كل الأشياء والقضايا أجد لي طريقا أسلكه، فأعترض أو أتفق، أنتظر لتتخمر الفكرة أو أرفضها. يتغير رأيي فأبتعد عنها أو أقترب منها أكثر. في الدين والوطن والغربة والحب والحياة والصداقة والسياسة والمواجع الإنسانية، لكن شيئاً لم أستطع حتى الآن وطوال سنوات أن أبدي رأيي فيه، مع أو ضد!
قرأت فيه وعنه، لكنني أقف عاجزا عن اتخاذ موقف منه، مؤيدا او رافضاً!
استمعت للآراء المختلفة والمتناقضة والمتضاربة من وجهات نظر دينية وإنسانية، سماوية وأرضية، عملية ونظرية، وكلها كنات عصيــّـة على اقناعي بالتأييد أو بالرفض.
إنه ( الموت الرحيم ) وأول كتاب عنه كان باللغة النرويجية قرأته منذ عشرين عاماً، وتأثرت تأثرا بالغا، ولو كان هناك شخص أحبه، وتعرض لمحنة مرضية وظل أعواما طويلة يتمنى الموت وهو ملتصق بفراشه، لا يتحرك، ولا يفتح فمه إلا بأجهزة طبية، ويتنفس في جهاز، ويتبول ويتغوط في فراشه، ويصرخ من الوجع ليلا ونهاراً، وليس هناك أي أمل في الشفاء إلا في أحلام الطيبين المؤمنين الذين يقولون بأن الشفاء في الدعاء، فإذا سألت أحدهم" وماذا لو كنت أنت مكانه، فسيرد على الفور: لا أظن أنني أتحمل آلام العجز الكامل والزهايمار وقطع الأيدي أو الأرجل أو التشويه الكلي من جراء التعرض للحرق أو ... "
كمؤمن فأنا أميل إلى انتظار رحمة الله.
كإنسان فأنا أميل إلى الموت الرحيم، أي نزع أجهزة الإبقاء على المريض الحيّ الميت، وتلك أيضا رحمة الله.
الموت الرحيم ليس قسوة أو اعتداء على القدر أو استعجال ملك الموت بغير حق، لكنه أحيانا يكون الرقة في عمقها ومنتهاها والرحمة في بشريتها الضعيفة.
أنا مع الموت الرحيم!
أنا ضد الموت الرحيم!
بعض المسنين الذين تخطت أعمارهم الثمانين والتسعين وأصابتهم حزمة من الأمراض التي لو تعرض لها جماد لخر صاعقا من الألم، أتعاطف تماما مع انهاء حياتهم، بموافقة الأقربين إذا لم يكن في الإمكان مخاطبتهم.
الموت الرحيم قد لا يتعارض مع الإيمان بالله، بل قد يكون هو الإيمان.
القضية معقدة ومتشابكة، وأنا مع الموت الرحيم وضده، ولم أنته إلى رأي حاسم فالضدان يتنافران و..يتجاذبان!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق