كان الحوارُ الذي أجرته الأِم بي سي مع البابا تواضروس بداية مرحلة جديدة من المصالحة القبطية/السعودية، ورغم أن البابا كان حذِرًا في الحديث خشية سوء الفهم، فالسعوديون لن يُصَدّقوا عيونَهم؛ وأكثرهم يتصورون أنَ العربي لابد أن يكون مسلما، تماما كما لم يصدق العقيد معمر القذافي أن الكاتب اليساري الناصري غالي شكري، رحمه الله، هو عربي مسيحي.
حوار مهم ومثمر وكان المحاور السعودي ذو الابتسامة الجميلة والوجه المشرق صورة مشرقة للإعلامي السعودي الشاب.
كانت رسائل البابا تواضروس بعيدة عن الروح المنفصلة لشركاء وطن يختلط فيه المسلم والقبطي، فالبابا يتحدث عن مصر والمصريين، ويعرف أن استنارة ولي العهد السعودي لا تمنع تلاميذ الفتاوى المتعصبة في السعودية من تأويل الحديث، فالبابا محاط في مقره البابوي بصلبان في الجدران والملابس والمقاعد وهو أمر طبيعي في مصر القبطية منذ ألفي عام، والإسلامية/القبطية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.
كان البابا ذكيا في أجوبته، ولم يتطرق للموقف السياسي خشية أن يفقد محبيه من المنخرطين في هموم الوطن غير الدينية، وأشاد بالملك سلمان في زيارته للقاهرة منذ عامين ثم بالزيارة الشبابية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
طرح المحاور سؤالا عن دهشة زملائه الإعلاميين في الحوار مع بابا الأقباط، لكن البابا تحدث عن أن لكل وقت شؤونه، وكان يقصد فعلا أن التقارب السعودي من الأقباط جاء متأخرًا، وشرح أهمية الأقباط في النسيج المصري الموحد، وأنه لا يعقل أن يستضيف السعوديون ملايين من المصريين للعمل ومن بينهم أقباط لم تكن المملكة قد ضمتهم بدينهم لمصر وليس بتاريخهم فقط.
كنت أود أن يكون البابا أكثر حسما وصراحة في موضوع القدس، فالعتاب لقرار غير حكيم لا يكفي، ولو كان البابا شنودة، رحمه الله، في وقت التقارب السعودي/القبطي لكانت له تحفظات كثيرة وجريئة.
الأمر الثاني أن لغة البابا شنودة كانت أكثر ثراءً وتنوعا في مفرداتها وقدرة على التعبيرات بفصيحتها عن عاميتها.
ومع ذلك فالحوار ناجح بكل المقاييس، ومن يقرأ ما بين السطور سيفهم أن قرارًا سعوديا سيعوّض سنوات الجفاء ولكن ببناء كاتدرائية في قلب العاصمة الرياض يحتضن فيها الهلالُ الصليبَ، وتنهزم فتاوى التطرف علي يدي ولي العهد الأمير الشاب.
إن انتصاب كاتدرائية ضخمة في الرياض أو جدّة بمساهمة سعودية ستزيل الجرح الذي سببته مقاطعة المؤسسة الدينية المتشددة لأقباطنا، وقد فهم الأمير محمد بن سلمان أن المصريين عنصر واحد، ولن تفهم المؤسسة الدينية السعودية إلا بقوة وسطوة وسيطرة وحسم وحزم ولي العهد، فهو الملك القادم المؤسس لدولة التسامح.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 16 مارس 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق