الشعبُ على دينِ رئيسِه!
في عالمنا الثالث تشير بوصلة القصر إلى الحاكم؛ فتتبعها الرعية كما يفعل جاموس يغطـّـون عينيه فيجر الساقية في نفس المكان ويظن أنه يسير في طريق طويل.
في عالمنا الثالث لا ينزل الدينُ من السماء؛ إنما يخرج من باب القصر، فإذا كان الحاكم اخوانيا أو سلفيا أو بوكوحراميا أو طالبانيا أو داعشيا؛ تحوّلت مؤسسات الدولة إلى الدروشة، والإعلاميون إلى مجاذيب، واستبدل القضاة بالدستور كتُبا مقدسة، وعرف الناس مواقيت الصلاة قبل نشرات الأخبار، وامتنع الطبيبُ عن شرح مرضِك لك؛ لكنه يؤكد أن الشافي هو الله شريطة أن تدفع له ثمن العلاج.
في عالمنا الثالث إذا كان الحاكم لصا ومُهرّبا لأموال الشعب وفاتحا حسابـًا في مصارف أجنبية، أصبح أكثر الناس فاسدين، وأضحى الفاسدون مُهرّبين، وتحوّل المهربون إلى عملاء يطعنون وطنهم من الخلف أو.. من الخارج.
في عالمنا الثالث إذا كان الحاكم ديكتاتورًا أنجب بلدُه طغاة صغارًا، فالضابط طاغية، والعسكري طاغية، والمخبر طاغية، والفاكهاني طاغية، والحلاق طاغية، وتحوّلت كل الوظائف إلى مِهَن للمستبدين فقط، ثم انتقلتْ إلى مرحلة التلصص، والتجسس، والتعاون، والبلاغ الأمني، ولم تسلم أيّ عائلة من متعاونين مع أجهزة الديكتاتور بالابلاغ أو بالصمت أو.. بالخوف.
في عالمنا الثالث إذا كان الحاكم جاهلا، ونصفَ أمّي، وكارها للكتاب يصبح الجهلُ أفيونَ الشعب، والحوارات فقّاعات فارغة، ويتساوى الإعلامي بمدمن المخدرات، وتسقط مفردات اللغة من اللسان إلى البالوعة؛ فيتلقفها الناس كأنها مغارة علي بابا، ويتجسد الصحفي في الصرف الصحي، وتختار أجهزة الدولة الثقافية أعداءَ الثقافة من مؤخرة الكتاب.
في عالمنا الثالث إذا كان الحاكم سجّانا في صورة سيد القصر، وغوريلا في ملابس حيوان أليف، وذئبا يرعىَ الماشية، وسيفا يمتشق الزهرة ليقطع رقبة من يشمّها، تبـْـني الدولة في مقابل كل سجنٍ جديدٍ قصرًا جديدًا فرفاهيةُ السجّان من عذابات الموجوع على البُرْش في زنزانة ضيقة.
في عالمنا الثالث إذا احتفل الحاكم بقطع رقبة؛ يقوم الجبناءُ بتجسيد رغبته، ويعرف المنافقون ولــَـعَه بالمقصلة، ويُحضر له الأفاقون متهمين قبل الصلاة وبعدها ويضيفوا على التهمة الكاذبة آياتٍ بينات؛ فتحيد أدعية الناس من مناهضة الظُلم إلى مُظالمة النهضة، ولا يحتاج دراكيولا لرقبة حسناء يشفط دماءَها، إنما يأتوه بأنهار من الدماء كما كان الاستعمار يفعل في دول العالم الثالث.
في عالمنا الثالث يتبرع المواطن بخوفه لتزداد شراسة الحاكم، وبأمواله لتتراكم كنوز عائلة سيد القصر، ويدوس كل صاحب سلطة عسكرية أو شُرْطية على رأس المواطن حتى لو كان أقرب الناس إليه.
في عالمنا الثالث يختفي الحب والغرام والولـَـه والصبابة والمشاعر الجيّاشة والأحاسيس النقية فلا يخفق القلب للجمال ولقصيدة غزل ولكن لرهبة يونيفورم أو.. عمامة رجل الدين!
في عالمنا الثالث تنتقل الوشاية من لسان أو من قلم الجبان إلى مكتب الأمن الوطني(!) بأسرع من الصوت، ويلتحق المواطنون بوظيفة متعاونين أو صامتين أو وشاة أو غدّارين فلا يبقى في الوطن من الأشراف غير الحيوانات المفترسة في الغابة؛ فقد تكون أرحمَ بقوانينها من الإنسان بكُتُبه المقدسة.
في عالمنا الثالث كل الطُرق تؤدي إلى عالم الصفر؛ فتقرأ، وتتعلم، وتتثقف، وتصبح من النخبة، وتتحول إلى الصفوة فإذا صفعك شاويش جلف أو اغتصبك حيوان يونيفورمي أو قزّمك مُفسّر للكتاب المقدس فقد عقد لك العقدة التي لا حل لها؛ فتعود لنقطة الصفر.
في عالمنا الثالث يؤكد الحاكم أنه سيحاسب مواطنيه وهو يقف يوم القيامة عن يمين الله، فيصدّقونه، وسيأتي الوقت الذي يؤكد لهم أن اللهَ ليس لديه وقت ليحاسبهم؛ وسيحل هو مكانه!
في عالمنا الثالث تتسابق أحذية العسكر والكتب المقدسة على ركل المواطن على مؤخرته، فالمواطن يخاف من الدين ويزعم أنه يحبه، وتصطك ركبتاه من العسكر وهو يصيح: يحيا جيشنا البطل!
في عالمنا الثالث تعمل أجهزة الأمن ضد المواطن بمساعدة المواطن مع بركات من مُفسّري الأديان؛ فتعذيب المواطن منقسم إلى قسمين: الأول على الأرض بموافقة السماء، والثاني في السماء بوشاية من أهل الأرض!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 4 يناير 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق