01‏/07‏/2018

فتاوى العلماء والفقهاء ليست ملزمة للمسلمين!


فتاوى العلماء والفقهاء ليست ملزمة للمسلمين!


العالــَم الغريب للفتاوى يسحر المسلم، ففيه خليط من تجارة رابحة، وقداسة مصطنعة، وتواكل على الغير، وتعامل جدي من منطلق استدعاء نصوص دينية للتعامل مع تفاصيل أدق الأمور الحياتية.
ومسلم العصر الحديث يستفتي في كل شيء، فهو يسأل إن كان تطهير الأذُن يبطل الصيام أم ل، وهل يحق للمسلم أن يرسل أموالا لشقيقه المقيم في بلاد الكفار، ورجل يقيم مع والدته بمفردهما؛ فهل يحق له العودة متأخرا وهي نائمة، ومسلم يسأل إن كان تصليح الأجهزة الكهربائية حراما أم حلالا، وآخر يريد أن يعرف إن كان المسلم يتعرض لأمراض نفسية كما يتعرض لها الكافرون أم لا؟
وتجارة الفتوى أصبحت أكثر انتشارا من المخدرات على الرغم من أنها أعمق تأثيرا وتخديرا وتغييبا من البانجو الصومالي، والقات اليمني، والحشيش التركي، والهيروين الأفغاني، وتظاهرات الفاتح من سبتمبر الليبية!


عشرات الآلاف من الفتاوى دخلت نسيج الأمة، واختلطت بأفكار وأحلام وكوابيس المسلم, فكبلته، وقيدته، وغيبته عن الوعي، وعادت به إلى القرن الثالث الهجري، ونزعته عنوة من زمنه ليعيش ميتـًـا في زمن آخر لا يعرف عنه شيئا!

حــِجـْـر كامل على العقل، ومنع تام لاستخدامه، وتخدير للعواطف، وقتل عمد لمشاعر سامية ونبيلة كانت تعبر عن تناغم وانسجام المسلم مع عصره.
وكلما خرجت من المطابع صحيفة أو مجلة، فتحت نافذة صغيرة أو كبيرة يطل عليها المعاقون ذهنيا من الأميين ثقافيا لطرح أسئلة مهينة لكرامة البشر، وكأن صاحبها يبصق على العقل والمنطق والحكمة والفكر الخلاق والإبداع والحرية، وسيجد فقيها أو عالما أو ملتحيا أو جلبابيا يتبرع بالردّ الأحمق على السؤال المتخلف.
مسلم يسأل عن رأي الإسلام في قرض الأظافر، وثان يريد أن يعرف رأي الإسلام في أنه استقبل مسيحيا في غرفته عندما كان مريضا؛ وجلس صديقه المسيحي على طرف الفراش، فهل أصبح الفراش نجسا؟

ومسلم يجبر زوجته أن لا تخلع النقابَ في الحمّام لئلا يشاهدها عفريت من الجن، وآخر في حيرة من أمر الطلاق عن طريق البريد الالكتروني.
قابلت مسلمة رفضت أن يشاهد والدها نشرة أخبار التلفزيون لأن فيها صورا متحركة، وأخرى تقول بأنها لا تذهب لصيدلي غير مسلم حتى لو مات ابنُها الصغير بسبب نقص الدواء!
الفتاوى الفجة والعفنة والغبية الخارجة من عقل أكثر سوادا وظلمة وظلاما هي جريمة مكتملة الأركان، وتجريد خليفة الله في الأرض من عقله، واستهانة بكرامة الإنسان، واستخفاف بمقدراته، واستعباد طوعي يستعذب به المسلم لذة السوط على ظهره وقفاه.
مسلم يستفتي أحدهم في طاعة أوامر الجن عندما يطلبون منه مجامعة زوجته، وآخر لا يعرف أن الله، العلي القدير، غفور رحيم فيسأل عن كيفية معرفة عدد الركعات التي فاتته عندما كان صغيرا في العمر، ومسلمة تظن أن بجوار فراشها عفريتا من الجن يجامعها دون أن يعرف زوجُها.

ويزداد مزاد أعفن تجارة صنعها التخلف والفساد والأمية، لكن المسلم يصر على مزيد من القيود، ويطالب أباطرة الفتوى بمنع الهواء النقي عنه، وحجب الحرية، واغتيال الجَمال، وتسويد كل الألوان.
سيقول قائل بأن هناك عشرات الآلاف الأخرى من الفتاوى الضرورية لحياة الانسان فهل تستقيم أمور وشؤون المسلم دون أن يلتزم بفتوىَ عالم أو فقيه أو شيخ، مع العلم بأن أكثر المهن والوظائف استغناء عن العلوم والآداب والفلسفة والمعرفة والمنطق والموضوعية هي علوم الفتوى في العصر الحديث؟.
ويمكن لأي جلبابي ملتح أن يطل على آلاف القراء في أي مطبوعة بصفحتين ملونتين:( أنت تسأل؛ ونحن نجيب) وكأنه بائع سميط على شاطيء البحر، أو صاحب بسطة من الأعشاب الملوثة بالأمراض يضعها على قارعة الطريق، ويدغدغ بها المرضى والملوثة عقولهم فيصف لهم الدواء الشافي في العلاج الكافي!

ثم من قال بأن هناك فتوىَ مُلزمة في الإسلام؟
نعم إن هناك آراء متعددة ومختلفة المشارب والاتجاهات، ومتنوعة الأهداف والمصالح، لكن القول بأن مفتي الأمة أو مفتي الديار أو المفتي العام أو شيخ أي هيئة أو تجمع اسلامي قد أفتى ولذا وجب على المسلم أن يطيع دون قيد أو شرط هو هراء وخرافات وعبث بالدين وجهل بالاسلام الحنيف.
في الاسلام أعلى درجات الوعي، وأعمق الدعوات إلى إعمال العقل، ومن منهجه يخرج التمرد، وتشتعل الثورات، ويتولد الرفض، وتترعرع الحرية، وتعلو قيمة الاختيار دون أن تكون هناك سطوة دينية أو مقدسة تقيّد تلك القيمة السامية من الحرية.
والفتوى في معظم الأحوال عمل سياسي يرتدي ملابس القداسة، ويبرر وضعا غير طبيعي، ويستمد قوته من صُلب السلطة، وهو لا يتناقض معها إلا قليلا، ويستخدم أساليب الردع والتهويل والترغيب والترهيب من أجل إضفاء قوة وهالة على الفتوى.
ومصطفى شكري روع وقتل باسم فتاوى إسلامية، والدكتور فرج فودة استُشهد بعد فتوى، ومكرم محمد أحمد ونجيب محفوظ وغيرهما تعرضوا لمحاولات اغتيال باسم الفتوى الدينية.
وأسامة بن لادن يصدر فتاويه الإجرامية من فوق بركان من الكراهية وعمليات سفك الدماء في أكثر الدول العربية والاسلامية خارجة من رحم الفتاوى الحمراء.

الفتوى ليست من الاسلام في شيء، وعندما قال رب العزة، جلــّـتْ قدرته: ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون  ) لم يكن المقصود هنا الالتزام بفتوى، لكن الارتفاع بجدية الحوار والنقاش والمعرفة، والتعرف والتعلم من أهل العلم.
ولكن تظل للمسلم حرية الاختيار القصوى في غير ثوابت العقيدة، لذا قال نبي الاسلام، صلوات الله وسلامه عليه: واستفت قلبك؛ وإنْ أفتوك..  وأفتوك..  وأفتوك.
الفتوى ليست فقط ردًّا وتفسيرا وتوجيها من عالم أو فقيه، لكن الشق الأخطر منها هو السؤال في حد ذاته، ومن هنا بدأ انحدارُ الأمة، وتكالب عليها كل من هبَّ ودب؛ فقد توهم المسلمون أن كل شاردة وواردة وحركة وخطوة ولمسة وهمسة تحتاج إلى فتوى ملزمة، وكانت النتيجة أن نوعا من الاسترقاق الفقهي عم العالم الاسلامي برمته، وكلما انفتحت نافذة يطل منها المسلم على الخير والجمال والحرية والاختيار، أغلقتها فتوى نتيجة سؤال أحمق ومتخلف يطرحه أبله معتوه كان من المفترض أنْ يمر على طبيب أمراض نفسية وعصبية للكشف عليه قبل طرح سؤاله.
طالب جامعي يسأل: هل حرام في الاسلام أن يختار الطالب في استمارة الجامعة ما يوافق رغباته أم أن عليه صلاة الاستخارة ثم يترك الخيارَ لله عز وجل؟
في الثاني من يونيو عام اثنين وثمانين تسلمت سفارة مصر في أوسلو رسالة من دار الافتاء بالقاهرة عن صيام شهر رمضان المبارك في بلاد شمس منتصف الليل. كانت الفتوى مستنيرة وعقلانية وملخصها بأنه يحق لمسلمي النرويج الصيام ست عشرة ساعة في المواعيد المتقاربة من العالم الاسلامي، بحُكم أن النهار يطول لأكثر من عشرين ساعة في الصيف في العاصمة، لكنه يظل أسابيع طويلة في الشمال، فلا يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ولا يمكن لمسلم أن يتم الصيام إلى الليل وإلا فسيسقط ميتا قبل اليوم الثامن من الضوء المتواصل؛ مع افتراض أن شهر رمضان توافق مع شهر يونيو. فإذا جاء معه ديسمبر أو يناير فإن الليل في الشمال يمتد لأسابيع طويلة وكأن الفريضة تسقط إن لم يتدارك العقل المستنير الأمر كله.

وقعت الفتوى علينا برداً وسلامـًـا، لكن الاعتراضات جاءتها من كل مكان في النرويج، وغضب صديق لي لأن دار الإفتاء تحاول تسهيل الصوم، وصاحبي يؤمن بأن المشقة هي الطريق إلى الجنة حتى أنه شكك في أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما خُيّر بين أمرين إلا أختار أيسرهما!
والتزمتُ بالفتوى رغم الثورة الهائجة، وجاءني أحدهم بإنذار أنَّ المسلمين يتربصون بي، وأن قتلي أصبح حتميـًـا لأنني قمت بإعادة طبع الفتوى وتوزيعها وهي، على حد قولهم، تُسقط فريضة الصوم.
الآن اختفت الفتوى لأنها ميسرة، وعاد المسلمون إلى الاختيار الشاق في الصيف أو الأقرب إلى رُبع صيام إن توافق شهر رمضان مع فصل الشتاء.
لكن عالــَــم الفتاوى له الآن أباطرته وتُجاره، وكل من يستطيع أن يقرأ كتابا عن الأعشاب أو وصف الحور العين في الجنة أو عن عذاب القبر، ويطلق لحيته الطالبانية يستطيع أن يصبح نجما فضائياً.
عشرات الآلاف من الأسئلة الحمقاء والفتاوى البلهاء عن عذاب القبر تصيب المسلم العفيف بالغثيان، وكلها تناهض وتعارض وتتحدى كلمة الفصل في كتاب الله العزيز (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه؛ ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
ماذا يريد المسلمون من رب العزة أكثر وضوحا وجلاء ومباشرة من هذه الآية الكريمة؟
كيف يظن المسلم أن هناك حسابا قبل الحساب، وأن عذاب القبر قد يمتد لمئات الآلاف من السنين قبل يوم الحشر، ثم يبدأ حساب الآخرة؟
أهو هزل أم سخرية أو تهكم من الدين أم تطاول وقح على عدالة السماء؟
ماذا سيفعل الثعبان الأقرع في القبر أو في جوف سمك القرش أو في حمم بركان ليلسع الكافر، أو يدس نابه السام في عظامه أو بقاياها؟

ماذا حدث للمسلمين؟
كانت هناك صحيفة اسمها ( المسلمون ) تصدر بالمملكة العربية السعودية، وتتبنى كل الفتاوى الفجة والساقطة، وقد كتبنا عنها مرارا وتكرارا، وتفضلت السلطات السعودية بايقافها بعد أن ضاقت على المسلمين كل سبل الحياة بسبب الفتاوى الخانقة والمقيدة والمكبلة للسائل والقاريء معا.
الفتاوى هي بداية الطريق لصناعة الأمة المستعبـَـدة، وإنهاء حرية الاختيار، وتسميم العقل، إنْ كان لا يزال موجودا، وهي رأس الإرهاب، وقمة الاسترقاق باسم الدين.
ليس في الإسلام فتوى مُلزمة ولو أصدرها شيخ الأزهر أو مفتي الديار المصرية أو السعودية أو المغربية أو الباكستانية أو حتى جمعية الدعوة الإسلامية بطرابلس الغرب ( مع افتراض أن القذافي لم يرهن أصولها المادية لدفع تعويضات ضحايا الفاتح العظيم ).
هناك رأي يحترم العقل والاختيار والحرية والمنطق وأصول العلوم؛ فإذا وافقها فهو من الإسلام، وإذا خالفها فينبغي أن يتصدى له المسلم أو يعارضه أو ينتقده أو يفنده.
عبقرية الإسلام في حرية الاختيار، وفي رفع القداسة عن الفقهاء والعلماء والسلاطين، لكن الدعوة إلى الاحترام والتقدير من صلب العقيدة الاسلامية.

هل يستطيع أي مفتي في العالم الاسلامي أن يصدر فتوى مُلزمة بحرمة الاعتقال العشوائي، والتعذيب في السجون، وتزوير الانتخابات، وقانون الطواريء، والمحاكم العسكرية، وتوريث السلطة للابن رغم رفض الشعب، والمساواة الكاملة بين المواطنين رغم اختلافاتهم العقيدية والمذهبية؟
سقوط امبراطورية الفتوى سيفك قيود المسلمين ويحررهم ويعيد للعقل احترامه وبهاءَه وتقديره، ويجب أن نستبدل بكلمة الفتوي ( الرأي الفقهي)، وننزع القداسة عنه ويظل الاحترامُ توقيرا لكل علمائنا الأجلاء.
أيها المسلمون: تمردوا، وانتفضوا، واعترضوا، وارفضوا، فهذا هو الطريق الوحيد لفهم طبيعة الإسلام.
والبداية تبدأ من الثورة على العالم السفلي للفتاوى الفج  والساقطة والمتخلف!.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 4 سبتمبر 2004

 

 

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...