أشفق كثيرًا على المصريين الطيبين الساذجين الذين يُقَدّمون مشروعات وأفكارًا وكنوزًا من المعرفة والآراء والنصائح والارشادات على كل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من أجل نهضة مصر.
لكن لا فائدة، فالرئيس السيسي يتعامل مع الأفكار العبقرية على أنها روث بهائم، ففي خلال ثلاث سنوات فصَل نفسه عن الواقع المصري وعاش يرتوي من المديح والثناء والاطراء والتفخيم والنفخ.
الرئيس عبد الفتاح السيسي في المرحلة الأولى من صناعة الطاغية الذي يبدأ مستبدًا، ثم ديكتاتورًا، لينتهي الأمر إلى "ما أريكم إلا ما أرىَ!".
انظر إلى حيوات كل طغاة التاريخ تجد أنك لا تستطيع التفرقة بين الذكي وبين المتخلف عقليا، وبينهما الأبله والفاشل والفاشي وحاد الذكاء لأن النهاية واحدة، وتصفية الجماهير تجمعهم عندما تتجمع السلطات في أيديهم.
في الأيام الأخيرة لنفخ الطاغية تجد تشابها عظيما بينهم، فمبارك وطنطاوي ومرسي والسيسي والقذافي وصدام حسين وموجابي وهيلاسلاسي وتشاوشيسكو وسوموزا وسالازار ومنجستو هيلامريم وباتستدا وفرانسوا ديفالييه وبينوشيه وفرانكو وهتلر وستالين وماوتسي تونج وأنور خوجة وموسوليني وغيرهم تجمعهم السلطة المطلقة القادرة على إعادة صناعة الشعب المطيع.
المرحلة الأخيرة لابد أن يتملك اليأسُ أفراد الشعب ويدرك كل فرد فيه أن التغيير مستحيل، وأن لا بديل للزعيم، وأن رجاله قادرون على التسلل لأحلام الجماهير.
انتظروا السيسي في المرحلة الثانية أي الديكتاتور وهذه تبدأ فور تجديد عقد العبودية، ثم المرحلة الثالثة أي الطاغية وتلك لا نهاية لها، فلا يرى الرجل مخرجا إلا مزيدا من جنون العظمة.
ثم يحيط نفسه أو يُحاط بإعلاميين جوبلزيين وبقضاة ومستشارين وضباط جيش وشرطة وقردة مجالس النواب ورجال الدين .. مزيفي تعاليم السماء.
هنا لا يُصدق الطاغية أن الله أكبر منه، كما قال موسوليني: كم دبابة يملكها بابا الفاتيكان؟
راقبوا الرئيس عبد الفتاح السيسي جيدًا وستعرفون أن صناعته جاءت من أفشل المواد الخام، لغة وتعبيرا وأسلوبا وأفكارًا وغطرسة فارغة.
عندما لا يكون هناك في النفس الإنسانية مكان للغضب؛ تتحرك قوى دعم الطاغية بسهولة شريطة وجود العصا والجزرة، فالطاغية يتوعد ويُعطي بسخاء.
العبيد لا يلجأون للأخلاق لاكتشاف مواطن الضعف في طاغيتهم، إنما للتعرف على طرق سماوية لقبول المذلة والمسكنة، فالدين وعي وتغييب، شجاعة وجُبن، فروسية وخمول، نُبل وخسة، وكل إنسان يبحث عما في نفسه أولا ثم يزعم أنه وجد صفاته في الكتب المقدسة.
مدرسة تعليم الطغاة تعمل بطريقة آلية وبطيئة لكنها مضمونة النتائح حتى لو كان مخ الطاغية أقرب إلى الأميبيا من أي شيء آخر، فهم يصبرون عليه صبر الشعب على حماقاته، وقد لا يستطيع في المرحلة الأولى تجميع جملتين سليمتين، أو فكرة واحدة متكاملة ، فتسخر الجماهير شهورًا عدة حتى تصل إلى مرحلة العثور على عبقرية فيما كانت تسخر منه.
ليست هناك لدى الجماهير مواصفات محددة في زعيمها أو طاغيتها أو مستبدها أو سيدها، فهي قد تقبل القسوة الشديدة كأهم صفة لديه، مثلما حدث مع ستالين حيث كان الكثيرون يخشون التوقف عن التصفيق خلال إلقائه خطبة خوفا من أن يراهم أحد رجاله.
وهي قل تكون الايحاء بأن كل مواطن مراقــَـب حتى في أحلامه، فأهالي أديس أبابا كانوا يظنون أن الامبراطور هيلاسلاسي يعرف أحاديثهم الجانبية في شوارع العاصمة بعد منتصف الليل. وأنور خوجا كان يجبر سكان تيرانا الألبان أن يُقدم كل منهم تقريرا عن جيرانه، فإن لم يفعل فليذهب إلى قسم الشرطة السرية ويُسلمهم تقريرا مفصلا عن حياته الشخصية.
وهي قد تكون إيعازات داخلية قادرة على تبرير البلاهة والسطحية والتفاهة بدعم من وسائل الإعلام، فالمجلس العسكري المصري اختار الرئيس السيسي على هذا الأساس، وترك للناس حوارات المقاهي والفضائيات وغُرز المخدرات والحواري لتبرير أي كلمة يتفوه بها لسانه.
وقد تكون السجون والمعتقلات والاختفاء وراء الشمس حالات معروفة لكسر روح التمرد لدى الشعب حتى قبل أن يتنفس حرية، فسجون الحسن الثاني وصدام حسين وحافظ الأسد ومنجستو هيلامريم وبينوشيه لا يستطيع طاغية محاكاتها، وهنا أتذكر شابا مغربيا رفض أن أعيره كاست لخطبة سياسية خشية أن تصل إلى مسامع الملك الحسن الثاني رغم أن المواطن سيسمعها في سيارته المغلقة والتي تنهب الأرض في النرويج، فقال لي بأنه واثق أن الملك المغربي سيعرف بأمر الكاسيت.
صناعة الطاغية تعادل أحيانا صناعة الشعب، فيتبادل الأسياد والعبيد السادية والمازوخية بحيث يرضى الجميع على الوضع التبادلي الطبيعي، السيد يصرخ ليرهب، والعبد يصرخ من الآلام.
تبقى في تلك العلاقة المريضة عبقرية التبرير التي تظهر في ( إحنا آسفين يا ريّس) وكذلك قنوات وكتب ومطبوعات ويوتيوبيات كلها تذرف الدمع على السوط الذي ولّىَ، فالعبودية بأثر رجعي سُقم ليس من السهل الشفاء منه.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=553313
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=553313
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 30 مارس 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق