30‏/08‏/2009

تصفية الشاهد المتهم صدام حسين



تصفية الشاهد المتهم صدام حسين

ترى مَنْ مِنْ كبار الكبار لم تتلوث يداه بدعم طاغية الطغاة صدام حسين؟هل صحيح أن الذين وضعونا فوق رقعة الشطرنج كانوا على استعداد لترك رجال العدالة العراقية الذين تحميهم أحذية اليانكي ودبابات رامسفيلد يحددون أولويات جرائم شيطان بغداد؟

في مشهد المحاكمة كلنا ساذجون، فاختيار ( الدجيل ) في إحدى عشرة جلسة حتى الآن لم يكن مصادفة، لأن جرائم صدام حسين تحتاج إلى ضعف عمر كل قاض عراقي حتى ينتهي من النظر فيها، ومع ذلك فقد وقع الاختيار على قضية يمكن الاطالة فيها، وهي بعيدة تماما عن شبهة تعاون محرضي الطاغية ضد أبناء شعبه، لذا فقد بدا الأمر أكثر شبهة من المحاكمة نفسها.إنهم خائفون من كشف سوءاتهم في محاكمة علنية، فصدام حسين الذين صنعه الغرب، وضخت أمريكا في شرايينه دماء دراكيولا، وجعله العرب قائدا للعروبة حتى أنه في أقصى درجات قسوته ضد شعبنا العراقي تمكن من تأسيس اتحاد عربي رباعي يغض فيه القادة العرب الطرف عن جرائمه.

البدء بجريمة ( الدجيل ) ثم الاستمرار فيها على طريقة المسلسلات الرمضانية كان تخطيطا من المتلاعبين بالعقول، فالقضايا والجرائم الأخرى لن يكون لها مكان في المستقبل قبل أن تتم تصفية صدام حسين أو يعلن الجيش الأمريكي عن انتحاره في زنزانته، وتقرر الحكومة العراقية عمل لجنة تحقيق لمعرفة ملابسات انتحار الرجل الذي لم يقل شيئا، تماما كما انتهت حياة أبي عمار في مستشفى فرنسي دون أن يكشف الغطاء عن أسرار أضحت في ذاكرة منسية، فلم نعرف غير خلافات سهى الطويل مع عصابة ذوي الياقات البيضاء الذين استولوا على السلطة والمال في حماية إسرائيلية.في جعبة الطاغية التكريتي أسرار ومعلومات تزلزل عروشا وتهز كيانات وتنزع ورقة التوت عن أنظمة كثيرة، لكن المحكمة العراقية الأمريكية لن تستمر حتى المشاهد المثيرة من المسرحية السخيفة.هل هم على استعداد لمعرفة تفاصيل ما وراء الاشارة الخضراء من السفيرة الأمريكية لغزو الكويت؟ما هي الوعود التي تلقاها صدام حسين في مقابل شن حرب مجنونة ضد حراس الثورة الإسلامية، وكيف ابتلعت باطن الأرض مليونا من أبناء الشعبين في ثمان سنوات غاب خلالها العقل، وحل محله الكبرياء والطائفية والغباء من الطرفين معا، العراقي والايراني بنفس القدر ونفس المساواة في الحماقة؟

ماذا حدث في سنوات الحصار الأمريكي الدولي لمعاقبة العراقيين وأطفالهم ونسائهم بدلا من القضاء على الطاغية؟لماذا أمر سيد البيت الأبيض القوات الأمريكية بترك صدام حسين يسحق ثورة مارس 1991، ويدمر المقدسات، ويمارس جنوده أبشع أنواع التنكيل بأبناء الوطن حتى أنهم كانوا يلقون بالأطفال من فوق المآذن أمام أمهاتهم ، وتدوس الدبابات فوق رؤوس عشرات الآلاف في جريمة تصغر بجانبها مذابح رواندا؟ما هو الدور الذي لعبه الحسين بن طلال في الحرب ضد إيران وفي غزو الكويت؟ما هو الاتفاق بين القيادة الفلسطينية وبين طاغية بغداد على التعاون لمسح الكويت من على الخريطة الخليجية؟من الذين وعدهم صدام حسين بقطعة من كعكة الكويت؟ آلاف من الأسئلة التي لو سمحت بها ديمقراطية العدالة العراقية الأمريكية فلن يبقى من الكبار من هو قادر على اخفاء عورته، وسنكتشف جميعا كم كنا أغبياء ونحن نشاهد فصولا دموية لعب خلالها تجار الحروب والأزمات أمامنا دون أن نحاول إعمال العقل ولو برهة واحدة!ملهاة المحاكمة كوميديا سوداء تلعب مع الزمن، وتقتطع من ذاكرة الجماهير، وتعتمد على اعتيادها على رؤية المشهد من زوايا مختلفة، فإذا بدهشة كشف الحقائق تتحول إلى تفاصيل ساذجة وغير ذات أهمية لينفض الناس.ويستعد العقل العراقي والعربي لتقبل خبر رحيل أهم سجناء العصر، ثم يحتفل شركاؤه في كل الجرائم التي تم ارتكابها ضد الأكراد والكويتيين والايرانيين وأهل الجنوب بانتهاء الخوف من كشف الغطاء ويتم تزييف تاريخ المنطقة ليبدأ المنتصر في كتابته كما كتب الحلفاء تاريخ الحرب العالمية.العراقيون منشغلون بلملمة أشلاء أولادهم وأحبابهم، وبعد دقائق تنفجر سيارة جديدة ولا أحد يعرف، ولا أحد يسأل عمن فجرها، ومن الذي استأجرها؟

 وهل كان المنتحر داخلها أم أن انفجارها جاء على الطريقة الحريرية في بيروت؟شيء ما غريب أشم رائحته كأن كل المشاهدين مشتركون في جريمة مكتملة الأركان لاخفاء معالم جرائم أشد هولا وحوبا وإثما عظيما. من يقوم بتصفية العلماء والخبراء والأكاديميين العراقيين، خاصة من ذوي التخصصات النادرة؟من يقوم بتصفية كل الكوادر والكفاءات العراقية القادرة على النهوض بهذا البلد المسكين الذي تخلص من قبضة حزب البعث الاشتراكي/فرع بغداد، وغاب عنه الرئيس الأسير وشيطانه لربع قرن، ليقع في قبضة أمريكا وحلفائها ورجالها وجلبييها وعلاوييها وجعفرييها وسيستانييها؟

 في زمن مضى كان العراقي على استعداد لأن يتصدى لجيش بصدره لو مس شرفه أحد، أو اعتدى على حرماته النسائية غريب، أما الآن فيمكن أن تشاهد عسكريا أمريكيا يفتش امرأة عراقية شريفة، ويتحسس جسدها العفيف أمام كل رجال الدين والدنيا، وقد يلقي بها في أحضان ذئاب أبو غريب، فلا تتحرك نخوة وشهامة كل الأئمة الذين يسجدون لله الواحد القهار آناء الليل وأطراف النهار.كان العراقيون يقولون بأن لبننة وطنهم طائفيا عمل مستحيل، أما الآن فيقول اللبنانيون بأن تعريق لبنانهم أكثر استحالة من أي شيء آخر. فصول مسرحية المحاكمة لن تكتمل، فاللاعبون يتربصون بالدمى التي تشبه مسرح العرائس، وجرائم الطاغية الأسير لو انكشفت كلها فسيتحسس الكثيرون رقابهم إلا قلة نادرة لم يلوثها التعاون مع شيطان بغداد.

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...