيات النتنة، وفي
آخر لقاء قال لي بأن نبي الإسلام كان يمارس الفحشاء مع النساء الموتىَ. قلت له: هل
تعرف أحدا يدافع عن حقوق الأقباط أكثر من هذين الاسمين: البابا شنودة ومحمد عبد
المجيد؟ نظر إليَّ بخجلٍ مصطنعٍ ولم يجد جوابا، وقطعتُ علاقتي به !
وماذا لو أنني قلت لصديقي القبطي بأنني من
نسل الاحتلال، كما كل سكان امريكا اللاتينية من صُلب الاحتلالين الإسباني
والبرتغالي، فهل المطلوب مني نتيجة نقاش لغير المتخصصين أن أحمل عصاي وأطلب من
آبائي وأجدادي لألف عام أن يخرجوا من القبور ويدفنوا أنفسهم في الحجاز؟
هل القبطي أو المسلم أو اليهودي أو الفارسي
أو العثماني أو ... من نسل خالص ونقي؟
قل، يا صديقي، ما لديك لنفسك، احتلال عربي أو
غزو أو فتح، واحتفظ به في صدرك، وابتسم لي، رغم أنفك، فأنا صديقك وجارك وشريك
وطنك، ورفضي النقاش الديني هو قوة وليست ضعفا، فأنا درست مقارنة الأديان، وكدت
انتهي من وضع كتاب فيها منذ نصف قرن، لكن الله هداني للإنسانية والمحبة والتسامح،
عن قوة ومعلومات ومعرفة بالتاريخ والكتب المقدسة، لهذا أرفض الجدال والحوار الديني
وتجزئة التاريخ.
لقد آن الوقت الذي يعود فيه أحبابنا ..
أقباطنا إلى أحضان المسيح، عليه السلام، فقائمة الحساب عن تجاوزات وأخطاء وجرائم
ومذابح أصحاب كل الأديان الأرضية والسماوية ستجعلنا نمرّغ وجوهنا في التراب خجلا
وحياءً.
لا تظنن من يرفض الردّ ضعيفا، ولكن في عالم
النت والفضائيات تظل القوة الظاهرة لأصحاب الألسنة الحِداد، ومن يشتم يظن أنها
الضربة القاضية لخصمه.
نحن نصنع عداوات من فراغ، وننتقي من
سلوكيات أوغاد وأقذار ومتطرفي ومتعصبي ومتشددي وجهلة كل دين ما يناسب معاركنا
الوهمية.
صديقي القبطي،
أنا أقرب إليك من كل المبشرين والدعاة
المسيحيين، فأكثرهم يوسوس إليهم الشيطان؛ أما أنا فعن يميني محمد وعن يساري
المسيح، عليهما السلام: فكيف لك أن تشرب نخب الانتصار؟
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 13 يوليو 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق