اليوم تمر الذكرى العاشرة علىَ رحيل الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء والأمير الوالد في دولة الكويت.
المسؤول الكويتي الكبير الذي أحبه الكويتيون والوافدون بنفس القدر، وهو بطل التحرير وأحد الرجال الذين صنعهم الوفاء، وأسلمت لهم الشجاعة قيادتـَـها، سواء إبان مذابح سبتمبر الهاشمية في الأردن، أو خلال مقاومته على الحدود الكويتية/ السعودية بعدما أنقذه الله من براثن جيش الاحتلال العراقي.
كنت أحبه حباً جمّاً ويبادلني، رحمه الله، نفس المشاعر الدافئة الجميلة.
شرَّفني برسالة فاكس خاصة من " الطائف"السعودية قبل التحرير بشهر تقريباً، يبلغني فيها بأنه سيستقبلني قريبا(!) في الكويت المحرَّرَة، فزارني التفاؤل بعدها، وبدأت أعدّ الأيام على هزيمة واندحار وخروج أشاوس(!) صدام حسين من جارته الصغيرة التي غدر بها في فجر الثاني من أغسطس عام 1990.
في نهاية عام 1993 دعاني وابنتي سونيا ( أربعة عشر عاماً آنئذٍ) وابني مجدي ( تسع سنوات في ذلك الوقت ) لزيارة الكويت، واستقبلنا في مكتبه بقصر بيان استقبالا حفياً، وعاملهما معاملة أب ودود ورائع.
المرة الوحيدة التي رأيت علامات الغضب على وجهه عندما قلت له بأن اصواتاً كثيرة من المسؤولين والكتاب وغيرهم تتحدث بصوت عال عن المصالحة مع طاغية بغداد، فقال لي بأنه لو صفح الكويتيون كلهم عن هذا المجرم وقوات الاحتلال العراقية فلن أفعل.
بعدها انتقلت للحديث عن موضوعات أخرى، ودعوته، رحمه الله، لزيارتي في النرويج، فوعدني بذلك رغم أنه يحب شمال ايطاليا على الحدود النمساوية فهو المكان المفضل لديه، صحياً وتأملياً.
تلقيت اتصالا هاتفيا في الفندق اللندني البسيط، وقيل لي بأن سمو الشيخ سعد العبد الله يريد أن يراني قبل عودتي في اليوم التالي إلى أوسلو.
كان قد شفى من الأزمة الصحية وخرج من المستشفى، فاستقبلني في مقر اقامته بالعاصمة البريطانية مرتدياً بدلة أنيقة تتوسطها ربطة عنق صفراء، وكان في أشد حالات البهجة والصفاء. قال لي: لقد علمت من السفارة بوجودك في لندن فحرصت على لقائك، فأنت عزيز على قلب كل كويتي لمواقفك وكتاباتك في أحلك اللحظات. ثم أردف، رحمه الله، قائلا: هل تعرف أن كتابك( كتابات ممنوعة- أحاديث لا تُرضي الرقابة) انتهيت من قراءته في ليلة واحدة، واكتشفت أنك ترصد المستقبل كأنك تراه أمامك.
سقط الشيخ سعد العبد الله مريضا مرة أخرى، وزادت حالته حرجاً، وقمت بزيارته في المستشفى بلندن ولم أتمكن من الدخول عليه، , وجلست في غرفة الانتظار مع الشيخ سالم الصباح والسفير الكويتي، وكان رحمه الله، نائماً، ولم أره بعد ذلك، وكنت قد طلبت من الشيخ سلمان صباح السالم الحمود زوج ابنته آنئذ ( وزير الإعلام بعدها) أن يُمكنني بعد عودة سموه من رحلة العلاج الأخيرة في الهند أن اقوم بزيارته لدقائق معدودة، لكن الموت إذا قرر دخول السباق مع الأماني، فلا يستطع حلم او طبيب أو محب أن يسبقه.
أتذكر أنني قمت بزيارته في الديوانية مرة واحدة، فكل لقاءاتي كانت بمفردي، وقمت أمام الجميع عندما حان وقت المغادرة ، فرأيت الصديق الشيخ فيصل الحمود المالك الصباح يشير إليَّ، وأفسح مكانه لي لأجلس بجوار الشيخ سعد العبد الله. الذي تبادل معي بعض الكلمات الرقيقة وهمس في أذني: لقد أرهقت كثيرا، لكنني والحمد الله انتهيت من تشكيل الحكومة وسأعلنها غداً!
خرجت من الديوانية وأنا طائر من الفرح، فلم يحدث أن استقبلني مسؤول في أي مكان، ثم أخرجت من اللقاء الخاص كلمة واحدة إلا أن تكون غير مباشرة وفي ثنايا مقال وبعد وقت طويل.
ثم كان اللقاء الأخير الذي لم يسمعني فيه عندما زرت قبره في مقابر آل الصباح، ووقفت أقرأ الفاتحة على روحه الطاهرة.
ورغم مرور عشر سنوات على رحيل سمو الشيخ سعد العبد الله إلا أنني أشعر كأنه استقبلني بالأمس القريب.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين والأنبياء، وحسن اولئك رفيقاً.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق